الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

حاكم الشارقة يفتتح المعهد الثقافي العربي في ميلانو

حاكم الشارقة يفتتح المعهد الثقافي العربي في ميلانو
31 أغسطس 2024 18:44

افتتح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، صباح أمس الجمعة، المعهد الثقافي العربي في مدينة ميلانو الإيطالية.
كان في استقبال سموه، كل من الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، والشيخ ماجد المعلا نائب رئيس أول لدائرة الشؤون الدولية في طيران الإمارات، وعبدالله علي السبوسي سفير دولة الإمارات لدى الجمهورية الإيطالية، وناصر القحطاني سفير دولة الكويت في الجمهورية الإيطالية، وأحمد بن ركاض العامري الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب، والدكتور عبد العزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث، والدكتور سلطان العميمي رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ومحمد حسن خلف مدير عام هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، وعيسى عباس مدير عام هيئة الشارقة للآثار، وعدد من كبار المسؤولين ورؤساء تحرير الصحف الإماراتية.

واستُقبل سموه لدى وصوله إلى جامعة القلب المقدس الكاثوليكية، التي يقع مبنى المعهد الثقافي العربي ضمن رحابها، بعزف فن العيالة الإماراتي الذي قدمته فرقة الشارقة الوطنية.
بدأت مراسم الافتتاح بالتوجه إلى قاعة الحفل، حيث ألقى صاحب السمو حاكم الشارقة كلمة بمناسبة افتتاح المعهد العربي الثقافي، عبر فيها عن سعادته بنجاح العلاقة التي تجمع الشارقة بجامعة القلب المقدس الكاثوليكية وإثمارها افتتاح المعهد الثقافي العربي الذي تحتضنه الجامعة في رحابها، لافتاً سموه إلى أن العلاقة مع الجامعة منذ 7 سنوات شهدت زيارة الكثير من الطلبة والطالبات إلى الشارقة لحضور المؤتمرات والأحداث المتنوعة الثقافية والتعليمية وغيرها، وزيارة وفود من الشارقة للجامعة والمشاركة في فعالياتها وتعزيز التعاون معها.
وقال سموه: «كثير من المساعي وأصحاب العزائم يتوقون أن يخدموا لغتهم ودينهم وجنسهم ولكن تطغى عليهم الأنانية والطائفية والكبرياء ولكن الخضوع لله وما بعده إلا للعلم، وأنا باحث ودارس للغة العربية التي بها عجائب من كلمات ومرادفات تشترك في معنى واحد ظاهرياً أو باطنياً».
وأوضح صاحب السمو حاكم الشارقة أنه خلال بحثه بين المعاجم والقواميس العربية عن أصول هذه اللغة من حيث نشأتها ومرجعها، وجد من ادعوا أن هنالك لغة تسمى السامية استنبطوها من سام بن نوح وأن له ابن يسمى آرام وهي أساساً إرم التي على وزن هرم وورم وتعني الأرض المرتفعة التي نزل بها قوم عاد بعد أن كانوا في أطراف عمان وذكرت في قول الله عز وجل (ألمۡ تر كیۡف فعل ربك بعادٍ * إرم ذات ٱلۡعماد) ويقصد بها إرم التي بها الأعمدة وليس آرام ابن نوح.

وقال سموه: «وضعوا هذه اللغة التي نتحدث بها موضع اللغات الثانية وقالوا كلها تشترك إن كانت حبشية أو عبرية، وأنا لم أقتنع بذلك وبدأت أبحث، ففي قول الله عز وجل (وإذۡ قال ربك للۡملٰۤىٕكة إنی جاعل في ٱلۡأرۡض خلیفة) أي الأرض كانت خالية، وفي قوله سبحانه وتعالى (وعلم آدم ٱلۡأسۡماۤء كُلها) أي آدم عالم بكل شيء لأنه موجه من الله سبحانه وتعالى».
