مصطفى عبد العظيم (دبي)
وجهات ومعالم سياحية وصروح عمرانية وكنوز ثقافية وتاريخية ومناظر طبيعية خلابة، تزخر بها إمارة الشارقة، تجذب الزوار والسياح في كل نهار وعلى مدار العام، تكتمل بزيارتها صفحات المكان، لكن تبقى صفحات الزمان ممتدة انتظاراً لسحر ضوء قادم في ليل شتاء فبراير من كل عام، يرسم على واجهاتها عناقيد نور ويعزف معها سمفونيات فرح، فتزداد ألقاً لتتكرر الزيارة وتتواصل البهجة.
هكذا تبدو أبرز صروح ومعالم الشارقة ليلاً خلال الفترة من 9 وحتى 20 فبراير الجاري، لوحة بانورامية ثلاثية الأبعاد، مع انطلاق مهرجان أضواء الشارقة في دورته الحادية عشرة، الذي يستهل عقداً ثانياً من الإبهار والتألق في صياغة مفهوم مبتكر للترويج السياحي لمعالم يسطع بريقها ليلاً، كما تتفتح أزهارها نهاراً.
ومنذ أن انطلقت مسيرة المهرجان الذي تنظمه هيئة الإنماء التجاري والسياحي بالشارقة في شهر فبراير من كل عام، بمشاركة أبرز الفنانين العالميين والمواهب المحلية الفذة في مجال العروض الضوئية، تمكن المهرجان من ترسيخ مكانته كأحد أبرز مهرجانات الأضواء في العالم وأن يستقطب سنوياً مئات الآلاف من الزوار الذين يستمتعون بالإبداع والموسيقى والمهارات الفنية لأولئك المتخصصين في تقديم لوحات فنية مذهلة، حيث تتناغم الأضواء مع الموسيقى العالمية والألوان مجسدة أجمل اللوحات الفنية على واجهات أبرز الصروح المعمارية في الإمارة، فتنقل الجمهور إلى آفاق جديدة من الإبداع حيث إرث الشارقة الغني بالعمارة والفنون والثقافة والتراث.
يؤكد خالد جاسم المدفع رئيس هيئة الإنماء التجاري والسياحي في الشارقة، في تصريحات لـ«الاتحاد» أن مهرجان أضواء الشارقة، نجح عبر مسيرته في اكتساب مكانة عالمية متميزة بين مهرجانات الأضواء الدولية، مشيراً إلى أنه في حين يعكس المهرجان جماليات المعالم العمرانية والسياحية في الشارقة، فإنه يسهم كذلك في ترسيخ جاذبتها السياحية من خلال الاستفادة من المحتوى البصري الإبداعي في الترويج للإمارة خلال مشاركة الهيئة في المعارض والمؤتمرات والجولات الترويجية على مدار العام، وتعريف السياح ومنظمي الرحلات بأبرز المعالم السياحية في الإمارة بطريقة فنية مبتكرة. وأشار المدفع إلى أن «مهرجان أضواء الشارقة» وهو يشق طريقه نحو عقد ثانٍ من التميز والإبداع، يعتبر واحداً من محطات نجاح وتميز القطاع السياحي في الإمارة، وامتداداً لجهود سنوات من العمل المشترك بين الهيئة وشركائها الاستراتيجيين من جهات ومؤسسات القطاعين الحكومي والخاص ومساهماتهم في إنجاح الحدث، بهدف السعي المتواصل لرسم ملامح مستقبل مشرق لإمارة الشارقة وترسيخ مكانتها كوجهة سياحية استثنائية تزخر بالثقافة والفن والتراث الأصيل، وتواكب في كل خطواتها متطلبات الوجهات العالمية المفضلة للسياح.
أصداء من المستقبل
وتقام فعاليات مهرجان أضواء الشارقة لهذا العام تحت شعار «أصداء من المستقبل»، حيث تجسد عروض المهرجان وتسلط الضوء على الهندسة والزخارف والخط وأنماط نقوش الأرابيسك الإسلامية الرائعة المتنوعة، من خلال القصص المصورة التي تحتفل بالإرث الإسلامي العريق الذي تتميز به الصروح والمباني المعمارية في إمارة الشارقة، وتقدم رؤية لماضي وحاضر ومستقبل الإمارة التي تستعد للانطلاق نحو مرحلة جديدة في مسيرة نمو القطاع السياحي بعد جائحة كوفيد-19.
10 عروض تبهر الأبصار
يُقدم «مهرجان أضواء الشارقة 2022» 10 عروض ضوئية مبهرة في مختلف أنحاء إمارة الشارقة، وتضم مواقع المهرجان هذا العام كلاً من: واجهة المجاز المائية، قاعة المدينة الجامعية، مجمع القرآن الكريم، إلى جانب مسجدي الشارقة والنور، بلدية منطقة الحمرية، بالإضافة إلى المباني الحكومية في مدينة كلباء ومسجد الشيخ راشد بن أحمد القاسمي في دبا الحصن، فضلاً عن سد الرفيصة في خورفكان، بالإضافة إلى منطقة عربات الطعام مقابل قاعة المدينة الجامعية، والتي يشارك فيها ما يفوق 30 مشاركاً من أصحاب المشاريع الوطنية الصغيرة والمتوسطة في مجال المأكولات والمشروبات والحلويات وغيرها.
لكل عرض حكاية
وبينما تتعدد العروض واللوحات الفنية في مواقع المهرجان المختلفة، إلا أنها لا تتشابه مع بعضها البعض، فلكل عرض رسالة وقصة يرويها أمام الزوار الذين يتابعون العروض بشغف ويتعرفون على تفاصيلها وكأنهم يعيشون التجربة بأبصارهم التي لا تزيغ من روعة مشهد بانورامي استثنائي.
