حسام عبدالنبي (دبي)
تتجه المؤسسات في دولة الإمارات لتبني المنتجات المالية والمصرفية (الخضراء) باعتبارها مستقبل المشاريع المستدامة في الدولة، وتشمل تسهيلات التمويل التجارية (القروض) الخضراء، والصكوك والأسهم والصناديق الاستثمارية الخضراء، وصولاً إلى مفهوم الاستثمار المستدام وأسواق رأس المال الخضراء.
وجاء توجه دولة الإمارات إلى تلك المنتجات الخضراء في إطار تشجيع الأمم المتحدة التحول نحو الاقتصاد الأخضر، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة بمعنى الحرص على مراعاة الجانب البيئي والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة عند توفير التمويل للمشاريع المختلفة، أو المساهمة فيها.
وتنامت أهمية التمويل المستدام في ظل جائحة «كوفيد-19» وتداعياتها الاقتصادية، حيث أصبح التمويل المستدام من أبرز العوامل المحفزة للتعافي الاقتصادي الأخضر وسط مطالبات دولية بأن يزداد تركيز الاستثمارات عالمياً على استهداف الأنشطة الاقتصادية المستدامة، خاصة في ظل فوائدها الجمة للبشر في دول العالم كافة.
ومن خلال التوجه السائد حالياً نحو فرص الاستثمار المستدام المرتبطة بالتحول في مجال الطاقة والموضوعات المستدامة الأخرى، وتركيز المحافظ المالية على الاستدامة، وجعلها محركاً رئيساً للأداء ومرونة المحافظ المالية، فإنه يجب الإشارة إلى أن المشاركة في الاستثمار المستدام يحقق مردوداً اقتصادياً جيداً بخلاف الانعكاسات الإيجابية على البيئة والمجتمع.
ووفقاً لتقرير لمؤسسة «فوتسي راسل» حول الآفاق المستقبلية للاقتصاد الأخضر، فإن قيمته تماثل حالياً قيمة قطاع الوقود الأحفوري، كما أن ما نسبته 6% من القيمة السوقية لأسواق المال العالمية، بما يوازي 4 تريليونات دولار تقريباً، تأتي من قطاعات الطاقة النظيفة والاستخدام الفعال للطاقة والمياه ومعالجة التلوث، متوقعة أن تصل نسبة الاقتصاد الأخضر إلى 10% من الاقتصاد العالمي بحلول العام 2030 مع توقع توجيه ما قيمته 90 تريليون دولار إلى الاستثمارات الخضراء حتى ذلك الحين.
التمويل الأخضر
تعرف وكالة «إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية» التمويل المستدام بأنه يركز على حث الشركات في النظام المالي على إدخال أهداف ممارسات الحوكمة والبيئة والمسؤولية الاجتماعية في أنشطتهم وتخصيصاتهم لرأس المال.وقالت الوكالة إن (التمويل المستدام) بالنسبة لأي كيان، ينطوي على التركيز على تعزيز أدائه عبر ممارسات الحوكمة والبيئة والمسؤولية الاجتماعية.
وأوضحت أنه من وجهة نظر المستثمرين، فهو يتضمن عدداً من المناهج الاستثمارية، مثل فحص الأصول، استناداً إلى المعايير البيئية أو الاجتماعية أو الأخلاقية، وإدخال ممارسات الحوكمة والبيئة والمسؤولية الاجتماعية في عملية صنع قرار الاستثمار، استناداً إلى الآثار الاجتماعية وغيرها، منوهه بأن التمويل المستدام يشمل أيضاً سوق السندات، من خلال إصدار سندات خضراء مسؤولة اجتماعياً ومستدامة، حيث تكون العوائد محصورة فقط للأصول ذات الأغراض البيئية أو الاجتماعية أو كليهما معاً.
جهود الإمارات
شهدت دولة الإمارات طرح العديد من المبادرات في مجال تبني المنتجات المالية الخضراء، وحلول التمويل المستدام، ومنها مبادرة هيئة الأوراق المالية والسلع بوضع إطار عام لتأسيس أسواق رأس المال المستدامة على مستوى دولة الإمارات من أجل العمل على توفير منتجات مالية خضراء، وإتاحة قنوات تمويل مبتكرة للمشاريع المستدامة، وحث الشركات على الإفصاح عن دورها ومسؤولياتها تجاه البيئة والمجتمع وأصحاب المصلحة الرئيسيين في الشركات المساهمة، إضافة إلى توعية المستثمرين، ومن يمثلونهم بأهمية دورهم في دعم الاقتصاد المستدام والاستثمار المسؤول.
كما أعلن سوق دبي المالي عن أول معايير إسلامية في العالم تناولت بالتفصيل الأدوات والأوعية المالية الخضراء مثل الصكوك الخضراء والأسهم الخضراء وصناديق الاستثمار الخضراء التي باتت تشغل العالم حديثاً.
