هدى الطنيجي (أبوظبي)
يعتبر «يونيو» شهر الاحتفاء بالناجين من السرطان، مناسبة سنوية مخصصة للمنتصرين المحاربين لهذه الأورام، فهم مصدر الإلهام لغيرهم من الأشخاص الذين تم تشخيصهم بالمرض، ليسردوا تجاربهم ورحلة كفاحهم التي تكللت بالانتصار لتكون لهم حياة جديدة ملؤها التفاؤل والأمل.
في هذا التقرير، نسرد قصص كفاح سطرتها حكاية الناجين بكل عزيمة وإصرار، ضد هذا المرض الذي يصفه بعضهم بأنه «سارق الفرح» ونصائح الأطباء والمختصين في كيفية تخطي هذا المرض لكي يتمكنوا من العودة إلى حياتهم الطبيعية في ظل التطور السريع للطب الحديث.
في البداية، قالت رولا منصور 47 عاماً المنتصرة على السرطان: تم تشخيصي بسرطان الثدي المرحلة الأولى، اكتشفت ذلك بنفسي ليس عبر الكشف المبكر، وكنت حريصة على الاهتمام بطعامي الصحي وممارسة الرياضة وحتى كشف الماموغرام بعد عمر الـ40، وخلال ممارستي للرياضة شعرت بألم مفاجئ وكنت أشعر بأعراض مثل التعب والإجهاد بالرغم من أن تحاليلي كانت جيدة. وذكرت أن هناك شيئاً غير طبيعي يحدث داخل جسمها، وكان هذا هو الإندار بمرض السرطان، فقامت بفحص ماموغرام والذي أكد إصابتها، لتبدأ رحلة علاجها وانتصارها، مشيرة إلى أنها لم تخبر أحدا بذلك وكانت تتجرع الم ألمرض والعلاج الكيميائي الحارق بمفردها، لم يرافقها في رحلتها إلا زوجها الذي قدم لها الدعم الكبير، ولأنها قوية ومؤمنة بأن إرادة الله سوف تكون، وأن الشفاء بيده.
وقالت: تمكنت من هزيمة المرض في رحلة معاناة عشتها نفسياً وجسدياً مع الأم، عشتها وسط عزلة عن الآخرين، حتى تخطيت الصعب، وبدأت أعود لحالتي الطبيعية، ها أنا اليوم من المحاربات القويات للمرض مبتسمة أنشر الإيجابية والأمل في محيطي، انتصرت عليه وسأعود لممارسة الرياضة وكل الأنشطة التي توقفت عنها بسببه. وأكدت رولا، أن الإيمان بالله والعزيمة كفيل بتخطي العقبات، وأن المرض قد يهاجم أي إنسان مهما كانت احتياطاته ومهما كان ملتزماً صحياً ورياضياً ومحافظاً على الفحوصات، حتى وإن لم يكن هناك تاريخ عائلي للمريض، لكن يجب على الإنسان الإصغاء جيداً إلى لغة جسده.
مرافق متخصصة
قالت عنود الخالدي أم لـ 3 أطفال: أصبت بالسرطان أواخر المرحلة الثالثة وأوائل المرحلة الرابعة، كان لدي أصغر أطفالي بعمر العام، كنت قلقه بشأنه كيف أتركه وأسافر لرحلة العلاج التي لا أدري متى وكيف ستنتهي.
وذكرت أنه مع وجود الإمكانيات في الإمارات والأطباء المتمكنين، تأكدت أن العلاج في الدولة وبقائها بجوار الأهل أمر مهم لتحقيق التوازن النفسي خلال هذه الفترة، متقدمة بالشكر إلى الدولة على توفير المرافق المتخصصة، والتي تسهل على المريض عناء ونفقات السفر للخارج.
الصحة النفسية
من جانبه، قال محمود سوقية من لبنان: أصبت بالسرطان ثلاث مرات، المرة الأولى كان في الرقبة والصدر لأتلقى العلاج الكيماوي والإشعاعي، وفي المرة الثانية تعرضت للسرطان في الدماغ ليبدأ العلاج الكيماوي، أما الثالث فكان في الدماغ أيضاً لأتلقى العلاج الكيماوي والإشعاعي، بالإضافة إلى إجراء عملية دامت 8 ساعات متواصلة كنت فيها بكامل وعي والتي أجريت في مستشفى كليف لاند أبوظبي.
