هالة الخياط (أبوظبي)
المحافظة على جودة الهواء من الأهداف الرئيسة التي تسعى دولة الإمارات إلى تحقيقها، وتعتبر ضمن أهم أولوياتها الحالية والمستقبلية، لا سيما وأن تلوث الهواء يشكل أكبر خطر بيئي منفرد على الصحة في العالم.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية فإن تلوث الهواء الداخلي والخارجي يؤدي إلى نحو 7 ملايين حالة وفاة مبكرة حول العالم كل عام، ويستنشق 9 من كل 10 أشخاص هواءً خارجياً ملوثاً يتجاوز المستويات المقبولة التي تحددها المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية، ولا تقتصر تأثيرات تلوث الهواء على الجوانب الصحية، بل تمتد لتشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.
وفي دولة الإمارات تمثل جودة الهواء إحدى القضايا الرئيسة نظراً لدورها في تعزيز الحياة الصحية والمستدامة، لذا وضعت حكومة الإمارات جودة الهواء ضمن أولوياتها الرئيسة ومنحتها مؤشر أداء رئيسي في الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2031، وفي أهداف مئوية الإمارات 2071 التي تركز بشدة على جودة الحياة والاقتصاد المستدام، كما تم تضمين جودة الهواء كأولوية في السياسة العامة للبيئة، حيث تمثل أحد الأولويات الثمانية في السياسة.
وأكد المهندس فيصل علي الحمادي، المدير التنفيذي لقطاع الجودة البيئية، بهيئة البيئة – أبوظبي التزام الهيئة بالعمل مع كافة القطاعات المعنية لضمان إيجاد الحلول المناسبة للحدّ من تلوث الهواء الناجم عن انبعاثات القطاع الصناعي، وقطاع النقل، والتلوث الضوضائي، حيث يتم بشكل مستمر تنفيذ العديد من المشاريع والمبادرات للحدّ من الانبعاثات.
وأشار إلى أن الهيئة تسعى لتحسين جودة الهواء في الإمارة، وتحقيق التوازن البيئي مع ضمان التنمية الاقتصادية، عبر توفير أدوات وأنظمة قوية مبنية على الأدلة العلمية لضمان الإدارة الفعّالة لجودة الهواء، وتحديد التدابير التي من شأنها الحد من التلوث، وحماية صحة الإنسان والبيئة.
وقال إن الهيئة ترصد حالة جودة الهواء المحيط في إمارة أبوظبي بشكل مستمر عبر شبكة واسعة من محطات الرصد والمراقبة، والتي تعتبر إحدى أكثر شبكات مراقبة جودة الهواء المحيط شمولاً في المنطقة، وتتضمن 20 محطة رصد ثابتة، ومحطتين متحركتين منتشرة في جميع أنحاء الإمارة.
وترصد الشبكة حوالي 17 ملوثاً مختلفاً، وتقدم قراءات دقيقة في كل ساعة، حيث تتضمن هذه القراءات: مستويات غازات ثاني أكسيد الكبريت، وأول أكسيد الكربون، وثاني أكسيد النيتروجين والأوزون، وكبريتيد الهيدروجين، والمواد العطرية المتطايرة، إلى جانب الجسيمات الدقيقة العالقة، وبيانات الأرصاد الجوية.
ربط إلكتروني
وبشأن الجهود المبذولة على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة، أوضح الحمادي بأن الهيئة بدأت في عام 2008 بتنفيذ مشروع الربط الإلكتروني لشبكات محطات مراقبة جودة الهواء بالتعاون مع الجهات المعنية على المستوى المحلي والاتحادي بهدف إنشاء شبكة وطنية لدعم جهود الدولة المبذولة في الحد من الانبعاثات، وتحسين جودة الهواء.
وجرى إطلاق مبادرة الشبكة الوطنية لمراقبة جودة الهواء من قِبل وزارة التغير المناخي والبيئة، وكان للهيئة دور قيادي في نجاحها بدعمها الفني للوزارة عبر استخدام مشروعها للربط الإلكتروني كنواة لهذه المبادرة.
