آمنة الكتبي (دبي)
استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة أن تحقق قفزات هائلة في مجال الفضاء من خلال الاستثمارات الضخمة والشراكات الدولية التي عززت مكانتها كقوة صاعدة في هذا القطاع، حيث يعتبر التعاون الدولي أحد المحاور الأساسية التي اعتمدت عليها الإمارات في بناء وتطوير برنامجها الفضائي، سواء من خلال شراكات مع وكالات الفضاء الرائدة أو من خلال التعاون مع الجامعات والمؤسسات البحثية العالمية.
وأصبح قطاع الفضاء في دولة الإمارات نموذجاً يحتذى به في كيفية الاعتماد على التعاون الدولي والشراكات الاستراتيجية لتحقيق الإنجازات من خلال رؤية واضحة واستراتيجية محكمة، حيث تمكنت الإمارات من بناء برنامج فضائي طموح يسهم في تعزيز مكانتها على الساحة العالمية وتطوير قدراتها التكنولوجية، كما وتستمر الإمارات في السعي لتحقيق المزيد من النجاحات من خلال تعزيز تعاونها الدولي والمساهمة في تطوير مستقبل الفضاء العالمي.
وتعد زيادة الاستثمارات في تكنولوجيا الفضاء إحدى أبرز الأولويات التي تركز عليها دولة الإمارات حالياً، وذلك بهدف دعم نمو هذا القطاع، حيث وصلت قيمة الاستثمارات في الدولة 40 مليار درهم، وتم توجيهها نحو استكشاف الأرض والفضاء، والبث عبر الأقمار الاصطناعية، والاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، ومن المتوقع أن يرتفع المبلغ خلال الفترة المقبلة بفضل إنشاء صندوق الفضاء الوطني الذي يدعم تمويل جهود البحث والتطوير، ويساعد على دفع عجلة التقدم التكنولوجي والابتكار.
الإنفاق التجاري
وأطلقت دولة الإمارات 22 قمراً اصطناعياً في الفضاء، بالإضافة إلى 8 أقمار اصطناعية جديدة قيد التطوير يتم العمل عليها حالياً، حيث بلغت نسبة ارتفاع الإنفاق التجاري في قطاع الفضاء 29.5%، فيما بلغت نسبة إجمالي القيمة المضافة للقطاع 7.73%، كما وصلت نسبة التغطية العالمية للأقمار الاصطناعية التي تم إطلاقها 80% لتوفر خدمات الإنترنت والبث الفضائي وربط الشركات وحلول الاتصالات المتنقلة، بالإضافة إلى نجاح الدولة في تأهيل 4 رواد فضاء، وتسجيل أكثر من 4000 ساعة على متن محطة الفضاء الدولية.
التعاون الدولي
كانت إحدى أبرز محطات التعاون الدولي، هو مشروع مسبار الأمل، والذي يهدف إلى استكشاف الغلاف الجوي للمريخ، وعلى الرغم من أن الإمارات كانت الدولة العربية الأولى التي تطلق مهمة إلى المريخ، إلا أن هذا الإنجاز لم يكن ليتم من دون التعاون الدولي الوثيق، حيث اعتمد المشروع على دعم فني وعلمي من مجموعة من المؤسسات والجامعات الدولية، بما في ذلك جامعة كولورادو بولدر وجامعة كاليفورنيا بيركلي، واسهم هذا التعاون في نقل المعرفة العلمية والتكنولوجية إلى المهندسين والعلماء الإماراتيين، مما عزز من قدراتهم ومهاراتهم.
كما تعد اليابان شريكاً مهماً للإمارات في مجال الفضاء، حيث تم إطلاق مسبار الأمل باستخدام صاروخ ياباني من مركز تانيغاشيما الفضائي، وتعتبر هذه الشراكة مع اليابان مثالاً آخر على كيفية اعتماد الإمارات على الشراكات الدولية لتحقيق أهدافها الطموحة، كما وتشارك الدولة في مشروع محطة الفضاء القمرية «Gateway» بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية واليابان وكندا والاتحاد الأوروبي.
ولم تقتصر شراكات الإمارات على الولايات المتحدة فقط، حيث تتعاون مع وكالات فضاء أوروبية مثل وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، وروسيا، واليابان، وتعاونت دولة الإمارات مع روسيا في تدريب أول رائد فضاء إماراتي هزاع المنصوري، الذي أصبح أول إماراتي يصعد إلى محطة الفضاء الدولية في 2019، ويعد هذا التعاون مع روسيا خطوة هامة نحو بناء قدرات رواد الفضاء الإماراتيين وتجهيزهم لقيادة مهام فضائية مستقبلية.
ولم تقتصر الشراكات الدولية للإمارات على التعاون مع الحكومات ووكالات الفضاء فقط، بل امتدت أيضاً إلى الشركات الخاصة والمؤسسات التجارية، ويعتبر التعاون مع شركات مثل «سبيس إكس» و«بوينغ» جزءاً مهماً من استراتيجية الإمارات لتعزيز قدراتها التكنولوجية في مجال الفضاء، ومن خلال التعاون مع «سبيس إكس»، سيتم إطلاق القمر محمد بن زايد سات في أكتوبر المقبل، كما تستفيد الإمارات من الشراكات مع الشركات الخاصة لتسريع الابتكار وتعزيز قدراتها الصناعية في هذا القطاع الناشئ.
البحث العلمي والتعليم
إلى جانب التعاون في مجال استكشاف الفضاء، تعمل الإمارات على تعزيز التعاون الدولي في مجالات البحث العلمي والتعليم، حيث أطلقت الإمارات برنامج الإمارات لرواد الفضاء الذي يهدف إلى تدريب العلماء والمهندسين الإماراتيين على أحدث تقنيات الفضاء من خلال التعاون مع الجامعات والمعاهد العالمية.
كما أن التعاون مع الجامعات والمراكز البحثية العالمية يشمل إجراء أبحاث مشتركة وتطوير حلول تكنولوجية متقدمة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بُعد، ويتيح هذا التعاون للعلماء الإماراتيين الفرصة للاستفادة من الخبرات الدولية وتطبيقها في تطوير البنية التحتية الفضائية الوطنية.
المبادرات العالمية
تلعب الإمارات دوراً نشطاً في تعزيز التعاون الدولي من خلال المشاركة في المنظمات الدولية المعنية بالفضاء، حيث تعتبر الإمارات عضواً في اللجنة الدولية لاستخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية التابعة للأمم المتحدة، وتسعى إلى تعزيز التعاون الدولي في هذا المجال، كما أطلقت الإمارات مبادرات عالمية لتعزيز التعاون الفضائي بين الدول، مثل حوار أبوظبي للفضاء والقمة العالمية للفضاء، وهي منصة تجمع القادة والخبراء من مختلف أنحاء العالم لتبادل الخبرات والتعاون في مجال استكشاف الفضاء وتطوير التكنولوجيا.
ومن خلال التعاون الدولي، تستفيد الإمارات ليس فقط من نقل التكنولوجيا والخبرات، بل تسهم أيضاً في تطوير حلول مبتكرة تسهم في تحقيق أهداف الفضاء العالمية.
هذه الشراكات تتيح للإمارات الاستفادة من التقدم التكنولوجي وتقديم مساهمات كبيرة في مجال الفضاء، وفي المقابل، تستفيد الدول الأخرى من التعاون مع الإمارات، حيث تقدم الدولة بيئة استثمارية جاذبة ودعماً حكومياً قوياً لمشاريع الفضاء، كما تسهم الإمارات من خلال تجربتها في تعزيز التعاون الدولي لتحقيق أهداف الفضاء المشتركة.