طه حسيب (دبي)
من داخل المنطقة الخضراء في «كوب28»، نظم مركز «تريندز» للبحوث والاستشارات، بالتعاون مع «مركز الاتحاد للأخبار» ندوة عن «مستقبل التمويل المناخي» في ضوء مخرجات كوب28. وشارك في الندوة الدكتورة نوال الحوسني المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، والدكتور ريدان عبدالعزيز السقاف الاقتصادي المقيم للأمم المتحدة في دولة الإمارات العربية المتحدة، والمهندس بلال الشقارين مدير التغير المناخي في وزارة البيئة الأردنية، أدارت الندوة ريم الكندي الباحثة في «تريندز».
محور رئيس للعمل المناخي
وأكد الدكتور حمد الكعبي الرئيس التنفيذي لـ«مركز الاتحاد للأخبار» أن دولة الإمارات استضافت «كوب28» برصيد كبير من الاستدامة والعمل المناخي، مؤكداً أن قضية التمويل محور رئيس لتفعيل العمل المناخي، وتحويل الأقوال والتعهدات إلى أفعال، وأشار الكعبي إلى أن أول إنجاز في كوب 28 هو تفعيل صندوق «الخسائر والأضرار» بجهد دبلوماسي مكثف من رئاسة مؤتمر الأطراف، وفي إطار جهودها لمد يد العون للدول النامية، تسهم الإمارات في نقل تقنيات الطاقة النظيفة، ولديها رصيد كبير في دعم الدول النامية، وتحفيزها على التحول الأخضر. وأكد الكعبي أن الدولة بدأت تطوير إنتاجها من الطاقة المتجددة قبل قرابة 20 عاماً، وتأهبت للمستقبل، والآن لدينا شركة «مصدر» قصة نجاح في الطاقة المتجددة ليس فقط في المنطقة، بل في العالم.
وأشار الدكتور محمد عبد الله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات إلى أن قضية التمويل المناخي تحظى بأهمية كبيرة في مجال العمل المناخي، خاصة أنها تتعلق بمواجهة ضرر كبير تتعرض له الدول الصغيرة والفقيرة من جراء تغير المناخ.
ونوّه إلى دراسات تشير إلى أن تغير المناخ يلحق أضراراً بهذه الدول تصل إلى أكثر من نصف تريليون دولار في عام 2030، موضحاً أن صعوبة هذه القضية تبدو بالنظر إلى أنها نشأت في ظل معضلة كبيرة مفادها أن الضرر الأكبر لتغير المناخ تعانيه الدول الصغيرة والفقيرة، برغم أنها لا تتحمل المسؤولية الكبرى عنه، ومن ثم بات على الدول المتقدمة التي هي «السبب في معظم الانبعاثات العالمية» -كما نصت اتفاقية باريس- أن تدعم الدول الأقل تسبباً في الاحترار العالمي، بينما هي الأكثر معاناة من آثاره.
وبين الدكتور العلي أنه في خطوة متقدمة تم الاتفاق خلال مؤتمر «كوب27» في مدينة شرم الشيخ على إنشاء صندوق يهدف إلى التعويض عن «الخسائر والأضرار» التي لحقت بالدول المعرّضة بشكل خاص ومباشر للكوارث المناخية، وبرغم ذلك مرّ المشروع بتعقيدات كثيرة في ظل بروز تساؤلات حول من الذي يجب أن يدفع؟ ومن سيستفيد منه؟ ومن يجب أن يكون مسؤولاً عن إدارته؟
وأكد أن نجاح مؤتمر الأطراف كوب28 المنعقد حالياً في دولة الإمارات في الاتفاق في يوم افتتاحه على تفعيل صندوق «الخسائر والأضرار» يعد خطوة تاريخية وإنجازاً غير مسبوق، بالنظر إلى أن القرار جاء بإجماع ومن دون أي عراقيل، إذ نجح الصندوق في جمع ما يزيد على 700 مليون دولار، ما يمثّل بارقة أمل في أن يرتفع عدد حجم الإسهامات المالية فيه ليواكب احتياجات الدول الفقيرة والضعيفة.