وأضاف صاحب السمو حاكم الشارقة: «قيل إن آدم نزل هو وحواء من شرق أفريقيا ومن هناك انتشروا، وقيل أقرب مكان لمن انتشروا هو الجزيرة العربية وقد عبروها في دقائق ذلك الوقت، وأخذت أبحث في كل الدراسات وبكل دقة حتى وجدت أن هذه الآثار الأولية لأبناء آدم تكتشف في الشارقة من بروفيسور هانز من جامعة تيوبنغ، وكانت الهجرات لا ترمز إلى عبورهم في الجزيرة هنا، ولكن بعد هذا الاكتشاف تم تصحيح الخرائط القديمة، ووضع خط أحمر يخرج من شرق أفريقيا إلى الجزيرة العربية حتى يصل إلى الشارقة، وهذا فخر للشارقة أن يكون بها الأوائل من أبناء آدم».

وأشار سموه إلى أن نتيجة بحثه وجد أن اللغة العربية هي نفسها اللغة التي خرجت إلى الجزيرة العربية، معبراً عن سعادته الكبيرة مع كل اكتشاف يؤكد أن هنالك كلمات عربية أصيلة قد لا تستعملها الشعوب العربية لقدمها ولكنها موجودةً في القواميس، لافتاً سموه إلى جهود إنجاز المعجم التاريخي للغة العربية الذي سيكون في 125 مجلدا، يحتوي كل منها على 750 صفحة، وسيفسر المعجم ما وجد في قاموس اللغة اللاتينية المترجم إلى العربية.
واختتم صاحب السمو حاكم الشارقة كلمته، قائلاً: أنا الآن في بداية العمل على 5 مجلدات للقاموس اللاتيني، آمل أن يصدر هذا القاموس ليبين فيه القاموس العربي إلى اللاتيني وحتى تبرز الكلمة، وهذا مشروع كبير يثبت أن اللغة العربية هي لغة رب العالمين لآدم وهذه اللغة هي التي وجه بها رب العالمين جدنا آدم ليعمر هذه الأرض، ونحن نأمل أن نعمر الأرض ولا نخربها بل نمد يدنا للتعاون في المجالات الإنسانية وليس في المجالات التخريبية، ونحمي هذه الثقافة أكانت عربية أم إيطالية أم لاتينية أو أي ثقافة نحافظ عليها من العبث، وما يحدث من عبث آلمنا كثيراً فما شاهدناه في المهرجان الذي أقيم في باريس من تشويه لسيدنا المسيح عليه السلام، ولصورة نحن وغيرنا لا يقبلها، ومن هنا نحتج ونعلي صوتنا لا للعبث لا للعبث لنحمي لغتنا وعقائدنا وثقافتنا فهذه الخطوات مطلوبة لكل إنسان يريد أن يعيش على هذه الأرض في سلام.

وألقت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، كلمة خلال حفل الافتتاح، عبرت فيها عن سعادتها باللحظة التاريخية لافتتاح معهد الثقافة العربي في الجامعة الكاثوليكية للقلب المقدس في ميلانو، مؤكدة أن هذه المناسبة الهامة هي تجسيد عملي للإرادة الصادقة والرؤية الدائمة في تعزيز الحوار الثقافي والتعاون الأدبي بين الشارقة والعالم بأسره، والتواجد هنا اليوم يعني بداية فصلٍ جديدٍ في مسيرة الشارقة الثقافية والأدبية، مسيرة تمضي بها الشارقة لتتخطى الحدود وتعبر القارات براية الأدب الذي طالما جمع القلوب ووحد العقول منذ الأزل.