وربطت الهيئة في مشروعها عدة جهات محلية مثل: دائرة الطاقة، ومجموعة موانئ أبوظبي، وشركة الإمارات العالمية للألمنيوم، وعلى المستوى الاتحادي تم الربط الإلكتروني مع شبكة محطات المركز الوطني للأرصاد، وبلدية إمارة دبي، مما أسهم في تحديد مستويات وجودة الهواء على مستوى الدولة، بالإضافة إلى بناء القدرات المحلية وتوعية الجمهور، وتوحيد معايير مراقبة جودة الهواء، وبالتالي رفع كفاءة البيانات، وتكوين صورة حقيقية علمية ودقيقة تسهم في وضع البرامج، والخطط، والسياسات الهادفة لتقليل الانبعاثات، وتحسين جودة الهواء، وتوفير بيئة آمنة وصحية.
واكتمل مشروع الربط الإلكتروني لشبكة مراقبة جودة الهواء التابعة لأدنوك، والذي يمثل خطوة استراتيجية لتوطيد أواصر التعاون، وتضافر الجهود بين الجهتين في سبيل المحافظة على البيئة، ويسهم هذا الربط في الوصول إلى صورة متكاملة وشاملة لنوعية الهواء في الإمارة، وبالتالي اتخاذ إجراءات مشتركة للحد من الملوثات الناتجة من قطاع النفط والغاز، والتخفيف من آثارها.
مداخن المنشآت
ومن المشاريع التي تنفذها الهيئة حالياً هو مشروع نظام المراقبة المستمرة لانبعاثات مداخن المنشآت الصناعية ومحطات الطاقة في جميع أنحاء إمارة أبوظبي إلكترونياً، حيث أوضح الحمادي بأنه تم تصميم نظام الربط الإلكتروني الجديد والمبتكر، الأمر الذي يتيح الفرصة لجمع بياناتٍ آنية وفي الوقت الفعلي من هذه المداخن، وسيعمل المشروع الذي بدأ في 2022 على إنشاء قاعدة بيانات للانبعاثات لتقييم محتوى وهيكلية أنظمة بيانات الانبعاثات الصناعية، وبشكل خاص بيانات انبعاثات المنشآت الصناعية.
ويسهم في تعزيز التعاون بين هيئة البيئة – أبوظبي والجهات المعنية لتحقيق الهدف المشترك والمتمثل في الحفاظ على البيئة وضمان جودتها، وتمكينها من جمع بيانات الانبعاثات، لتحسين آلية إعداد تقارير جرد انبعاثات غازات الدفيئة.
وبشأن شبكة مراقبة الروائح المزعجة، أفاد الحمادي بأن الهيئة أطلقت المشروع، لتمكينها من مراقبة تلوث الهواء والروائح المزعجة، والحد من الإزعاج الناتج عنها من خلال متابعة الأنشطة المسببة لها في جميع أنحاء الإمارة، حيث ستكون الشبكة بمثابة أداة قيّمة للكشف المبكر، والاستجابة السريعة لانبعاثات الروائح التي تسبب الإزعاج لسكان الإمارة.
وأوضح بأن الهيئة مهدت لهذا المشروع من خلال إجراء تقييم أولي لفهم الوضع الحالي للروائح المزعجة، والذي كان من نتائجه التركيز بشكل خاص على 13 منطقة متأثرة في جميع أنحاء الإمارة، كما سيتم تركيب خمسين جهاز استشعار لرصد الروائح في الإمارة خلال العام الجاري، مما سيعطي مؤشراً دقيقاً عن الوضع الحالي لمستواها مما يمكننا من اتخاذ التدابير الفورية اللازمة.
مؤشر جودة الهواء
أشار المدير التنفيذي لقطاع الجودة البيئية، بهيئة البيئة – أبوظبي إلى أن جودة الهواء في أبوظبي ترقى إلى المستوى المطلوب الذي يحدده مؤشر جودة الهواء الوطني رغم تجاوز بعض الملوثات المعايير الوطنية مثل الأوزون الأرضي، والجسيمات العالقة ذات المستويات العالية بطبيعتها في منطقة الخليج العربي ذات البيئة الصحراوية، وأوضح في هذا الشأن بأن الهيئة بصدد دراسة وتحديد المصادر والعوامل المؤثرة على هذه الملوثات لا سيما الجسيمات الدقيقة ذات القطر 2.5 ميكرون من أجل تطوير الإجراءات البيئية اللازمة.
