أبوظبي (الاتحاد)
أكد خبراء ومختصون عالميون أن الشراكة بين الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تدخل مرحلة تتطلب رؤى جديدة، ونماذج تعاون ترتكز على الابتكار، والتحول الرقمي، والتكامل التكنولوجي.
جاء ذلك خلال ندوة دولية نظمها مركز تريندز للبحوث والاستشارات في العاصمة الأميركية واشنطن، تزامناً مع الافتتاح الرسمي لمكتبه الفعلي في الولايات المتحدة، في إطار استراتيجيته للتواصل وتعزيز الحوار المعرفي والفكري العالمي.
شارك في الندوة معالي يوسف العتيبة، سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة الأميركية، والدكتور محمد حمد الكويتي رئيس مجلس الأمن السيبراني في دولة الإمارات و الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز «تريندز للبحوث والاستشارات»، والدكتور حمد الكعبي الرئيس التنفيذي لمركز الاتحاد للأخبار إلى جانب نخبة من المختصين والخبراء، وهم كاران بهاتيا، رئيس الشؤون الحكومية والسياسات العامة في Google، وكاليستا ريدموند، نائبة رئيس NVIDIA للمبادرات العالمية في الذكاء الاصطناعي، ومايكل بروسور، نائب رئيس شركة SAAB، وفرانك باكس، الرئيس التنفيذي لشركة Capella Space.
وأجمع المتحدثون في الندوة على ضرورة بناء شراكات فكرية وتقنية بين المؤسسات البحثية في الشرق الأوسط والولايات المتحدة، وأهمية تعزيز الأمن السيبراني كأولوية عالمية، من خلال التعاون الدولي وبناء قدرات رقمية مستدامة.
كما دعت الندوة إلى تبنّي الذكاء الاصطناعي المسؤول وتطوير أطر أخلاقية لتنظيم استخدامه، ودعم الشباب والمبتكرين عبر تمويل حاضنات الأعمال وتطوير المناهج التعليمية الرقمية، مؤكدة أهمية الاستثمار في الفضاء والاستشعار عن بُعد كأحد ركائز المستقبل.
وقد حملت الندوة عنوان: «مستقبل الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. أثر التكنولوجيا والابتكار»، وركّزت على استشراف مستقبل الشراكة الأميركية -الشرق أوسطية وشمال أفريقيا في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة.
وقدم للندوة التي أقيمت في فندق بارك حياة- واشنطن بلال يوسف صعب، مدير مكتب «تريندز» في الولايات المتحدة، مؤكداً أن المكتب يمثل تجسيداً لجهود المركز في بناء جسور معرفية وفكرية بين منطقتين محوريتين في النظام العالمي.
وأشار إلى أن الحوار بين الخبراء وصنّاع السياسات في هذا السياق ضرورة استراتيجية لمواجهة التحديات المعقدة التي تفرضها التكنولوجيا الحديثة.
همزة وصل
وفي كلمته الافتتاحية أكد الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز «تريندز للبحوث والاستشارات»، أهمية الندوة، التي عُقدت بالتزامن مع افتتاح مكتب «تريندز» في واشنطن.
وأوضح أن افتتاح المكتب يهدف إلى أن يكون همزة وصل فاعلة بين «تريندز» والمجتمع الأكاديمي ومراكز الفكر في الولايات المتحدة، لتعزيز الحوار العلمي والتعاون الاستراتيجي في القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وأكد الدكتور محمد العلي أن افتتاح المكتب في واشنطن يمثل مرحلة جديدة في مسيرة المركز، لافتاً إلى أن مكتب واشنطن، سيعمل جنباً إلى جنب مع مكاتب «تريندز» الأخرى، لتقديم تحليلات معمّقة للديناميكيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مناطقها، مع التركيز على الروابط مع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
استجابة للتحولات الكبرى
وأشار العلي إلى أن انعقاد الندوة في هذا التوقيت يأتي استجابة للتحولات الكبرى التي يشهدها العالم، سواء في الاقتصاد العالمي أو في أنماط القوة والتفاعلات الدولية التي باتت تدور حول امتلاك زمام التكنولوجيا.
وبيّن أن العلاقة بين الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانت ركيزة أساسية في النظام الدولي الحديث، وتركزت لعقود طويلة حول الطاقة والأمن وموازين القوى الجيوسياسية. إلا أنه أكد أن هذا النموذج التقليدي قد لا يكون كافياً لاستيعاب تطورات المرحلة الراهنة، حيث تمثل التكنولوجيا المحرك الأساسي للتنمية.
وشدّد الدكتور العلي على أهمية النظر في مستقبل الشراكة من منظور يركّز على الابتكار، مشيراً إلى أن العديد من دول المنطقة، بدأت بالفعل خطوات جادة نحو التحول إلى اقتصادات المعرفة وتعزيز قدراتها في البحث العلمي والتطوير والبنية التحتية الرقمية.
ولفت الرئيس التنفيذي لمركز «تريندز» إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تمثل القوة التكنولوجية الأكبر في العالم، ولكنها تحتاج إلى شراكات موثوقة، مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وهو ما يمكن أن توفّره دول المنطقة، وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأوضح أن الندوة تناقش كيف يمكن للابتكار أن يعيد تشكيل مجالات التعاون التقليدية ويفتح آفاقاً جديدة في مجالات الأمن السيبراني والطاقة النظيفة والتكنولوجيا الصحية والفضاء، مؤكداً أهمية تطوير نماذج مشتركة لحوكمة التكنولوجيا ودفع دبلوماسية الابتكار.
ودعا الدكتور العلي المشاركين إلى الاستفادة من اللقاء في رسم ملامح شراكة جديدة أكثر توازناً وطموحاً في عالم متسارع التغيير.