وأوضحت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، أن التزام صاحب السمو حاكم الشارقة الثابت بتعزيز الثقافة والتعليم كان وما زال حجر الزاوية في إنجازات الشارقة المميزة في العلم والأدب، والتي جعلت الشارقة محط أنظار العالم لتفوز بالاعتراف العالمي كمنارة للمعرفة والإبداع والتبادل الثقافي حيث حصلت الشارقة لقب العاصمة الثقافية للعالم العربي عام 1998، وبعد ذلك الإنجاز، وضعت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة عام 2014 على صدر إمارة الشارقة وسام عاصمة الثقافة الإسلامية تقديراً لها على إسهاماتها المميزة في المجال الثقافي محلياً وعربياً وإسلامياً، وفي عام 2019، حصدت وساماً آخر من اليونسكو عندما تم اختيارها عاصمة عالمية للكتاب، مضيفة أن افتتاح هذا المعهد هو امتدادٌ لهذه المسيرة، وهو جزء مهم من استراتيجية هيئة الشارقة للكتاب التي تلعب دوراً كبيراً في تنفيذ الرؤية الثقافية لسموه وإمارة الشارقة عبر بناء الشراكات حول العالم وإقامة العديد من الفعاليات الثقافية العالمية مثل معرض الشارقة الدولي للكتاب ومؤتمر الناشرين وغيرهما مما يساهم في بناء جسورٍ ثقافيةٍ متينةٍ بين الشرق والغرب.

وقالت رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب إن معهد الثقافة العربي هو جسر يربط الشرق بالغرب، وهو منصة للدبلوماسية الثقافية، ومركز لتعزيز التواصل الأدبي وملتقى لحوار الحضارات، مؤكدة أن هدفنا هو خلق بيئة تزدهر فيها الأفكار حيث يجتمع الكُتاب والناشرون من خلفياتٍ ثقافيةٍ متنوعةٍ لتبادل قصصهم، وحيث يتم الاحتفاء بالتراث الأدبي الغني للعالم العربي واستكشافه من قبل جمهورٍ جديد، وأوضحت: اليوم نحن بحاجة إلى رسائل السلام والتعاون والتفاهم أكثر من أي وقت مضى كي نضمن أننا سنترك هذا العالم في حالة أفضل للأجيال القادمة، نعم.. سيكون هذا المعهد منارة لهذه القيم، فبين جدرانه سيتعزز التبادل الثقافي ويزدهر الاحترام المتبادل.
وأضافت: «نحن فخورون بالتعاون مع الجامعة الكاثوليكية للقلب المقدس، المؤسسة التي تشاركنا قيمنا في التعليم والتبادل الثقافي والنمو الفكري، إن هذا التعاون يمثل روح الشراكة التي يسعى معهد الثقافة العربي لتعزيزها، شراكة تتجاوز الحدود وتوحدنا من خلال حبنا المشترك للأدب والثقافة، وفي هذا السياق، متوجهة بالشكر إلى الجامعة والقائمين عليها على شراكتهم وتعاونهم في افتتاح هذا المعهد الذي سيصبح حلقة وصل حيوية في سلسلة التواصل الثقافي العالمي بين إمارة الشارقة وإيطاليا، وأكدت أن دوركم في تعزيز هذه الجسور الثقافية دور أساسي نعول عليه الكثير ونثمنه بشكلٍ كبير جدا».
واختتمت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي كلمتها بالتأكيد على أن رسالة الشارقة واضحة في تعزيز التعاون الأدبي بين الشرق والغرب، وتسهيل وتقوية التبادل في عالم النشر والكتاب بين الشارقة والعالم، وتشجيع ودعم السفراء الثقافيين، وكذلك بناء مجتمع واسع من الشراكات العالمية، بالإضافة إلى هدف المعهد في جذب أصوات جديدة واستقطاب أقلام رائدة إلى الساحة الثقافية الحيوية في الإمارات العربية المتحدة وخلق فرص للتبادل الثقافي التي سينعم بثمارها الجميع.
وألقت الدكتورة إيلينا بيكالي رئيسة جامعة القلب المقدس الكاثوليكية كلمة رحبت خلالها بصاحب السمو حاكم الشارقة والوفد المرافق له في رحاب الجامعة لافتتاح المعهد الثقافي العربي، مؤكدة أن المعهد لا يعد مركزا ثقافيا وتعليميا جديدا فقط، بل مبادرة هامة وخطوة ستعزز بشكل أكبر التعاون المثمر الذي أقامته جامعة القلب المقدس الكاثوليكية منذ فترة طويلة مع العالم العربي، وبوجه الخصوص مع إمارة الشارقة.
