سامي عبد الرؤوف (أبوظبي)
قدم العرض الرسمي لاحتفال عيد الاتحاد الـ53 الذي أقيم مساء أمس في جبل حفيت بمدينة العين، مزيجاً متقناً يجمع بين التراث والحداثة، وبين الطبيعة والتكنولوجيا، احتفاءً باتحادنا. إنه عرض فريد يلهم كل من يعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة وطناً له للسير على خطى الأجداد الذين تبادلوا المعارف والقيم السامية من جيلٍ إلى آخر على مدى آلاف السنين، ليضمنوا لدولة الإمارات مستقبلاً مشرقاً ومستداماً.
وشارك في تقديم فقرات العرض 10 آلاف شخص من 81 جنسية، للدلالة على المزيج الوطني المتنوع والمترابط والمجسد لحالة التسامح والتعايش التي تتميز بها دولتنا الحبيبة، واستخدمت الأوركسترا الفيلهارمونية الملكية المكونة من 66 عازفاً، بمشاركة 33 عازفاً إماراتياً، وقد تضمن العرض 7 فقرات ترمز إلى الإمارات السبع التي كونت الاتحاد، واستخدم في جميع فقراته مكونات صديقة للبيئة، وتدل على الاستدامة بمناسبة استمرار عام الاستدامة.
ويأخذ الحفل الحضور والمشاهدين والمتابعين، باستكشاف معاً خيوط التواصل التي تجمعنا، وقيمنا الموروثة المشتركة، وتقنياتنا المبتكرة التي تمهد لنا الطريق نحو المستقبل، يتضمن حفل عيد الاتحاد الـ53 قصائد من شعراء قدامى ومعاصرين، ومن الشعراء القدامى: المغفور له الشيخ خليفة بن زايد الأول، والمغفور له الماجدي بن ظاهر، وعوشة بنت خليفة السويدي (المعروفة أيضاً باسم فتاة العرب)، رحمها الله.
وتميز العرض باستخدام تقنيات السرد القصصي المبتكرة إضافةً إلى أدواتٍ حديثة، مثل الطائرات من دون طيار، وعروض الضوء والظل، والدعائم المصنوعة من أشجار النخيل التي تتكامل مع جمال الطبيعة المحيطة لتربط بين إبداعات أجدادنا والابتكارات الراهنة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، مما يعكس إرثنا المعرفي المشترك.
واحتفل العرض هذا العام برحلتنا الجماعية نحو مستقبلٍ أكثر إشراقاً، وتكريم رواد الماضي والحاضر وألهم أصحاب الرؤى المستقبلية، وجسد في كل مكوناته روح اتحادنا، وتبنى الاستدامة والعمل التعاوني، باعتبارهما ركيزة أساسية في تقدمنا.
واتسمت أجواء حفل عيد الاتحاد الـ53، بالأجواء الشتوية الجميلة التي تتميز بها مدينة العين وعلى وجه التحديد جبل حفيت، وأيضاً اتسم بالعودة إلى زمن الأجداد الذين سطروا قصصهم على مدى آلاف السنين على هذه الأرض، تحت ذات السماء. نتتبع مسارات الرحلة عبر العصور، فنبدأ من إرث الأجداد، وصولاً إلى اتحادنا التاريخي، وقيام دولتنا، دولة الإمارات العربية المتحدة، التي ترسخ مكانتها اليوم منارة للابتكار والذكاء الاصطناعي.
وتشبه منصة الحفل سلسلة جبال لتندمج مع جبل حفيت من خلفها دون المساس بالبيئة الطبيعية، ويعد مسرح هذه السنة هو الأضخم من بين المسارح التي بُنيت للحفل الرسمي على مدى السنوات الماضية من حيث مساحة البناء، كما تم استخدام تقنية الإسقاط الضوئي لتحقيق المؤثرات البصرية لمراحل الجبال.
حملت الفقرة الأولى من العرض، عنوان: «نجم الثريا»، تلك النجوم التي تلمع في فضاء الكون، التي تُراقبنا بصمتٍ عبر الأزمنة والأحقاب، كالحارس الأمين، الذي ينور دروبنا، ودليل الرحالة وإلهام الشعراء، ورمز تتابع الفصول التي تعكس عبق التاريخ في كل ومضة.
ولقد لعبت الثريا دوراً حيوياً في نظام «الدرون» الذي استخدمه أجدادنا لمعرفة الطقس وتوقع الفصول. فكلما ظهرت في شهر مايو عرفوا أن فصل الصيف قد جاء، ومتى ما اختفت في شهر نوفمبر وغابت عن سمائهم أدركوا أن نهاية الموسم قد حانت.