الابتكار التكنولوجي
وعقب استراحة قصيرة بدأت أعمال الجلسة الرئيسة للندوة، التي أدارتها الباحثة إليازية الحوسني، نائب رئيس قطاع الشؤون الإدارية والإعلامية بمركز «تريندز»، واستهلت بمداخلة رئيسة لمعالي يوسف العتيبة، سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة، الذي استعرض تطور العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة، وأكد أن الابتكار التكنولوجي يُعد من أهم أدوات ترسيخ هذه الشراكة.
وشدّد على أن دولة الإمارات تسعى لأن تكون شريكاً عالمياً في مجال التكنولوجيا ذات الأثر الإنساني والاقتصادي.
وأشار العتيبة إلى أن تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة يجب أن يرتكز على تطوير منظومات تعليمية، واستثمار في الشباب، ودعم ريادة الأعمال التكنولوجية، باعتبارها قنوات مستقبلية لتوطيد الشراكة بين الشرق الأوسط والعالم.
بيئة رقمية آمنة
بدوره قدّم الدكتور محمد حمد الكويتي، رئيس مجلس الأمن السيبراني في دولة الإمارات خلال الكلمة الرئيسة للندوة، رؤية متكاملة حول الأمن السيبراني كعامل حاسم في الاستقرار الوطني والدولي.
وتحدّث عن التحولات النوعية في التهديدات السيبرانية، مؤكداً ضرورة تطوير أُطر تعاون دولي لتبادل الخبرات وبناء قدرات رقمية مستدامة.
وأكد أن التكنولوجيا لم تعُد خياراً، بل أصبحت أساساً للأمن القومي، مشيراً إلى أهمية العمل المشترك لمواجهة التحديات الرقمية المتزايدة على المستوى العالمي.
كما شدّد الدكتور الكويتي على أن تعزيز الشراكات الدولية في مجال الأمن السيبراني، هو السبيل الأمثل لبناء بيئة رقمية آمنة ومستدامة.
وتطرق إلى المبادرات الاستراتيجية لدولة الإمارات في هذا المجال، مؤكداً أهمية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي كجزء من استراتيجية شاملة.
كما تناول الدكتور الكويتي آفاق الشراكة مع الولايات المتحدة في هذا المجال، مشيراً إلى أن التكامل بين البنية التحتية الرقمية والذكاء الاصطناعي يمكن أن يشكّل ركيزة مهمة في العلاقات المستقبلية بين الدولتين.
مستقبل التكنولوجيا
وتطرق المتحدثون والخبراء في مداخلاتهم بالجلسة الرئيسة إلى محاور عدة، أولها قضيتا تسخير الذكاء الاصطناعي من أجل التحول القطاعي: ودور Google في مستقبل التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، وشددوا على الدور الذي تلعبه Google في صياغة مستقبل الذكاء الاصطناعي. كما أوضحوا أهمية الذكاء الاصطناعي كأداة لتطوير القطاعات الحيوية، وأكدوا أن المسؤولية الأخلاقية في تطوير النماذج الذكية يجب أن تكون ضمن أولويات شركات التكنولوجيا، لا سيما في ظل المنافسة العالمية الحادة.
كما دعوا إلى اعتماد نهج تشاركي يوازن بين الابتكار والرقابة، لتحقيق الاستخدام الآمن والمسؤول للذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي السيادي
وتناول المحور الثاني في الندوة الحدود aالتالية في الحوسبة الفائقة المدعومة بالذكاء الاصطناعي: ابتكارات ثورية تُعيد تشكيل الحوسبة عالية الأداء مع التركيز على حفظ الطاقة، حيث قدم الخبراء قراءة استراتيجية حول مفهوم «الذكاء الاصطناعي السيادي»، موضحين أن العديد من الدول باتت تنظر إليه كوسيلة لتحقيق الاستقلال الرقمي وحماية أمنها المعلوماتي.
كما تطرقوا إلى جهود NVIDIA في تطوير حوسبة فائقة الأداء، توازن بين القوة والطاقة، وقدموا أمثلة تطبيقية على مبادرات «الذكاء الاصطناعي السيادي»، مشيرين إلى أنه لم يعُد ترفاً سياسياً أو تقنياً، بل ضرورة لتأمين سلسلة التوريد الرقمية وتعزيز الثقة في البيانات الوطنية، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية الراهنة.
الذكاء الاصطناعي المسؤول
أما المحور الثالث فتطرق إلى الذكاء الاصطناعي المسؤول في الروبوتات: التزام بالابتكار الأخلاقي، حيث تم التأكيد على أهمية تبني نهج «الذكاء الاصطناعي المسؤول»، خصوصاً في الصناعات الدفاعية والروبوتية، حيث تتقاطع التكنولوجيا مع الأخلاق. وأكد أن أهمية وضع معايير صارمة يضمن تطوير أنظمة ذكية تحترم القيم الإنسانية.
الفضاء
وركّز المحور الرابع في ندوة مكتب «تريندز» في الولايات المتحدة الأميركية على قضية السيطرة السيادية والوصول إلى القدرات الفضائية التجارية والفضاء والأمن القومي، والتوقعات الحالية بخصوص الرقابة على تصدير التقنيات الفضائية الأميركية.
وقد أوضح الخبراء أهمية تعزيز السيادة الوطنية في المجال الفضائي، في ظل التطور السريع لتقنيات الاستشعار عن بُعد.
وأوضحوا أن الوصول إلى بيانات فضائية عالية الدقة بات من مقومات الأمن القومي.
كما تناولوا الإصلاحات الأخيرة في أنظمة تصدير التكنولوجيا الأميركية، لتسهيل التعاون وفتح المجال أمام التعاون بين واشنطن والشركاء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.