يوسف العربي (أبوظبي)
تأتي الإمارات في مصاف الدول الرائدة عالمياً في مجال استدامة القطاع العقاري والعمل البيئي والمناخي، حيث لعبت دوراً بارزاً في دعم الجهود الدولية الرامية إلى مواجهة تحديات الطاقة والتغير المناخي، بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة لعام 2030، وذلك بحسب خبراء ومسؤولين في القطاع، أكدوا لـ «الاتحاد» أن الإمارات شهدت في السنوات الماضية، بناء العديد من المشاريع المستدامة، لتأتي في المركز الأول إقليمياً والرابع عشر عالمياً في المباني المستدامة، وفق مسح أجرته مؤسسة «نايت فرانك» للاستشارات العقارية.
وأوضحوا أن تسابق المطورين العقاريين في الإمارات على تبني أحدث تقنيات التحول الرقمي، لأنه يُعد أحد الركائز الأساسية لتعزيز الاستدامة في قطاع البناء والتشييد، كما تسهم هذه التقنيات في تعزيز الكفاءة وخفض الانبعاثات على مستوى التصميم وتشغيل المباني. ولفتوا إلى أن النماذج الرقمية وتحليل البيانات، يساعدان على التنبؤ بأثر التصميم على استهلاك الطاقة والانبعاثات الكربونية، وبالتالي تمكُّن المطورين من إجراء التعديلات اللازمة.
خطة متسارعة
وأكد علي سجواني، العضو المنتدب للعمليات والتكنولوجيا في شركة داماك العقارية، لـ «الاتحاد»، ريادة الإمارات في مجال استدامة القطاع العقاري، لافتاً إلى أنه من القطاعات الرئيسة في الدولة والذي يمضي بخطى متسارعة نحو دعم جهود حماية البيئة، عبر خفض الانبعاثات الناجمة عن أعمال البناء والعمليات التشغيلية المرافقة لها.
وأضاف أنه في السنوات الماضية، شهدت دولة الإمارات بناء العديد من المشاريع المستدامة، لتأتي في المركز الأول إقليمياً والرابع عشر عالمياً في المباني المستدامة.
وقال سجواني إنه من هذا المنطلق، تنشط «داماك» في تبني ممارسات بيئية أكثر استدامة، كما تركز على تعزيز كفاءة إدارة استهلاك الطاقة في مختلف المجتمعات السكنية، ما يعزز من دور القطاع العقاري في خفض الانبعاثات الكربونية. وأضاف: تشكل الاستدامة جزءاً رئيسياً من أعمال «داماك»، فنحن نخطط للمستقبل ونطور مشاريعنا برؤية مستدامة على سبيل المثال، لدينا مشروع قيد التطوير في جزر المالديف عبارة عن منتجع فاخر يضم مجموعة من الفلل، صُمم وفق أعلى معايير الاستدامة، حيث سيتم الاعتماد على الطاقة الشمسية بنسبة 100% في النهار و80% ليلاً وستتم أيضاً الاستفادة من مياه الأمطار لأغراض الري، بالإضافة إلى أن تسخين المياه في المنتجع سيعتمد على الطاقة الشمسية الصديقة للبيئة. ولفت إلى أنه بالإضافة إلى ذلك، سيتم استخدام أكبر قدر ممكن من الزراعة المحلية في أعمال البستنة وتصميم المناظر الطبيعية في المنتجع، وتحويل 80% من النفايات إلى أسمدة يتم استخدامها في الموقع ذاته. وتابع: في دبي، من المقرر أن يصبح مجتمع «داماك لاجونز» واحداً من أوائل المشاريع الحاصلة على «شهادة LEED الذهبية»، ومن المستهدف أن يصبح ضمن أول المجتمعات الرئيسة في دولة الإمارات الذي يحصل على هذا التصنيف المرموق بموجب نظام تصنيف المدن والمجتمعات LEED. ويسعى المشروع إلى تحقيق التكامل بين ميزات خضراء ومستدامة في كل مرحلة، بدءاً من التصميم الأولي وحتى البناء والتشغيل المستقبلي.
انعكاسات إيجابية
وأكد أن المبادرات المستدامة في القطاع العقاري تدعم الابتكار وتشجع على تطوير تقنيات وصناعات جديدة ذات تأثير اقتصادي إيجابي، يمكن أن تساهم في إنشاء فرص عمل جديدة، بالإضافة إلى أنها تعزز من النمو الاقتصادي. وتابع: على مستوى الطاقة، فإن الاستثمار في الطاقة المتجددة وتقنيات الاستدامة، يسهم في توفير مصادر متجددة للطاقة والمواد الخام، مما يقلل من اعتماد الاقتصاد على الموارد الطبيعية غير المتجددة. وأوضح أنه على الرغم من أن تنفيذ المبادرات المستدامة يتطلب استثمارات أولية، إلا أنها قد تقلل من التكاليف على المدى البعيد نتيجة توفير الموارد، وتقليل المخاطر البيئية. وقال: على مستوى الشركات والمؤسسات، فإن تنفيذ المبادرات المستدامة يمكن أن يسهم في تحسين سمعة الشركات والمنظمات، ويزيد من مستوى المسؤولية المجتمعية لها.
