حسام عبدالنبي (دبي)
تقود دولة الإمارات الجهود والمبادرات العالمية لتبني استخدام المركبات ذاتية القيادة في النقل الجماعي والاستفادة من المزايا المتعددة التي يمكن تحقيقها من اعتماد حلول التنقل ذاتي القيادة.
وضمن هذا التوجه أعلنت مدينة «مصدر» خلال شهر أكتوبر من العام 2018 عن اعتماد أول مركبة ذاتية القيادة ضمن شبكتها للتنقل الذاتي لتستخدم لنقل الزوار في مناطق مختلفة بالمدينة. وقامت شركة «نافيا» الفرنسية بتصميم المركبة المخصصة لما يعرف بتنقلات الميل الأول والأخير، والتي تنقل الركاب من وإلى محطات وسائل النقل، وهي مركبة ذاتية القيادة بالكامل، وتضم ثمانية مقاعد قادرة على استيعاب 12 راكباً، وتصل سرعتها القصوى إلى 25 كم / ساعة.
وأكدت شركة «أيون» لحلول النقل المستدام والذكي التي تتخذ من دولة الإمارات مقراً لها، نجاح الاختبار التجريبي لحافلات النقل الكهربائية ذاتية القيادة «نافيا أوتونوم» في المدينة الجامعية بالشارقة، بهدف مساعدة الطلاب على التنقل بين الكليات، حيث إن تلك الحافلات مجهزة بمجموعة من تقنيات التعلم العميق، بما في ذلك الرؤية ثلاثية الأبعاد وإمكانية التعرف على البيئة المحيطة والتنقل التلقائي على الطريق لضمان السلامة المثلى وأبواب مستشعرة للحركة، إضافة إلى أن تلك الحافلات الذكية خالية من الانبعاثات، ويمكنها استيعاب الكراسي المتحركة وتتسع لـ15 راكباً.
كما كشفت مجموعة سيف سيتي الإماراتية التي تتخذ من مدينة «مصدر» مقراً لها، عن سيارتها الكهربائية ذاتية القيادة المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي صمَّمها وصنَّعها بالكامل مهندسون وفنيون إماراتيون. وتحتوي على تجهيزات متطورة ومنها استخدام بصمة الوجه، وتتنقل عن طريق بصمة الصوت، وتتوفر بها وسائل أمان ولا يصدر عنها أي ضوضاء أو انبعاثات تضر بالبيئة. وتسير السيارة الجديدة لمسافة 700 كيلومتر بشحنة كهرباء واحدة، وتصل سرعتها إلى 120 كيلومتراً في الساعة.
واستمرت المدينة المستدامة في دبي، خلال العام 2019، بتجربة تشغيل مركبة ذاتية القيادة للنقل الجماعي في شوارعها، في منطقة دبي لاند في شارع القدرة ضمن مسار يبلغ طوله 1250متراً، وتسير المركبة بالطاقة الكهربائية وهي صديقة للبيئة بنسبة 100%، وتعمل بطارياتها حتى ثماني ساعات وتتسع لثمانية ركاب، وتحتوي على ستة مقاعد للجلوس ومكانين للوقوف، ويصل متوسط سرعة المركبة إلى 20 كيلومتر/ساعة.
وضمن فعاليات المعرض والمؤتمر الدولي لمركبات المستقبل، كشفت هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس، في نوفمبر 2019، عن إطلاق أول رحلة بين إماراتي دبي وأبوظبي بشاحنة ثقيلة ذكية ذاتية القيادة مخصصة لشحن البضائع من طراز آكتورز التابعة لشركة مرسيدس، في خطوة تستعرض مستقبل نقل البضائع بالاعتماد على التقنيات الحديثة، حيث قطعت السيارة خلال الرحلة مسافة تصل إلى 140 كيلومتراً.
اتفاقيات التشغيل
ووقّعت دائرة البلديات والنقل بإمارة أبوظبي، في الشهر الماضي اتفاقية تعاون مع شركة بيانات لرسم الخرائط والمساحة والبيانات الجيومكانية، والتابعة لمجموعة «42» الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، يتعاون بموجبها الطرفان في تنفيذ عملية التشغيل التجريبي للمركبات ذاتية القيادة لنقل الركاب في أبوظبي، ودعم استراتيجية دائرة البلديات والنقل، للنقل الذكي، وتطوير حلول ذكية ومبتكرة للتنقل تدعم جهود الدائرة ومركز النقل المتكامل التابع لها، نحو إرساء البنية التحتية اللازمة لاستخدام المركبات ذاتية القيادة ضمن منظومة نقل متكاملة ومستدامة ترتقي بجودة الخدمات المقدمة لسكان الإمارة وروادها، وتدعم التنمية المحلية بمختلف أبعادها.
