يوسف العربي (أبوظبي)
تمثل شبكات الجيل الخامس «5G» ركيزة أساسية في المستقبل القريب للقطاع الصناعي في الإمارات، لاسيما في عالم ما بعد «كوفيد-19»، والتي أظهرت القيمة المضافة لأتمتة العمليات بالمنشآت الصناعية، وفق خبراء متخصصين.
وتقود المبادرات الوطنية التي أطلقتها وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة وفي مقدمتها برنامج الثورة الصناعية الرابعة «الصناعة 4.0»، المصانع في الدولة للاستفادة من ريادة الإمارات في مجال شبكات الجيل الخامس التي توفر سرعات نقل بيانات هائلة وزمن استجابة قياسيا.
ومن المزايا الفريدة التي توفرها شبكات الجيل الخامس لشبكة الجيل الخامس داخل المصانع دعم المعلوماتية، والرقمنة، والذكاء، فضلاً عن الأداء الفائق والموثوقية العالية، وكشف الأعطال القائم على الذكاء الاصطناعي، والتحكم الآني في الإنتاج. ويعد هذا النوع من الشبكات ضرورة مستقبلية للمصانع التي باتت تشكل بيئة عمل معقدة تضم الروبوتات، وأجهزة الاستشعار المتصلة، وبرمجيات تحليل البيانات الضخمة، حيث يمكنها القضاء على الحاجة إلى الاتصال السلكي، ما يتيح بيئة تصنيع عالية السرعة تتمتع بدرجة عالية من المرونة والثراء.
وتسهم شبكات الجيل الخامس في زيادة القدرة التنافسية ورفع الكفاءة والربحية للمصنعين من خلال الوصول إلى خفض مصاريف التشغيل وزيادة القدرة على الابتكار والتشغيل الآلي المستمر للروبوتات. وتوفر شبكات الجيل الخامس الفرصة للمصنعين لبناء مصانع ذكية والاستفادة من الأتمتة والذكاء الاصطناعي والواقع المعزز، إلى جانب إدارة الطاقة والمرافق، ويمثل التصنيع أحد أهم القطاعات المساهمة في الإيرادات الجديدة لمشغلي شبكات الجيل الخامس.
مبادرات سباقة
وأطلقت حكومة دولة الإمارات ضمن «مشاريع الخمسين»، مشروع تبني التكنولوجيا المتقدمة في المؤسسات الصناعية، والذي يمكن هذه المؤسسات من إجراء «التحول المرن» باستخدام التكنولوجيا المتقدمة ومفاهيم الثورة الصناعية الرابعة، حيث تشرف على تنفيذه وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، فيما تم تخصيص خمسة مليارات درهم لتنفيذ المشروع عن طريق مصرف الإمارات للتنمية.
ويهدف المشروع إلى تعزيز تبني التكنولوجيا المتقدمة في القطاع الصناعي الوطني وبما يسهم في ترسيخ بيئة أعمال جذابة لتلبية احتياجات المستثمرين المحليين والدوليين ودعم النمو المستمر للصناعات الوطنية وتحسين قدرتها على المنافسة، وتعزيز مكانة الإمارات كوجهة عالمية لصناعات مستقبلية رائدة ذات بنية تحتية عالمية المستوى وقوة عاملة ماهرة ومتطورة تقنياً. وخلال الربع الأخير من العام الماضي، أعلنت الوزارة تبنيها «مؤشر جاهزية الصناعة الذكية» الذي تم اعتماده من المنتدى الاقتصادي العالمي كمعيار عالمي «للصناعة 4.0» وذلك بهدف التعرف على مدى تبني التكنولوجيا المتقدمة في القطاع الصناعي، ومن ثم وضع خريطة طريق دقيقة ومخصصة لاعتماد التقنيات التي تتناسب مع قدرات كل شركة، بهدف زيادة الإنتاجية ورفع مستوى الكفاءة التشغيلية.
ويساهم مؤشر جاهزية الصناعة الذكية في تعريف الشركات بنضجهم التكنولوجي وزيادة وعي ومعرفة الشركات بتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة والفوائد الملموسة التي يمكن أن تحققها على صعيد دعم التطوير الكمّي والنوعي للمنتجات وتحسين إدارة سلاسل التوريد والقيمة واكتساب مزايا تنافسية جديدة.
محفز إيجابي
قال علي الهاشمي، مدير إدارة سياسات وبرامج العلوم والتكنولوجيا في وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، إن شبكات الجيل الخامس والحوسبة السحابية ستكونان عاملاً مساعداً ومحفزاً لتطوير القطاعي الصناعي الإماراتي ودعم الاستراتيجية الوطنية للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة. وقال الهاشمي خلال قمة الصناعة والتصنيع التي عقدت في دبي نهاية العام الماضي: «تعمل دولة الإمارات من خلال الاستراتيجية الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة على تطوير بنيتها التحتية وتعزيز دورها في قطاع الفضاء من خلال توظيف تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، بما في ذلك شبكات الجيل الخامس والحوسبة السحابية والرقمنة». وأكد الهاشمي على أهمية إمكانات شبكات الجيل الخامس ودورها في تقليل زمن إنجاز المهام وتوفير سرعة أكبر في العمل، ما يفتح مجالات جديدة للتكنولوجيا والتنمية الصناعية.