وأضاف: بعد مضي 3 أشهر من العملية أخذت فترة إعادة التأهيل للتدرب على الحركة والمشي والنطق وبعد 6 أشهر بدأت العلاج الكيماوي وبعد 3 أشهر الإشعاعي، بالإضافة إلى الفحوصات الطبية التي يجب أن أستمر بها 5 سنوات.
ووجه محمود نصيحة للذين تم تشخيصهم بمرض السرطان بأهمية الحفاظ على صحتهم النفسية التي هي مصدر تخطيهم لهذا المرض والتحلي بالقوة والصبر، والنصيحة الثانية عدم إخفاء هذا المرض الذي قد يحصل من خلاله المريض على الدعم من المحيطين به للمضي، ومحاربته للوصول إلى مرحلة الشفاء.
خبرات عالمية
أكد البروفيسور حميد الشامسي مدير خدمات الأورام في برجيل القابضة ورئيس جمعية الإمارات للأورام، أن الهدف من الاحتفاء بشهر يونيو من كل عام كشهر الناجين من السرطان، هو بث الأمل في نفوس المرضى وأسرهم، وتعزيز التوعية بأن المريض يمكنه العيش حياة طبيعية بعد إنهاء العلاج، وتغيير نظرة المجتمع السلبية نحو المرض.
وأضاف: يمكننا القول إن أعداد المتعافين من السرطان في تزايد مستمر بفضل تقدم الطب الحديث وتوفر طرق العلاج في الدولة، وذلك للدعم الكبير من قيادتنا الرشيدة التي توفر الخدمات والمعدات والخبرات العالمية، مما يعزز فرص التعافي الذي يُعد من أبرز أسباب الوفاة عالميًا، ومن واجبنا كأطباء أورام أن نقوم خلال هذا الشهر بتعريف المجتمع بقصص نجاح علاج السرطان في الإمارات، وكيف أصبح السرطان مرضًا قابلاً للشفاء، وليس كما يعتقد الكثيرون أن تشخيص السرطان يعني حتمية الوفاة.
وقال: إن الإمارات تحفل بالعديد من قصص نجاح علاج السرطان في الدولة، وهذا في حد ذاته يسهم في دعم المرضى المصابين بالسرطان وأسرهم من الناحية النفسية، وبيان أهمية الدعم النفسي والاجتماعي، ويعزز الوعي المجتمعي بأن السرطان ليس نهاية الحياة، بل بداية جديدة بفضل التطور الطبي والدعم المجتمعي.
وأوضح الشامسي، أن أكثر من 70% من مرضى السرطان يتعافون من المرض، ويعودون بفضل الله تعالى ومن خلال التزامهم بخطة العلاج إلى ممارسة حياتهم الطبيعية.
وشدد على ضرورة عدم الاستسلام في التفكير السلبي بعودة الإصابة بالمرض، ومنح المتعافين أنفسهم فرصة عيش حياة طبيعية والتوكل على الله، و الالتزام بالمراجعات الطبية، لأنها بمثابة السلاح الواقي ضد عودته والالتزام بالأدوية وتوجيهات الطبيب.
أمل كبير
بدوره، قال الدكتور ستيفن غروبماير، رئيس معهد طب الأورام وأمراض الدم، في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي :تبشر التطورات العلاجية الجديدة في علاج الأورام بأمل كبير، وهناك مجالان يثيران اهتمامنا بشكل خاص في مركز فاطمة بنت مبارك في كليفلاند كلينك وهما علاج الأورام الدقيق حيث يتيح التقدم في علاج المرضى باستخدام خيارات أكثر كفاءة بأقل قدر ممكن من الآثار الجانبية، ونحرص خلاله على إجراء التسلسل الجيني للتعرف على طبيعة الورم، واختيار العلاجات المناسبة. وأضاف: العلاج المناعي أثمر التقدم في فهم تفاعل الجهاز المناعي مع السرطان عن ابتكار أدوية جديدة يمكنها تفعيل الاستجابة المناعية للسماح للجهاز المناعي بمهاجمة السرطان. وتتضمن العديد من علاجات السرطان الآن تفعيل الجهاز المناعي الخاص بالمريض لعلاج السرطان ويُظهر نتائج محسنة، في حين تلوح العديد من العلاجات الجديدة في الأفق اليوم.
