مصطفى عبد العظيم (دبي)
قبل 20 عاماً من الآن، واجهت صناعة الطيران العالمية، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، واحدة من أكبر الأزمات التي غيرت مشهد السفر في العالم، وكبدت الناقلات الجوية والشركات المصنعة في أميركا وأوروبا خسائر بمليارات الدولارات وأدت إلى إفلاس بعضها، مع دخول القطاع إلى مرحلة من الركود.
واليوم وبعد عقدين من الزمان، يتكرر المشهد ذاته، مع اختلاف المسببات، حيث تواجه صناعة الطيران الأزمة الأسوأ في تاريخيها، بعد أن أجبرتها جائحة «كوفيد - 19» إلى هبوط اضطراري من أوج الانتعاش والتفاؤل إلى الركود الأعمق والأكثر حده في التاريخ، والذي قاد كذلك العديد من الشركات لإعلان أفلاسها في مناطق مختلفة من العالم، وكبد الصناعة خسائر قدرها الاتحاد الدولي للنقل الجوي «أياتا» بأكثر من 157 مليار دولار لعامي 2020 و2021.
مع كل أزمة، تتجه أنظار جميع العاملين في هذه الصناعة، التي تعد أحد المحركات الرئيسة لنمو الاقتصاد العالمي، إلى معرض دبي للطيران، الذي ينطلق اليوم في دورته السابعة عشرة، بمشاركة عالمية ضخمة، باعتباره الحدث الأضخم الذي يمكنه انتشال القطاع من الركود وإعادة وضعه على مسار التعافي مرة أخرى ووقف نزيف الخسائر، وإعادة بناء الثقة.
طوق النجاة
وخلال دورته السابعة التي انطلقت في نوفمبر 2001، وبعد شهرين فقط من أحداث 11 سبتمبر، وفي ذروة الركود الذي ضرب الصناعة، جاء معرض دبي للطيران، ليشكل طوقاً النجاة وصانعاً للتعافي، بعد أن شهد المعرض عقد مجموعة من الصفقات التاريخية، التي ستظل محفورة في ذاكرة صناعة الطيران، قادتها طيران الإمارات بإبرام اتفاقيات أذهلت العالم، مع عملاقي الصناعة بوينج وإيرباص، لشراء طائرات بقيمة 55.5 مليار درهم (15 مليار دولار)، والتي شكلت أيضاً حينئذٍ أكبر صفقة في تاريخ الشركة منذ تأسيسها.
وضمت الصفقة التي جاءت في وقت كانت تتسابق فيه شركات الطيران العالمية إلى تقليص أسطولها، ولم تثن تداعيات أحداث سبتمبر 2001 والتراجع الذي شهدته حركة الطيران في العالم، عن الإعلان عنها، شراء 22 طائرة ايرباص A380 العملاقة التي كانت حينها مجرد مشروع لم ير النور بعد، والتي راهنت عليها طيران الإمارات في صنع نهج جديد في مفهوم السفر الجوي، يرتكز الربط بين المحاور بطائرات ضخمة الحجم قادرة على نقل عدد ركاب يصل إلى قرابة الـ 600 راكب في رحلة واحدة، وهو الأمر الذي يتحقق اليوم بامتياز.
وشملت الطلبية كذلك شراء طائرات إيرباص من طرازات أخرى بإجمالي 33 طائرة مع حق خيار شراء عشر طائرات أخرى من طراز A380، إلى جانب صفقة أخرى وقعتها الناقلة مع «بوينج» ضمت شراء 25 طائرة من 300-777، و200-777 بقيمة 6.6 مليار دولار.
وصفة دبي
ومع انطلاق نسخته السابعة عشرة، تتجه أنظار العالم من جديد وبعد عقدين كاملين، بل بعد أزمتين حادتين، إلى معرض دبي للطيران 2021، أول معرض جوي رئيس يجري تنظيمه منذ تفشي جائحة «كوفيد - 19»، لتبحث من خلاله عن وصفة علاج لا يعرف سرها و لا تتقنها سوى دبي، وعن خريطة طريق يرسمها المعرض للعبور بالصناعة مجدداً إلى بر الأمان ويعيد إليها بريقها الذي أطفأته جائحة صحية غير مسبوقة.
وتعكس المشاركة العالمية الواسعة من الشركات الدولية وقادة وخبراء الطيران حول العالم في النسخة السابعة عشرة، والتي بلغت أكثر من 1200 جهة من 148 دولة، بينها 13 دولة و137 شركة تشارك للمرة الأولى، أهمية المعرض كمحرك رئيس لاستعادة تعافي القطاع وتحقيق النمو في المستقبل.