وشهدت دبي قبل أيام توقيع اتفاقية تعد الأولى من نوعها في العالم، ما بين جهة حكومية وشركة متخصصة في مجال التنقل ذاتي القيادة، حيث وقعت هيئة الطرق والمواصلات في دبي اتفاقية مع شركة «كروز» لتشغيل مركبات الشركة ذاتية القيادة لتقديم خدمة مركبات الأجرة وخدمة الحجز الإلكتروني، لتكون دبي المدينة الأولى عالمياً خارج الولايات المتحدة الأميركية، التي تقوم بتشغيل مركبات الشركة.
وبمقتضى الاتفاقية ستكون دبي المنصة العالمية لانطلاق نموذج «اوريجن» من شركة كروز، وهي مركبة مخصصة للتنقل المشترك دون سائق، حيث سيتم في عام 2023 تشغيل مركبات كروز ذاتية القيادة بعدد محدود، مع خطط لزيادة هذه المركبات تدريجياً لتصل إلى 4000 مركبة بحلول عام 2030.
وستنشئ «كروز» بموجب الاتفاقية شركة محلية جديدة مقرها دبي، ستكون مسؤولة بالكامل عن تشغيل وصيانة الأسطول، حيث ستتولى هيئة الطرق والمواصلات مسؤولية حوكمة الخدمات المقدمة من قبل الشركة، وتقديم البيئة التشريعية الملائمة والسياسات واللوائح التي تسمح بتشغيل هذا النوع من التقنيات.
وتشكل الاتفاقية خطوة مهمة في تحقيق استراتيجية دبي للتنقل الذكي ذاتي القيادة، التي تهدف لتحويل 25% من إجمالي رحلات التنقل في دبي إلى رحلات ذاتية القيادة من خلال وسائل المواصلات المختلفة بحلول عام 2030. كما تستهدف تعزيز ريادة دبي عالمياً في مجال التنقل ذاتي القيادة، ودعم جهود الإمارة للتحول إلى المدينة الأذكى عالمياً، والإسهام في تأكيد مكانتها كالمدينة الأفضل للعيش والعمل على مستوى العالم.
الدول الأوفر حظاً
ويرى تقرير صدر من «بوسطن كونستلنج جروب» بالتعاون مع جامعة «سانت جالن السويسرية»، أن الإمارات والسعودية من الدول الأوفر حظاً والأكثر استعداداً للاستفادة من حلول التنقل ذاتي القيادة عند الطلب في المنطقة، من خلال اعتماد السيارات والمركبات ذاتية القيادة لتحسين وإعادة ابتكار خدمات النقل العام. وتوقع التقرير الذي يحمل عنوان «هل يمكن للسيارات ذاتية القيادة إيقاف انهيار أنظمة التنقل داخل المدن» أن يكون نحو نصف المركبات ذاتية القيادة عبارة عن مركبات تجارية بدلاً من مركبات ذات ملكية خاصة، الأمر الذي سيوفر مستويات أعلى من الراحة مقارنة مع خيارات النقل الجماعي التقليدية.
وخلص التقرير إلى أنه عند استخدام المركبات ذاتية القيادة في أنظمة النقل العام لتحل محل السيارات الخاصة، فإنه يرجح انخفاض إجمالي الوفيات السنوية بنسبة 37%، وانخفاض إجمالي مساحة مواقف السيارات 35%، مع تقلص حركة المرور بنسبة 4%، وتراجع معدل استهلاك الطاقة بنسبة 12%، وأيضاً ستنخفض تكاليف النقل بنسبة 13%، بينما ستنخفض أوقات الرحلات أيضاً بنسبة 3%، لافتاً إلى أنه في الوقت نفسه، سينخفض إجمالي الرحلات التي يقوم بها السكان باستخدام السيارات الخاصة بنسبة 27% وباستخدام النقل العام بنسبة 2%، عند مقارنتها مع النماذج الحالية والمتوقعة في المستقبل، في حين تمثل كل من سيارات الأجرة والحافلات ذاتية القيادة 11% من الرحلات سنوياً.
