ريم البريكي (أبوظبي)
يجمع سوق السجاد في أبوظبي بين أصالة وجودة وتنوع المنتجات المعروضة، خصوصاً المصنوعة من المنسوجات المستوردة من أعرق الأسواق العالمية المشهورة بصناعة السجاد.
السوق الذي تمتد أصالته قبل أربعة عقود مضت والواقع بين شارع الميناء وشارع الشيخ خليفة بن زايد، يُعد واحداً من المعالم القديمة في إمارة أبوظبي.
وخلال تلك الفترة، شهد نقاط تحول من مجرد مكان يفترش تجار السجاد الأرض الترابية لعرض سلعهم إلى محال صغيرة، إلى سوق متكامل يحتوي على محال بمساحات واسعة لعرض السجاد مزودة بأجهزة التكييف والإنارة، بالإضافة لسكن للباعة والتجار.
يضم السوق حالياً نحو 63 محلاً، يعرض كل منها أنواعاً متعددة من السجاد المستورد من أفغانستان وتركيا وإيران والصين وبلجيكا، فضلاً عن قطع الأثاث المصنعة داخل عدد من تلك المحال، منها الجلسات التراثية المحلية، والجلسات المغربية وأطقم الكنب التي تلبي الأذواق كافة.
وتتراوح أسعار السجاد المباع في السوق ما بين 200 درهم للقطعة الواحدة إلى 20 ألف درهم، ويكمن السبب في هذا الاختلاف الجذري إلى نوع السجاد وطريقة صناعته وبلد الصنع.
ويعتبر سعر السجاد التركي الذي يتراوح متوسط أسعاره ما بين 300 - 500 درهم، الأقل مقارنة بالسجاد الأفغاني الذي تزيد أسعاره إلى مبالغ أعلى نظراً لكونه مصنوعاً يدوياً، بالإضافة للجودة العالية للمنتج، الأمر الذي يترك مجالاً كبيراً أمام المتسوق لاختيار ما يناسبه من أنواع السجاد باختلاف مساحته، مع توفر تصاميم وألوان مختلفة لقطع السجاد تتوافق مع ما يحتاج إليه العميل.
أجيال متعاقبة
ذكريات السوق تزامنت وارتبطت بشكل موثق مع مواليد أجيال متعاقبة، بدءاً من جيل السبعينيات، مروراً بجيل الثمانينيات وحتى الأجيال الشابة التي ولدت وتقطن إمارة أبوظبي، والذين كانوا في الأغلب يرتادون المكان مع ذويهم، حيث ارتسم المكان وتأصل بذاكرتهم كأحد أهم المواقع القديمة التي لا تزال صامدة إلى يومنا هذا، كشاهد على زمن جميل وتاريخ يحكي حقبة من تاريخ إمارة أبوظبي.
ويروي تاريخ السوق كيف كان اعتماد الأسر على سوق السجاد بالكامل في فرش المنازل وتفصيل الجلسات العربية التي امتازت بها منازل المواطنين في تلك الحقبة.
ويجمع السوق جيلين من التجار والباعة، جيل قديم عاصر بدايات السوق والتحولات والتطورات التي حدثت بالسوق، وجيل شاب توارث المهنة من الآباء والأعمام، وهو الجيل الذي مازال يملك طموح إكمال المسيرة في تجارة السجاد.
قصص وحكايات
ولأن لكل مكان قصصاً وحكايات لا نعرفها، اخترنا الذهاب والبحث عن قصص حدثت وما زالت يشهدها السوق من خلال الباعة الذين كانوا شهوداً على بناء السوق، ويملكون معرفة كبيرة بالخدمات التي يقدمها لعملائه من السوق المحلي، وحتى السياح الباحثين عن أصالة وعبق التاريخ عبر اقتناء مثل هذه الأنواع من السجاد، خصوصاً تلك المصنعة يدوياً.
والبداية كانت مع أقدم بائع في السوق وهو الحاج اختر محمد الذي قدم للدولة في عام 1974، وعمل في تجارة بيع السجاد من خلال محل صغير في شارع المطار، وكان وقتها يعتبر موقعاً يتجمع فيه تجار بيع السجاد لبيع منتجاتهم، بعدها انتقل للبيع في منطقة الميناء، وكانت المحال بحسب وصفه عبارة عن «شبرات» وهي أشبه بـ «الكرافانات»، وبعد زيارة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، للمنطقة والتقائه بتجار السجاد أمر بأن يتم بناء محال تجارية بأرقى المعايير، مع توفير سكن بالمكان، لتوفير حياة كريمة للتجار والباعة في السوق.
وأوضح حاج أن مساعدة الشيخ زايد ودعمه للتجار كانت الداعم الأكبر لهم للتوسعة في تجارتهم والاستمرار فيها بعد توفير احتياجات المكان كافة، مشيراً إلى أنه، طيب الله ثراه، كان يشتري منهم، ما دفعهم لتنويع بضاعتهم وتجويدها.