وتناولت بيكالي في كلمتها اهتمام الجامعة بتعليم الثقافة واللغة العربية من خلال جهود ومبادرات عديدة منها مهرجان اللغة والثقافة العربية، الذي شهدت دوراته السبع مشاركة العديد من العلماء والمفكرين من جميع أنحاء العالم العربي، بالإضافة إلى تنظيم دورات اللغة العربية التي ينتسب إليها كل عام أكثر من 300 طالب وطالبة.
وأشارت رئيسة جامعة القلب المقدس الكاثوليكية إلى إنشاء مركز أبحاث اللغة العربية في عام 2016، والذي يهدف إلى تعزيز الأنشطة العلمية في مجال اللغة العربية الحديثة، من خلال الندوات والمؤتمرات، بما في ذلك التي تحمل أهمية دولية، والتعاون مع أساتذة وباحثين من جامعات أخرى، وتعزيز التبادل بين الخبراء في ذات المجال، كما يولي المركز اهتماما خاصا لتطوير منهجيات مبتكرة لتدريس اللغة العربية، ومن الأمثلة المهمة على ذلك نشر خمسة كتب دراسية للغة العربية.

وأوضحت بيكالي أن افتتاح المعهد الثقافي العربي يعبر عن التزام الجامعة بتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان والتربية على الفهم المتبادل، ويتماشى مع القناعة الراسخة بأن جامعة القلب المقدس الكاثوليكية يجب أن تكون مجتمعا منفتحا ومكانا للحوار من أجل الخير العام، ويجب أن تبقى كذلك في المستقبل من خلال التحالفات والتعاونات الاستراتيجية التي تهدف إلى المساهمة في التقدم المدني والاجتماعي والاقتصادي.
واختتمت رئيسة جامعة القلب المقدس الكاثوليكية كلمتها بتوجيه الشكر لكل من ساهم في إنجاح مبادرة تأسيس المعهد الثقافي العربي الذي يعد فرصة ملموسة للحوار بين العالم والثقافات، مثمنةً دعم واهتمام صاحب السمو حاكم الشارقة، وجميع القائمين على المؤسسات الثقافية والتعليمية في إمارة الشارقة.
وتخلل حفل الافتتاح، محاضرة شارك فيها الدكتور امحمد صافي المستغانمي أمين عام مجمع اللغة العربية بالشارقة، والدكتور إغناطيوس غوتيريث أستاذ اللغة والأدب العربيين ورئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة أوتونوما في مدريد، وأدارها الدكتور وائل فاروق أستاذ اللغة العربية وآدابها ودراساتها الثقافية في «جامعة القلب المقدس الكاثوليكية»، حيث تناول الدكتور امحمد المستغانمي دور المعجم التاريخي في صناعة الملكة اللغوية، وبدأ الحديث عن أهمية اللغة، وقال إنها لدى كل قوم، وفي كل مجتمع إنساني، وسيلة التواصل وأداة التفاهم، وهي محل عناية الدارسين وموضعُ تأمل الباحثين على تعاقب العصور وتتابع الدهور، وتعد اللغة صانعة الفكر، وحاملةُ الهوية، ووسيلة الإبداع، وبدون لغة لا توجد كتابة ولا طباعة، ولا إذاعة، ولا حاسوب، وكل وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة لا وجود لها من دون لغة، مشيراً إلى قول سقراط لتلميذه (تكلم حتى أراك)، وقول زهبر بن أبي سلمي (لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُه.. فلم يبق إلا صورةُ اللحم والدم).

وأضاف المستغانمي: «في شأن اللغة العربية، فإن تعليمها لأبنائها وللناطقين بغيرها يمر بظروف صعبة شديدة، ومُشجعة مُحفزة في الوقت نفسه، إذ يشهد العالم المعاصر تنافساً كبيراً بين اللغات العالمية، ونهضة قويةً في ميدان تعليمها والتمكين لها انتشارا وانحسارا، والواقع المعقد الذي نحياه يكشف عن ضعف لغوي شديد لدى كثير من المتكلمين باللسان العربي، وقد تشاركت عوامل كثيرة في تكوين هذا الضعف، واغتدى كل مهتم بشأن العربية الفُصحى وأضحى، وأصبح وأمسى باحثاً عن سُبُل للعودة بالعربية إلى مجدها التليد، والاهتداء إلى طرائق ناجعة مفيدة لتحبيب أبناء الأجيال المعاصرة فيها، وتمكينهم من حسن التحدث بها وتجويد الكتابة بها».
