هدى الطنيجي (أبوظبي)
التغير المناخي أحد أبرز التحديات العالمية الأكثر إلحاحاً، والتي تضع البشرية في مرمى الخطر في حال التغاضي عن إيجاد الحلول لمواجهته، حيث تتضاعف أهمية تكاتف الجهود بين شتى القطاعات والمجالات للتعاون، وضمان التزام كل جهة بمسؤولياتها المناخية لاستشراف المستقبل المستدام لأجيال الغد، وتجنب استنزاف الموارد وإلحاق الضرر في الكوكب الذي نعيشه فيه.
وعند ذكر مصطلح تغيّر المناخ، فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا صورة المصانع والمنشآت الصناعية التي تنتج كميات كبيرة من الانبعاثات الملوثة للبيئة والمسببة لظاهرة الاحتباس الحراري. فعلى الرغم من أن دور القطاع الصناعي هو الأكبر في التصدي لتغير المناخ، لا يمكننا أبداً إغفال دور القطاعات الأخرى، ومنها قطاع الرعاية الصحية. ومع انعقاد الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28»، والتي تستضيفها دولة الإمارات العربية المتحدة، حدثتنا الدكتورة نورة خميس الغيثي، وكيل دائرة الصحة – أبوظبي، عن دور قطاع الرعاية الصحية في تعزيز الاستدامة، والمبادرات والبرامج التي اعتمدتها الدائرة في هذا الإطار.
دور وقائي وعلاجي
قالت الدكتورة نورة الغيثي، إنه قبل الحديث عن تأثير قطاع الرعاية الصحية الفعلي على تغير المناخ وما يمكن لمنشآت ومرافق ومؤسسات الرعاية الصحية القيام به لتقليص بصمتها الكربونية، يتعين علينا إدراك أن هذا التغير بحد ذاته يضع أفراد المجتمعات حول العالم أمام مخاطر صحيّة جمّة؛ تتمثل في تسارع وتيرة انتشار الأمراض، ولربما ظهور أمراضٍ جديدة لم نعهدها، أو عودة أمراض أخرى عرفناها على مر العصور.
وانطلاقاً من إدراكنا في دائرة الصحة - أبوظبي لهذه المخاطر، وحرصنا الدائم على ترسيخ تميزنا في الرعاية الصحية لنكون دائماً مستعدين لأي أزمات، نضع جودة وتميز الخدمات الصحية التي تقدمها المنشآت الصحية في الإمارة على رأس قائمة أولوياتنا، ونحرص على الارتقاء بجودة خدمات الرعاية الصحية المتخصصة والشخصية ومعايير السلامة وتجربة المرضى وفق أفضل الممارسات العالمية.
وأضافت: «في إطار مساعي الدائرة لترسيخ مكانة أبوظبي كوجهة رائدة عالمياً للرعاية الصحية، نتعاون مع الشركاء في الإمارة، وحول العالم لتعزيز الابتكارات في علوم الحياة انطلاقاً من مكانة الإمارة كحاضنة للابتكار في تطوير وإثبات المفاهيم التي تستهدف أكثر التحديات الصحية إلحاحاً. وتواصل الدائرة سعيها المستمر لضمان مرونة منظومة الرعاية الصحية وجاهزية الإمارة في حالات الطوارئ والأزمات الصحية، وذلك من خلال توظيف أحدث التقنيات وتعزيز كفاءة القوى العاملة، والتنبؤ بالتحديات والجاهزية للتعامل معها بما يعزز صحة وسلامة المجتمعات في الإمارة وحول العالم. ولاشك أن شتى هذه الجهود تجعلنا متأهبين للاستجابة بكفاءة لأي تحديات صحية مفاجئة قد تنشأ، نتيجة التغير المناخي أو لأي سبب آخر».
مبادرات الاستدامة
وقالت الدكتورة نورة الغيثي: «أعلنا مطلع العام الجاري أهداف الاستدامة لقطاع الرعاية الصحية في الإمارة، تزامناً مع أسبوع أبوظبي للاستدامة 2023، والتي تتمحور حول خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 20% بحلول عام 2030 وصولاً للحياد المناخي في عام 2050. ووضعنا في هذا الإطار خطة عمل محكمة لضمان وفاء كل جهة ومؤسسة صحية في أبوظبي بمسؤولياتها تجاه الاستدامة، بما يعود في نهاية المطاف بالإيجاب على جهود العمل المناخي الوطنية والعالمية».
وذكرت أن فرق العمل تواصل التنسيق مع قطاع الرعاية الصحية في الإمارة لتمكينه من تبني عمليات مستدامة على مختلف المستويات، بما يشمل استخدام المواد الكيميائية والغذائية والمشتريات والنقل واستهلاك المياه، إلى جانب تعزيز ودعم نظم التغذية الصحية والمستدامة المنتجة محلياً.
وتماشياً مع الاهتمام العالمي بإدارة المخلفات الطبية، وفي ضوء المعايير الإرشادية الجديدة، نهدف لتمكين منشآت الرعاية الصحية من تقليصها ومعالجتها، وتحسين سبل التخلص منها. وقمنا أيضاً بإطلاق إرشادات الاستدامة عبر موقعنا الإلكتروني للتركيز على الإجراءات اللازمة لتحقيق أعلى مستويات الاستدامة لجميع منشآت الرعاية الصحية، بما يعزز صحة وسلامة المجتمع.
وفي إطار الجهود الرامية لضمان تطبيق هذه الإرشادات بأسلوب سلس، تمت إضافة مؤشر «الماسة الخضراء» الجديد للاستدامة إلى مؤشر أبوظبي لجودة الرعاية الصحية، لقياس مدى استدامة المنشآت والتزامها بتطبيق المعايير والإرشادات الخاصة بأهداف الاستدامة.
وأضافت: «نعمل أيضاً على رفد كوادر القطاع بالتدريب اللازم للتعرّف على أبرز أسس الاستدامة وأفضل السبل للامتثال لمعاييرها. ومن هذا المنطلق، وفرنا وصولهم إلى شبكات دولية على غرار الاتحاد الدولي للمستشفيات وشبكة مستشفيات عالمية خضراء وصحية، لتبادل المعارف والخبرات في مجالات الاستدامة، ونسعى لإبرام شراكات إضافية من هذا النوع للارتقاء بقدراتنا على ترسيخ دعائم مستدامة تدعم جهود العمل المناخي والحد من الانبعاثات».
حدث ملهم
وأضافت الغيثي: «استضافة دولة الإمارات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28) ترسخ المكانة العالمية الرائدة التي تتبوأها دولتنا على مختلف الصعد، في حدث سينقل العالم من التعهدات المناخية إلى التنفيذ. وتمثل هذه الاستضافة دافعاً لنا في قطاع الرعاية الصحية للمضي في العمل نحو تحقيق مستهدفات الدولة لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، ودعم أهداف (عام الاستدامة) الذي يحمل شعار (اليوم للغد). ونحن في دائرة الصحة - أبوظبي ماضون في التزامنا الراسخ بدعم الأهداف المناخية للدولة، عملاً بتوجيهات قيادتنا الرشيدة، وتحقيقاً للمستهدفات الوطنية، لتكون دولتنا دائماً وأبداً في صدارة العمل المناخي ومنظومتنا الصحية متميزة ومتفوقة ومستعدة للمستقبل».