حسونة الطيب (أبوظبي)
بعد أن حرم الناس من اللقاءات المباشرة وبات من المستحيل في كافة بقاع العالم، عقد المحاكمات أو استصدار جواز سفر أو إتمام زيجة، أو حتى تشييع جنازة أقرب الأقربين، حفز «كوفيد-19» الحكومات على تبني التقنيات الرقمية، لتسيير دولاب العمل لكل شيء تقريباً، من الرعاية الاجتماعية إلى مناسبات عقد القران.
وواجهت الحكومات التي استثمرت منذ زمن طويل في رقمنة نظمها، مشاكل أقل من تلك التي لم تزل تعتمد على العمل الورقي، إبان فترة الإغلاق.
وشكل فيروس كورونا، عقبة كؤود أمام العديد من مظاهر الحياة البيروقراطية، حيث عطل نحو 73.4 ألف من الزيجات في إنجلترا، بينما أغلقت المحاكم أبوابها في فرنسا من مارس حتى مايو، ولم تستقبل إلا الحالات الطارئة فقط.
كما مددت معظم الحكومات حول العالم، تأشيرات الأجانب الذين علقوا في أراضيها بسبب الجائحة، بينما توقفت أعمال القنصليات في كافة البلدان تقريباً.
ملاءمة الخدمات
وأظهر فيروس كورونا، عدم ملاءمة خدمات الإنترنت في عدد من الدول، حيث تعرض نظام تأمين البطالة الرقمي في إيطاليا للانهيار، في وجه الزيادة الضخمة من المتقدمين، الذين بلغ عددهم 300 ألف في يوم واحد فقط.
وفي واشنطن، أكثر الولايات الأميركية التي تأثرت بفعل الفيروس، استغل القراصنة نظام التحقق من الهوية غير المواكب، ليحصلوا على ما بين 550 إلى 650 مليون دولار، بحسب ذا إيكونيميست.
ومع ذلك، كشف «كوفيد-19»، مدى الفعالية التي يمكن أن يكون عليها نظام الخدمات الحكومية الرقمية، حيث تمكنت الحكومات من تحويل الأموال في مئات الملايين من الحسابات، دون اصطفاف الناس أمام المكاتب الحكومية أو البنوك. وأثبت تطبيق يونيفيرسال كريديت البريطاني، الذي لم يحظ بإقبال في السابق، قيمته أثناء الوباء، عندما سجل فيه نحو مليون شخص في غضون أسبوعين فقط للحصول على الإعانات، دون الحاجة للذهاب إلى مراكز التوظيف.
وفي حين لا تملك بريطانيا بطاقة هوية وطنية لرصد مواطنيها، أظهر الحل الرقمي فعاليته، حيث يُمكن الأشخاص من إثبات هويتهم، عن طريق مسح الشريحة الكهرومغناطيسية في جوازات سفرهم، باستخدام الهاتف المحمول.
أداء الحكومات
وكان أداء الحكومات التي تبنت فكرة رقمنة الخدمات والاستثمار فيها، أكثر كفاءة بالمقارنة مع غيرها.
وفي إستونيا، وفي ظل حكومة متقدمة تقنياً، يمكن للمواطنين الانتخاب عبر الإنترنت، حيث يملك الجميع بطاقة رقمية مربوطة بالحساب البنكي والنظام الضريبي.
كما تبنت تايوان، الرائدة في النظام الرقمي، نظام التأمين الصحي للمساعدة في استهداف محفزات اقتصادية تسهم في إنعاش النشاط التجاري المباشر.
ومن المنتظر، أن تنتج عن تداعيات الفيروس، تحولات نحو تبني الخدمات الرقمية، حيث صادق على سبيل المثال، حاكما نيويورك وكاليفورنيا، على الزيجات الرقمية.
كما أطلقت نيوجرسي، موقعاً يوفر معلومات مهمة، ويمكن عبره الحجز لفحص «كوفيدـ 19».
وفي فرنسا، أصبح من الممكن، إرسال أوراق الضمان الاجتماعي إلكترونياً، بدلاً من البريد، كما كان في السابق.
ويرجح بعض الخبراء، أن بوادر موجة من استثمارات الخدمات الرقمية، بدأت تلوح في الأفق القريب. ويعتقد دانيل كورسكي، المسؤول من مؤسسة ببليك، التي تستثمر في الخدمات العامة في بريطانيا، أن السنوات القليلة المقبلة، ستشهد استثمارات بمليارات الدولارات في العمليات الرقمية.
وقال هاربريت سوود، الطبيب العام، إن 7% من استشاراته الطبية كانت تتم عن بُعد قبل انتشار الوباء، وهو الرقم الذي قفز إلى نحو 90% أثناء إجراءات الإغلاق.
ولكن ليس كل شيء يمكن أن يعمل بالطريقة المنشودة، حيث كادت مثلاً كافة الجلسات في محاكم الأسرة في بريطانيا أن تتوقف عند ذروة الوباء، عدا الطارئ منها للغاية.
كما كشف الوباء أيضاً، أنه يترتب على الحكومات، العمل بطرق جديدة، الشيء الذي ربما يعني طرح هويات رقمية موثوقة، وهو ما يفتقر إليه العديد من البلدان.
الرصد والمتابعة
وتتطلب نظم الرصد والمتابعة، من الحكومات التعرف على مواطنيها من غيرهم، والتمكن من التواصل معهم عند الحاجة.
ولا تقف فوائد مشاركة المعلومات، عند الحيلولة دون انتشار الفيروس فقط، بل تتعداها لتحسين الخدمات اليومية العادية أيضاً، مثل جمع النفايات أو تنظيم مواقف السيارات على الطرقات. ومثل هذه التغييرات، لا يمكن تحقيقها بثمن زهيد.
كما أن سوء تنفيذ النظم الرقمية الجديدة، ربما يخلق أيضاً فرص احتيال جديدة، بدلاً من جعلها أكثر صعوبة.
والدولة التي تتمكن من جمع معلومات دقيقة، يصبح في مقدورها اتخاذ سياسات أفضل، بكل تأكيد.