وأشار إلى جملة من المقترحات التي من شأنها الحد من تلوث الهواء الناجم عن قطاع المركبات وتحسين جودة الهواء مثل تطبيق معيار «يورو 6» للمركبات الجديدة، والذي يضمن مستويات متدنية من الانبعاثات، ووضع ضوابط على استيراد المركبات المستعملة والمركبات القديمة العاملة في السوق ذات المعايير القديمة والملوثة للهواء، وتوحيد وتحديث معايير ومتطلبات الفحص الدوري لاختبار انبعاثات المركبات بما يواكب التقدم التقني في المجال، والتحول إلى المركبات الكهربائية والهجينة. إضافة إلى تعزيز المراقبة والرصد باستخدام الذكاء الاصطناعي من أجل ضمان الامتثال والمطابقة للمعايير المعتمدة على المستويين المحلي والاتحادي في الدولة.
التحديات
وحددت الأجندة الوطنية لجودة الهواء 2031 التحديات التي تواجه دولة الإمارات، ومنها النمو السكاني وتوسع المدن والاعتماد على السيارات الخاصة، وتفضيل طرازات الدفع الرباعي الكبيرة ذات الانبعاثات العالية، والنقص المحتمل في دعم الاستثمارات الكبيرة في الصناعة، وفميا يخص الهواء الداخلي تتمثل التحديات في عدم وضوح الأدوار والمسؤوليات فيما يخص مراقبة جودة الهواء الداخلي وإدارته والتخفيف منه، وعدم وجود أدلة إرشادية أو لوائح شاملة على المستوى الاتحادي تتعلق بجودة الهواء الداخلي، وكثير من المباني السكنية القديمة تعاني من مشاكل في جودة الهواء الداخلي، بالإضافة إلى الممارسات التقليدية الراسخة مثل حرق البخور وقلة وعي الجمهور العام بقضايا جودة الهواء الداخلي.
وفيما يخص التحديات الخاصة بالروائح المحيطة فتتمثل في وجود فجوة تنظيمية للروائح على المستوى الاتحادي، وعدم اتساق جودة وتوافر بيانات مراقبة الروائح في جميع أنحاء الدولة، وتخصيص الموارد الملائمة والقدرات التقنية اللازمة لمراقبة الروائح، وتوسع المدن والنمو السكاني الذي أدى إلى اقتراب المناطق السكنية من منشآت توليد الروائح الحالية وزيادة الضغط على البنية التحتية الحالية.
فيما التحديات المتعلقة بالضوضاء المحيطة فتتمثل في الإدارة الشاملة لإدخال مصادر الضوضاء الجديدة في البيئة للحد من الزيادة في انبعاثات الضوضاء الضارة، بالإضافة إلى عدم وجود عوازل ومخففات للضوضاء على معظم الطرق السريعة الرئيسية القديمة والقريبة من المناطق السكنية، وعدم اتساق بيانات مراقبة الضوضاء وجودة تقييم الضوضاء وتوافرها في جميع أنحاء الدولة، وقلة وعي أفراد المجتمع بالآثار الصحية للضوضاء.
أكد الدكتور رياض الدباغ رئيس أكاديمية مانشستر الدولية، وخبير بيئي دولي، أن تلوث الهواء يعتبر أحد القضايا الأساسية محلياً ودولياً، وطبقاً لمؤشرات الأمم المتحدة يشكل تلوث الهواء أكبر الأخطار البيئية على الصحة في العالم، ففي كل عام يموت أكثر من 6.5 مليون شخص جراء التعرّض لتلوث الهواء الخارجي والداخلي لأن الهواء له قدرة محدودة على تنظيف نفسه من الملوثات وبالتالي لا يمكنه التخلص من جميع الملوثات التي تهدده.
