أحمد مراد وأحمد شعبان وشعبان بلال (القاهرة)
ترتبط دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية إندونيسيا بشراكة دبلوماسية نشطة وفاعلة تساهم بشكل ملحوظ في تعزيز السلام الإقليمي والعالمي، ومواجهة التحديات التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، وتستند العلاقات الاستراتيجية بين الإمارات وإندونيسيا إلى مواقف متقاربة، وقواسم مشتركة، وتوافق في الرؤى حيال العديد من القضايا العالمية، وفي مقدمتها دعم الأمن والسلم الدوليين، ونشر قيم التسامح والتعايش السلمي.
ويظهر عمق العلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين الإمارات وإندونيسيا جلياً في تعدد أطر وآليات التعاون المشترك، وتنوع أوجه التوافق والاهتمامات المشتركة بينهما، لا سيما أن البلدين يرتبطان بشراكة مؤثرة داخل العديد من المنظمات والمجموعات الدولية، وعلى رأسها مجموعة العشرين ورابطة الآسيان.
هناك العديد من القواسم المشتركة التي تجمع بين الإمارات وإندونيسيا، إذ يتبنى البلدان سياسة خارجية متوازنة، ويحرصان على إقامة شراكات وتحالفات مع مختلف القوى الدولية المؤثرة، وهو ما ساعد البلدين على تنسيق مواقفهما المشتركة في المنظمات الدولية والإقليمية المختلفة، سواء الأمم المتحدة أو منظمة التعاون الإسلامي أو المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب الذي يضم 29 دولة بجانب الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى شراكتهما الفاعلة داخل «ندوة المحيط الهندي البحرية» التي تستهدف تعزيز التعاون البحري، وأيضاً «رابطة حافة المحيط الهندي».
وأكد خبراء ومحللون سياسيون تميز العلاقات الإماراتية الإندونيسية، لا سيما في مجالات دعم السلام العالمي، ونشر مبادئ الرخاء والوئام والتسامح الدائم والتعايش السلمي.
وأوضح رئيس مجلس الشباب الوطني الإندونيسي، طانطان لوبيس، لـ«الاتحاد»، أن الإمارات وإندونيسيا تجمعهما دبلوماسية نشطة وفاعلة، وتعملان بشكل دائم على توظيف الآليات والأطر الدبلوماسية لتحقيق السلام العالمي، والوئام بين مختلف شعوب العالم، وهو ما يمثل إحدى أهم وأبرز ركائز العلاقات الإماراتية الإندونيسية الممتدة منذ عام 1976.
وقال طانطان: إن الإمارات وإندونيسيا من أكثر دول العالم التزاماً بقيم التسامح والتعايش السلمي، وتعملان على تعزيز هذه القيم إقليمياً ودولياً من أجل دعم الأمن والاستقرار في مختلف مناطق العالم، واعتبر أن الإمارات واحدة من الدول الأكثر أهمية بالنسبة لجمهورية إندونيسيا.
شريك مهم
ذكر رئيس مجلس الشباب الوطني الإندونيسي أن الإمارات شريك مهم ومؤثر في حوار رابطة أمم جنوب شرق آسيا، وقد ظهر ذلك في الاجتماع الـ 55 لوزراء خارجية الرابطة خلال العام الماضي في بنوم بنه بكمبوديا، حيث وقعت دولة الإمارات على معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا.
وشدد طانطان على أهمية دور الإمارات وإندونيسيا في منظمة التعاون الإسلامي، لا سيما فيما يتعلق بمجالات دعم السلام العالمي والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
وكانت الإمارات وإندونيسيا قد أطلقتا في عام 2015 شراكة مهمة لنشر مفهوم التسامح، وأصدرتا بياناً مشتركاً في ختام زيارة الرئيس الإندونيسي، جوكو ويدودو، للإمارات في العام نفسه، شددتا فيه على ضرورة تحقيق السلام والأمن والاستقرار في العالم، ونشر الصورة الصحيحة عن الإسلام، وتشجيع الحوار بين الأديان لجمع الشعوب المختلفة الأعراق والثقافات والأديان.
مواقف متقاربة
قالت الباحثة في شؤون العلاقات الدولية، نورهان أبوالفتوح، إن أبوظبي وجاكرتا تربطهما علاقات ثنائية تاريخية ممتدة على مدى ما يقرب من نصف قرن، وعلى الرغم من البعد الجغرافي بينهما، إلا أن العلاقات الثنائية تتسم بالتعاون في مختلف المجالات، وتجمعهما العديد من المواقف المتقاربة والقواسم المشتركة، خاصة فيما يتعلق بتعاونهما المشترك في تعزيز قيم ومبادئ السلام والتعايش السلمي والتسامح.
وذكرت أبو الفتوح أن أوجه التعاون العديدة جعلت من البلدين قوة إقليمية ودولية فاعلة، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أو الدبلوماسي، مشيدة بالتعاون المتنامي بين البلدين في مجالات دعم وتحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، إضافة إلى سعيهما المشترك في دعم عمليات مكافحة الإرهاب، والقضاء على التطرف، ونبذ العنف، وتشجيع الحوار بين الأديان.
وأشارت أبوالفتوح إلى أن أبوظبي وجاكرتا تشتركان في العديد من الرؤى، فيما يخص قضايا منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، فضلاً عن تأكيدهما المشترك والدائم على ضرورة احترام مبادئ القانون الدولي، ومراعاة مبدأ سيادة الدول على أراضيها، والحفاظ على السلام والأمن لضمان التنمية المستدامة في المنطقة.
وشددت على أهمية تعاون الإمارات وإندونيسيا في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، فضلاً عن مكافحة الجرائم المنظمة العابرة للحدود، مثل القرصنة، والاتجار بالبشر، وتهريب الأشخاص، والمخدرات.
