حسام عبدالنبي (دبي)
طرح الإعلان عن إطلاق أول بنكين رقميين بالكامل في الإمارات خلال الشهر الجاري عدداً من التساؤلات عن كيفية التعامل مع تلك البنوك، والفارق بينها وبين البنوك الرقمية التي أطلقتها بنوك عاملة في الدولة قبل سنوات، وكذلك مدى مخاطر التعامل مع بنوك رقمية مستقلة بالكامل، وهل تستهدف تلك البنوك قطاعات أعمال معينة، أم أنها ستقدم خدمات للأفراد وجميع قطاعات الأعمال؟ وأخيراً هل ستشكل البنوك الرقمية منافساً للبنوك التجارية التقليدية «ذات الفروع»، ما يعني أن نجاحها سيسرع من اختفاء البنوك التقليدية بشكل أسرع من المتوقع؟
«الاتحاد» تحاول عبر استطلاع آراء كافة الأطراف الإجابة عن تلك الأسئلة.
بنوك مستقلة
بدايةً، أعلن «بنك المارية المحلي» عن حصوله على الموافقة الرسمية من مصرف الإمارات المركزي، كأول مصرف متخصص يقوم بخدمة المجتمع المحلي باستخدام منصة خدمات رقمية تقدم منتجات مصرفية متكاملة تعمل ضمن أفضل معايير التكنولوجيا المالية. كما أعلن محمد العبار، مؤسس شركة «إعمار العقارية»، أنه من المقرر أن يجري تدشين بنك «زاند» قريباً في الإمارات، ليكون أول بنك رقمي مستقل يهدف لتقديم خدمات مصرفية رقمية متكاملة للشركات والمؤسسات إلى جانب الأفراد.
خدمات تنافسية
يرى يوسف السويدي الخبير المصرفي، رئيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة في «المصرف» أن مفهوم البنوك الرقمية ظهر في البداية من أجل تلبية متطلبات جيل الألفية (أقل من 40 عاماً) والذي يفضل الاعتماد على التكنولوجيا كوسيلة سهلة وسريعة ومناسبة لتنفيذ أي معاملة، خاصة تنفيذ المعاملات المصرفية، مؤكداً أن زيادة الإقبال على البنوك الرقمية التي أطلقتها البنوك العاملة في الدولة والتأكد من قدرتها على زيادة قاعدة العملاء وتقليل التكاليف التشغيلية، شجع البنوك بالفعل على زيادة تطوير الخدمات الرقمية وتقليل عدد الفروع.
وتوقع السويدي، أن يؤدي نجاح البنوك (الرقمية بالكامل) إلى تغييرات في أساليب عمل البنوك التقليدية (ذات الفروع) حيث يرجح أن يكتفي كل بنك بفرعين في إمارات الدولة الكبيرة، مع فرع واحد في الإمارات الأصغر مساحة، وذلك لأن تكلفة الفرع الواحد تبلغ نحو 5 ملايين درهم في المتوسط سنوياً، ما بين إيجار ورواتب موظفين وتوفير البنية الأساسية والتكنولوجية للتشغيل.
وقال: إن الإفراد سيستفيدون من البنوك الرقمية عبر تقليل رسوم الخدمات المختلفة أو تقديم خدمات تنافسية جديدة، إذ أن عميل البنك كان يتحمل في النهاية التكاليف التشغيلية المرتفعة، سواء رواتب أو تكاليف تشغيل الفروع، نافياً أن يمثل التعامل مع البنوك الرقمية المستقلة بالكامل نوعاً من المخاطرة؛ لأنها في النهاية مرخصة من مصرف الإمارات المركزي وتخضع لنفس المعايير والرقابة الصارمة.
وعن استهداف البنوك الرقمية لقطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة وما قد يمثله ذلك من مخاطر، أجاب السويدي، بأن قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة يعد من أهم القطاعات الحيوية في الدولة، فهو يمثل نسبة 85% تقريباً من الشركات العاملة في الدولة، ويسهم بتشغيل نحو 90% من العمالة، فضلاً عن أنه من القطاعات التي تسهم بفعالية في نمو الناتج المحلي غير النفطي لدولة الإمارات.
وأوضح أن تعثر عدد من الشركات الصغيرة من قبل، كان يرجع في المقام الأول إلى أخطاء البنوك ذاتها عبر إفراط بعض البنوك وتساهلها في منح قروض وتمويلات للمشاريع الصغيرة تفوق قدرتها الفعلية، لافتاً إلى أن الوضع تغير الآن في ظل وجود شركة الاتحاد للمعلومات الائتمانية وتوافر المعلومات والآليات اللازمة للحكم بدقة على قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على الوفاء بالتزاماتها.
وأضاف السويدي أن رفض البنوك التعامل مع الشركات الصغيرة في وقت سابق بحجة زيادة مخاطر التعثر، هو أمر غير دقيق لأن تعثر شركة كبيرة واحدة ربما يكون أكثر خطورة وتأثيراً على البنك من تعثر مئات الشركات الصغيرة، وإضافة إلى ذلك فإن تعثر نسبة من الشركات الصغيرة لا يعني تحقيق محفظة تمويل الشركات الصغرة والمتوسطة في البنك خسارة في النهاية، وغالباً ما تكون المحصلة إيجابية وتحقيق مكاسب من هذا القطاع.