وبين الدباغ أن جودة الهواء تمثل إحدى القضايا الرئيسية في الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2031، إذ تستهدف الأجندة رفع معدل جودة الهواء من مستواها الحالي إلى 90% بحلول عام 2031.
وقال الدباغ: «في السنوات الأخيرة، بذلت دولة الإمارات جهوداً كبيرة لوضع تصور وفهم واضح وراسخ للوضع الحالي لجودة الهواء. وتم تركيز الجهود على تنفيذ المبادرات التي من شأنها تحسين إدارة جودة الهواء. وتم تطوير الأجندة الوطنية لجودة الهواء لتمثل الاستراتيجية التي ستقود الجهود التي تبذلها المؤسسات الاتحادية والمحلية من أجل تسهيل مراقبة وإدارة جودة الهواء، متوقعاً أن تؤدي الأجندة إلى تحسين جودة الهواء، وأن تدعم في الوقت ذاته تحقيق الفوائد المشتركة، والاستفادة من أوجه التناغم عبر مجموعة من القطاعات ذات الصلة».
وبين أن الأجندة الوطنية صممت لتتماشى مع الاستراتيجيات الموضوعية والقطاعية الوطنية الأخرى وتدعمها، مثل: الأجندة الخضراء، والاستراتيجية الوطنية للابتكار، واستراتيجية الإمارات للطاقة 2050، والاستراتيجية الوطنية للتنقل الذكي، واستراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة.
وتسعى الأجندة إلى تعزيز جودة الهواء في أربعة مجالات هي جودة الهواء الخارجي، وجودة الهواء الداخلي، والروائح المحيطة، والضوضاء المحيطة.
مبادرات
أكد الدكتور حسام شودري، أستاذ مشارك بكلية الطاقة وعلوم الأرض والبنية التحتية والمجتمع في جامعة هيريوت وات دبي، أن تلوث الهواء مشكلة عالمية وتحدٍ كبير، لما يشكله من مخاطر كبيرة على السكان وما يسببه من مشاكل صحية خطيرة، ويزيد من معدلات الوفيات، ويساهم في تطور الأمراض المزمنة، ويضر بالبيئة.
وقال إن منظمة الصحة العالمية تعتبر أن الهواء النقي النظيف متطلباً أساسياً لصحة الإنسان ورفاهيته.
ويرى شودري أن الإمارات اتخذت خطوات فعالة، ونفذت مبادرات مختلفة للحفاظ على جودة الهواء والتخفيف من التلوث، إدراكاً لأهمية الاستدامة البيئية للصحة العامة والازدهار الاقتصادي والحفاظ على أنظمتها البيئية الفريدة.
وفي هذا الإطار، أشار شودري إلى بعض المبادرات، ومنها الأجندة الوطنية لجودة الهواء 2031 التي أطلقتها وزارة التغير المناخي والبيئة التي يهدف تنفيذها إلى تحقيق مجموعة من الفوائد الصحية والفوائد البيئية والاجتماعية والاقتصادية.
ولفت شودري إلى الجهود التي بذلتها الدولة فيما يخص تطوير مبادرة الاقتصاد الأخضر التي تتضمن مجموعة من البرامج والاستراتيجيات التي تهدف إلى التحول نحو الاقتصاد الأخضر.
ويشمل ذلك الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتعزيز الممارسات المستدامة في مختلف القطاعات لتقليل تلوث الهواء الناجم عن الأنشطة الصناعية.
كما استثمرت حكومة الإمارات العربية المتحدة بشكل كبير في تطوير أنظمة النقل العام الفعالة، بما في ذلك شبكات المترو والحافلات وخدمات الترام، انطلاقاً من أن استخدام وسائل النقل العام يساعد في تقليل الازدحام المروري وانبعاثات المركبات، وبالتالي تحسين جودة الهواء في المناطق الحضرية.
وبين شودري أن معايير ومبادرات البناء الأخضر المطبقة في الدولة تساعد في تعزيز ممارسات البناء المستدامة، وتحسين كفاءة الطاقة، والحد من تلوث الهواء الداخلي. وتساعد هذه التدابير على تقليل الانبعاثات الصادرة عن المباني وتحسين جودة الهواء الداخلي لشاغليها.