دعم الابتكار
من جانبه، أكد علاء الشيمي، المدير التنفيذي والنائب الأول لرئيس مجموعة أعمال «هواوي إنتربرايز» بمنطقة الشرق الأوسط، أن التوسع بشبكات الاتصالات الحديثة في الإمارات وفي مقدمتها الجيل الخامس يفتح آفاقاً لا حدود لها للابتكار.
وأشار الشيمي، إلى أن التجربة العالمية أثبتت أن الدول الرائدة في مجال تطوير الشبكات هي الأكثر قدرة على مواكبة تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، وتبني التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين وتحليل البيانات في القطاع الصناعي وغيره من القطاعات الاقتصادية.
ولفت إلى التطور الهائل للبنية التحتية الشبكية في الإمارات، حيث تم طرح شبكة الجيل الخامس التي تتمتع بسرعات عالية وزمن استجابة قياسي يوفر الدعم اللازم للروبوتات المتطورة وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة.وأوضح أنه في الوقت الذي يصعب فيه دعم الروبوتات والأجهزة المؤتمتة المتحركة من خلال شبكة الألياف الضوئية تبرز أهمية الجيل الخامس لتوفير هذه السرعات لضمان معالجة برمجية لحظية لتنفيذ الأوامر.
اتصال موثوق
وقال فويتشيك باجدا، نائب الرئيس ورئيس منطقة دول مجلس التعاون الخليجي لدى «إريكسون»: إن جميع التقنيات الحديثة مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز والواقع الممتد و«إنترنت الأشياء» والذكاء الاصطناعي تتطلب اتصالاً قوياً وموثوقاً وسريعاً، وهذا ما يمكن أن توفره شبكة الجيل الخامس.
ولفت إلى أن القطاع الصناعي ضمن أكثر القطاعات المستفيدة من شبكة الجيل الخامس التي تُعد ركيزة الثورة الصناعية الرابعة، حيث يمكن تطوير خطوط إنتاج مستقلة تستجيب بشكل أني لطلبات السوق من حيث الكمية أو التصميم. وأكد باجدا، أن شبكة الجيل الخامس تُعد منصة لتمكين المؤسسات والصناعات، حيث تقدم شبكة الجيل الخامس خطوط إنتاج مستقلة تماماً، والتي ستكون قادرة على الاستجابة الفورية للعرض والطلب، لتتمكن بعد ذلك من تغيير تصميم المنتج بناءً على ما يفضله العملاء وبشكل فوري، ومن المتوقع أن تؤثر شبكة الجيل الخامس على كل صناعة، فمثلاً في المناجم والموانئ البحرية، يمكن التحكم عن بعد اليوم في جميع الآلات.ولفت إلى أن رؤية القيادة تؤكد على جعل الإمارات مركزاً رائداً للصناعة، والبدء بهذه الرؤية الآن سيجعل الدولة قادرة على بناء الإنتاج الرقمي على الفور، مما يجعل دولة الإمارات مركزاً صناعياً مستقبلياً مع رقمنة كاملة للعمليات.
الجيل الخامس
من جانبها، أكدت أوسا تامسونز نائب الرئيس ورئيس قطاع التكنولوجيا والأعمال الجديدة بشركة إريكسون العالمية، أن الإمارات اتخذت خطوات واعدة في مجال تبني التقنيات المتقدمة في القطاع الصناعي. ولفتت إلى أن تقنية الجيل الخامس تدعم الإنتاجية والفعالية والاعتمادية، كما تزيد المرونة وتعزز الأمن والسلامة بالقطاع الصناعي من خلال تقليل وقت الاستجابة والحلول المتنقلة.
وأوضحت أن استخدام شبكات الجيل الخامس في خطوط الإنتاج من خلال رصد أي عطل وضبط الماكينات بشكل آني، هو الأمر الذي يسهم في تقليص تكلفة الصيانة على سبيل المثال.
وأكدت أن شبكات الجيل الخامس تشكل فرصة قوية للشركات لتعزيز تنافسيتها، لاسيما في ظل التحديات التي تفرضها عمليات التغير المناخي وضروريات امتثال القطاع للمتطلبات البيئية.
التعافي السريع
قالت روث بورات، نائبة الرئيس الأولى والمديرة المالية لشركة «ألفا بيت»: إن دروس إدارة المخاطر خلال جائحة كورونا، والأزمة الاقتصادية العالمية قبلها، كانت مهمة جداً لتؤكد أن البيانات والمعلومات الدقيقة هي الأساس لتجاوز أي أزمة والتعافي منها، مما يساعد الشركات اليوم على تخطي الاضطرابات في سلاسل التوريد التي تأثرت بها قطاعات اقتصادية وصناعية بعد الجائحة، خاصة إذا ما استفادت من تكامل خدمات تحديد المواقع مع تقنيات تحليل البيانات.
