إبراهيم سليم
شرع الله زكاة الفطر طهرة للصائم ومواساة للفقير، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة»، (صحيح البخاري، 1503).
إن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، يجد ما يفضل عن قوته وقوت من تجب عليه نفقته يوم العيد وليلته، وفيها إظهار شكر نعمة الله بإتمام الصيام والقيام، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الواجب إخراجها في الفطرة صاع من جميع الأصناف التي يجوز إخراج الفطرة منها مما يقتات ويدخر من غالب قوته وقوت أهله مثل التمر والأرز والشعير.
والصاع أربعة أمداد، والمد حفنة بكفي الرجل المعتدل، وقدر وزن المد بنصف كيلوتقريباً، قد يزيد وقد ينقص عن ذلك قليلاً، وقدر الصاع بنحو «2» كيلوجرام تقريباً. وذهب العلماء إلى جواز دفع القيمة في صدقة الفطر، مراعاة لحال الفقير ليتيسر له أن يشتري أي شيء يريده في يوم العيد؛ قال ابن عبدالبر المالكي في الكافي: «وروي عنه - أي: عن مالك - وعن طائفة من أصحابه أنه تجزئ القيمة عمن أخرجها في زكاة الفطر».
وعليه فيجوز إخراج القيمة وهي ما يعادل «2» كيلوجرام من غالب قوت البلد، وقيمتها لهذا العام «25» خمسة وعشرون درهماً إماراتياً.
ويندب للمزكي أن يخرج زكاة الفطر يوم العيد بعد طلوع فجره قبل صلاة العيد، ويجوز إخراجها قبل يوم الفطر بيوم أو يومين، وكذلك يجوز إخراجها من أول شهر رمضان المبارك في البلد الذي يوافيه تمام رمضان وهو فيه كما ذكر ابن عرفة من المالكية ووافقه السادة الشافعية، ولا تسقط بمضي زمنها لأنها حق للمساكين ترتبت في ذمته، ولا يأثم ما دام يوم الفطر باقياً، فإن أخرها مع القدرة على إخراجها أثم، وتدفع لمسلم مسكين أو فقير، والأولى لعادم قوت يومه. وتجب زكاة الفطر على كل من ملك يوم العيد فضلاً عن قوته وقوت من تلزمه نفقتهم، وهي طهرة للصائم، وفرحة للفقير، وتعميم للسرور في يوم العيد، لا ينبغي للمؤمن إخراج الرديء في الزكاة، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً. وأصدر مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي فتوى عامة بشأن تحديد مقادير قيم زكاة الفطر، جاء فيها بياناً لحكم زكاة الفطر، أنه معلومٌ أنَّ زكاة الفطر واجبةٌ على الصغير والكبير، والذكر والأنثى من المسلمين، وأنَّها تلزم من يجب عليه الإنفاق. وبالمسبة إلى مقدار زكاة الفطر:«فتكون (2.5) كغ من الأرز عن كل شخص، ويجوز إخراجها عيناً من الأرز أو نقداً، وقيمتها نقداً: 25 درهماً عن الشخص الواحد.
توقيت إخراج زكاة الفطر:
والأفضل إخراج زكاة الفطر، بعد طلوع فجر يوم العيد، وذلك مراعاةً لمقاصد الشرع في إغناء الفقير يوم العيد، كما يصحُّ تقديمها للحاجة بإخراجها من أول الشهر، خوفاً من تكدسها لدى الجهات والجمعيات الخيرية في حال تأخيرها لصبيحة يوم العيد، كما يصحُّ كذلك: أن تخرج أداءً طوال يوم الفطر قبل غروب الشمس، وأمَّا بعد ذلك: فيكون فعلها قضاءً لا أداءً، ولا يجوز التهاون في تأخيرها من قبل الأفراد والجهات الخيرية عن وقت الأداء إلا لضرورة.
اصْطِنَاعُ الْمَعْرُوفِ
يقول الله عز وجل في محكم تنزيله: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)، «سورة النساء: الآية 114».
وجعل الله سبحانه وتعالى صُنع المعروف صدقة لفاعله، قال رسول الله ﷺ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ»، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُه عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ».
وصور المعروف كثيرة وعديدة، فينبغي على المسلم أن ينافس فيها ويحرص عليها؛ كي ينال ثوابها وأجرها، وألّا يقلل من قيمة أي خيرٍ يفعله، فقد أوصى النبي أحد أصحابه فقال: «عَلَيْكَ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ، وَلَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئاً، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ لِلْمُسْتَسْقِي مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَائِهِ، أَوْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَوَجْهُكَ مُنْبَسِطٌ»، وهي وصيته للنساء أيضاً؛ فقد قال: «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ». أي: لا تستصغرنَّ شيئاً تقدمْنَهُ هبة أو هدية، فهو من المعروف الذي يُديم الودّ ويؤلف بين القلوب.
ومن قدّم معروفاً في الدنيا أثابه الله به في الآخرة، قَالَ رسول الله ﷺ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».