تقنيات البناء
وحول دور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في خفض البصمة الكربونية في قطاع البناء، قال سجواني إنهما يلعبان دوراً مهماً في خفض البصمة الكربونية في قطاع البناء عن طريق تحسين كفاءة استخدام المواد والطاقة وتطوير عمليات التصميم والبناء. ومن حيث التصميم، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين تصميم المباني، استناداً إلى النماذج الرقمية وتحليل البيانات التي تساعد على التنبؤ بأثر التصميم على استهلاك الطاقة والانبعاثات الكربونية، وبالتالي تمكن المطورين من إجراء التعديلات اللازمة. وعلى صعيد إدارة البناء الذكية، يمكن استخدام التكنولوجيا لتحسين إدارة مشاريع البناء وزيادة الكفاءة، ويتم ذلك من خلال استخدام أنظمة إدارة المشاريع والتتبع بالوقت الفعلي والتوجيه الآلي للمعدات والعمال. وبالنسبة للبنية التحتية الذكية، يمكن استخدام التكنولوجيا لبناء البنية التحتية الذكية التي تسمح بإدارة استخدام الطاقة والمياه بكفاءة، ويشمل ذلك استخدام أنظمة الإضاءة والتدفئة والتبريد الذكية وأنظمة إدارة المياه.
حلول مبتكرة
من جانبه، قال إبراهيم إمام، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي المشارك للمجموعة والرئيس التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ في «بلانرادار»: إن الإمارات تعتبر من الدول الرائدة عالمياً في مجال الاستدامة في القطاع العقاري. وأضاف أنه في خلال السنوات الماضية أطلقت حكومة الإمارات العديد من الاستراتيجيات والمبادرات ونفذت العديد من المشاريع لتعزيز الاستدامة البيئية في شتى المجالات، ويؤكد ذلك استضافتها للنسخة الـ 28 من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (كوب 28). ومن بين تلك المبادرات والمشاريع الأجندة الخضراء 2030 واستراتيجية الطاقة 2050، والتي تعنى بالحفاظ على المصادر الطبيعية وتوفير الطاقة من مشاريع الطاقة المتجددة، مثل مشاريع الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى تطوير المدن المستدامة. وقال إنه من المتوقع أن نشهد المزيد من الاستراتيجيات والحلول المبتكرة للتحول نحو الاستدامة، والتي تعزز مكانة دولة الإمارات كدولة رائدة على مستوى العالم في التنمية المستدامة.
التشييد والبناء
وقال: إنه في إطار السعي لتحقيق مستقبل أكثر استدامة، نلاحظ أن صناعة البناء والتشييد تحقق تقدماً كبيراً في تبني ممارسات البناء المستدام. وأشار إلى أن التكنولوجيا والتحول الرقمي من الركائز الأساسية لتعزيز الاستدامة في قطاع البناء والتشييد، وبينما تجري فعاليات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (كوب 28)، فإن أحد أهدافنا الرئيسة هو تحسين كفاءة استخدام الموارد بفعالية من خلال الاعتماد على برامج إدارة البناء. وأوضح أن هذا النهج يساعد على تبسيط العمليات وتقليل النفايات الناتجة عن عمليات البناء، بالإضافة إلى تحسين استخدام المواد، مما يؤدي إلى توفير التكاليف وتقليل البصمة البيئية لقطاع البناء. وقال: إن استخدام التقنيات الرقمية ينعكس إيجاباً على صناعة البناء والاقتصاد بشكل عام، ويساهم في تعزيز الاستدامة. ومن بين تلك الحلول الرقمية، برمجيات إدارة البناء مثل PlanRadar، والتي تساعد في تحسين كفاءة عمليات البناء، وخفض التكاليف، بالإضافة إلى كفاءة استخدام الموارد، وخفض النفايات والحد من الهدر، وبالتالي خفض الأثر البيئي لمشاريع البناء وتحسين الجدوى الاقتصادية لها. وتُعد تقنيات نمذجة معلومات البناء (BIM) و«إنترنت الأشياء» (IoT) طرقاً فعّالة لتقليل الأثر البيئي لعمليات البناء. تسمح هذه الحلول الرقمية بإدارة أفضل للموارد، وتخفيض الهدر وتحسين كفاءة الطاقة طوال عمليات البناء. ومن خلال تبني نهج يعتمد على التكنولوجيا في التخطيط العمراني والتوسع الحضري، يُمكننا تعزيز الاستدامة في قطاع البناء والتشييد، وخفض البصمة البيئية لها والحفاظ على مواردنا للأجيال القادمة.
جهود هائلة
من جانبه، قال أفين جيدواني، الرئيس التنفيذي لشبكة «بي إن سي نتورك» للأبحاث في مجال التشييد والبناء في رده على أسئلة «الاتحاد»: إن الإمارات تأتي في طليعة مبادرات الاستدامة في المنطقة، وتمضي بخطى ثابتة لتحقيق أهداف صفر كربون بحلول عام 2025.
وأشار إلى أنه استناداً إلى التقدم الهائل والملموس في مجال الاستدامة، فمن المتوقع قيام الدولة بتنفيذ العديد من المشاريع الطموحة التي تنفذها للحد من الكربون.
وقال: إنه في هذا الإطار، تُعد استضافة مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) في غاية الأهمية من الناحية الاستراتيجية؛ لأنها تسلط الضوء على الإمارات، مما يسمح لها بعرض إنجازاتها على الصعيد العالمي.
وتابع: باعتبارنا شركة رقمية، لدينا بصمة كربونية صغيرة نسبياً، كما تساهم منتجات الأعمال الذكية لدينا في تحقيق الاستدامة من خلال تقليل رحلات العمل بشكل كبير من قبل الآلاف من المديرين التنفيذيين، وذلك عبر توفير الكثير من المعلومات التي سيتعين عليهم السفر للحصول عليها رقمياً أو عبر الهواتف الذكية كلما احتاجوا إليها.
وقال: للمساهمة بشكل أكبر في الاستدامة، نطلق برنامجاً لزراعة شجرة لكل مستخدم جديد للمنصة ومن خلال هذه المبادرة، نأمل في تعويض التأثير الذي نحدثه من أنشطة مثل السفر والمرافق.