وأعلنت دبي عن إطلاق «صندوق دبي الأخضر»، الذي يعد الأول من نوعه في المنطقة كخطوة هامة لتشجيع الاستثمار في المشاريع الخضراء، وتعزيز مكانة دبي مركزاً عالمياً للاقتصاد الأخضر، وذلك بقيمة 100 مليار درهم (27.2 مليار دولار أميركي) بغية توفير قروض ميسرة للمستثمرين في قطاع الطاقة النظيفة بأسعار فائدة تنافسية.
وإلى ذلك تبارت البنوك الوطنية والعالمية العاملة في الدولة في طرح القروض الخضراء، ومنح مزايا تفضيلية للحاصلين عليها مع ترتيب التمويلات الخضراء للمشاريع الصديقة للبيئة.
مشاريع مصدر
وأعلنت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» عن توقيعها اتفاقية مع أربعة بنوك محلية ودولية بهدف الحصول على تسهيلات ائتمانية متجددة خضراء بقيمة 75 مليون دولار أميركي، وذلك لتوفير التمويل للاستثمارات الجديدة والمتواصلة في قطاع التقنيات النظيفة على المستوى العالمي، والمشروعات العقارية المستدامة إلى جانب خطط دائرة الطاقة وسوق أبوظبي للأوراق المالية، وسوق أبوظبي العالمي لبرنامج منصة السندات الخضراء الرامي إلى تعزيز مكانة أبوظبي وجهة رائدة لإصدار السندات والصكوك الخضراء، بالإضافة إلى إطلاق أكاديمية سوق أبوظبي العالمي أول «شهادة في التمويل المستدام» في المنطقة بالشراكة مع معهد لندن للأعمال المصرفية والمالية، بهدف تعزيز خبرة المهنيين في القطاع، وتوالي إصدارات الشركات من الصكوك والسندات الخضراء، وفي مقدمتها إصدار شركة ماجد الفطيم عام 2019 ما مجموعه 1.2 مليار دولار أميركي من الصكوك الخضراء، التي ذهبت عائداتها إلى المباني الخضراء والطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة وتحسين إدارة المياه، وغيرها الكثير.
وذكر «ستاندرد تشارترد» أنه تولى مسؤولية تنسيق أول قرض «أخضر» في الشرق الأوسط لصالح شركة موانئ دبي العالمية في معاملة قيمتها 2 مليار دولار تعد الأولى من نوعها في المنطقة كونها تمويلاً صديقاً للبيئة يعتمد على صيغة متوافقة مع الشريعة الإسلامية عبر آلية تربط بين السعر والأداء البيئي.
إعلان دبي
وللتأكيد على التزام القطاع المصرفي في دولة الإمارات بدعم الأعمال المستدامة، وزيادة الاستثمار والتمويل المستدام، تم في عام 2017 توقيع وثيقة «إعلان دبي بشأن التمويل المستدام»، بقيادة وزارة التغير المناخي والبيئة، مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، مبادرة التمويل لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، واتحاد مصارف الإمارات.
ووفق الإعلان تلتزم البنوك بشكل كامل بتبني المبادرات في مجال التمويل المستدام، وتضمين الاستدامة في ثقافتها المؤسسية، وبممارسة أعمالها بطريقة مسؤولة، بحيث تتوافق أهداف واستراتيجية الاستدامة في البنك مع رؤية أبوظبي الاقتصادية 2030 ورؤية الإمارات 2021.
وبعد إطلاق أجندة التمويل المستدام في بداية عام 2019، قام سوق أبوظبي العالمي، باتخاذ سلسلة من الإجراءات التي من شأنها أن تمكّنه من تحقيق أهدافه الاستراتيجية في هذا المجال، بما في ذلك قيادة جهود تطوير إعلان أبوظبي للتمويل المستدام، حيث وقعت 41 جهة حكومية ومؤسسة رائدة «إعلان أبوظبي للتمويل المستدام» منذ إطلاقه في 2019 وذلك في إطار الجهود المستمرة لإرساء أسس قطاع التمويل المستدام، بما يدعم جهود الدولة في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
اتجاهات مستقبلية
وعن اتجاهات التمويل المستدام في 2021، تتوقع مجموعة «يو بي إس» المتخصصة في إدارة الاستثمار المستدام في العالم، عدداً من الاتجاهات المالية المستدامة أهمها أن تغذي الاستثمارات ذات التأثير، موجة جديدة من النمو في التمويل المستدام، وأن تكون مشاركة المستثمرين في قضايا الاستدامة أكثر تأثيرًا من اللوائح التنظيمية في عام 2021.
وأكدت المجموعة عبر ورقة عمل أن تستمر بيانات الاستدامة في التطور بشكل أسرع من المتوقع في عام 2021، وأن يصبح اختبار الإجهاد المناخي سائدًا، ما يعكس الأهداف المتعلقة بتخفيض الانبعاثات حتى الصفر وغيرها من العوامل، مشيرة إلى أن النقل الكهربائي، واللحوم ذات الأصل النباتي، والتجديد الحاصل في شركات النفط ستوفر فرصاً استثمارية جذابة.