افتتح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، صباح اليوم، مؤتمر الشارقة الدولي للذكاء الاصطناعي واللغويات «SICAL 2024»، الذي يقام بتنظيم من الجامعة الأميركية في الشارقة وتستضيفه في مقرها.
كان في استقبال سموه، فور وصوله، الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة الجامعة الأميركية في الشارقة، ومعالي أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة في جمهورية مصر العربية، ومعالي الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي رئيس المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة، وعبدالله محمد العويس رئيس دائرة الثقافة، ومحمد عبيد الزعابي رئيس دائرة التشريفات والضيافة، وعدد من المسؤولين وممثلي السلك الدبلوماسي.
وألقى صاحب السمو حاكم الشارقة كلمة وصف فيها المؤتمر بأنه حدث عظيم ينتظره الجميع منذ زمن بعيد، متناولاً سموه التقاء جهود البحث العلمي اللغوي مع جهود البحث الحاسوبي والتكنولوجي، بحضور المهتمين بالشأن اللغوي من أصحاب القرار لتدارس الموضوعات التي اعتبرها سموه أحد أهم موضوعات العصر الراهن.
تناول صاحب السمو حاكم الشارقة التحديات والتطورات التي تطرأ على مجال الذكاء الاصطناعي، قائلاً «إن عالم الذكاء الاصطناعي اليوم عالم كبير مفتوح على كل الاحتمالات، وتواجهنا فيه كثير من التحديات في كل يوم، بل في كل ساعة نشهد تطوراً علمياً جديداً في العالم، بفضل الأبحاث الإبداعية الكبيرة في ميدان الذكاء الاصطناعي، فتوحات علمية واكتشافات كبيرة قربت البعيد، وسهلت العسير، وجعلتنا اليوم نستفيد من كل المخترعات الحديثة في جميع أنحاء المعمورة».
وأضاف سموه «الانفجار المعلوماتي الحاسوبي ليس فقط في الجانب المادي، وإنما علاقة هذا الذكاء الاصطناعي باللغات العالمية شيءٌ عظيم. وكلما ازداد العلم تطوراً، ازدادت فرص التواصل والانتفاع والنهضة والازدهار عند المجتمعات والشعوب».
وأشار صاحب السمو حاكم الشارقة إلى الخطوات التي قامت بها الشارقة في دعم وتفعيل الذكاء الاصطناعي في خدمة اللغة، قائلاً «فتحنا صدورنا وقلوبنا ومؤسساتنا لكم جميعاً في شارقة العلم والثقافة، لتنظروا في شأن العلاقات التي تربط بين الذكاء الاصطناعي وبين اللغات جميعاً. ولأن قطار المعرفة والحاسوبيات قد انطلق، فإننا قررنا أن نكون أول الراكبين في هذا القطار، ونمد أيدينا إليكم ونساعدكم بقدر ما نستطيع لتسهيل البحث الحاسوبي باللغة العربية».
وتحدث سموه عن المعجم التاريخي للغة العربية وأبرز الجهود والتحديات التي تمت خلال السنوات الماضية حتى اكتماله، قائلاً «الحمدلله، لقد وفقنا في الشارقة، ووفق فريق الباحثين من جميع المجامع اللغوية في شتى البلاد العربية، وانتهينا قبل أيام معدودات من المعجم التاريخيّ للغة العربية الذي بلغت أجزاؤه 127 مجلداً، وهذا فتح عظيم في ميدان الصناعة المعجمية، كلفنا كثيراً من الجهد والوقت والمال، ولكن قلنا ونقول: كل شيءٍ في سبيل العربية يسهل ويهون».
وأضاف سموه «ها نحن ندخل ميدان تطوير العمل المعجمي من خلال الذكاء الاصطناعي، ونضع جميع المعجم التاريخي الذي أنجزناه في خدمة الدراسات الحاسوبية ليعم النفع وتنتشر المعرفة ويسود الأمن والأمان في جميع أقطار الكرة الأرضية».
