حسام عبدالنبي (دبي)
تعد دولة الإمارات نموذجاً عالمياً في مجال ضم جميع فئات المجتمع إلى الاقتصاد الرقمي، في ظل الجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة لتعزيز الشمول المالي وتمكين الأشخاص المحرومين من التعامل مع البنوك من الحصول على خدمات مصرفية رقمية.
ولا تقتصر جهود تعزيز الشمول المالي الرقمي على الجهات الحكومية، وإنما تتم بمشاركة مختلف المؤسسات المالية والجهات الحكومية، من أجل تمكين الفئات الأقل دخلاً من الحصول على خدمات رقمية أساسية مرتبطة بعمليات الدفع والتحويلات المالية وصرف الرواتب والحصول على تمويلات، وغير ذلك الكثير.
ونظراً لتقدم دولة الإمارات في مجال الابتكار وتوفير حلول التكنولوجيا المالية «فينتك»، فقد اختارتها مؤسسات دولية نموذجاً ناجحاً لتوفير خدمات مالية رقمية للأشخاص خارج النظام المالي، حيث تكتسب الدولة مكانة خاصة في هذا الشأن، حتى أنها جاءت في صدارة دول منطقة الشرق الأوسط من حيث نسبة المشمولين مالياً من سكان الدولة، حسب تقرير «قاعدة بيانات المؤشر العالمي للشمول المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2020» والذي أشار إلى أن دولة الإمارات تتمتع بنسبة 46% من الشمول المالي، وهو أعلى معدل للشمول المالي في المنطقة، تليها البحرين بنسبة 39% والسعودية بنسبة 31%، فيما لا تتعدى نسبة الشمول المالي في المغرب 9%، وهو أدنى معدل، تليها مصر بنسبة 11% والجزائر بنسبة 13%.
وذكر التقرير أن نسبة الشمول المالي بلغت 20% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2019، وأنه بإمكان 36% من سكان المنطقة الوصول إلى الخدمات المالية، بينما يتمكن 24% من استخدام ميزة الدفع الآلي، لافتاً إلى أن 9% فقط يمتلكون بطاقات الائتمان، وبإمكان 12% الوصول إلى مدخراتهم.
تخفيض التكلفة
وقدمت دولة الإمارات مشروعاً مقترحاً من وزارة المالية خلال اجتماع الشراكة العالمية للشمول المالي (GPFI) ضمن المسار المالي لمجموعة العشرين (G20) يهدف إلى تسريع الجهود الرامية إلى خفض تكاليف معاملات التحويلات المالية إلى أقل من 3% من قيمتها بحلول عام 2030، وبما يتماشى مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، وذلك من خلال استغلال الإمكانيات الكبيرة التي يمكن أن تقدمها تقنيات السجلات الموزعة (DLT)، وتكنولوجيا البلوكتشين، والعملات الرقمية، كحل بديل عن أنظمة الدفع التقليدية.
وشاركت وزارة المالية في اجتماع الشراكة العالمية للشمول المالي (GPFI) لمناقشة التطورات المستقبلية والحلول الاستباقية للتعافي من التداعيات الجديدة والقديمة في مرحلة ما بعد انتشار جائحة كورونا (كوفيد-19)، وتوصيات السياسة العامة لرفع مستوى الشمول المالي الرقمي، بالإضافة إلى استعراض الإنجازات التي تم تحقيقها لتوفير أنظمة حوالات أسرع وأرخص وأكثر أماناً، وأحدث الممارسات المبتكرة في مجال حماية المستهلك المالي.
وكان وفد دولة الإمارات قد شارك في الاجتماع الثاني لمجموعة الشراكة العالمية للشمول المالي، وأكد أهمية المحافظة على أنظمة تشريعية مرنة لحماية المستهلك، وذلك لتسهيل توفير قنوات مالية جديدة قادرة على الوصول إلى الأشخاص خارج النظام المالي في الدول النامية، فضلاً عن تسريع الابتكار في مجال التكنولوجيا المالية، مشدداً على ضرورة بناء شراكات فعالة مع القطاع الخاص، لما لها من أثر إيجابي في تعزيز المرونة المالية، ورفع مستوى الشمول المالي الرقمي على حد سواء. كما تم استعراض سبل توفير الحلول المالية الرقمية لتعزيز المرونة والثقافة المالية، وبرامج تعزيز الشمول المالي الرقمي للشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.