وقالت أبو الفتوح «إن الدبلوماسية تمثل عاملاً رئيسياً في دفع العلاقات الثنائية بين الإمارات وإندونيسيا، وهو ما يظهر في تعدد الزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين، فضلاً عن المباحثات الهاتفية المستمرة بينهما، وغيرها من المشاورات الثنائية التي تُعد المحرك الرئيسي لتطور العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، ومن المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة نمواً أكبر في العلاقات الإماراتية الإندونيسية في ظل تنامي أوجه التعاون الاقتصادي، وتعدد أوجه التنسيق المشترك حيال العديد من القضايا الإقليمية والدولية، لا سيما في ظل الدور الفاعل الذي تلعبه الإمارات في منطقة الشرق الأوسط الذي يأتي بالتزامن مع تأكيد إندونيسيا على استعدادها للمشاركة في دفع عملية السلام في المنطقة».
نموذج رائد
أوضح خبير العلاقات الدولية، الدكتور أيمن سمير، أن الإمارات وإندونيسيا تشكلان محوراً إقليمياً ودولياً فاعلاً ومؤثراً في مسيرة العمل الإقليمي والدولي، ومع مرور الوقت تزداد علاقاتهما الاستراتيجية عمقاً واتساعاً.
وأضاف سمير أن إندونيسيا تنظر إلى الإمارات وقيادتها بعين التقدير، باعتبارها نموذجاً رائداً وفريداً للتطور في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى ما تحظى به من ثقل على الساحتين الإقليمية والدولية، وبالتالي تحرص قيادات إندونيسيا على تعميق وتعزيز التعاون وفتح قنوات اتصال دائمة مع الإمارات.
وقال: إن العلاقات الإماراتية الإندونيسية قائمة على مجموعة من القيم المشتركة، حيث يدعم كل منهما السلام والاستقرار في مختلف مناطق العالم، ويدعو البلدان إلى استخدام الطرق الدبلوماسية والسياسية في حل الصراعات والنزاعات، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
ولفت خبير العلاقات الدولية إلى وجود شراكة استراتيجية بين الإمارات وإندونيسيا قائمة على المصالح المتبادلة، ورغبة البلدين في العمل على زيادة الاستثمارات المشتركة والتجارة البينية بينهما، لافتاً إلى أن الإمارات تُعد أحد أهم شركاء إندونيسيا في الشرق الأوسط، وهناك استثمارات إماراتية ضخمة في السوق الإندونيسي.
وتابع: الإمارات وإندونيسيا تدعم كل منهما الأخرى في المنظمات الدولية والإقليمية، وهذا الدعم المتبادل يمثل أهمية كبيرة للبلدين، فإندونيسيا تُعد أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، ودولة ذات اقتصاد كبير، وإحدى الدول الفاعلة في مجموعة العشرين، والإمارات كذلك تُعد دولة محورية ولاعباً رئيساً في الكثير من الملفات الإقليمية والدولية، وبالتالي هناك فرص واعدة لتطوير سبل التعاون والشراكة بين البلدين، وسوف تشهد الفترة المقبلة المزيد من أوجه التنسيق الإماراتي الإندونيسي في المحافل الإقليمية والدولية.
وأوضح الدكتور محمد صادق إسماعيل، أستاذ العلوم السياسية، ومدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن العلاقات الإماراتية الإندونيسية تُعد نموذجاً يُحتذى به في العلاقات الاستراتيجية الشاملة والمتكاملة بين دول العالم.
وأشار إسماعيل إلى أن الإمارات وإندونيسيا تسعيان إلى تطوير علاقاتهما الاستراتيجية في ظل وجود العديد من القواسم المشتركة بينهما، إضافة إلى أن سياستهما الخارجية تقوم على مبدأ الاحترام المتبادل، والتعاون المشترك، والإخاء والتسامح والتعايش السلمي.
وأضاف أن الإمارات وإندونيسيا تنتهجان سياسة خارجية معتدلة ومتوازنة، وبالتالي هناك توافق كبير بين البلدين تجاه العديد من القضايا، لا سيما فيما يتعلق بالدعوة إلى حل النزاعات والصراعات سلمياً.
ولفت مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أهمية التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإندونيسيا الذي تضاعف بشكل ملحوظ في العامين الماضيين، في ظل انتهاج الدولتين لسياسة اقتصادية رشيدة وحكيمة، وتعملان على مضاعفة حجم التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة للوصول إلى معدلات كبيرة جداً.
قواسم مشتركة
يرى السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وخبير العلاقات الدولية، أن الإمارات وإندونيسيا تجمعهما مواقف متقاربة، وقواسم مشتركة، وتوافق في الرؤى حيال العديد من القضايا العالمية، وهو ما ساهم في تعميق علاقاتهما السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والثقافية.
وأكد هريدي أن هناك مصالح مشتركة ومتبادلة بين الإمارات كدولة محورية في منطقة الشرق الأوسط، وجمهورية إندونيسيا التي تُعد قوة آسيوية صاعدة، وبالتالي تهتم الدولتان بتعزيز علاقاتهما في مختلف المجالات والقطاعات.
وأشار هريدي إلى أن دولة الإمارات تنفتح على القوى الآسيوية المختلفة، ومنها إندونيسيا صاحبة الشأن الكبير في السياسة الدولية، وهي دولة مدنية تحترم الأديان كافة، وتُعلي من قيم التسامح والتعايش الخلاق والسلمي بين الثقافات والحضارات، وهي القيم والمبادئ التي تؤمن بها دولة الإمارات؛ ولذلك فإن وجهات النظر بين البلدين تتلاقى في نشر هذه القيم.