وذكر أن العديد من الدراسات الحديثة التي تم تقديمها في الجمعية الأميركية لعلم الأورام السريرية في شيكاغو ركزت على التقدم الذي تم إحرازه في علاج الأورام. وتمنح التجارب السريرية مثل تلك التي بدأت هنا في مركز فاطمة بنت مبارك نظرة ثاقبة حول فاعلية العلاجات الجديدة ومن المثير بشكل خاص التأثير الذي تحدثه الأدوية الجديدة في تحسين نوعية الحياة وعلاج المرضى في مراحل متقدمة، ويلعب الذكاء الاصطناعي دوراً كبيراً في تحسين الرعاية، المستخدم لتحسين العلاج بالإشعاع بحيث تكون العلاجات أكثر كفاءة وبأقل قدر ممكن من الآثار الجانبية و تحليل دراسات التصوير وعلم الأمراض.
وأشار إلى أن الرحلة تبدأ باكتشاف وتشخيص مرض السرطان، وذلك عن طريق إجراء الفحوصات اللازمة أو عند ظهور أعراض جديدة مرتبطة، ويعد الفحص في غاية الأهمية لأنه يسمح باكتشاف الورم في مراحل مبكرة، ويتم إجراء الخزعة لتشخيصه وبمجرد التوصل للتشخيص الدقيق، يقدم الدعم من كوادر التمريض المتخصصة لطمأنته وإحاطته بالتوقعات من خطته العلاجية والقيام بذلك انطلاقاً من نتائج دراساتنا التي تشير إلى أن أصعب جزء من رحلة العلاج والتعافي هو الوقت بين التشخيص ورؤية الأطباء الذين سيتولون مهمة العلاج.
وقال: نحن نركز على توقع احتياجات المرضى من البداية لتبسيط العملية وزيادة السلامة والكفاءة وتقليل الوقت اللازم للعلاج، وتتمثل فكرة مركز فاطمة بنت مبارك في توفير مكان واحد يمكنه تلبية جميع احتياجات المرضى وبمجرد اكتمال التقييم، يتم وضع خطة علاجية قد تتضمن الجراحة والعلاج الطبي أو الإشعاعي ويتم تقديم العلاج من قبل فرق متخصصة، ونقوم بتوجيه التركيز نحو التعافي واستعادة الحياة الصحية على المدى الطويل.
البنية التحتية
أكدت الدكتورة نادية عبدالواحد أخصائية طب الأورام في مدينة برجيل الطبية، بمناسبة الشهر العالمي للناجين من السرطان، أن قطاع علاج السرطان في الإمارات أصبح مثالاً بارزاً للتقدم في مجال الرعاية الصحية على المستوى الإقليمي والعالمي، حيث شهدت خلال العقود الماضية تحولات كبيرة في هذا القطاع، وفرت خلالها أحدث العلاجات والتقنيات وعززت البحث العلمي، وتنظيم حملات التوعية الصحية لزيادة الوعي بين أفراد المجتمع بالوقاية والكشف المبكر وتعزيز نمط حياة صحي لتقليل مخاطر الإصابة، ما ساهم في رفع معدلات الشفاء وزيادة أعداد المتعافين في الدولة، فالتشخيص المبكر يسهم في الحصول على العلاج في الوقت المناسب.
ولفتت إلى أن البنية التحتية المتطورة لعلاج السرطان، كإنشاء المراكز المتخصصة في بأحدث التقنيات وأجهزة العلاج بالأشعة وأنظمة التشخيص المتقدمة والخبرات الطبية العالمية، والعلاجات الحديثة و برامج للرعاية النفسية والدعم الاجتماعي للمرضى وعائلاتهم، جميعها ساهمت في تقليل حاجة المرضى للسفر إلى الخارج، ما يضمن خفض التكلفة والراحة النفسية للمريض، حيث إن تواجد أسرته لدعمه نفسياً يعتبر أمراً مهماً في نجاح خطة العلاج والتعافي.
وأشارت إلى أن الإمارات تتميز بتوفير العلاج المتكامل للسرطان الذي يعتمد على التعاون بين مختلف التخصصات الطبية والنهج متعدد التخصصات، حيث يبرز الدور الحيوي لفرق العمل المتعددة التخصصات التي تضم أطباء الأورام، جراحين، أخصائيي العلاج الإشعاعي والتغذية، لضمان تقديم خطة علاجية متكاملة تغطي كافة الجوانب ومخصصة لكل مريض بحسب حالته المرضية.