لم تؤت الجهود الدبلوماسية لاحتواء الأزمة الروسية الأوكرانية ثمارها، ما جعل تداعياتها السلبية على الاقتصاد العالمي تتصاعد وتتوسع يوماً بعد يوم. حيث ألقت سياسات العقوبات الاقتصادية والمالية بظلالها على آفاق الاقتصاد العالمي. وعليه، هناك مشهد منه يتجسد في «ظاهرة العقوبات».
إن النظام الاقتصادي الرأسمالي وسياق مفاهيمه التنظيمية على المحك بين الدعوة إلى الحرية الاقتصادية التجارية وعولمتها وتحريرها، أو كأدوات يتجاوز سياقها الأبعاد الاقتصادية.
والشاهد هو تعدد الأطراف المنخرطة في تلك العقوبات، وخاصة الشركات متعددة الجنسيات والعابرة للحدود، الأمر الذي يتطلب التفكير في الركائز الأساسية للنظام الاقتصادي العالمي ومفاتيح عولمته وتدويله.
إذن، ما يعكس هذه الظاهرة هو الأيديولوجيات التي تنظمها وتوجهها. أو كسياق سلوكي حذر، عندما تخضع لبيئة متوترة وغير مستقرة، فإن قراراتها تكون مدفوعة للحفاظ على أصولها وأموالها كتحوط ضد رد الفعل العكسي.
وقد تراوحت أساليب الإدانة الاقتصادية من التخارج من المشاريع والأسواق، إلى وقف العمليات وتجميد الأموال والأصول، وحث الشركات الأخرى أو الضغط عليها لاتخاذ مواقف مماثلة، عاكسة ظاهرة تلقي الضوء على سياسات وأهداف الأيديولوجيا الرأسمالية بشكل شامل.
وهكذا، في السياق التحليلي، تنبع مفاهيم الرأسمالية (النيوليبرالية) من عولمة وتدويل الاقتصاد العالمي وفقاً للركائز الأساسية التي تدعو إلى التجارة الحرة وسهولة انتقال السلع والخدمات ورؤوس الأموال والاستثمارات والأشخاص بين الدول.
ليس ذلك فحسب، بل إنه يعكس أيضاً الحرية الاقتصادية التي تخلق حياة اقتصادية سليمة وصحية، والتي تتبنى مقومات الحرية وتحد من التدخل الحكومي، كهدف أساسي للمنافسة والإبداع والابتكار والتدويل، من أجل تعزيز التجارة وتعظيمها، عبر نقل المعرفة والعلوم والتكنولوجيا وحرية المنافسة لصالح البشرية والاستدامة الاقتصادية.
حيث إن غيابه يقتل المنافسة، ويحتكر الفكر، ويمنع تحقيق الفوائد، ويشل الأنشطة الناتجة عن بركان النشاط البشري، طالما كانت بيئتها تحد من حرية حركة الثروة والأعمال وتعيقها، وتضعف عناصر الرخاء والرفاهية، وتوسع وتبعد جسور تبادل المنافع والفوائد والروابط العالمية.
لذلك، فإن الأدلة المستقاة من ظاهرة الواقع الحالي تستدعي النظر بعناية في وضع استثماراتك العامة والخاصة في البيئة الخارجية وحدود تلك الشركات محلياً، ومدى القدرة الفعلية على الحفاظ عليهما عندما يتعكر صفاء الماء. لأنه في السياسة، ربما يكون أصدقاء الأمس أعداء اليوم والعكس بالعكس.
هذا هو الواقع وأن القاعدة الأيديولوجية التنظيمية ليست سوى عباءة فضفاضة تتبعثر عندما تسود سياسة القوة. وأن تصبح تلك الشركات جزءاً من معادلة الصدام والضغط. بالطبع، متجاوزة أهدافها في السيطرة على الموارد الأولية، وتوسيع أسواقها الوطنية وربطها إقليمياً وعالمياً كتوسع جغرافي.