وأضاف الدكتور العلي أيضاً أن إعلان دولة الإمارات إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم، جاء ليسهم في حل قضية التمويل المناخي.
واختتم الدكتور محمد العلي بالقول «برغم ذلك يحدونا الأمل في أن يكون مؤتمر كوب28 الذي حقق إنجازاً بارزاً في هذه القضية، قد وضع أساساً متيناً تنطلق منه الجهود في المستقبل للوصول إلى حلول جذرية لقضية التمويل المناخي.
أدارت الندوة ريم الكندي الباحثة في تريندز، واستهلها المهندس بلال الشقارين، مدير التغير المناخي في وزارة البيئة الأردنية، مؤكداً أن تجربة المملكة الأردنية في الاقتصاد الأخضر حققت مردودات إيجابية، من أهمها تقليل الاعتماد على الطاقة الأحفورية وزيادة مشاريع الطاقة المتجددة، وتعزيز الأمن الغذائي، وخلق فرص عمل، وتحسين جودة البيئة، وتعزيز مكانة الأردن على الصعيد الدولي.
تمويل من أجل تقنيات أفضل
وأوضح الشقارين أن مسألة التمويل حظيت باهتمام كبير في «كوب28» من خلال «صندوق الخسائر والأضرار»، وتدشين صندوق أخضر بـ30 مليار دولار. ويرى الشقارين أن دول العالم النامي تحتاج التمويل للانتقال إلى تقنيات أفضل ومواجهة التغير المناخي. هناك وعود سابقة تتعلق بالتمويل المناخي تتلقاها الدول النامية، ولم تتحقق، مثل وعد الـ100 مليار دولار الصادر عام 2009 من الدول المتقدمة. الآن تحتاج الدول النامية من أجل التمويل، ومن أجل تخفيض تكلفة الإنتاج.
تسهيل التمويل المناخي
وأكد الشقارين أن معظم الدول النامية تعاني الديون، رغم أنها تحتاج الدعم من أجل التحول في مواجهة التغير المناخي، وتحتاج إلى منح ومساعدات لتحسين موقفها في مواجهة التغير المناخي. هناك خطوات لتسهيل التمويل المناخي في الأردن على سبيل المثال أطلقت سندات خضراء في مطلع العام الجاري، ووضع أنظمة للمخاطر المناخية في قطاعات مثل التأمين والبنوك، وتحديد أطر للقروض الخضراء، وأشار إلى تركيز الأردن على تمويل المشاريع الخضراء، وذلك لتعزيز الاقتصاد وتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتسهيل التمويل المناخي. وقد وضعت الحكومة الأردنية عدداً من المبادرات لتعزيز التمويل الأخضر، منها: تطوير إطار قانوني وتنظيمي لتعزيز الاستثمارات الخضراء، وذلك من خلال إصدار«استراتيجية التمويل الأخضر» عبر البنك المركزي، وتوفير الدعم المالي والفني للمشاريع الخضراء، وذلك بتقديم قروض ومنح مالية، ودعم البحث والتطوير في مجال التمويل الأخضر، إضافة إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال التمويل المناخي، وذلك من خلال إبرام اتفاقيات مع المؤسسات المالية الدولية، مثل البنك الدولي، وصندوق المناخ الأخضر، وصندوق التكيف.
ريادة في الطاقة المتجددة
أكدت الدكتورة نوال الحوسني، المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا)، أنه من المهم جداً الإشارة إلى التفاعل الإعلامي الكبير مع «كوب28». ودعت الحوسني إلى استثمار زخم الحضور العالمي الكبير في «كوب28»، حيث قرابة 197 دولة لها مندوبون من قطاعات سياسية واقتصادية وتقنية تشارك في المؤتمر. وأكدت الحوسني أن من أهم القطاعات التي ركزت عليها الإمارات مند 20 عاماً، هو قطاع الطاقة المتجددة، فلدى الإمارات إمكانات كبيرة في الطاقة الشمسية، ولدى قياداتنا الوعي الكبير في هذا المجال.