روعة الانسجام والتباين
يسلط العرض على مسجد النور الذي يعد أيقونة معمارية فريدة تتربع على ضفاف بحيرة خالد في الشارقة، الضوء على مكانة الفن كأداة للتواصل، حيث يبدأ الجزء الأول من العرض بالمزج بين علم الهندسة والهندسة المعمارية والفيزياء والرياضيات والفلسفة، فيما يسلط الجزء الثاني من العرض الضوء على العامل البشري وما يحيط به من نباتات متشابكة وزخارف تجريدية متنوعة، بحيث يزدان هذا الصرح المعماري بالأنماط والألوان التي تعود إلى مرحلة بدايات عصر النهضة الإسلامية.
رحلة عبر التراث
تفسح الواجهة البراغماتية لمبنى بلدية منطقة الحمرية المجال لقصة يتم سردها في ثلاثة أجزاء، حيث يؤدي التراث التقليدي لإمارة الشارقة، إلى مشاهد من الازدهار والنجاح الحالي للإمارة، متبوعاً بعروض أولية عن الخمسين عاماً المقبلة.
وتنطلق هذه الرحلة السردية بتزيين الأعمدة الهيكلية للمبنى بمزيج من التدفقات الضوئية متعددة الألوان من الزهور والأشكال الهندسية والأشكال المستقبلية للتركيز على الإنجازات الرائعة، التي حققتها الإمارة على مختلف الصعد، والتي بدورها ستلعب دوراً حيوياً في مستقبل الشارقة.
زهور المستقبل
تتحول جبال الحجر المهيبة خلف سد الرفيصة إلى شاشة عرض بانورامية تروي قصة المستقبل المشرق، حيث يبدأ العرض بمسافر يشق طريقه عبر الجبال الشامخة المليئة بالصخور، إلا أن عزيمته على المضي قدماً تبدد عتمة الليل ليشع نور الأمل وتبدأ الصخور بالانهيار، ليبحر المسافر بعيداً في رحلة تحمل صوراً من الماضي البعيد وأخرى من الحاضر المشرق، حيث تأخذنا الرحلة من جديد إلى المسافر وهو يواجه تحديات جديدة قبل أن يخطو إلى المستقبل، إلا أنه يستمر ليعثر على زهور المستقبل التي تضيء طريقه.
الطاقة البشرية
يسلط هذا العرض الذي يزين مباني الدوائر الحكومية في كلباء، الضوء على قوة الطاقة البشرية، فالابتكار والتطور والأصالة يتم التعبير عنها بألوان وأشكال نابضة بالحياة، فيما تبرز الأنماط الهندسية والأرابيسك التي تتخللها أنماط المشربية (النوافذ التقليدية المزركشة التي كانت شائعة في المنطقة) التزام الشارقة بأصالة الثقافة والقيم الثمينة.
لغة الخلود
يعتمد هذا العرض الذي يزين مبنى مجمع القرآن الكريم على أسلوب سردي يسمى الخطف خلفاً، وهو العودة بالزمن إلى الوراء، إلا أن البداية هنا هي من المستقبل ومن اللانهاية وصولاً إلى الأرض، حيث تدمج لغة الخلود مختلف العلوم الحضارية كالهندسة والخط العربي وأنماط الأرابيسك في بوتقة واحدة تبرز المكانة السامية للحضارة الإسلامية.
الإسلام والعمارة والتراث
احتفاءً بالتراث والأصالة، والتقدم الذي حققته الشارقة، وبالتناغم مع مكونات ماضي الإمارة وحاضرها ومستقبلها، يستخدم هذا العرض المثير للذكريات، على مسجد الشيخ راشد بن أحمد القاسمي في دبا الحصن، عناصر تقليدية ومعاصرة لإبراز أصالة المبنى.
انسجام الزخارف الإسلامية
يركز العرض على جمال وروعة الهندسة المعمارية لمسجد الشارقة، فهي محور القصة التي تُظهر الإبداع في عرض اللمسات الجمالية، فضلاً عن تناغمها مع الزخارف الإسلامية، ورغم تفردها بحد ذاتها تضفي التصميمات الرقمية السريعة على العرض تبايناً يوازن بين التطور والسرعة.
دوامة الضوء
يصور العرض على قاعة المدينة الجامعية المراحل المتتالية للحياة في «ماضي» الشارقة القديمة، ويبرز أهمية البحر والمكتبة في دورة الحياة، بعد ذلك يتم عرض «الحاضر» من خلال تسليط الضوء على أهم إنجازات الإمارة في مجالات التعليم والفنون وعلم الفلك والعمارة والتواصل والبيئة، ومن ثم يتم تسليط الضوء على منبع المعرفة مجسداً بالنور، إضافة إلى العائلة والتراث والثقافة كوسيلة لتحقيق إنجازات الخمسين عاماً المقبلة.
رواق المهرجان
يتميز العرض الذي يتوسط واجهة المجاز المائية بتقنياته الفنية المتطورة، بإبداعه في نقل الجمهور إلى معرض فني متنوع من اللوحات الضوئية للمهرجان، بالإضافة إلى عرض أبرز المعالم السياحية والثقافية المذهلة للشارقة. حيث تتيح التصاميم الضوئية الحديثة للجمهور رؤية انعكاس المياه المتلألئة لبحيرة خالد على هذه الأشكال الهندسية المتميزة.