الإثنين 25 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الإمارات في «بريكس».. مرحلة جديدة في مسيرة تكتل اقتصادي

الإمارات في «بريكس».. مرحلة جديدة في مسيرة تكتل اقتصادي
2 يناير 2024 01:04

دينا محمود (لندن)

على درب التطبيق العملي الدؤوب لـ «مبادئ الخمسين»، التي تمثل المرجعية لدولة الإمارات العربية المتحدة ومؤسساتها خلال الأعوام الخمسين المقبلة، جاء الانضمام الرسمي للدولة اعتباراً من أول أيام العام الجديد، الذي صادف أمس الاثنين، إلى مجموعة «بريكس»، التي تضم مجموعة من أبرز الاقتصادات الواعدة والكبرى في العالم.
فنيل الإمارات عضوية ذلك التكتل، الذي يمثل في الوقت الحاضر 42% من سكان المعمورة ويسهم في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بما يتراوح ما بين 25% و29%، 
ويستحوذ أيضاً على أكثر من 16% من حجم التجارة العالمية، يشكل ترجمة فعلية لما يدعو له ثاني «المبادئ الخمسين»، من التركيز على «بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم، والعمل على بناء أفضل بيئة اقتصادية عالمية».
وتبرز خطوة الانضمام، التي تم التصديق عليها رسميا خلال قمة «بريكس» الأخيرة في جوهانسبرج، نجاح الدبلوماسية الإماراتية القائمة على بناء الشراكات وتعزيزها وتنويعها مع القوى الكبرى، بما يجسد الثقة الدولية في الإمارات ويبرز تعاظم مكانتها، ويرسخ مكانتها الاقتصادية والتجارية، كشريك موثوق، يمثل همزة وصل تربط شمال العالم بجنوبه وشرقه بغربه.

شريك طويل الأمد
ويُتَوِّج انضمام دولة الإمارات إلى مجموعة «بريكس»، العلاقة المتنامية منذ سنوات بين الجانبين، في سياق حرص الدولة على الانخراط في الشراكات التنموية، مع البُلدان صاحبة الخبرات والتجارب الاقتصادية المتميزة. 
فالإمارات كانت من بين أوائل المساهمين، من خارج «بريكس»، في «بنك التنمية الجديد» التابع لذلك التكتل، والذي دُشن منتصف العقد الماضي برأس مال 100 مليار دولار، بهدف حشد الموارد لإقامة مشروعاتٍ للبنية التحتية والتنمية المستدامة في الدول النامية والناشئة، وبُلدان المجموعة نفسها كذلك.
وقبل شهور قليلة، شاركت الإمارات في منتدى «أصدقاء بريكس»، الذي عُقِد منتصف 2023 في كيب تاون، كجزء من اجتماع لوزراء خارجية دول المجموعة. 
يُضاف إلى ذلك، ما للدولة من استثمارات متنوعة، في دول «بريكس» في مجالات عدة، من بينها البنية التحتية والأمن الغذائي والطاقة النظيفة والنقل والصناعة، فضلاً عن إبرامها في فبراير 2022، اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع الهند، العضو البارز في التحالف، جنباً إلى جنب مع توطيدها أواصر التعاون الاقتصادي مع الأعضاء الآخرين.
وفي ظل هذه الروابط الوثيقة، وُصِفَت الإمارات قبل انضمامها لـ«بريكس»، بأنها «شريك طويل الأمد» لذلك التجمع الواعد، الذي بات أحد أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم إن لم يكن أكبرها، إذ تجاوز مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، من حيث حجم الاقتصادات المنضوية تحت لوائه، ومن ناحية عدد السكان أيضاً، فهو يضم بين جنباته 3.2 مليار نسمة، مقابل 800 مليون لـ «السبع».
تفوق «بريكس» يمتد أيضاً، وفقا لبعض التقديرات، إلى استحواذه على 32% من الاقتصاد العالمي، في مقابل 30.7% تهيمن عليها مجموعة السبع، كثمرةٍ لتنامى دوره بشكل متزايد على مدار السنوات القليلة الماضية، إلى حد مساهمة الكتلة الاقتصادية لدوله، في توليد ما نسبته 30% من إجمالي النمو العالمي خلال العقديْن الأخيريْن.
ودفع هذا النجاح الكبير لـ«بريكس»، رغم حداثة عهده نسبياً مقارنة بتكتلات أخرى كـ«الاتحاد الأوروبي» ورابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان»، أكثر من 20 بلداً لتقديم طلبات للانضمام إليه، للاستفادة من ثقله الاقتصادي العالمي، وامتداد أراضي دوله، على 40% تقريبا من مساحة الكرة الأرضية. 
لكن مؤسسي المجموعة الخمس، كانوا حريصين بشدة على أن يشمل توسعها الثاني، دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ودولاً أخرى، بعدما كان ذلك التحالف قد توسع للمرة الأولى عام 2010، بضم جنوب أفريقيا له، بجانب البُلدان المؤسسة، روسيا والصين والهند والبرازيل.