وأشارت الحوسني إلى أن الإمارات وثّقت ريادتها في قطاع الطاقة المتجددة، وأصبحت الدولة الوحيدة في «أوبك» التي تقوم بتصدير طاقة تقليدية، وأيضاً طاقة متجددة، ولدى الإمارات كوادر في الطاقة والاستدامة بأماكن كثيرة من العالم. وقالت الحوسني: خلال زيارتي لأيسلندا، وجدت واحداً من الكفاءات التي درست وتخرجت في معهد «مصدر» تعمل هناك بإحدى شركات الطاقة، ما يؤكد أن الإمارات بيئة تستقطب كفاءات وقدرات وتقنيات من أنحاء العالم كافة.
الطاقة النظيفة في «كوب28»
وأضافت الحوسني: لدينا الآن 3 من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، وخلال كوب28 أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أكبر محطة شمسية في مكان واحد بالعالم، ولدينا قبل أسبوعين أيضاً محطة للطاقة الشمسية في الظفرة بطاقة قدرها 2 جيجا وات. هذه الإنجازات الكبرى تلعب دوراً في تسريع تبني حلول في قطاع الطاقة النظيفة. وفي «كوب28» أطلقت الإمارات، بالتعاون مع «آيرينا» تعهداً بمضاعفة الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030 ورفع كفاة الطاقة، خلال الفترة ذاتها بمقدار الضعف من 2% إلى 4%. لدينا دور كبير في خفض الانبعاثات العالمية، وحتى الآن وجدنا أن 130 دولة تبنت هذا التعهد. ولدى الحوسني قناعة بأن العالم لن يستطيع الوصول إلى هدف 1.5 درجة مئوية من دون استخدام الطاقة المتجددة، ودعت لانتقال عادل في مجال الطاقة. وأوضحت أن الإمارات انتهجت خطوات مهمة، وطبقت ممارسات جديدة خلال كوب28، وتبنت أجندة المؤتمر من أول يوم في رئاستها لهذه النسخة، وتبنت صندوق «الخسائر والأضرار»..
حوار شفاف
وقالت الحوسني: إن الدكتور سلطان جمع كل الأطراف المشاركة في «كوب28» في مجلس بطريقة تحاكي الموروث الإماراتي، مجلس من دون أوراق مجهزة مسبقاً، ما أدى إلى تحديث تقارب في عمليات التفاوض، خاصة في ظل تجاذب بين الدول الصناعية والدول النامية. ووسائل الإعلام العالمية تتحدث عن حوار شقاف في «كوب28»، حول التحديات. الطاقة المتجددة نقطة مهمة في كوب 28 ونأم تحقيق نتائج إيجابية في هذه النسخة من مؤتمر المناخ، التي ستكون مصدر فخر لنا جميعاً.
إن دولة الإمارات تمكنت من تحقيق اختراقات مهمة في مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28) لم تتحقق في أي مؤتمر مناخي سبقه، كما نجحت في تفعيل ثقافة حوارية جديدة أسهمت في إيجاد حلول لكثير من القضايا العالقة، ومنها قضية تمويل المناخ.
إصلاحات هيكلية
بدوره تطرق الدكتور ريدان عبد العزيز السقاف، المنسق التقني لمؤتمر الأطراف 28 بمكتب الأمم المتحدة في دولة الإمارات، إلى العدالة في التمويل المناخي، مركزاً على كيفية تعزيز فرص الوصول إلى التمويل في الدول النامية التي تتعرض لتأثيرات التغير المناخي.
