الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي، رضي الله عنه، آخر من رأى النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة وفاة، وكان من أصحاب المروءات المعدودين، لا تنزل له قدر عن نار، ولا يوصد له باب أمام طارق، يطعم الجائع ويؤمن الخائف، ويجير المستجير.
وصدق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يهدي الله بك رجلاً خير من أن يكون لك حمر النعم»، (صحيح البخاري، 3009)
هو الطفيل بن عمرو بن طريف الدوسي، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، كان سيداً مطاعاً من أشراف العرب، ودوس بطن من الأزد. أسلم قبل الهجرة بمكة.
وكان الطفيل يلقب: ذا النور، وذلك لأنه قال يا رسول الله إن دوساً قد كفرت وأبت فادع الله عليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد دوساً، وائتِ بهم (صحيح البخاري 4392). ثم قال: يا رسول الله، ابعثني إليهم، واجعل لي آية يهتدون بها. فقال: «اللهم نور له». فسطع نور بين عينيه، فقال: يا رب إني أخاف أن يقولوا مثلة، فتحولت إلى طرف سوطه، فكانت تضيء في الليلة المظلمة، فسمي ذا النور (الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر 2/ 759).
وقد ذكر الطفيل بن عمرو قصة دخوله الإسلام فقال: كنت رجلاً شاعراً، سيداً في قومي، فقدمت مكة، فمشيت إلى رجالات قريش، فقالوا إنك امرؤ شاعر سيد، وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل، يقصدون النبي صلى الله عليه وسلم، فيصيبك ببعض حديثه، فإنما حديثه كالسحر، فاحذره أن يدخل عليك، وعلى قومك ما أدخل علينا، فإنه فرق بين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وابنه.
فوالله ما زالوا يحدثونني بشأنه، وينهونني أن أسمع منه، حتى قلت: والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني. قال: فعمدت إلى أذني، فحشوتهما كرسفاً، أي قطناً، ثم غدوت إلى المسجد، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً في المسجد، فقمت قريباً منه، وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله.
فقلت في نفسي: والله إن هذا للعجز، وإني امرؤ ثبت، ما تخفى عليّ الأمور حسنها وقبيحها، والله لأتسمعن منه، فإن كان أمره رشداً أخذت منه، وإلا اجتنبته. فنزعت الكرسفة -أي القطن- فلم أسمع قط كلاماً أحسن من كلام يتكلم به، فقلت يا سبحان الله ما سمعت كاليوم لفظاً أحسن ولا أجمل منه.
فلما انصرف تبعته، فدخلت معه بيته، فقلت: يا محمد! إن قومك جاؤوني، فقالوا لي كذا وكذا، فأخبرته بما قالوا، وقد أبى الله إلا أن يسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حق، فاعرض علي دينك. فعرض علي الإسلام، فأسلمت، ثم قلت: إني أرجع إلى دوس، وأنا فيهم مطاع، وأدعوهم إلى الإسلام لعل الله أن يهديهم..
ثم رجع إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام حتى استجاب منهم من استجاب، ثم قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بثمانين أو تسعين أهل بيت من دوس مسلمين، وكان من بينهم أبوهريرة.
لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من «حنين» التي كانت في شهر شوال من السنة الثامنة الهجرية، وأراد المسير إلى الطائف، بعث الطفيل إلى ذي الكفين، صنم عمرو بن حممة، يهدمه وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف فقال الطفيل: يا رسول الله أوصني قال: «أفش السلام، وابذل الطعام، واستح من الله كما يستحي الرجل ذو الهيئة من أهله، إذا أسأت فأحسن، إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين».