علي الظاهري
يزداد التركيز على الاستدامة في عالمنا يوماً بعد يوم مما ساهم في تعزيز أهمية الإدارة الفعالة للنفايات التي أصبحت بمثابة ركيزة أساسية تدعم التوجه العالمي نحو تبني الاقتصاد الدائري، وتحقيق الأمن الغذائي. وخلال رحلة قمتُ بها مؤخراً إلى اليابان التي تشتهر بحلولها المتطورة في إدارة النفايات، لمستُ الكثير من الأمور التي تؤكد على المكانة المهمة للشراكات الدولية ودورها البارز في تسريع عجلة الابتكار والنمو، خاصة في الوقت الذي نتطلع فيه إلى مواجهة التحديات المرتبطة بالأمن الغذائي والحد من فقد وهدر الغذاء وإدارة النفايات، من خلال التعاون وتسخير التقنيات المتطورة.
ندرك في مجموعة تدوير استحالة مواجهة التحديات المرتبطة بإدارة النفايات بمعزل عن الجهود المحلية والدولية. وفي هذا الصدد، تُعد هذه الشراكات عاملاً أساسياً في تعزيز أجندة تحويل النفايات إلى موارد قيّمة وفصل نفايات الغذاء عن النفايات العامة، حيث تُمكّننا تلك الشراكات من الاستفادة من الخبرات والتكنولوجيا وأفضل الممارسات على مستوى العالم.
ولطالما تبوأت اليابان مركز الصدارة في هذا الميدان، حيث قام وفد من مجموعة تدوير مؤخراً بزيارة إلى اليابان، التقى خلالها بعدة خبراء يابانيين متخصصين في إدارة النفايات للتعرف إلى أساليبهم وتقنياتهم المتقدمة في هذا المجال، خاصة أن اليابان تقوم بإعادة تدوير 20% من نفاياتها البلدية و85% من نفاياتها الصناعية، وهذا يدل على التزامها الحقيقي باستعادة الموارد. وعلاوة على ذلك، فإن 99% من النفايات في اليابان لا ينتهي بها المطاف في مكبّات النفايات، بل يتم إعادة معالجة معظمها أو إحراقها لاستعادة الطاقة الكامنة فيها، وذلك باستخدام التقنيات المبتكرة والالتزام باللوائح الصارمة والدعم المجتمعي القوي.
زيارتنا لليابان أكدت الأهمية المتزايدة للابتكار المتواصل في إدارة النفايات والتعامل مع القضايا ذات الصلة كقضية ارتباط النفايات بفقد وهدر الغذاء. وتعززت هذه الرؤية بفضل مرافقتنا لفريق عمل «نعمة» - المبادرة الوطنية للحد من فقد وهدر الغذاء في دولة الإمارات - خلال الزيارة. وقد تأسست مبادرة «نِعمة» لتعكس رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ودعوة سموه للحد من هدر الغذاء.
واعتمدت مبادرة «نعمة» منذ تأسيسها على دمج الحلول المبتكرة في النظام الغذائي لتقليل فقد وهدر الغذاء. لذلك فإن تواجد فريق عمل مبادرة «نعمة» معنا خلال الزيارة قد أبرز أهمية المشاركة المعرفية، فالرحلة نحو تحقيق مستقبل مستدام هي رحلة جماعية ومتواصلة من التعلم المستمر.
وبعد زيارتنا لليابان، يمكننا التأكيد أن التعاون المتواصل مع الشركاء الوطنيين والدوليين سيكون له أكبر الأثر في الاستفادة من الخبرات والتخصصات المتنوعة والتعامل بشكل أكثر فعالية مع التحديات المعقدة لإدارة النفايات وفقد وهدر الغذاء. كما سيكون لتبادل الخبرات صدى إيجابي على قضية الأمن الغذائي في دولة الإمارات، خاصة أن الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي تسعى لأن تكون دولة الإمارات الأفضل عالمياً في مؤشر الأمن الغذائي العالمي بحلول عام 2051 وهو ما تعمل عليه مبادرة «نِعمة» وغيرها من المؤسسات المحلية الآن، حيث تمكنت مبادرة «نِعمة» من تحويل ما يقرب من مليون كيلوجرام من الغذاء بعيداً عن مكبات النفايات
وبالطبع، لا تقتصر هذه الشراكات على تعزيز قدرة مجموعة تدوير في تطبيق الحلول المتطورة، بل تساهم أيضاً في تحقيق الأهداف ذات النطاق الأوسع، مثل خفض انبعاثات غازات الدفيئة، وتعزيز الاعتماد على الطاقة المتجددة.
وتمثل هذه الشراكات حافزاً حقيقياً للنمو على الصعيد العالمي، كما تُمكّن مجموعة تدوير من التوسع في عملياتها ودورها المهم ليصل إلى خارج حدود دولة الإمارات، ويعزز قدرة مجموعة تدوير على قيادة المشاريع التحولية بشكل أفضل من خلال استيعاب وتطبيق الدروس المستفادة من النموذج الياباني في أعمالها. ومن الأمثلة على تلك المشاريع، مبادرة تحويل النفايات إلى وقود مستدام للطيران، وتوفير الحلول الرائدة التي تعود بالمنفعة على المجتمعات المحلية والعالمية على حد سواء.
لقد أكدت زيارتنا إلى اليابان أن التعاون الدولي ليس مجرد إضافة مفيدة، بل هو عامل أساسي في تحقيق أهدافنا في إدارة النفايات والحد من فقد وهدر الغذاء لتحقيق الاستدامة بمعناها الشامل. فمن خلال بناء شراكات متينة مع مبادرات وطنية وقادة عالميين مثل اليابان، نتمكن من مواصلة الابتكار والنمو، والقيام بدور محوري في التحول العالمي نحو الاقتصاد الدائري. ونحن قادرون معاً على صنع مستقبلٍ تُعد فيه النفايات مورداً قيّماً يساهم في دفع عجلة النمو المستدام بدلاً من اعتبارها مجرد تحدٍّ.
العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمجموعة تدوير