طه حسيب (أبوظبي)
استهل «مركز الاتحاد للأخبار» أنشطة مجلسه الرمضاني بجلسة نقاشية عن «الدولة الوطنية وتحدياتها»، استضاف خلالها الأستاذ الدكتور رضوان السيد، عميد الدراسات العليا في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية. أدار الجلسة الدكتور حمد الكعبي، الرئيس التنفيذي لـ «مركز الاتحاد للأخبار»، مؤكداً المكانة العلمية المرموقة التي يحظى بها رضوان السيد كأحد أهم المفكرين العرب المهتمين بقضايا المنطقة وقراءة تحدياتها.
أكد الكعبي أن اختيار موضوع الدولة الوطنية، وما تواجهه من تحديات يأتي في إطار تعزيز الوعي بأهمية دور الدولة الوطنية، خاصة بمنطقة الشرق الأوسط، في حماية المكتسبات، وتعزيز الاستقرار وتحفيز مسارات النمو والازدهار، واستمرار التواصل الإيجابي مع العالم من أجل مستقبل أفضل للبشرية.
تعريف الدولة الوطنية
ووجّه الكعبي سؤالاً حول تعريف الدولة الوطنية وموقعها في النظام الدولي، وأجاب السيد بأن الدولة الوطنية «كيان مكتفٍ بذاته أرضاً وشعباً وحدوداً وسيادة، دولة لا تنكمش ولا تتمدد، وتستمد قوتها من إرادة شعبها، ومن مزيج يتكون من التقاليد والأعراف والإرادة والهوية، الدولة الوطنية تستمد قوتها من قدرتها على التجدد والتجديد».
ولدى السيد قناعة بأن الدولة الوطنية هي دولة القرن الحادي والعشرين، صحيح أن ثمة مشكلات متنوعة لدى الدولة الوطنية، لكنها تبقى الصيغة المثالية، ولدينا نماذج ناجحة في دول الخليج العربية، وبعض الدول الآسيوية، حيث الدولة الوطنية، ليست إمبراطورية ولا قومية توسعية، ولديها هوية منفتحة على الآخر، وتنتهج سياسات التنمية المستدامة، ونظامها ليس جامداً، ومسألة الهوية تقع في صلبها، لكنها في الوقت نفسه منفتحة على الآخرين. وبهذا يستنتج السيد أن الدولة الوطنية أو ما بعد القومية، أصبحت أهم ركائزها المواطنة والتنمية المستدامة والعلاقات الدولية الرحبة.
سر نجاح الإمارات
طرح حمد الكعبي سؤالاً عن مفهوم السيادة في الدولة الوطنية، وسر نجاح الدولة الوطنية في الإمارات رغم التحديات.
وأوضح رضوان السيد أن الدولة الوطنية دولة ترتكز إلى الواقع، بمعنى أنه ليست لديها أحلام هيمنة أو أحلام توسعية، دولة تسعى لحل الخلافات البسيطة، بالتعاون مع الداخل، وأيضاً مع الخارج، وتتطلع إلى صداقات مع الخارج من خلال العيش المشترك. والإمارات تقدم تجربة ناجحة للدولة الوطنية، كونها تجمع بين الفيدرالية التي تنضوى فيها مكونات الدولة، وفي الوقت نفسه تحتفظ بخصوصياتها على أسس من التضامن والتعاون وحكم القانون.
«وثيقة المدينة»
يشير السيد إلى الكاتب التونسي الراحل هشام جعيط الذي يرى أن أول من دعم الدولة الوطنية هو النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، من خلال (وثيقة عهد المدينة)، التي تتضمن العيش المشترك بين الأديان.
ووجّه حمد الكعبي تساؤلاً عن مقولات تتردد في كتابات رضوان السيد، كتجديد تجربة الدولة الوطنية، واستعادة السكينة في الدين والعلاقات مع العالم، فما مدى أهميتها؟
ويوضح السيد أن أهمية تجديد تجربة الدولة الوطنية، والعلاقات مع العالم، واستعادة السكينة في الدين، تكمن في كونها أدوات تتصدى من خلالها الدولة الوطنية لمحاولات الهيمنة عليها ومساعي استغلالها، وأيضاً مواجهة الأصوليات، فهذه الأخيرة - حسب السيد- تتضمن تمردات مسلحة مثلما حدث في بعض الدول العربية. وهناك أيضاً الصراعات الدولية بين القوى الكبرى، التي ينبغي للدولة الوطنية تجنبها بأن تنتهج سياسات متوازنة مع هذه القوى، شرقية كانت أم غربية، كي لا تتأثر عندما يميل التوازن لهذه القوة أو تلك. وفي هذه الناحية، يبرز دور الحكمة لدى الأنظمة السياسية.
حكمة النخبة الحاكمة
وحذر السيد من أن بعض الدول العربية طالها الخراب بعدما فشلت أنظمتها في تدشين توازنات داخلية وخارجية وفرقت بين الناس، وفي المقابل لدينا التجربة الوحدوية الناجحة التي أرساها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ليصبح لدينا نموذج لدولة وطنية جديدة أثبتت نجاحها من خلال التعددية والمواطنة ضمن نموذج ينبغي الاقتداء به، والاستفادة من تجربته، التي تؤكد أن حكمة النخبة الحاكمة مهمة لصيانة الدولة الوطنية.
الدولة الوطنية.. النموذج الإماراتي
أكد رضوان السيد أن النموذج الإماراتي للدولة الوطنية يتقدم في أمور وعوامل عدة، أولها إرادة العيش معاً سواء في كل وحدة من مكونات الدولة أو في الوحدات جميعاً. والأمر الثاني وهو الدستور الذي يحدد الحقوق والواجبات، ووجود القوانين التي تحقق العدالة، وسط اعتبار انفصال السلطات وتعاونها. وإلى جانب ذلك أو في الأساس وجود مبدأ المواطنة ونظامها واعتبارات الهوية التي هي بمثابة الجذع الصلب الذي تتفرع أغصان شجرته في تعددية منفتحة دينياً ولغوياً وإثنياً، ففي الإمارات مائتا جنسية، وفيها دور عبادة للأديان المتعددة. وأضاف السيد أن هناك قبل ذلك وبعده، النزوع القوي نحو التسامح والتعايش والذي أصبح مشرعناً في القوانين والمؤسسات.
وفي الإمارات نهج واضح لسياسات السلام والتعاون تجاه الإقليم والعالم، والتزام على الصعيد العالمي بالتضامن الإنساني من خلال مساعدات الإغاثة ومساعدات التنمية.
ويتساءل السيد: كيف تُقاس درجة النجاح في النظم السياسية؟ وأجاب: «تُقاس بالاستقرار والكفاية المعيشية والانتظام السياسي ونوعية الحياة، وعلاقات الودّ والتعاون في الإقليم ومع العالم. دولة الإمارات دولة ناجحة وناجحة جداً بمقاييس الإقليم، وبمقاييس العالم المتقدم».