واختتم صاحب السمو حاكم الشارقة كلمته موصياً جميع طلبة الدراسات اللغوية بالاجتهاد والتوفيق بين العلم والتطور الحاسوبي والالتزام بمعايير الأخلاق والقيم، قائلاً «أوصي أبنائي وبناتي الطلاب والطالبات الباحثين في كل الجامعات وفي مجمع اللغة العربية بالشارقة وغيرها، أن يجتهدوا في التوفيق بين الدراسات اللغوية والدراسات الحاسوبية، لأنني مؤمن بأن المستقبل للعلم الحاسوبي، وأُريدهم أيضاً أن يجتهدوا لعرض كل ما هو نافع ومفيد على مواقع الشابكة العالمية، لأن العلم يجب أن يكون موجهاً بمعايير الأخلاق ومبادئ السلام وقيم الوطنية وثوابت أمتنا ومقومات ثقافتنا وعاداتنا الأصيلة».
وكان حفل افتتاح مؤتمر الشارقة الدولي للذكاء الاصطناعي واللغويات قد استهل بالسلام الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، ألقت عقب ذلك الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، كلمة خلال المؤتمر رحبت في مستهلها بالحضور، مشيرة إلى أن التجمع اليوم في إمارة الشارقة يأتي بفضل رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وجهوده الكبيرة بأن تكون الشارقة مركزاً عالمياً رائداً في الحفاظ على اللغة العربية وتطويرها، وتعزيز مكانتها في إثراء التنوع الثقافي العالمي.
وتطرقت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي إلى أبرز موضوعات المؤتمر وتأثيره والتحديات الناتجة عنه قائلةً «نحن هنا اليوم لمناقشة موضوع بالغ الأهمية، ليس فقط لحاضرنا، بل أيضا لمستقبل أجيالنا القادمة، الذكاء الاصطناعي واستخداماته وتأثيره العميق على اللغة والهوية الثقافية، إن هذه التقنية التي تتطور بوتيرة متسارعة تفتح أمامنا آفاقا وفرصا لا محدودة، لكنها في المقابل تحمل معها تحديات تتطلب منا مواجهتها بعقلانية واستباقية».
وأضافت رئيسة الجامعة الأميركية في الشارقة «مع التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، تزداد مسؤوليتنا في ضمان أن تسهم هذه الابتكارات في تعزيز هويتنا اللغوية والثقافية، وأن تتحول إلى أداة فعالة لحمايتها من تيارات العولمة الرقمية، علينا أن نحرص على أن تكون هذه التكنولوجيا في خدمة لغتنا وتراثنا، لا أن تصبح سببا في اندثار هويتنا أو فقدان خصوصيتنا الثقافية».
ونوهت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي إلى أن مسؤولية الحفاظ على اللغة تقع على عاتق كل فرد في المجتمع، قائلةً «إن مسؤولية الحفاظ على الهوية اللغوية للمجتمعات، في سياق التطور السريع لبرامج الذكاء الاصطناعي، لا تقع على عاتق الأكاديميين وحدهم، ولا على المؤسسات الحكومية أو المتخصصين في التكنولوجيا فقط، بل هي مسؤولية جماعية يتحملها كل فرد من أفراد المجتمع».
ووجهت رئيسة الجامعة الأميركية بالشارقة التهنئة والشكر لصاحب السمو حاكم الشارقة، على الإنجاز المحقق في إصدار المعجم التاريخي للغة العربية المكون من 127 مجلداً، مشيرةً إلى أنه يعد علامة فارقة في مسيرة الحفاظ على لغتنا العريقة، مؤكدةً أن «هذا العمل الضخم لا يسهم فقط في توثيق اللغة العربية، بل يؤكد على أهميتها كجسر يصل بين حضارتِنا وتراثنا ومستقبلنا».
وأضافت «أود الإشارة إلى الجهود التي نقوم بها في الجامعة الأميركية في الشارقة لتعزيز دور اللغة العربية ودمجها في العالم الرقمي. فقد أطلقنا مركز الدراسات العربية والحضارات الإسلامية الذي نسعى من خلاله إِلى تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي في الدراسات العربية ومفرداتها، إضافة إلى تعزيز الأبحاث في مجالات الذكاء اللغوي، هذه المبادرات وغيرها تؤكد التزامنا الجماعي في إمارة الشارقة بالحفاظ على لغتنا وهويتنا، وتعزيز قدرتِها على التكيف مع تقنيات الذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات المتقدمة في المستقبل».