وفي إجابته حول تساؤل أهل الصنعة اللغوية «هل نستطيع اليوم أن نُخرج أجيالاً من الفصحاء الأبيناء؟»، قال أمين عام مجمع اللغة العربية بالشارقة، إن الأرض العربية التي أخرجت امرؤ القيس والمُهلهل، وزهيرا والسموأل، وعنترة وطرفة وجرول، وجريرا والفرزدق والأخطل، ومسلم بن الوليد وأبا العتاهية ودعبل خُزاعة الفطحل، ونُظراؤهم من جهابذة الشعر، وأبيناء النثر، ومصاقعة الخطابة، ورُواد الأقلام السيالة في شتى الفنون والعلوم والآداب، إن تلك الأرض العربية المباركة التي أنجبت أولئك الأفذاذ، ليست عقيماً، وليست عاجزة اليوم أن تُنجب أمثالهم من النُجباء الأذكياء، ونُظرائهم من الفصحاء البلغاء، وأولي الرأي السديد، والفكر الرشيد.
وأوضح المستغانمي أنه في ميدان تعلم اللغة، على طالب العلم أن يُدرك أن تعلمها لا يقف عند معرفة معاني ألفاظها، وأحوال أوزانها وأبنيتها، وعليه أن يعلم أن اكتساب الملكة اللغوية لا يكون إلا إذا امتلك المتعلم آليات تعلم اللغة، مبتدئا من معرفة الألفاظ ودلالاتها، ماراً بحُسن استعمالها وتركيبها، ممارساً دعاءها واستحضارها في اللحظة التي يريد، مُنتهياً إلى مراعاة مقامات الكلام وسياقاته وظروفه وملابساته، مؤكداً أن السبيل الأمثل لتحقيق ذلك هو أن يصل القائمون على التربية والتعليم إلى كيفية تكوين الملكة اللغوية لدى أبناء الجيل.
وأشار أمين عام مجمع اللغة العربية بالشارقة إلى مجموعة من المقترحات والحلول التي تدعم تعليم وترسيخ اللغة العربية الصحيحة منها الانغماس اللغوي الذي يؤكد ضرورة العيش في رحاب بيئة سليمة لُغويا، ليُحقق اكتساب ثلاث كفايات: لغوية وثقافية وتواصلية، وضرورة إتقان علوم الآلة المتعلقة باللسان العربي وهي النحو والصرف والإملاء والبلاغة بعلومها الثلاثة (البيان والمعاني والبديع) وعلم العروض، ومفتاح التدرج في تكوين الملكة اللغوية من السهل إلى الصعب، ومن البسيط إلى المُعقد، ومن العام إلى الخاص، ومفتاح القراءة الذي يجب أن يمتلكه المتعلم في سن مبكرة، ويُحسن توظيفه، ليتعلم مخارج الحروف وصفاتها، ويُتقن قراءة الكلمات والجمل والفقرات، ويعرف أين يقف، ويتعلمُ مواضع الفصل والوصل، وغير ذلك من مهارات القراءة السليمة الصحيحة.