وأشار إلى أن استهداف وتركيز البنوك الرقمية الجديدة، على توفير الخدمات التي تحتاجها الشركات الصغيرة والمتوسطة، يعد نوعاً من الرؤية الإيجابية للمستقبل لعدة أسباب، أهمها أن دعم وتمويل تلك الشركات سيجعلها في المستقبل القريب من الشركات الكبيرة، كما أن الشركات الكبيرة والعائلية الحالية في الدولة كانت في بدايتها شركات صغيرة، منوهاً بأنه إلى جانب استفادة الشركات الصغيرة من خدمات البنوك الرقمية، فإنها ستستفيد من سهولة أداء الخدمات المصرفية، حيث إن الشركات الصغيرة تعتمد في المقام الأول على مؤسس ومالك الشركة في تنفيذ كل المعاملات، لاسيما المعاملات المصرفية، وفي حال توافر تلك الخدمات رقمياً، فإن مؤسس الشركة لن يضطر إلى الذهاب للبنك لتنفيذ كل معاملة، وتالياً سيتعرض لضغوط أقل ويحصل على مزيد من الوقت للتفرغ لإدارة شركته.
البنك الرقمي
وعن الفارق بين البنوك الرقمية مثل بنك «زاند» والبنوك الرقمية التي أطلقتها البنوك المحلية قبل سنوات، أوضح محمد العبار، مؤسس شركة «إعمار العقارية»، في تصريحات إعلامية في وقت سابق، أن وجود مصرف يستخدم التكنولوجيا في تقديم خدمات للأشخاص والشركات لأول مرة في دولة الإمارات يعد أمراً مهماً، والأهم أن يكون مؤسسو ذلك البنك هم أشخاص يعيشون حياة رقمية، بمعنى أن وجود عقل يؤمن ويعمل في المجال الرقمي سيحدث اختلافاً عن وجود بنك عادي تحول إلى بنك رقمي.
وأكد أن الشيء الأهم أن فريق تأسيس بنك «زاند» متمكن وقادر على فهم البنوك الرقمية والشركات التي يمكن الاعتماد عليها من أجل إعداد البنك الرقمي.
وأضاف العبار، أن نمط الحياة في الإمارات تغير خلال السنوات الماضية وأصبح عنوان الحياة هو أن الجميع يريد كل شيء بطريقة سهلة وبسيطة وأقل تكلفة، كما أن الشعوب باتت تعيش حياتها على هواتفها، وهذا يعني ضرورة تقديم خدمات مصرفية لهم قائمة على التكنولوجيا وعلى مدار 24 ساعة يومياً وبأفضل الأسعار.
وذكر أن وجود مركز رئيسي للبنوك التقليدية وعدد كبير من الفروع يزيد التكاليف التشغيلية وبالتالي يتحمل عميل البنك تلك التكاليف من خلال زيادة رسوم الخدمات، منبهاً أنه على الرغم من بدء العمل على تأسيس بنك «زاند» قبل عامين، إلا أنه يجب الإشارة إلى أن وجود جائحة «كوفيد – 19» زاد من استخدام الأفراد للتكنولوجيا وإقبالهم على الخدمات الرقمية بشكل عام، وتالياً بات البنك جاهزاً لبدء أعماله خلال الأشهر القادمة، بعد الحصول على موافقة المصرف المركزي.
وأشار العبار إلى أن ما يميز البنك الرقمي أيضاً هو التركيز على توفير خدمات لأصحاب الأعمال والشركات الصغيرة وعدم وجود تفريق في التعامل بينهم وبين الشركات الأكبر، لاسيما وأن هذا القطاع يحصل على خدمات (أقل من المطلوب) في البنوك الحالية، لافتاً إلى أن البنك الرقمي مرخص من المصرف المركزي ويخضع لرقابة مميزة.
ومن جهته، أوضح طارق أحمد المسعود، رئيس مجلس المؤسسين لـ «بنك المارية المحلي» أن البنك سيقدم مجموعة من الخدمات المصرفية عبر قنوات النظام المصرفي التقليدي، ورقمياً من خلال التطبيق الخاص بالبنك.
وقال: إن سلسلة المنتجات والخدمات المالية التي سيقدمها البنك ستتمحور على تغطية عدد من الثغرات التي تحتاجها الشركات الصغيرة والمتوسطة لحسن وكفاءة الإدارة المالية وتحقيق نموها وازدهارها، بالإضافة إلى توفير خيارات وخطط مالية ذكية تسهم وبشكل فعال في تحقيق هدف الادخار والاستثمار للمواطنين والمقيمين في الدولة، ليقوم بذلك «بنك المارية المحلي» بلعب دور مهم في الوحدة الاقتصادية والاجتماعية لدولة الإمارات.
توفير الخدمات
بدوره، يرى طارق قاقيش، الخبير المالي، أن البنوك الرقمية التي تم الإعلان عنها مؤخراً ستفيد القطاع المصرفي بشكل عام عبر جذب المزيد من العملاء وتوفير المزيد من الخدمات الرقمية الذكية، خاصة في ظل جائحة «كوفيد -19» التي سرعت التحول نحو الخدمات الرقمية وأكدت أهميتها وفعاليتها، نافياً أن يشكل التعامل مع البنوك الرقمية المستقلة نوعاً من المخاطرة في ظل تطور القوانين والتشريعات ورقابة المصرف المركزي، وكلها عوامل تهدف إلى حماية أموال المودعين والعملاء.