هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب القرشية، الأسدية، أم المؤمنين، زوج النبي، صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، وسيدة نساء العالمين في زمانها، وأول من آمن بالنبي، صلى الله عليه وسلم، وصدقه قبل كل أحد، وثبتت جأشه، ومضت به إلى ابن عمها ورقة، ومناقبها جمة، ويلتقي نسبها بنسب الرسول، صلى الله عليه وسلم، في قصي بن كلاب.
وهي ممن كمل من النساء، كانت عاقلة، جليلة، دينة، مصونة، كريمة، من أهل الجنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها، ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين، «سير أعلام النبلاء 2/ 109»، وكانت أفضل نساء قريش نسباً، وأعظمهم شرفاً، وأكثرهم مالاً. وكانت امرأة تاجرة تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه، بشيء تجعله لهم، فلما بلغها عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما بلغها، من صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجراً، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار، مع غلام لها يقال له: ميسرة، فقبله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام. فنزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في ظل شجرة قريباً من صومعة راهب من الرهبان، فاطلع الراهب إلى ميسرة، فقال له: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ قال له ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم، فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي. فلما قدم مكة على خديجة بمالها، باعت ما جاء به بضعف ثمنه أو قريباً من ذلك، وحدثها ميسرة عن قول الراهب، وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه.
وكانت «السيدة خديجة» امرأة حازمة شريفة لبيبة، مع ما أراد الله بها من كرامته، فلما أخبرها ميسرة بما أخبرها به، بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له فيما يزعمون: يا بن عم، إني قد رغبت فيك لقرابتك، ووسطتك في قومك، وأمانتك، وحسن خلقك، وصدق حديثك. ثم عرضت عليه نفسها.
وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسباً، وأعظمهن شرفاً، وأكثرهن مالاً، كل قومها كان حريصاً على الزواج منها لو يقدر عليه، فتزوجها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكانت أم أولاده، «سيرة ابن هشام 1/ 187». وكانت خديجة رضي الله عنها تحب النبي، صلى الله عليه وسلم حباً شديداً، وتعمل على نيل رضاه والتقرب منه، حتى إنها أهدته غلامها زيد بن حارثة لما رأت من ميله إليه.
وكانت سنداً له في دعوته، وتؤانسه في وحشته، وتذلل له المصاعب، فكان الجزاء من جنس العمل، بشارة الله لها ببيت في الجنة من قصد، لا صخب فيه ولا نصب.
توفيت في السابع عشر من رمضان وقد بلغت من العمر خمساً وستين عاماً، وكانت وفاتها قبل الهجرة بأربع سنوات، ونزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم في حفرتها، ودفنت بالحجون، لترحل من الدنيا بعدما تركت سيرة عطرة، وحياة حافلة.
رُزق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من السيدة خديجة بستة أولاد هم «القاسم وعبدالله، وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة -رضي الله عنهنّ-، وماتوا في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلَّا فاطمة -رضي الله عنها- فقد توفيت بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم بعدَّة أشهر.