كما أكد ضرورة إيجاد إصلاحات في هياكل الأدوات المالية المرتبطة بالتمويل المناخي، وتوقف عند الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتيسير وتعزيز الوصول إلى التمويل على مستوى كل دولة. وأشار إلى أن نجاح كوب 28 في وضع صندوق الخسائر والأضرار كان انتصاراً للعدالة المناخية، لافتاً إلى أن الخلاف حول هذا الصندوق كان أحد أبرز التحديات التي واجهت مؤتمرات الأطراف السابقة، ولكن الدبلوماسية الإماراتية استطاعت كسر هذا الخلاف في كوب 28، حيث تبنت الدول الصندوق منذ اليوم الأول. وأوضح السقاف أن هناك حاجة إلى تعاون الجميع، وإيجاد آليات جديدة لتمويل آثار التغير المناخي، خاصة أن تكلفة التصدي لآثار التغير المناخي آخذة في الارتفاع. ونوّه السقاف بأن اتفاقية باريس للمناخ تحتاج 600 مليار دولار لتطبيق الالتزامات، والحد من ارتفاع درجة الحرارة 1.5، والدول النامية كانت تحضر في مؤتمرات الأطراف، وتعود من دون جدوى، لكم في كوب28 تغير الموضوع، وتأكدت الدبلوماسية الإماراتية من وضع وتخصيص تمويل عملاق للدول النامية. الحديث عن الخسائر والأضرار والعدالة المناخية يعود إلى قمة ريو دي جانيرو عام 1992، الإمارات كسرت هذه الحلقة من خلال تفعيل صندوق الخسائر والأضرار.
مجالات التمويل الثلاثة
وأشار السقاف إلى ثلاثة مجالات للتمويل في قضايا المناخ: الحد من الانبعاثات، وقضايا التكيف مع عالم أكثر احتراراً، وقضايا التعويض بسبب كوارث الاحتباس في باكستان تم تشريد 30 مليون نسمة، وحصلت باكستان على 24 مليار دولار كقروض ونحو مليار دولار كمنح، فأين العدالة؟. الكوارث مستمرة. ويشير السقاف إلى أنه في الإمارات توجد أكبر مؤسسة للمساعدات والإغاثة الإنسانية في دبي (المدينة العالمية للمساعدات الإنسانية)، لدينا فيضانات درنة والسودان، وزلزال المغرب ،والتغير المناخي في القرن الأفريقي. هذا مقلق، إضافة إلى كوارث فجائية ونزاعات، ولدينا مبادرات، لابد من وضع آلية للتمويل. وأوضح السقاف أن مجالات التمويل تتجه إلى القطاع الخاص، لاسيما في الطاقة المتجددة، هناك صعوبات في الحصول على التمويل، لكن هناك مشكلة مؤسسية تكمن في التحيز ضد الدول النامية وتصنيفها بشكل قاس، وفق اعتبارات العملات وأسعارها، وتصفها بالأكثر مجازفة، ومن ثم تكون تكلفة الإقراض أعلى، مقارنة بتقديم قروض لدول متقدمة. في عام 2017 تعرضت جزيرة الدومنيكان في شمال شرق أميركا اللاتينية، لإعصارين مداريين دمرا كل شيء فيها، ودمرا البنى التحتية لديها، ومن أجل التعافي كان عليها الامتثال للتمويل وقواعده، هناك «مبادرة بريدجتاون» تتعلق بوضع شروط منها الإعفاء من سداد الديون لمدة عامين، والحصول على تمويل أرخص للدول التي تتعرض للكوارث.
وأكد السقاف ما حققه «كوب 28» من إنجاز عملاق يتعلق بصندوق الخسائر والأضرار. ورغم أن هناك دولاً يئست من تحقيق العدالة في مسألة التمويل، نجحت الدبلوماسية الإماراتية خلال أول يوم من المؤتمر في تحقيق اختراق في مسألة الخسائر والأطراف.