يوسف البستنجي (أبوظبي)
أكد خبراء اقتصاديون وقانونيون أن شركات التدقيق المحاسبي تتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية، عند اعتماد وثائق غير نظامية وغير رسمية أو غير صحيحة أو مشكوك في صحتها، عن عمليات الشركات المساهمة، أو عند تضمين الإفصاح أية بيانات مالية يمكن أن ترسل للمساهمين صورة غير واقعية أو غير دقيقة عن مستوى أداء الشركة وربحيتها وأعمالها.
وقال الخبراء إن المشرع منح حق تعيين شركات التدقيق المحاسبي للجمعية العمومية للشركات المساهمة ولا يجوز تعيينها من طرف مجلس الإدارة، حتى يكون لديها الصلاحية والقوة الكاملة لممارسة أعمالها بدقة ومصداقية وبما ينسجم مع مبادئ الحوكمة والقانون المعمول به.
ودعا الخبراء إلى تفعيل دور الجمعيات العمومية للشركات المساهمة العامة لتكون أكثر فاعلية في عمليات التدقيق والمتابعة واتخاذ القرارات التي تؤثر على الشركة وأدائها ومصداقيتها.
وأوضح الخبراء أنه عندما يتعلق الأمر بشركات مساهمة عامة كبرى فإن وقوع الضرر الناتج عن اعتماد بيانات غير دقيقة أو غير موثوقة لا يؤثر سلباً على حقوق المساهمين فحسب، وإنما على سمعة الاقتصاد الوطني ككل والثقة بأسواق المال المحلية والشركات المدرجة، ما ينعكس سلباً على الاستثمار والمستثمرين ومستوى جاذبية السوق لرأس المال الأجنبي.
وفي هذا الإطار قال الدكتور محمد العسومي الخبير الاقتصادي: إنه أحياناً يكون هناك خلل في عمل شركات التدقيق المحاسبي، مشيراً إلى تجربة شركة آرثر أندرسون إحدى أكبر شركات التدقيق المحاسبي على مستوى العالم التي أفلست نتيجة بعض التجاوزات. وأضاف: هناك مسؤولية قانونية على شركات التدقيق المحاسبي، لكن هذه الشركات في الكثير من الأحيان تتجاوز بعض المعايير المهنية وتغض النظر عن بعض الأخطاء، حرصاً على صون علاقاتها مع مجالس إدارة الشركات المساهمة العامة ولاسيما الشركات الكبرى، لاسيما وأن شركات التدقيق المحاسبي تتقاضى مئات الآلاف من الدولارات أو الدراهم نظير أتعابها.
وأكد الدكتور العسومي أن مجاملة شركات التدقيق المحاسبي لمجالس الإدارة على حساب مصلحة صغار المساهمين، يجب أن لا يكون له مكان في هذا القطاع، لأن نتائج ذلك في غالب الأحيان هي خسائر كبيرة.
وقال: إن المساهمين يمكن لهم ملاحقة شركات التدقيق المحاسبي قانونيا، كما هو الحال في حادثة أرثر أندرسون حيث أدى ذلك لإفلاس شركة التدقيق المحاسبي.
ولفت الدكتور العسومي إلى أنه من الصعب على الجهات الرقابية أن تتأكد من كافة تفاصيل التقارير المالية، لأن هناك مئات التقارير، والحل الوحيد أن تكون شركات التدقيق المحاسبي على درجة عالية من المهنية وأن تكون ذات مصداقية وتحترم سمعتها وطبيعة عملها.
وقال: في جميع الأحوال فإن القوانين موجودة وفاعلة ومتى ما أخطأت هذه الشركات يمكن محاسبتها.
إلى ذلك قال نجيب الشامسي مدير عام المسار للدراسات الاقتصادية والنشر، إن القانون ينص على مساءلة كلا من مجالس الإدارة وأيضاً شركات التدقيق المحاسبي، في الشركات المساهمة العامة التي يظهر لديها خلال، مبينا أن شركات التدقيق مسؤولة أمام الجمعية العمومية للشركة، التي تختار المدقق.