ولفت المستغانمي إلى دور الحفظ فهو الرافد الأكبر لخزان الملكة اللغوية مثل حفظ القرآن، والأحاديث، والأشعار، فعملية الحفظ تُكون لدى الناشئ مخزوناً من الألفاظ والأنساق التعبيرية مُحكمة النسج، بديعة النظم، وتكون جاهزةً في ذهنه، تُمكنُه من التعبير القوي، بالإضافة إلى ضرورة البُعد عن الازدواجية اللغوية، أثناء التعلم إذ ينبغي ألا يخلط المتعلم أثناء تعلمه بين لغات مختلفة، ولا يستعمل كلمات وألفاظاً أعجمية يستسهلها في التعبير عما يريد، كما لفت إلى أهمية التقليد والمُحاكاة لتُكون لدى المتعلم خزاناً فياضاً من المحفوظ الأدبي شعراً ونثراً، وليُحكم قبضتهُ على علوم الآلة، فإن الدربة والمران والممارسة المتكررة والمحاكاة المستمرة، كل أولئك يقوي الملكة في نفس صاحبها، ويجعلها تتجذرُ وترسخ وتستحكم لدى المتعلم، مختتماً مقترحاته بدور المعلم الأسوة الذي يرعى المتعلم رعاية مُرب حكيمٍ مُتقن للغة، عليمٍ بفنونها، حاذقٍ في أساليبها، حصيف الرأي، شغوف بالعربية، عاشقٍ لنحوها وصرفها، مُستهام ببلاغتها، قُدوةٍ في إجادة التعبير بها، هاجرٍ للعاميات يُضمرُ ويُبدي البغضاء والشنآن لها.
وتطرق أمين عام مجمع اللغة العربية بالشارقة إلى مجموعة من الأمثلة في المعجم التاريخي للغة العربية التي تثري الملكة اللغوية، وتعبر عن خصائص العربية مثل سعة مُعجمها وكثرة مفرداتها مثل المفردات التي تعبر عن ساعات الليل والنهار (الشفق/ الغسق/ العتمة/ السدفة/ الفحمة/ الزلة/ الزلفة/ البُهرةُ/ السحر/ الفجر/ الصبح/ الصباح/ الشروق/ البُكور/ الغُدوة/ الضحى/ الهاجرة/ الظهيرة/ الرواح/ العصر/ القصر/ الأصيل/ العشي/ الغروب)، وثراء الاستعمال في العربية، مثل الجذر (ر ج ع): الذي وجد الباحثون في المعجم التاريخي 34 مدخلاً له.
وألقى الدكتور إغناطيوس غوتيريث أستاذ اللغة والأدب العربيين ورئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة أوتونوما في مدريد محاضرة بعنوان «واقع اللغة العربية في أوروبا في القرن 21.. إسبانيا نموذجاً»، لفت في بدايتها إلى أن اللغة العربية تعد اليوم لغة الأم لما يقارب الخمسة ملايين نسمة في أوروبا، وذلك نتيجة لحركة الهجرة المستدامة الآتية من البلدان العربية، لاسيما تلك المجاورة كالجزائر والمغرب وتونس، فلقد أدت هذه الحركة إلى ظهور رعيل متمكن من المواطنين الأوروبيين ذوي الأصول العربية، أصابوا مستوىً ملحوظاً من العلم والثقافة وهم المتميزون بحيوية ودينماكية، ويشكل هذا الجيل مكوناً بشرياً ذا أهمية قصوى في سياق المساعي الرامية لنشر الثقافة العربية، بالإضافة إلى المسلمين من غير العرب وهم 20 مليون نسمة تقريباً حسب الإحصائيات الرسمية، إذ تحظى اللغة العربية في نظرهم بمكانة بارزة بحكم الممارسة الدينية اليومية وكون نصوصهم العقائدية الأساسية مكتوبة بها، وهو ما يستلزمهم معرفتها وإن كان بطريقة سطحية.
وأوضح غوتيريث، خلال حديثه في محور «اللغة العربية في أوروبا.. حقائق واستشرافات» أن العربية هي اللغة الأجنبية الأوسع انتشاراً في أوروبا مما يدعو للتعامل الجدي مع دلالات كثيرة تظهر بوضوح على عدة نواحٍ ثقافية واجتماعية واقتصادية، والتوقف هنا على الجوانب التربوية والتعليمية المترتبة على هذا الواقع الجديد، مشيراً إلى توقع بعض الدراسات الحديثة أن تبلغ نسبة الناطقين بالعربية في أوروبا ما يناهز 10% بعد ما يقل عن ثلاثين سنة، مما سيفرض على الدول الأوروبية ومجتمعاتها واقعاً تربوياً وتعليمياً جديداً يستوجب إنشاء المزيد من المراكز والمدارس لتعليم لغة الضاد وتعريف الناس بمقومات الثقافة العربية.
