تكتسب الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي الذي عقد أمس، بمناسبة الذكرى الـ 20 لتأسيس منتدى التعاون الصيني العربي أهمية كبيرة لتنفيذ مخرجات القمة الصينية العربية، والإسراع في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد، خاصة أنها أول دورة بعد القمة الصينية العربية الأولى الناجحة التي انعقدت في ديسمبر عام 2022 في السعودية، حيث حضر الرئيس شي جين بينغ القمة، وألقى فيها الكلمة الرئيسية، ولخص روح الصداقة الصينية العربية المتمثلة في «التضامن والتآزر والمساواة والمنفعة المتبادلة والشمول والاستفادة المتبادلة»، وحدد المسار والاتجاه لبناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك، وطرح «الأعمال الثمانية المشتركة» حول التعاون العملي بين الصين والدول العربية، الأمر الذي قوبل بتجاوب حار في الدول العربية.
لقد أصبح بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك الذي يتقدم بخطوات ثابتة إلى الأمام على مدى أكثر من عام، راية مجيدة تبلور تحتها التوافقات الصينية العربية على الأصعدة السياسية والتنموية والأمنية والحضارية، وتقود العلاقات الصينية العربية لشق طريق والمضي قدماً بخطوات واسعة.
تواصل الصين والدول العربية تعزيز التعاون الاستراتيجي لتحقيق مستوى أعلى من الثقة الاستراتيجية المتبادلة.
استقبل الرئيس شي جين بينغ بنجاح قادة فلسطين والجزائر وسوريا وموريتانيا، وغيرها من الدول العربية في الصين، مما يرشح العلاقات الصينية العربية للتطور على المستوى العالي.
وتمت إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة أو علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين و14 دولة عربية وجامعة الدول العربية حتى الآن، بعد إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين وكل من فلسطين وسوريا. وأصبح العالم العربي من المناطق التي لها النسبة الأعلى من عدد الشركاء الاستراتيجيين للصين.
تدعم الدول العربية بثبات الجهود التي تبذلها الصين للحفاظ على مصالحها الجوهرية وهمومها الكبرى، وتظل تلتزم بمبدأ الصين الواحدة وتنتهج سياسة الصين الواحدة.
بالمقابل، تدعم الصين بثبات جهود الدول العربية لتعزيز الاستقلالية الاستراتيجية والحفاظ على سيادة البلاد وكرامة الأمة، وتسوية النزاعات والخلافات عبر الحوار والتشاور، والسير على طريق تقوية الذات عبر التضامن لتحقيق الأمن الجماعي.
القضية الفلسطينية
أسفر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي انفجر منذ أكتوبر الماضي، عن وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، وأزمة إنسانية خطيرة.
لا يمكن لأي بلد أو شعب محب للسلام أن يبقى غير مبال أمام هذا المشهد.
في وجه الوضع الخطير، ظلت الصين تقف إلى جانب الحق والعدالة والجانب الصحيح للتاريخ، وتدفع المجتمع الدولي لتركيز جهوده على وقف إطلاق النار، ومنع القتال وحماية سلامة المدنيين وتوسيع الإغاثة الإنسانية، وتنفيذ «حل الدولتين» وإيجاد حل شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية في يوم مبكر.
تتضامن وتتعاون الصين مع الدول العربية، مما عزّز الثقة المتبادلة بينهما في النضال للدفاع عن العدالة الدولية.
تواصل الصين والدول العربية توسيع التعاون العملي بينهما لتحقيق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك بجودة أعلى. قد وقعت الصين مع جميع الدول العربية وجامعة الدول العربية وثائق التعاون لبناء «الحزام والطريق»، وقد نفذ الجانبان ما يزيد على 200 مشروع كبير في إطار «الحزام والطريق»، ويستفيد ما يقارب ملياري نسمة لدى الجانبين من نتائج التعاون.
تبقى الصين كأكبر شريك تجاري للدول العربية للسنوات العديدة المتتالية. خلال العامين الماضيين، وصل حجم التبادل التجاري بين الجانبين إلى مستوى جديد، حيث يبقى هذا الحجم الآن على المستوى القياسي البالغ 400 مليار دولار أميركي، وهو 10 أضعاف مما كان عليه قبل 20 عاماً.
كما يشهد التعاون الصيني العربي تقدماً بارزاً في مجالات الطاقة والمالية والبنية التحتية وغيرها، حيث استوردت الصين 265 مليون طن من النفط الخام من الدول العربية في عام 2023، وهذا الرقم يشكل 47% من واردات الصين الإجمالية للنفط الخام من الخارج، كما يتقدم التعاون الصيني العربي في مجالات الطاقة الكهروضوئية وطاقة الرياح والطاقة النووية للأغراض المدنية والطاقة الهيدروجينية. وتدخل العملة الصينية إلى الدول العربية بشكل متسارع، إذ وقعت أو مددت الصين اتفاقيات تبادل العملات المحلية مع كل من مصر والإمارات والسعودية، وأصدرت مصر بنجاح سندات الباندا في الصين.