دور المؤسسات المالية
لم تقتصر جهود تعزيز الشمول المالي في دولة الإمارات على الجهات الحكومية فقط، حيث تشارك جميع المؤسسات المالية، خاصة البنوك، في تلك الجهود ومنها مبادرات عدة أطلقها بنك الإمارات دبي الوطني لضم كافة فئات المجتمع إلى الاقتصاد الرقمي.
وأطلق البنك منصة «معاً بلا حدود» ضمن جهوده لتحقيق الشمول المالي لأصحاب الهمم في دولة الإمارات وتعزيز اندماجهم في مختلف أنشطة الحياة الاجتماعية وأماكن العمل بالدولة.
وقال مروان هادي، نائب الرئيس التنفيذي ورئيس قسم الخدمات المصرفية للأفراد- بنك الإمارات دبي الوطني، إنه في إطار التزام البنك طويل الأمد بالشمول المالي لأصحاب الهمم، بادر «الإمارات دبي الوطني»، بتدريب موظفيه العاملين في الفروع على لغة الإشارة الإماراتية التي طورتها مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم، وهي أول لغة إشارة تستخدم اللهجة الإماراتية ولغة مرجعية موحدة لمن يعانون من صعوبات سمعية في دولة الإمارات.
وأضاف أنه في إطار مبادراته المتواصلة لإثراء التجربة المصرفية للعملاء من أصحاب الهمم، قام البنك بتحويل ثلثي فروعه إلى فروع صديقة لأصحاب الهمم عبر تجهيزها بالمرافق المناسبة، كما طرح العديد من التقنيات المساعدة مثل تقنية «كين ترانس» التي تعزز سهولة التواصل الثنائي بين مستخدمي لغة الإشارة، ممن يعانون من صعوبات سمعية والأشخاص الذين يستخدمون اللغات المنطوقة وأجهزة المساعدة السمعية، مؤكداً أن البنك دائماً كان سبّاقاً إلى تمكين أصحاب الهمم من التمتع بالاستقلالية في أنماط حياتهم المالية اليومية، وسيعمل بالتأكيد على مواصلة تعزيز المنتجات والخدمات للعملاء من أصحاب الهمم، وذلك من خلال المبادرات التي تسهم في تحسين تجربتهم المصرفية ودعمها.
وضمن التوجه ذاته، أطلقت «إيدنرد»، وهي أكبر مزود لحلول إدارة الرواتب في دولة الإمارات، مبادرة «بكم نهتم»، في خطوة استباقية تهدف إلى كسر الحواجز التي تحول دون التمكين المالي في الدولة.
ودعا أنوار بوركادي إدريسي، الرئيس التنفيذي لشركة إيدنرد الإمارات، الشركات الإماراتية إلى الحرص على ضمان الشمول المالي والإعداد الرقمي لكل من السكان المتعاملين مع البنوك وغير المتعاملين مع البنوك، مبيناً أن أكثر من 60% من العاملين في قطاعات التصنيع والتجارة والأغذية والمشروبات والبناء، يقعون خارج النظام المصرفي التقليدي. وذكر إدريسي أن الشركة تهدف إلى أن يصبح الموظفون والعمال الذين لا يملكون حسابات مصرفية حاملي بطاقات دون وجود حد أدنى لمتطلبات الرواتب، وأن يتمكنوا من استخدام الميزات والخدمات الرقمية مثل عمليات الدفع غير التلامسي في المتاجر أو أونلاين، والتحقق من أرصدتهم المالية عبر الهاتف، وإجراء التحويلات المالية الدولية، وهو مطلب أساسي لمعظم العاملين في الإمارات، مشيراً إلى أن مستقبل التمويل يصبح أكثر إشراقاً عندما يبدأ بتقديم خدمات قيّمة لشريحة أوسع من المجتمع لدعم الاقتصاد بصورة أفضل.