وفي محور «الثقافة العربية في إسبانيا.. حضور يتعدى حدود التاريخ»، بين أستاذ اللغة والأدب العربيين أنه رغم المكانة التي تحتلها اللغة العربية في مجال تدريس اللغات الأجنبية على المستوى الأوروبي فإن الحالة الإسبانية تتسم بخاصيات عدة تميزها عن معظم البلدان الأوروبية فالحضارة الأندلسية تركت أثراً كبيراً على الهوية الإسبانية المعاصرة ويسهل استشعاره، سواء على الناحية الاجتماعية أو الثقافية أو الدينية، ولا يمكن التغاضي عن الحضور الفعال للثقافة العربية في اللغة الإسبانية، إذ أن اللغة العربية تمثل الرافد الاصطلاحي الثاني للغة الإسبانية بعد اللاتينية، وهو ما يوجد جلياً في الكمية الوفيرة من المفردات والعبارات والتعابير والتراكيب العربية الموجودة في الإسبانية المعاصرة، ولفت إلى دور إسبانيا كوسيط لنقل الثقافة العربية وتطوير الدراسات المرتبطة بها إلى أميركا اللاتينية الناطقة بالإسبانية أو البرتغالية.
وأكد رئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة أوتونوما في مدريد خلال حديثه عن اللغة العربية وتدريسها في إسبانيا أن الدراسات الاستعرابية في إسبانيا سبقت نظيرتها الأوروبية على صعيد سبل تحليل النصوص العربية القديمة ونماذج تدريسها، وهي من الطاقات التحديثية التي يمكن استغلالها اليوم لتجديد طرائق تدريس العربية بالاستناد إلى الأدوات التكنولوجية المعاصرة، بالإضافة إلى المساعي الرامية إلى إدخال اللغة العربية في برامج التدريس لمرحلتي الابتدائية والثانوية، وهو مسعى تسعى إليه جهات معينة في إقليمي اندلسيا وكتالونيا، موضحاً أن فرص نجاح هذه المحاولات وغيرها مرهونة بأداء المؤسسات والمراكز التي أنشئت لنشر الثقافة العربية في إسبانيا، وعلى النطاق الجامعي هنالك عدة أقسام تنذر نفسها لتدريس اللغة العربية ومواد ذات صلة بالتاريخ والآداب واللسانيات العربية، وتندرج أغلبيتها في إطار «الدراسات العربية والإسلامية»، وتشمل جامعات ذات شهرة.
ولفت غوتيريث خلال حديثه عن دور أقسام الدراسات العربية الجامعية في نشر اللغة والثقافة العربيتين إلى مساعي تحديث النماذج التدريسية التي لا بد أن تنطلق من البيئة الجامعية، بالتنسيق مع سائر المؤسسات الحكومية والأهلية المعنية بالثقافة العربية في إسبانيا، مؤكداً على ضرورة الالتفات إلى التحديات العصرية والعراقيل الرئيسية التي قد تجابه تطور اللغة العربية وتعليمها، سواء أكانت إجرائية أو منهجية أو مادية أو من أي نوعية أخرى، ومشدداً على ضرورة إعداد خطة متكاملة لتوثيق أواصر التعاون والتبادل بين جميع الجهات والأفراد المتصلين بالدراسات العربية.

واختتم رئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة أوتونوما في مدريد محاضرته بعرض عدد من التوصيات التي قد تدعم تطوير خطط تدريسية ملموسة في إسبانيا وأمريكا اللاتينية ومنها إنشاء مركز ثقافي عربي دولي، وإعداد مناهج تدريسية، وتطوير أساليب تعليمية في الشبكة العنكبوتية، وتحفيز استخدام العربية فيها وفي الوسائل الرقمية، وتأهيل المدرسين والباحثين في مجال تعليم العربية للاستفادة من التقنيات الرقمية الحديثة، وتوفير إمكانيات الذكاء الاصطناعي الهائلة بغية تطوير المناهج والنماذج.