مكاسب إماراتية
ويجمع المحللون والخبراء، على أن فوائد بالجملة ستعود على الإمارات من وراء انضمامها إلى تلك المجموعة العابرة للقارات، التي بدأت فكرة تأسيسها عام 2006، وعززت آلياتها في السنوات الأخيرة، بتدشين مجلس أعمال تابع لها لإدارة الاستثمارات ووكالة تصنيف ائتماني خاصة بها وصندوق احتياط لأوقات الطوارئ. 
ولا تقتصر هذه المكاسب على الجانب الاقتصادي، بل تصطبغ كذلك بطابع سياسي، من شأنه فتح آفاق واعدة، لمزيد من التعاون سواء بين الإمارات وباقي أعضاء المجموعة، أو بين دول «بريكس» ومختلف بلدان العالم الأخرى.
فبالنسبة للإمارات التي تحول اقتصادها منذ مطلع القرن الحالي إلى اقتصاد قائم على المعرفة عبر تشجيع الابتكار، يساعد نيل عضوية «بريكس»، على جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى أراضيها، نظراً لأن دول المجموعة تشكل مصدراً مهماً للاستثمار الخارجي المباشر، خاصة أن من بين أعضائها الصين، صاحبة أحد أكبر الاقتصادات على مستوى العالم، بجانب الهند التي تحتل المركز الثالث على القائمة ذاتها، فضلاً عن روسيا.
ومن بين المجالات التي تمثل بُلدان «بريكس» مصدراً حيوياً للاستثمارات الأجنبية المباشرة فيها، التعدين والنقل والخدمات المالية وتكنولوجيا المعلومات والطاقة النظيفة وصناعة السيارات، ما يخلق مزيداً من فرص العمل، ويعزز التجارة والاستثمارات المتبادلة بين الدول الأعضاء.
كما أن هذه المجموعة، التي ينشد أعضاؤها إقامة نظام اقتصادي عالمي متوازن، تزخر بموارد شديدة الأهمية، من قبيل النفط والقمح، بجانب معادن تُوصف بواسعة الاستخدام كـ«الحديد»، وكذلك المعادن النادرة، التي يجري استخدامها في الصناعات التكنولوجية، وهو ما يعزز الخيارات المتاحة أمام الشركات الإماراتية، ويزيد قوة الاقتصاد الإماراتي، الأكثر تنافسية في الشرق الأوسط والثاني عشر على هذا الصعيد دولياً.
بالإضافة إلى ذلك، يفتح الانضواء تحت لواء ذلك التكتل، الباب أمام الشركات ورؤوس الأموال الإماراتية، لدخول أسواق عالمية جديدة، بما يدعم سياسات المرونة الاقتصادية التي تتبناها الدولة، ما جعلها الأولى عربياً من حيث جذب الاستثمارات.
وتعزز المكاسب المحتملة الناجمة عن الانضمام لـ «بريكس»، دور الإمارات كقوة اقتصادية ومالية إقليمية وعالمية.  كما يُمَكِّنها من مد جسور التعاون مع مزيد من دول العالم، لا سيما أنها من بين أسرعها نمواً، فضلاً عن تدعيم الجهود الإماراتية، لزيادة حجم التبادل التجاري، فيما يتعلق بالسلع غير النفطية، بما أوصله إلى مستويات قياسية في السنوات القليلة الماضية.