تحكم آلي
يتصور البعض أن المركبات ذاتية القيادة تعتمد على نظام القيادة الآلية من دون وجود تحكم في السيارة، خاصة وأنها لا تستخدم سائق، وفي الحقيقة فإن تلك المركبات ليست ذاتية القيادة بالمعنى الحرفي للكلمة نظراً للجانب المتصل بالإنترنت من المركبات ذاتية القيادة، ولذا فهي ستعتمد بشكل كبير على البنية التحتية والاتصال المحيط بها، بالإضافة إلى ذلك، ستكون هناك عدة طبقات من البروتوكولات التقنية المشاركة لتقديم خدمة متكاملة للمستخدم.
وقد قعت دولة الإمارات على معاهدة فيينا بشأن السير على الطرق (معاهدة الأمم المتحدة تضم 75 طرفاً متعاقداً)، وتنص المعاهدة على وجوب أن يكون لكل مركبة متحركة سائق وعلى أن يكون السائق متحكماً بالمركبة في كافة الأوقات. وقد تم تعديل ذلك في عام 2016 للسماح باستخدام السيارات ذاتية القيادة – على أن يتقيد نظام القيادة الآلية بمتطلبات الأمم المتحدة أو على أن يكون السائق قادراً على تعطيل ذلك النظام والسيطرة بذلك على السيارة.
السـلامة المرورية
مازال البعض يتخوف من تسبب السيارات ذاتية القيادة في التأثير سلباً على السلامة المرورية على الطرق، ويفند معالي مطر محمد الطاير، المدير العام ورئيس مجلس المديرين في هيئة الطرق والمواصلات في دبي، تلك المزاعم بالقول، إنه على العكس، فالمركبات ذاتية القيادة تسهم في رفع مستوى السلامة المرورية على الطرق، حيث يعتبر الخطأ البشري المُسبب الرئيسي لأكثر من 90% من الحوادث.
وأضاف: كما تمتاز المركبات ذاتية القيادة بكونها مركبات كهربائية صديقة للبيئة، وقادرة على خدمة شريحة كبيرة من المتعاملين، وتحديداً فئة كبار المواطنين والمقيمين وأصحاب الهمم، مشيراً إلى أن رؤية دبي من خلال تكنولوجيا القيادة الذاتية بحلول عام 2030، تتضمن خفض تكاليف النقل بمقدار 900 مليون درهم سنوياً، وتوفير 1.5 مليار درهم سنوياً عن طريق خفض التلوث البيئي بنسبة 12%، فضلاً عن تحقيق 18 مليار درهم من العائدات الاقتصادية السنوية من خلال زيادة كفاءة قطاع النقل في دبي.
وذكر الطاير، أنه حرصاً من الهيئة على تحقيق مبدأ السلامة خلال مراحل تشغيل المركبات ذاتية القيادة، فإن التشغيل في البداية سيكون تجريبياً في مناطق محددة، مع تزويد المركبة بأحدث التقنيات المتخصصة، حيث ستشتمل على كاميرات وأجهزة استشعار لقراءة حالة الطريق، والتحكم بالمركبة وتجنّب الاصطدام بأي جسم.
وفي الإطار ذاته، كشفت شركة هيونداي موتور عن تقنية جديدة ومتقدمة لسلامة الركاب للمساعدة في الحد من مخاطر إصابات الركاب في المركبات ذاتية القيادة، وهي عبارة عن «خوارزمية حسابية» تعمل على تحسين أداء أجهزة السلامة، ومصممة خصيصًا لظروف المركبات ذاتية القيادة أو متعددة المستخدمين.
وتهدف الـ «خوارزمية حسابية» للحد من مخاطر الحوادث والتخفيف من آثارها حيث يأتي دورها بعد أن تقوم المركبة ذاتية القيادة بتقليل سرعتها أو تغير اتجاهها لتجنب خطر ما أو عند ظهور عقبة مفاجئة، حيث تحسب الخوارزمية الحركات المتوقعة للركاب عندئذ، بحيث تمكن هذه الحسابات النظام من تحسين استخدام أجهزة السلامة على متن المركبة، مثل الوسائد الهوائية وشد أحزمة المقاعد.
ومع تطبيق الخوارزمية الجديدة، تتم عمليات فتح الوسائد الهوائية وشد حزام المقعد بشكل أكثر فعالية لتوفير حماية أكبر للركاب، كما يتم تقليل زاوية حركة الراكب من خلال شد حزام المقعد لحظات ما قبل الاصطدام، ما يؤدي إلى استقرار وضع الراكب وتوفير المزيد من الحماية، لاسيما مع تفعيل الوسائد الهوائية الجانبية في وقت التصادم.