«الهرم الجديد»
أما في مجال البنية التحتية، فظهرت سلسلة من «علاماتٍ جديدة» بنتها الصين في الدول العربية، مثل المبنى في العاصمة الإدارية المصرية الجديدة الذي يلقبه المصريون بـ «الهرم الجديد»، وهو أعلى مبنى في أفريقيا، والطريق السيار الذي يربط شرق الجزائر وغربها ويتجاوز طوله 1200 كيلومتر، واستاد لوسيل الملعب الرئيسي لكأس العالم في قطر، وجسر محمد السادس في المغرب، وهو أكبر جسر معلق في أفريقيا.
كما حقق التعاون الصيني العربي نتائج مثمرة في مجالات المعلومات والاتصالات والطيران والفضاء والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، وغيرها من المجالات المتقدمة والحديثة، إضافة إلى التشغيل العالي المستوى للمراكز العديدة في مجالات نقل التكنولوجيا ونظام بيدو للملاحة عبر الأقمار الاصطناعية والبحوث الدولية لمكافحة الجفاف والتصحر، مما يشكل شبكة لنقل التكنولوجيا والتعاون فيها تربط مؤسسات البحوث العلمية والشركات الابتكارية للصين والدول العربية.
تواصل الصين والدول العربية توسيع التواصل الحضاري، مما حقق التفاهم بين الشعوب على نحو أعمق.
وتقوم الصين والدول العربية بتعزيز التواصل حول الحوكمة والإدارة، حيث نجح الجانب الصيني في تنظيم 4 دورات للمنتدى الصيني العربي للإصلاح والتنمية و20 دورة تدريسية للدول العربية التي استضافها مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية، وتم تدريب نحو 500 فرد من المسؤولين الحكوميين والأكاديميين في المؤسسات الفكرية والإعلاميين في الدول العربية.
نجد أن تبادل الاستفادة بين الحضارتين الصينية والعربية يتقدم في طليعة دول العالم، إذ إن جامعة الدول العربية كانت أول منظمة إقليمية في العالم أصدرت مع الصين وثيقة بشأن تنفيذ مبادرة الحضارة العالمية في الدورة الأولى لمنتدى ليانغ تشو التي انعقدت في ديسمبر عام 2023، وكانت أول منظمة إقليمية في العالم وقعت وثيقة التعاون مع الصين بشأن إنشاء رابطة للمؤسسات الفكرية في يناير عام 2024.
«الهجرة إلى السعادة»
لاقت البرامج السمعية والبصرية الصينية، مثل «الهجرة إلى السعادة» و«وسام الجمهورية» و«أقنعة وكنوز»، إقبالاً واسعاً لدى الجمهور العربي، وتجاوز عدد النقرات الإجمالي لها 500 مليون مرة.
كما أن هناك إقبالاً كبيراً من الدول العربية على تعلم اللغة الصينية، حيث إن الصين أنشأت (21 معهد كونفوشيوس وفصلي كونفوشيوس) بالتعاون مع 13 دولة عربية، وتم إدراج تعلیم اللغة الصينية في منظومة التعليم الوطني بشكل رسمي في الإمارات والسعودية وفلسطين ومصر وتونس وجيبوتي.
تبادلات حضارية
ستواصل الصين السير مع الدول العربية على طريق الشمول والاستفادة المتبادلة، وإجراء تبادلات حضارية أكثر تنوعاً.
تلتقي الحضارتان الصينية والعربية، والتفاهم بينهما قائم منذ آلاف السنين، وسجلتا قصصاً ذائعة الصيت في التاريخ للتلاحم والتنافع بين الحضارات المختلفة.
وستواصل الصين العمل مع الدول العربية على استكشاف الطرق التنموية المتنوعة للتحديث، وزيادة توثيق التواصل الثقافي والشعبي في مختلف المجالات التي تشمل الثقافة والتعليم والسياحة والشباب والفنون، وتكريس قيم البشرية المشتركة المتمثلة في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية، ورفض «نظرية صراع الحضارات» ومقاطعة «الإسلاموفوبيا»، وقيادة الحضارة البشرية نحو الاحترام المتبادل والتعايش المتناغم.
ستواصل الصين السير مع الدول العربية على طريق التعاون الجماعي، لإقامة منصة أكثر تكاملاً.
كانت السنوات الـ 20 التي مضت على إنشاء منتدى التعاون الصيني العربي مفعمة بالتطور المزدهر والنابض. إذ تم خلالها إقامة 19 آلية مهمة في إطار المنتدى بما فيها الاجتماع الوزاري والحوار السياسي الاستراتيجي ومنتدى الإصلاح والتنمية ومؤتمر التعاون في مجال الطاقة، وتم إصدار 85 وثيقة مهمة، الأمر الذي وضع نموذجاً للتعاون الجماعي.