بينما جاءت الفقرة الثانية، لتكون بعنوان: «على مر الأزمان»، لتحكي عندما يمر بنا الزمن أعواماً وقروناً، ومع تغير الحضارات وتبدل الأحوال، يبقى نمونا وتطورنا متواصلاً، حيث ازدهرت معارفنا، أصبحنا نعرف فنوناً جديدةً ونستخدم أدواتٍ لم نعتدها من قبل. ولقد قاد التطور الإمارات إلى اللحظة الفارقة حين أنشأنا أول فلج للاستفادة من الماء، فحولنا الأرض إلى واحةٍ خضراء تجذب المسافرين وترحب بالعابرين.
وسردت هذه الفقرة، الفترات الرئيسية في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي 6 عصور، تضم فترة جبل حفيت 3000 - 2500 قبل الميلاد، وفترة أم النار 2500 - 2000 قبل الميلاد، ثم فترة وادي سوق 2000 - 1300 قبل الميلاد، بعدها العصر الحديدي 1300 - 300 قبل الميلاد، تلاها فترة ما قبل الإسلام 300 قبل الميلاد - العصر الإسلامي الكلاسيكي 600 - 1600، ومن ثم العصر الإسلامي 1600 - 1950. وفي هذا المشهد، نرى تمثيلات لكل فترة في تاريخ الإمارات وإنجازاتها وابتكاراتها المهمة. يجسد هذا المشهد مرور الزمن وانتقال المعارف.
أما الفقرة الثالثة، فكانت «أثر الأولين»، لتستقبل الإمارات زوارها من كل حدبٍ وصوبٍ، من الجبال الشامخة والسواحل الهادئة والصحاري القريبة، ومعهم نتبادل المعارف ونصون بعضنا البعض.
وركزت هذه الفقرة على نخلتنا المباركة، هذه الشجرة الكريمة التي ما بخلت علينا قَط، كل جزء منها يدعمنا، ويمنحنا سبباً للحياة، فمعاً، ننسج مجتمعات تنمو وتزدهر في كل الأنحاء، وتبقى النخلة رمزاً يجمعنا ويوحدنا.
ولطالما اعتمد أجدادنا على شجرة النخيل وثمارها، فقد كان التمر ولا يزال مصدراً غنياً من مصادر الغذاء، كما وفرت الأجزاء الأخرى، منها مواد خام مستدامة، استُخدمت لبناء العريش وصنع الأدوات المنزلية المتنوعة، مثل أدوات المائدة ومعدات التنظيف ولأغراض الزينة. وتضمنت هذه الفقرة جِمالاً حقيقية تجسد التجارة بين القبائل المختلفة في جميع أنحاء الإمارات، وتشكل النخلة الركيزة الأساسية لهذه التجارة.
ثم جاءت الفقرة الرابعة التي سميت «تحت ظل النخل»، لتروي قصة مستقبل هذه الأرض بيدِ هذا الشاب اليافع «الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه»، مستعيناً بقيم الشجاعة والصبر والتسامح التي ورثها عن والدته، الشيخة سلامة بنت بطي القبيسي. وقد ظلت دروس والدته وقيمها حاضرة معه بعد أن أصبح قائداً يتعلم منه الآخرون، ليستزيد منها على يديه الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة العين، فيما بعد، لتكون سلسلة متصلة من المعارف والقيم المتبادلة، نتوارثها جيلاً بعد جيل، حتى أصبحت منهاجاً نتبعه لتنمية وطننا وتطويره. وبعد وفاة والده في عام 1926، انتقل الشيخ زايد وهو طفل صغير مع والدته إلى مدينة العين، ليشغل فيما بعد منصب ممثل الحاكم في منطقة العين، من عام 1946 حتى 1966، ليصبح بعدها حاكماً لإمارة أبوظبي.
يجسد ظل الشيخة سلامة بنت بطي القبيسي استمرار دروسها في توجيه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على مر السنين.
وتتضمن هذه الفقرة، تكريماً للمغفور له الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان، الذي تولى منصب ممثل الحاكم في منطقة العين عام 1971، واستمر في هذا المنصب حتى وفاته في 1 مايو 2024.
بعد ذلك، قدم العرض، فقرة «ازدهارنا بالاتحاد»، التي أكدت أن اتحادنا هو ثمرة كل المبادرات والابتكارات الذكية، والمعارف والتجارب المتبادلة التي غرسها ورعاها أجدادنا عبر عصورٍ طويلة. استجاب المؤسسون من مختلف أنحاء الإمارات لدعوات الشيخ زايد.