واختتمت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي كلمتها، قائلةً «نأمل أن يسهم هذا المؤتمر في إيجاد حلول وأفكار عملية لتحقيق اندماجٍ عادلٍ ومتوازنٍ لجميع اللغات والثقافات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتجنب أي انحياز أو تهميش لأي لغة أو ثقافة، نسعى إلى مستقبل يخدم الجميع، ونتطلع إلى أن تكون نقاشات هذا المؤتمر خطوة مهمة نحو توجيه الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسانية وضمان مستقبل أكثر عدالة وتوازنا للجميع».
شاهد بعدها صاحب السمو حاكم الشارقة والحضور مادة فلمية تناولت أبرز موضوعات المؤتمر والجلسات الحوارية وما ستناقشه لتسخير الذكاء الاصطناعي وممارسته في تعزيز عمليات البحث وتوثيق لغات العالم.
وقدم عماد زيتوني، مدير قسم الهندسة في شركة «جوجل»، عرضاً مرئياً خلال المؤتمر تحدّث فيه عن تأثير العلوم العربية على أنظمة جوجل «جيميناي Gemini» المساعد المستند إلى الذكاء الاصطناعي من جوجل، مسلطاً الضوء على ضرورة تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تدمج المساهمات الثقافية المتنوعة.
وأوضح عماد زيتوني أهم ميزات الأداة باللغة العربية، مشيراً إلى أن «جيميناي» تعتمد على النماذج اللغوية الكبيرة، والتي صممت خصيصاً لتلبية احتياجات المتحدثين بالعربية بمختلف لهجاتهم، مؤكداً أن هذه النماذج قادرة على التفاعل مع المستخدمين بطريقة أكثر طبيعية وفهم السياقات المختلفة، مما يسهم في تحسين تجربة التواصل الرقمي باللغة العربية.
وكشفت شركة جوجل عن أداة «جيميناي Gemini» لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في عام 2023، والتي تمثل طفرة في مجال معالجة اللغة الطبيعية، خصوصاً فيما يتعلق بدعم مختلف اللهجات العربية وتوفير تجربة استخدام مرنة لمتحدثي اللغة العربية، تتيح «جيميناي» للمستخدمين التفاعل باللغة العربية الفصحى، بالإضافة إلى قدرتها على فهم الطلبات المكتوبة بلغات أخرى ولهجات عربية أخرى والتي تحتوي على التناوب اللغوي، مما يضمن استجابة دقيقة للمستخدمين بغض النظر عن مستوى إتقانهم اللغوي، وتعد خطوة مهمة نحو تعزيز حضور الذكاء الاصطناعي في العالم العربي، إذ تسهم في تسهيل استخدام التقنيات الحديثة وفهم أعمق لاحتياجات المستخدمين من الناحية اللغوية.
وتحت عنوان «استراتيجية الحكومة للذكاء اللغوي والثقافة»، تضمن المؤتمر جلسة استضاف خلالها معالي أحمد فؤاد هنّو، وزير الثقافة المصري، ومعالي الدكتور أشرف الشيحي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق في مصر، وأدارها الشيخ سلطان سعود القاسمي عضو مجلس أُمناء الجامعة الأميركية في الشارقة، مؤسس مؤسسة بارجيل للفنون، والتي تناولت دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز تعليم اللغات وتطوير التعددية اللغوية، مع التركيز على دعم اللغات المحلية وحماية الهوية الثقافية.
وسلطت الجلسة الضوء على التحديات ودور الذكاء الاصطناعي في تعزيز التعددية اللغوية والحفاظ على التراث الثقافي الخاص بالعالم العربي، إذ يمثل الذكاء الاصطناعي قفزة تكنولوجية كبرى مهيأة لإعادة تشكيل جوانب مختلفة من حياتنا اليومية، من كيفية إنتاج المعرفة إلى الحياة العملية اليومية.
وتطرقت الجلسة إلى فعالية أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تعتمد بشكل كبير على جودة وتنوع المعلومات التي تستمد منها، والتي يتم الحصول على الكثير منها من الشبكة العنكبوتية، ووفقًا لإحصائيات مواقع الشبكة العنكبوتية العالمية، يمثل المحتوى العربي 5% فقط من إجمالي المواد الموجودة على الشبكة، وبعضها معلومات غير موثقة بالكامل، ويثير هذا التفاوت مخاوف كبيرة بشأن دقة المعلومات التي يستخدمها الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي قد يؤثر بدوره على فعاليته، وقد يكون له نتائج غير متوقعة على اللغة وإنتاج المعرفة.