ولكن الشامسي بين أنه بحسب الممارسة والخبرة فإن شركات التدقيق المحاسبي في الواقع تعمل لدى مجالس الإدارة للشركات وليس عند الجمعية العمومية. وأضاف: أنه من حق المساهمين التوجه للقضاء، لرفع قضايا ضد مكاتب التدقيق المحاسبي ومجالس الإدارة أيضا، في حال تم إخفاء بيانات أو في حالات التدليس أو الغش. ودعا الشامسي إلى تفعيل دور الجمعيات العمومية للشركات بشكل أكبر وأكثر فاعلية، وكذلك تفعيل دور الجهات الرقابية من أجل تطبيق القانون والالتزام بمبادئ الحوكمة الرشيدة، وفي مقدمتها حماية حقوق صغار المساهمين.
وأكد أن المطلوب في نهاية المطاف هو الحفاظ على سمعة الاقتصاد الوطني وتعزيز الثقة به وزيادة جاذبيته للاستثمار.
من جهته قال خبير قانوني طلب عدم الإفصاح عن اسمه، إن آلية عمل شركات التدقيق المحاسبي تستند إلى البيانات والمستندات والوثائق التي تقدمها الشركة المساهمة لشركة التدقيق المحاسبي، وبذلك فإن صحة البيانات والمستندات يجب أن تكون مضمونة من قبل الشركة المساهمة، ولذلك فإن المسؤولية الأولى عن عدم صحة أو دقة البيانات والمستندات تتحملها إدارة الشركة المساهمة.
ولكن الخبير القانوني أكد أن هناك مسؤولية أيضاً تقع على عاتق شركة التدقيق المحاسبي التي يجب عليها أن تدقق صحة المستندات والإيصالات والوثائق التي تقدم لها، وعلى سبيل المثال إذا قدمت الشركة المساهمة مستندات تقول أن لدى الشركة أصولاً بقيمة 100 مليون درهم أو أن لديها بضائع مخزنة بقيمة 10 مليون درهم فإن واجب ومسؤولية شركة التدقيق المحاسبي أن تتأكد بأن هذه الأصول موجوده فعلا أو أن البضائع المخزنة حقيقية وموجودة في مخازن الشركة، وأن البيانات سليمة.
وأكد أنه إذا سلم المدقق بأن البيانات والمستندات صحيحة دون أن يقوم هو بالتأكد من سلامتها وصحتها فهذا يعتبر إهمالاً جسيماً في عمل المدقق، يصل إلى حد الاشتراك في المسؤولية عن الخلل الموجود، كما أن التغاضي عن المستندات غير الدقيقية يحمل المدقق مسؤولية قانونية مباشرة تجاه المساهمين في الشركة المعنية.
وقال: «من هنا تنشأ المسؤولية القانونية التي يستند إليها المساهمون في إمكانية ملاحقة شركات التدقيق المحاسبي أمام الجهات المختصة والقضائية».
ولكنه أوضح أنه من الناحية العملية ووفقاً للممارسة يصعب على المساهم الفرد أو حتى مجموعة من صغار المساهمين الحصول على الوثائق أو المستندات الضرورية اللازمة لإثبات حدود مسؤولية شركات التدقيق المحاسبي عن الخلل أو التقصير في حال وقوع مشكلة. وبين أنه عندما يتوفر الحد الأدنى من المعلومات للمساهمين عندها يتقدموا بطلب للجهات الرقابية للتحقيق في المشكلة قبل أن يتوجهوا للمحاكم. وأوضح أنه يمكن للمساهمين توظيف خبير من طرفهم لإعطاء رأي في الموضوع، مبينا أن مثل هذا القضايا ترفع للنيابة العامة وليس المحاكم المدنية.
وقال عندما تستكمل النيابة العامة عملها تتحول القضية إلى المحكمة الجزائية، وتستكمل الإجراءات حسب الأصول.