وقد تلاقت رؤى الإباء المؤسسين واتفقت، فكان التوقيع على ميثاق الاتحاد في 18 يوليو 1971، ثم في الثاني من ديسمبر من العام نفسه، أصبحوا دولة واحدة. وبعدها بسنوات قلائل، في عام 1976، اجتمعت جيوش الإمارات السبع لتكون جيشاً واحداً، مُشكلةً القوات المسلحة الإماراتية، جيشاً قوياً يدافع عن دولتنا ويذود عن حِماها. يتحلى بالرحمة والتعاطف، ويمد يد العون لكل محتاج.
وأشارت إلى أنه في 18 يوليو 1971، وقع مؤسسو دولة الإمارات العربية المتحدة على إعلان الاتحاد ودستور الدولة الذي وحد كل الإمارات في 2 ديسمبر 1971. في هذه الفقرة، نسمع صوت معالي أحمد خليفة السويدي (والذي شغل منصب الممثل الشخصي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة)، وهو يقرأ إعلان الاتحاد للمرة الأولى في 2 ديسمبر 1971. كما نستمع أيضاً لاقتباس من الشيخ زايد، طيب الله ثراه: «هذا الوطن يتطلب أن يكون فيه جند قوي العزيمة.. يفهم ما هو عليه.. في الحاضر والمستقبل».
تلى ذلك، فقرة «أرث الحاضر»، والتي ذكرت أن دولة الإمارات العربية المتحدة لا تعرف للابتكار حدوداً، فمثلما أبدع أجدادنا في الماضي وابتكروا أدواتٍ أسهمت في ازدهار الأرض واستدامتها، ها نحن اليوم نواصل مسيرة الإبداع والتميز، ونمضي بخطى واثقة نحو مستقبلٍ مستدام، نستلهم فيه جذورنا ونسير على خطى أجدادنا، نرعى أرضنا ونصونها، ونشجع التطور لنحول دولة الإمارات إلى مركزٍ للابتكار، ووجهةٍ رائدةٍ في أبحاث الذكاء الاصطناعي.
ولقد خَطَت دولة الإمارات العربية المتحدة خطوات واسعة نحو الريادة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، ولتحقيق هذا الهدف وضعت الدولة الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031، إلى جانب إنشاء العديد من مراكز الأبحاث والمؤسسات والشركات الناشئة المتخصصة في هذا المجال.
يذكرنا هذا الجانب من العرض، بأنه بينما ننمو ونبتكر، يجب علينا أيضاً أن نعتني بطبيعتنا ونحافظ على سلامتها، حيث سلط العرض الضوء على عدة مشاريع بيئية مبتكرة في دولة الإمارات، بما في ذلك مشروع طباعة الشعاب المرجانية بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، مما يحقق معدلات عالية لاستعادة الشعاب في أعماق البحار، ومشروع ميد 42، وسبيس 42. كما عرض ابتكار هو عبارة عن روبوت على هيئة سمكة تجمع البيانات من البحر وترسلها إلى أجهزة حاسوب تعمل بالذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى مشروع استخدام البيولوجيا والهندسة لتحويل الموارد المهدرة إلى حلول قابلة للتوسع لإزالة الكربون والزراعة المستدامة.
كما تم عرض مشروع استخدام الذكاء الاصطناعي لدعم تشخيص الحالات الصحية، وتحسين حياة أفراد مجتمعنا، بالإضافة إلى مشروع الأقمار الصناعية الذكية التي تقدم بيانات دقيقة عن الأحوال الجوية على كوكب الأرض لمعالجة التحديات العالمية.
زين العرض، فقرته السابعة التي كانت عبارة عن فن الحربية، للاحتفاء بما حقّقناه من نموٍّ وتطور، ونعزز المعرفة والقيم التي ورثناها عبر العصور ممن سبقونا على مدى آلاف السنين، لنبني على هذا الأساس المتين، ونغرس في نفوس الأجيال القادمة الشغف بموروثنا العريق، وأهمية صَونه والمحافظة عليه. وفن الحربية من الفنون التقليدية الإماراتية المتجذرة في الثقافة البدوية، وكانت من العروض المفضّلة لدى المغفور له الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان. تنطوي هذه الرقصة الإيقاعية على حركات متزامنة بالسيوف، وهي تحتفي بوحدتنا وصمودنا.
وشكلت الطائرات من دون طيار شكل نخلة يتساقط الرطب منها - باستخدام شرارات ملونة - إلى سلال يحملها أطفال الإمارات، وتُعد هذه الوسيلة أكثر استدامة للاحتفال تزامناً مع عام الاستدامة.