تُترجم اتجاهات ومؤشرات الاقتصاد العالمي على نطاق واسع من خلال سلوك التكوينات البشرية، سواء كانوا أفراداً أو مجموعات أو دولاً. هنا، في ظل القراءة الغامضة للمستقبل والتشوهات المستمرة في مفاصل النظام الاقتصادي العالمي، يتأرجح السلوك البشري بين شغف المنفعة، ومعايرة التأرجح، والتأثر العاطفي وتذوق المخاطرة وغيرها من الميل للتغييرات ودوافع التفضيلات.
ينعكس ذلك السلوك في تغير المؤشرات التي تشكل حجر الزاوية في أي قراءة تحليلية للحاضر وتنبؤية للمستقبل في الاقتصاد سواء أكان جزئياً، كلياً، اجتماعياً، سياسياً أو حتى اقتصادياً بحتاً. ومع ذلك، لم يعُد هناك أي نشاط سياسي استراتيجي خارج التفضيلات الاقتصادية والاجتماعية في لغة العصر والمصالح. لذلك، فهو نتاج النمط الطبيعي للمكوِّن البشري الذي يتوق إلى الاستحواذ والسيطرة وجسر القلق.
كدلالة تعبر عن طبيعة الإنسان، فإن تكويناته المتشابكة، حسب سياق قوتها وقدراتها، في بلورة تلك الدوافع والعواطف، تندفع مُشكلةً البيانات التنبؤية والتحليلية للوضع الحالي والمستقبلي. وبالتالي، تميل تفضيلات الأفراد والجماعات إلى تعظيم الفوائد والرفاهية، وتوجه الحكومات سياساتها نحو التحفيز، وتعظيم الضمانات، واستدامة واستمرارية آفاقها.
وكسياق تحليلي لما سبق، وفي سببية تطورات التغيرات الاقتصادية كترجمة سلوكية. يعاني الاقتصاد العالمي بمجموعة من التداعيات، مثل ارتفاع الأسعار الأولية والاستهلاكية وزيادة معدلات التضخم، وفي تواترها قلق من رفع أسعار الفائدة للاحتياطي الفيدرالي الأميركي وغيره مما قد يمتد تأثيره على الأسواق الناشئة والنامية وأسواق الائتمان وغيرها من الروابط المتأصلة مع الاقتصاد العالمي. وهذا نتيجة لتغيير نمط الاستهلاك البشري بين زيادة وتحفيز الإنفاق في اقتصاد ما أو العكس بالعكس في اقتصاد آخر نتيجة لسياسات الموجهة.
من ناحية أخرى، كدليل على دوافع السلوك البشري، وجدت الملاذات الآمنة مثل الذهب كأكثر المعادن تحوطاً. بمثابة احتياطي للقيمة والثروة، وحماية في أوقات الأزمات، وضرورة لتحقيق الاستقرار وزيادة كميته كفلسفة استراتيجية استباقية قبل الانخراط في أي حرب محتملة. كدليل على ذلك، وفي سياق التوتر الحالي بين القوى الدولية (روسيا - العالم الغربي ضمنياً)، قبل بضع سنوات، أشارت بيانات جمهورية روسيا إلى زيادة احتياطياتها من الذهب بشكل كبير، وبمعدل قياسي في العام الماضي على وجه الخصوص، وصلت إلى ما يقرب الربع من إجمالي احتياطياتها.
باختصار، الاقتصاد هو علم سلوكي، ينعكس في المؤشرات والمتغيرات التي ترسم خريطة طريق تنبؤية أو تحليلية لما هو آت كالإنذار الصَّامت. لذلك، يمكن الاستدلال على قراءة الدوافع المختلفة للتكوينات البشرية التي تحركها سياسات التحكم أو التحفيز. من الناحية التكتيكية، يمكن رؤية نتائجه على المديين القصير والبعيد.