كما استعرض الضيفان، خلال الجلسة، السياسات المبتكرة التي تستفيد من الذكاء الاصطناعي لتجاوز الحواجز اللغوية، وتعزيز التفاهم بين الثقافات، ودعم التواصل المجتمعي في العالم الرقمي. وتطرقت الجلسة إلى كيفية تحقيق التوازن بين الابتكار التكنولوجي والحفاظ على التراث اللغوي والثقافي.
وتلت هذه الجلسة كلمة رئيسة ألقاها لورينزو فانارا سفير جمهورية إيطاليا لدى الإمارات، حيث شارك رؤى قيّمة حول تأثير اللغة العربية على اللغات والثقافات في جزيرة صقلية الإيطالية، مؤكداً على وجود عدد كبير من الكلمات ذات الجذور العربية في اللغة الإيطالية، والتي يعود كثير منها إلى فترة الحكم الإسلامي في صقلية، وقال السفير فانارا «إن الكلمات الإيطالية ذات الأصل العربي تشهد في مجملها تقريبا على تطور الصناعة والثقافة العلمية للعرب».
وعلى هامش المؤتمر، تجول صاحب السمو حاكم الشارقة في المعرض المصاحب الذي يضم عدداً من الجهات الحكومية والخاصة والتي تدعم الذكاء الاصطناعي والتطور الحاسوبي، مطلعاً سموه على أبرز الخطوات التي تقوم بها الجهات في دعم اللغات وترسيخها وتطويرها. وتوقف سموه عند جناح مركز اللغة العربية والحضارات الإسلامية التابع للجامعة الأميركية في الشارقة متعرفاً سموه على أبرز الأنشطة والفعاليات والكتب المنشورة في المركز، ملتقياً سموه العاملين في المركز والمختصين، كما عرج سموه على جناح مجمع الشارقة للغة العربية مستمعاً سموه لأبرز ما يقدمه المجمع لزوار المؤتمر.
وشهد اليوم الأول للمؤتمر عدة جلسات تناولت أحدث الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي وكيفية تأثيرها على المجتمعات متعددة اللغات، والتحديات التي تواجه تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي القادرة على التعامل مع تنوع اللغات، إضافة إلى الفرص التي توفرها تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين الترجمة الآلية وتيسير التواصل بين الأفراد وأهمية التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والتكنولوجية لتعزيز تطورات الذكاء الاصطناعي والتطورات في الذكاء الاصطناعي وأدوات التواصل.
وتنظم الجامعة الأميركية في الشارقة المؤتمر على مدار يومين، بالتعاون مع مركز باحثي الإمارات للبحوث والدراسات، التابع لمؤسسة الإمارات للعلوم والبحوث، ويجمع نخبة من الخبراء العالميين والمسؤولين الحكوميين وقادة الصناعة في مجالات الذكاء الاصطناعي واللغويات والثقافة لاستكشاف التأثيرات الأخلاقية وتحديات القيادة وآفاق الابتكار في هذه المجالات.
يمثل مؤتمر الشارقة الدولي للذكاء الاصطناعي واللغويات «SICAL 2024» إنجازاً كبيراً في استكشاف الذكاء الاصطناعي واللغويات في المنطقة، حيث يجمع أكثر من 50 متحدثاً، و1000 مشارك، وأكثر من 20 ورشة عمل خلال يومين تهدف إلى دفع الحدود واستكشاف آفاق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من خلال جمع وجهات نظر متنوعة من قادة وممثلي الجهات التكنولوجية والأكاديمية والحكومية. كما يهدف المؤتمر إلى تعزيز التعاون في تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المتقدمة التي تراعي الأخلاق والحساسية الثقافية.
يسلّط المؤتمر الضوء على التزام الشارقة بتطوير الذكاء الاصطناعي المسؤول في العالم العربي وما وراءه، حيث يوفر منصة فريدة لتبادل الأفكار ومشاركة الأبحاث وتشكيل مستقبل تُطوَّر فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال اللغويات وتُطبَّق بأسس أخلاقية قوية وقيادة رؤية ودافع نحو الابتكار الذي يعود بالفائدة على المجتمع بأسره.