إنشاء السوق
من جانبه، قال عبدالله حاجي نقشبند: إن السوق كان بسيطاً جداً من حيث المبنى، وكان عبارة عن «شبرات»، موضحاً أن بداية تأسيس وإنشاء السوق بطريقة حديثة كان بين عامي 1984 و1985، مشيراً إلى أن طابع الحياة كان بسيطاً للغاية، وكان يعتمد في إنارة محله على أجهزة تقليدية تعتمد على «الموتور»، حيث لم تكن قد وصلت امتدادات الكهرباء للمنطقة بحسب وصفه، ولكن اهتمام القيادة الرشيدة بأحوال التجار أسهم في توفير كافة احتياجات التجار من مبانٍ جديدة ومدها بالكهرباء، وتم بالفعل تشييد المباني والمحال، ومكن نحو 36 محلاً من القدرة على مزاولة نشاطهم التجاري بأريحية مع توفر الخدمات المساعدة كافة.
وأوضح عبد الله أن السجاد المستورد قديماً كان يقتصر على النوع البلجيكي الذي كان يلقى استحساناً وإقبالاً كبيراً عليه من المتسوقين، وبعد ذلك تنوعت المصادر ليدخل السجاد الأفغاني والتركي والإيراني للسوق المحلي ويتنافس في جذب العملاء.
زيارة تاريخية
خان ملك سلطان - هو أحد التجار القدامى بالسوق وأحد شهود العصر على نهضة سوق السجاد من قبل أكثر من 35 سنة مرت على تأسيس محله في السوق، قالإن الزيارة التاريخية للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، كانت الأساس لعملية التحول في السوق والتي لم تقتصر على الموقع، بل امتدت لأنشطة التجار لتمكينهم من عرض بضائعهم.
وأوضح خان أن إيجار المحال في الماضي كان لا يتجاوز 50 درهماً في الشهر، وهو مبلغ رمزي لتشجيع تجارة السجاد، وبعد عمليات التنمية الشاملة وتوسع تجارة السجاد واتساع رقعة المحال وانتشارها، أصبحت الإيجارات تختلف من موقع لآخر.
تنوع المنتجات
تتنوع المنتجات التي تعرض في السوق، الذي يقدم لزبائنه إلى جانب السجاد منتجات متنوعة من الأثاث، ومن المحال التي تعرض قطعاً من الأثاث محل يعمل به وزير خان البلوشي وهو خياط يقوم بتفصيل الستائر وأقمشة الكنب والجلسات العربية.
وأكد وزير خان أن الأسعار تختلف في السوق لتناسب العملاء كافة، ومن خبرته التي تمتد لأكثر من 25 عاماً، أكد أن الكثير من الزبائن يرتادون السوق لاقتناء المنتجات المطرزة والأقمشة والمفروشات والأثاث ذات الطابع العربي الأصيل.
وقال تانقو دور محمد وهو من تجار الجيل الأول، إنه كان يأتي ببضاعته من دبي من خلال تعامله مع إحدى الشركات المصنعة للسجاد، مشيراً إلى أنه كان يتنقل أحياناً لعرض بضاعته من مكان لآخر، حيث كان ينتقل بين مدن إمارة أبوظبي للبحث عن عملائه الراغبين في شراء السجاد عالي الجودة.
وأكد تانقو أن التجار اعتادوا زيارة القادة ودعمهم المستمر للسوق، حيث كان المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، دائم الزيارة للسوق والسؤال عن أحوال التجار واحتياجاتهم.
الجيل الجديد
عبد الله خان الذي يعمل في محال بيع السجاد في سوق الميناء منذ 18سنة، يعتبر من الجيل الجديد في السوق، والذي أكد أنه ورث المحل من والده وعمه، اللذين كانا سبقاه في تجارة السجاد داخل إمارة أبوظبي وبالموقع نفسه. وأشار عبد الله إلى أنه استقى القصص عن سوق السجاد من والده الذي أخبره عن مرحلة السوق قديماً وكيف كان بسيطاً للغاية ويفتقر لأجهزة التكييف، مؤكداً أن التجار كانوا يفترشون بمنتجاتهم الأرض ما يصعب معه عرض السجاد.
وأضاف أن بناء السوق بصورته الراهنة جعله موقعاً يرتاده الكثير، حتى أصبح منطقة جذب للتجار والسياح، حيث زاد عدد المحال ليصل إلى 65 محلاً، مؤكداً أن جيله محظوظ نظراً للتسهيلات والخدمات التي وفرتها القيادة الرشيدة للتجار والتي بدورها ساهمت في نمو تجارة السجاد واكتسابها سمعة طيبة عالمياً.