حلول مبتكرة
أوضح مالك ششتاوي، رئيس ومؤسس المنتدى العربي للتكنولوجيا المالية، أنه مع تحول العالم سريعاً إلى الخدمات الرقمية، أصبحت الحاجة إلى طرق جديدة للدفع أكثر أهمية من أي وقت مضى، ولذلك فإن المبتكرين وشركات التكنولوجيا المالية هُم أساس هذا التحول، من خلال بناء الأدوات والموارد اللازمة لتسريع نمو المدفوعات الرقمية السريعة والآمنة والموثوقة، مؤكداً أن التكنولوجيا المالية تقدم حلولاً مبتكرة تلبي احتياجات المستهلكين المتطورة وتمنح المزيد من الأفراد والشركات إمكانية الوصول إلى المدفوعات، وبالتالي دفع الشمول المالي.
تمكين الشمول الاقتصادي
اختارت شركة «ماستركارد» العالمية دولة الإمارات من بين عدد قليل من الدول لتأسيس مختبرات ماستركارد لتحفيز إطلاق حلول مبتكرة تعزز الشمول المالي، وإطلاق برامج إقراض صغيرة إلى جانب أحدث تقنيات رموز الاستجابة السريعة (QR) والحلول الأمنية المرتبطة بالتعاملات المالية. كما أعلنت الشركة التزامها طويل الأمد بالشمول المالي، والمتمثل في جهودها المستمرة لتضمين ما مجموعه مليار شخص و50 مليون شركة صغيرة ومتناهية الصغر، مع التركيز على 25 مليون امرأة من رائدات الأعمال، في الاقتصاد الرقمي بحلول عام 2025.
ووجدت الدراسات التي أجرتها الشركة أن الشراكات تلعب دوراً رئيسياً في رحلة التحول الرقمي للشركات الصغيرة والمتوسطة. وقالت: إن بناء شركات صغيرة مستقرة ومتنامية ومتصلة يعتبر أداة أساسية لتعزيز الشمول المالي في المجتمع بأكمله، منبهة إلى أن «ماستركارد» لطالما استفادت من مكانتها كشركة تقنية رائدة من قوة الشراكات لتحقيق الشمول المالي من خلال دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة من حول العالم وتمكينها من الحصول على التمويل والتقنيات والمنتجات والخدمات اللازم لتعزيز نموها.
وقال راجو مالهوترا، الرئيس المشارك للأسواق الدولية لدى ماستركارد: «إن منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا الشرقية برزت كمركز حيوي لتنسيق وإطلاق جهود ماستركارد العالمية في مجالات الابتكار والتحول الرقمي والشمول المالي، منبهاً لأن هذه المنطقة تمثل اليوم مركزاً عالمياً للتميز ومنصة لعقد الشراكات الاستراتيجية وإطلاق نماذج الأعمال الجديدة عبر شبكة الشركة العالمية.
وضمن التوجه ذاته اختارت شركة تكنولوجيا المدفوعات العالمية «فيزا»، دولة الإمارات واحدة من أولى الأسواق التي اختارتها (من بين أكثر من 200 سوق حول العالم) لإطلاق حملتها الترويجية الجديدة، التي تسلط الضوء على التزامها بتمكين الشمول الاقتصادي العالمي والقدرات المتنوعة لشبكتها.
ومن جهته قال محمد إسماعيل، نائب الرئيس الأول للتسويق في وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في «فيزا»: إن الشركة باعتبارها تسعى لتحقيق الشمول الاقتصادي، تربط شبكتها 3.6 مليار من بيانات الاعتماد، وأكثر من 70 مليوناً من مواقع التجار، وعشرات آلاف الشركاء، كما يتجاوز إجمالي حجم معاملاتها السنوية 11 تريليون دولار.
وأضاف أن شبكة «فيزا» تساعد في تمكين أصحاب الأعمال الحرة من خلال حلولها المرنة والتي تتيح لهم الحصول على أموالهم في الوقت الحقيقي، وتسهيل المدفوعات بين الأفراد والتي تتيح إرسال واستقبال الأموال بين مليارات البطاقات والحسابات حول العالم، فضلاً عن سداد مدفوعات الشركات الكبيرة بسهولة أكبر بين البلدان، لافتاً إلى أنه في السنوات الخمس الماضية وحدها، استثمرت الشركة 9 مليارات دولار في مجال التكنولوجيا لدعم مستقبل التجارة.