ورغم حدة الأزمة الثانية الناجمة عن «كوفيد - 19» وقسوتها على شركات الطيران والتي تسببت في تقليص قدرتها على اتخاذ قرارات تتعلق بالتوسع في الأسطول، كما حدث في السابق، إلا أنها ستسهم في تسريع تبني الشركات العملاقة إلى نماذج أعمال جديدة، تواكب التحولات المستقبلية في صناعة السفر، الأمر الذي قد يتطلب القيام بعمليات إحلال وتجديد للأساطيل القائمة بطائرات حديثة ذات كفاءة تشغيلية أعلى وانبعاثات كربونية أقل تدعم من خلالها شركات الطيران الخطط العالمية للحد من التغير المناخي والوصول إلى الحياد الكربوني.
صفقات على رادار المعرض
وفيما تبدو التوقعات بشأن إبرام صفقات ضخمة من قبل الناقلات الكبرى، خلال المعرض ضعيفة إلى حد ما، بالنظر لأوضاع الشركات، إلا أن هناك مؤشرات ظهرت في الساعات الأخيرة قبيل انطلاق الحدث، تشير إلى ترقب الكشف عن عدد من الصفقات التي يجري وضع اللمسات النهائية لها لشركات طيران محلية وإقليمية ودولية، تتضمن شراء طائرات جديدة وتعديلات لطلبيات قائمة وأخرى تتعلق بالصيانة والمحركات، فضلاً عن الصفقات العسكرية التي عادة ما يشهدها المعرض على مدار دوراته السابقة.
توقعات «بوينج»
وتتوقع شركة بوينج التي تشارك بقوة في المعرض هذا العام مع منافستها الأوروبية «إيرباص»، أن تحتاج شركات الطيران في الشرق الأوسط إلى 3 آلاف طائرة جديدة بقيمة 700 مليار دولار وخدمات ما بعد البيع مثل الصيانة والإصلاح بقيمة 740 مليار دولار، بحلول عام 2040 مع تعافي المنطقة وارتفاع الطلب الإقليمي والدولي على السفر والشحن.
وبحسب «بوينج»، فإن من المتوقع أن تتضاعف حركة الركاب والأسطول التجاري في الشرق الأوسط خلال العشرين عاماً المقبلة، حيث ستلبي أكثر من ثلثي شحنات الطائرات إلى الشرق الأوسط النمو المتوقع، في حين سيحل ثلث الشحنات محل الطائرات القديمة بطرازات أكثر كفاءة في استهلاك الوقود مثل 737 ماكس و787 دريملاينر و777 إكس.
وتقوم شركة بوينج بعرض مجموعتها الرائدة في السوق من الطائرات التجارية والدفاعية والخدماتية في معرض دبي للطيران 2021 بالإضافة إلى تدشين أحدث طائراتها من طائرات الجسم العريض الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود «777 إكس» للمرة الأولى على مستوى العالم.
حضور قوي لـ«إيرباص»
يحظى المعرض بحضور قوي لشركة إيرباص التي تستعرض مجموعة واسعة من طائراتها وتقنياتها المتطورة، إضافة إلى خدماتها وابتكاراتها التي تمهد الطريق لمستقبل مستدام في قطاع الطيران، إلى جانب قيامها بتسليط الضوء على الدور المحوري الذي تؤديه في تحقيق تعافي القطاع وتعزيز الروابط مع العملاء والمزودين والشركاء الاستراتيجيين.
وأعلنت الشركة مؤخراً رغبتها بتصنيع طائرات تجارية معدومة الانبعاثات بحلول عام 2035 لتكون الأولى من نوعها في العالم، حيث تستعرض إيرباص خلال الفعالية أنموذجاً من طراز ZEROe، أحد نماذج الطائرات الخالية من الانبعاثات.
وتستعرض شركة إيرباص في المعرض مجموعة من الطائرات التجارية، حيث سيحظى الضيوف على مدى خمسة أيام بفرصة استكشاف مجموعة متنوعة من طائرات إيرباص، بما فيها الطائرة من طراز A350-900 «أم أس أن 2» (إيرسبيس إكسبلورر) وطائرة من طراز A350-900 التابعة للخطوط الجوية الإثيوبية والطائرة من طراز A330neo التابعة للخطوط الجوية الأوغندية وطائرة من طراز A321LR التابعة لـ «العربية للطيران» وطائرة أخرى من الطائرة نفسها لشركة و«يز إير أبوظبي» والطائرة من طراز A220 التابعة لشركة طيران البلطيق « AirBaltic»، بالإضافة إلى طائرة رجال الأعمال من طراز ACJ320neo التابعة لشركة «أكروبوليس أفييشن».
وستستعرض شركة «طيران الإمارات» خلال المعرض طائراتها من طراز A380، بينما تستعرض شركة الاتحاد للطيران طائراتها من طراز A350-1000.