وأكدت بورات أن تقنيات تحليل البيانات وتخزين ومعالجة البيانات الضخمة تتيح للشركات وقطاعات الأعمال تعزيز حضورها في الفضاء الرقمي، بالإضافة إلى تخفيض النفقات الناتجة عن استهلاك الطاقة والموارد، والاستعاضة عن ذلك بالحلول الرقمية والسحابية المبتكرة.
وأكدت بورات أن الاستثمار في البنى التحتية الرقمية والتكنولوجية يجب أن يكون طويل الأمد، لافتة إلى أن تقنيات البحث ما زالت استثماراً مهماً، بالإضافة إلى اللغات الرقمية.
الواقع المعزز
وقالت ماريا بيس، رئيسة تكنولوجيا الواقع الافتراضي المعزز في «مايكروسوفت هولولنز»: إن قطاعات الأعمال تتجه لاستثمار المزيد في التكنولوجيا لتحافظ على ميزاتها التنافسية الرقمية في عالم تسرّع فيه التطورات العالمية الحاجة إلى تقنيات وأدوات وابتكارات الواقع الافتراضي والمعزز».
ولفتت إلى الحاجة إلى تسريع تبني تكنولوجيا الواقع الافتراضي المعزز في مختلف المنصات، لافتة إلى أن تطوير ابتكارات الواقع الافتراضي المعزز يسهم في تلبية ومواكبة الاحتياجات المتنامية للشركات لتعزيز عملياتها في مختلف أنحاء العالم. وشددت بيس أن التعاون الدولي والاستثمارات الجريئة كانت أساسية في تمكين قطاعات الأعمال كافة للتحول بشكل جذري في طرق عملها، وهو ما أثر بشكل عميق ومباشر على تطوير طرق العيش والعمل على مختلف المستويات.وقالت بيس:«لدينا أمثلة واضحة على الدور الريادي الذي لعبته التكنولوجيا في مختلف المجالات، وعززت قدراتها في مجال الوصول الآمن والفعال، ومستقبلاً سيكون الاستثمار مكوناً حيوياً لتحقيق قفزات فعلية في التكنولوجيا وتطبيقاتها العملية. ويمكن استخدام الواقع المعزز لتسهيل القيام بأعمال الصيانة المعقدة.
التصنيع الذكي اليوم وفي المستقبل
أكدت دراسة حديثة لشركة «هواوي» أن الثورة الصناعية الرابعة، بما تتضمنه من تبنٍ للتقنيات الرقمية والشبكات الذكية فائقة السرعة، ستحدث ثورة في معدات وعمليات الإنتاج، بالإضافة إلى تطوير هائل بسلاسل توريد المنتجات.
وأوضحت أن شركات التصنيع القوية أرست خططاً مبكرة لتحديث الصناعات التحويلية، والتي تهدف جميعها إلى استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتقدمة لتمكين التصنيع وتعزيز القدرات الأساسية للصناعة.
ولفتت إلى أن شبكات الجيل الخامس تسهم في تعزيز كفاءة أنظمة البحث والتطوير والتصميم وأنظمة التحكم في الإنتاج وأنظمة إدارة الخدمة، وصولاً إلى إحداث ثورة في عمليات الإنتاج وتحويل التصنيع إلى صناعة أكثر ذكاءً ومرونة وتوجهاً نحو الخدمة المتميزة.
مراحل رئيسة
وتوقعت الدراسة أن يتم إدخال شبكات الجيل الخامس في عمليات التصنيع على ثلاث مراحل رئيسية أولها «المعلوماتية»، «Informatization» من خلال البدء في تحسين البنية التحتية للشبكة، وهي المرحلة التي بدأت بالفعل منذ العام 2018، ما يمكّن التحول الرقمي في التصنيع ويفيد المؤسسات من خلال تقديم تكاليف أقل وجودة أعلى وكفاءة أعلى.
وتتضمن المرحلة الثانية «الرقمنة»، «Digitalization» من خلال تكامل شبكة الجيل الخامس مع تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا التشغيلية بين عامي 2021 و2023 وخلال هذه المرحلة، يتم إدخال شبكة الجيل الخامس في صميم التصنيع بفضل تطوير الوحدات الصناعية وتكيف الشبكة مع للحالات التي تتطلب تحكماً في الوقت الفعلي وموثوقية عالية.
وتتمثل المرحلة الثالثة في «الذكاء»، «Intelligence» حيث يتم في هذه المرحلة دمج شبكات الجيل الخامس والذكاء بشكل كامل بعد عام 2023، حيث يتم توصيل المعدات الأساسية والتحكم الدقيق والتصنيع بزمن انتقال منخفض للغاية.