فوائد لا تُحصى لـ«بريكس»
في المقابل، يعكس الترحيب الكبير من جانب دول «بريكس» بانضمام الإمارات إلى المجموعة، إدراك مؤسسيها لمكانة الدولة كإحدى القوى الاقتصادية الرائدة على مستوى المنطقة والعالم، وإقراراً عملياً بنجاح خطواتها الرامية إلى تعزيز قدرات اقتصادها واستدامته، من خلال الشراكات الدولية الهادفة، لدعم الازدهار الاقتصادي على المدي البعيد، وإقامة علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف الفاعلة عالمياً.
وفي يونيو الماضي، شدد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، على أن انضمام الإمارات ودول عربية أخرى إلى ذلك التكتل الاقتصادي، يثريه ويعزز قوته، ويسهم في إعادة التوازن للاقتصاد العالمي. 
فلا يختلف اثنان على أن الإمارات، وهي من أكبر الأسواق الخليجية وصاحبة الاستثمارات المتنوعة حول العالم، ستشكل قيمة مضافة لا نظير لها للمجموعة، على نحو يجعلها أكثر قدرة على تحقيق أهدافها، ويرسخ تأثيرها على الساحة الدولية، بجانب توسيع رقعة نفوذها، بما يتلاءم مع التغيرات الحالية في المشهد السياسي والاقتصادي العالمي وتحولاته.
كما يزيد الانضمام الإماراتي من المقومات الجاذبة لـ«بريكس»، على صعيد التمويل تحديداً، ويسمح أيضاً لباقي أعضاء المجموعة، بالاستفادة بما تنعم به الدولة من موارد اقتصادية متنوعة، وما تتبناه من نهج رائد في مجالات التنمية المستدامة والاستثمارات الذكية، وكذلك مما تمتلكه من صناديق احتياط كبرى، بجانب كونها مركزاً رئيساً للتجارة العالمية.
علاوة على ذلك، يؤكد المراقبون أن توسيع دائرة عضوية «بريكس»، سيدشن مرحلة جديدة في تاريخها، بما يوفر الظروف اللازمة لإقامة المزيد من المشروعات التنموية بين دولها، وتمكين شركاتها من الوصول إلى أسواق جديدة، بالإضافة إلى تعزيز القدرات الأمنية لبلدان ذلك التحالف، في مواجهة أي تهديدات.
وبالنظر إلى أن حصة الدول الخمس المؤسسة لـ «بريكس» من إنتاج النفط العالمي تشارف على 43% منه، فمن شأن انضمام الإمارات والسعودية تحديداً، تعزيز مكانة تلك المجموعة كلاعب رئيس في أسواق الطاقة الدولية. 
في الوقت نفسه، يقود توسيع عضوية ذلك التكتل الاقتصادي إلى تمكينه من تنويع احتياطياته النقدية وتقوية العملات الوطنية لدوله، بالإضافة إلى زيادة احتياطيات الذهب في أراضيها بنسبة 13%، وزيادة عدد سكانها بأكثر من 15.5 %. ولا تقتصر مكاسب «بريكس» من نيل الإمارات عضويته على الجانب الاقتصادي وحده. 
فتلك الخطوة ستعزز من قدرات المجموعة في مجالات البحث العلمي والتكنولوجيا والابتكار، بفضل ما تحظى به الدولة من قاعدة علمية وتقنية راسخة، خاصة في مجالات الفضاء والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات.

موارد هائلة
بلغة الأرقام كذلك، ستُرفد اقتصادات «بريكس»، بنحو 3.24 تريليون دولار، بفعل ما لدى الدول الجديدة من موارد هائلة في مجالات مختلفة، ما سيعزز قدرة ذلك التكتل الاقتصادي، على الوقوف على قدم المساواة مع التحالفات العالمية الأخرى، بجانب تدعيم الفرص الاستراتيجية والاقتصادية واللوجيستية لبُلدانه.
وتبرهن هذه المكاسب المتبادلة، على عمق الرؤية الإماراتية المتبصرة، التي تقوم على أن الشراكات وحدها، هي القادرة على تجاوز التحديات المتداخلة، التي تواجهها البشرية في العصر الحالي، وعلى رأسها التغير المناخي وأمن الغذاء والطاقة، بما يحقق المصالح المشتركة لمختلف دول العالم، في إطار التعاون بين التكتلات والتجمعات الإقليمية والدولية، لا إذكاء التنافس والتناحر فيما بينها.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©