وكان صاحب السمو حاكم الشارقة والحضور قد شاهدوا عرضا موسيقيا قدمه فريق كورال اللغة العربية الموسيقي، والذي يتكون من الطلبة الذين تعلموا اللغة العربية في جامعة القلب المقدس الكاثوليكية.
وتلقى سموه مجموعة من الإصدارات والكتب كهدية تذكارية من إدارة جامعة القلب المقدس الكاثوليكية تقديراً لجهود سموه ودعمه المستمر للعلاقة بين الجامعة والشارقة.
بعد ذلك، توجه صاحب السمو حاكم الشارقة رفقة الحضور إلى مبنى المعهد الثقافي العربي حيث أزاح سموه الستار عن لوحته التذكارية إيذاناً بافتتاحه رسمياً، ليطلع بعدها على معرض آثار الشارقة الدائم الذي يحمل عنوان «التراث الحضاري لإمارة الشارقة»، وتنظمه هيئة الشارقة للآثار في مبنى المعهد.
وتعرض هيئة الشارقة للآثار في المعرض 83 قطعة أثرية من الكنوز الأثرية المهمة تمثل جميع الفترات الحضارية المكتشفة في إمارة الشارقة بدءًا من العصور الحجرية، مرورا بالعصر البرونزي والعصر الحديدي، وفترة مملكة مليحة، والفترة الإسلامية حتى القرن العشرين، ويتيح هذا المعرض فرصة للتعرف على المكتشفات الأثرية وتنوعها وأهميتها في التواصل الحضاري مع العالم القديم في تلك الفترات.
وتجول سموه في مرافق المعهد، وشهد أولى فعالياته التي تنظمها هيئة الشارقة للكتاب بالتعاون مع جامعة القلب المقدس الكاثوليكية، حيث استهل المعهد أنشطته بسلسلة ورش إبداعية وفنية تتناول جانب من التراث الثقافي والفني العربي، منها ورشة إبداعية للخط العربي.

ويعتبر المعهد الثقافي العربي الأول من نوعه للثقافة العربية في إيطاليا، واضعاً تاريخ مبادرة دولية إماراتية تنطلق من الشارقة في عدد من بلدان العالم، تتضمن إنشاء سلسلة معاهد للثقافة العربية في عواصم المعرفة والإبداع، بهدف مد جسور التواصل والحوار وتعزيز العلاقات الثقافية بين الحضارة العربية والغربية، وإظهار حجم مساهمة العرب في النتاج العلمي والإبداعي الإنساني.
ويسعى المعهد إلى تسهيل الشراكات بين الناشرين العرب والإيطاليين لترجمة الأعمال العربية إلى اللغة الإيطالية وغيرها من اللغات الأوروبية، إلى جانب إطلاق مجلة أدبية مشتركة باللغتين العربية والإيطالية، تضم أعمالاً لكتاب وأدباء عرب وأوروبيين، بالإضافة إلى تطوير منصة رقمية تتيح للأفراد اكتشاف جوانب الثقافة العربية وكنوز الأدب العربي، ويستهدف المعهد الأجيال الجديدة من الشباب الإيطاليين والباحثين والدارسين للثقافة العربية، وأدباء المهجر، إذ يعتبر أول معهد متخصص في إدارة البرامج والسياسات الثقافية العربية في إيطاليا، حيث سيتولى تنظيم برامج تعلم اللغة العربية، ويطلق منحاً لبرامج التبادل الثقافي، إلى جانب إعداد أنشطة مخصصة للطلاب والشباب والكُتاب الواعدين، كما سيعمل المعهد على توسيع مهرجان اللغة العربية، الذي ترعاه هيئة الشارقة للكتاب في ميلانو، ليشمل أنشطة أكثر تنوعًا مثل قراءات الشعر وورش العمل اللغوية والمناقشات الجماعية، ويخصص جانباً من أنشطته لتنظيم معارض كتب سنوية وفعاليات أدبية وورش عمل وندوات تفاعلية بين الثقافة العربية والأوروبية.

المصدر: وام
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©