لكبيرة التونسي (أبوظبي)
عندما تكون الأسرة واعية بأهمية البيئة وتعمل جادة على استدامة الموارد، فإن هذه الثقافة ستنتقل تلقائياً إلى المجتمع، لذلك تكرس العديد من الجهات جهودها للتوعية البيئية وتطلق مبادرات لتعزيز وعي الأم والطفل، وتجعلهما في قلب اهتمامها. ويؤكد اختصاصيون دور الأم المحوري في ترسيخ مفهوم الاستدامة عند الأبناء، لكونها ناقلة القيم وبانية الأجيال وصانعة التوعية، حيث تنمي الشعور بالمسؤولية تجاه البيئة وتكسبهم الوعي اللازم ليكونوا قادرين على التعامل مع البيئة تعاملاً سليماً. ويعتبر الخبراء أن الأسرة هي الأكثر تأثيراً في البيئة من خلال دعم الوعي وزيادته لدى أفرادها.
صمام أمان
يعتبر محمد أحمد، ناشط بيئي، عضو جميعة أصدقاء البيئة، أن استدامة الموارد صمام أمان للأجيال، وحمل الآباء مسؤولية تعزيز الوعي لدى الأبناء، وشدَّد على أهمية بناء بيئة سليمة داخل المنزل تشمل الجميع. وأضاف: «من حق أبنائنا العيش في بيئة نظيفة بسعادة ورفاهية، وواجب علينا توعيتهم وتدريبهم وتثقيفهم، لغرس القيم البيئية في أنفسهم، ما يسهم في تهيئة أجيال المستقبل لمواكبة متطلبات الاستدامة».
غرس القيم
من جهتها، تذكر عفاف غانم، مدربة تنمية بشرية، ومشرفة على اختيار الموهوبين في الرسم المستدام للمشاركة في بعض المعارض المحلية، أن مرحلة الطفولة تعتبر من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان خلال حياته. وفيها يتم تحديد معظم أبعاد النمو الأساسية للشخصية، بحيث يثبت بذاكرته كل ما تعلمه في الصغر بدرجة كبيرة، ومن الضروري الاهتمام بتنمية الوعي البيئي لديه، ليكون قادراً على حماية البيئة من المشكلات التي يواجهها. وهنا يقع الدور على الأم والأب في البيت، بحيث يكون سلوكهما تجاه البيئة وإدارة الموارد مستداماً، كي تنتقل هذه القيم تلقائياً إلى الطفل منذ نعومة أظافره.
مبادرات مجتمعية
ترسيخ مفهوم الاستدامة وتعزيزه في المجتمع، لا يكتمل إلا بمبادرات الأفراد والأسر الذين ينقلون هذه القيم أيضاً للمجتمع ليستفيد منها، كما يترسخ لدى الأبناء الذين هم عماد المستقبل. وتقول الأم لطيفة الراشدي إن تنمية الحس البيئي تبدأ من البيت والأسرة، بحيث نعلم الأبناء منذ نعومة أظافرهم النظافة ومسؤولية ترتيب أماكنهم وغرفهم والإسهام في ترشيد الموارد، بحيث يتعلم كل شخص عدم استهلاك أكثر من حاجته، سواء في الإنارة أو الماء أو الطعام، وذلك من أجل استدامة الموارد.
تطوع
فاطمة الظاهري، تؤمن بأن الأم هي أساس غرس مفهوم الوعي البيئي في أبنائها، ومنها ينطلق في المجتمع، مؤكدة أن نشر الوعي بات ضرورة ملحة من أجل استدامة الموارد للأجيال. والبداية تكون من غرس هذا المفهوم في نفوس الأبناء، عبر المشاركة في بعض الورش والدورات التطوعية، مؤكدة أن الوعي البيئي قيمة تُكتسب وتترسخ عبر السلوكيات البسيطة اليومية التي تتعمق في نفس الطفل، لاسيما أنه يتعلم بالمشاهدة والممارسة والفعل. وقد لمست ذلك من خلال المشاركة في حملات تنظيف، والتوعية بالصحة العامة والتغذية.
إعادة تدوير
أصبحت عمليات فرز النفايات وإعادة التدوير في الدولة مسؤولية كل فرد في المجتمع، بعدما كانت مهمة تقتصر على الجهات المعنية، خصوصاً أنها تشكل تهديداً للبيئة وتنعكس تداعياتها على الحياة الاجتماعية والصحية للأفراد. وتشير شما السعيدي إلى أن ثقافة فرز النفايات تبدأ من المنزل، وتتعزز تدريجياً في نفوس الأبناء، وذلك عبر سلوكيات يومية، مثل تخصيص كل حاوية لمواد مختلفة مثل الورق والزجاج ومخلفات الخضراوات، مؤكدة أن هذه الثقافة تبدأ بالبيت وتنتقل إلى الشارع والأسواق والأماكن العامة، حيث تتوافر حاويات النفايات بطرق حديثة وبألوان مبهجة وذكية.
التربية البيئية
تعزيز الوعي لدى الأطفال، وجذب اهتمامهم نحو الاستدامة من خلال البرامج والأنشطة المختلفة ذات الأهداف البيئة والتعليمية، من الأسس الرئيسة في جمعية أصدقاء البيئة الإماراتية، حيث تعمل ضمن منظومة متكاملة لنشر الوعي بالتفاعل والممارسة. ويقول الدكتور إبراهيم علي محمد، رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء البيئة الإماراتية إن الحل الأمثل للحفاظ على البيئة والحد من التغير المناخي، يكمن في سلوك الإنسان، والذي يتحول إلى قيم اجتماعية لديه، ويجعله جزءاً من هذه البيئة ومسؤولاً عن عدم الإخلال بها.
ويضيف: «برامجنا في الجمعية تستهدف الأطفال بنسبة 70%، والنساء بنسبة 30% من منطلق إيماننا بمحور التوعية البيئية الاجتماعية»، مشيراً إلى أن الجمعية تنظم العديد من المبادرات، منها ترشيد الاستهلاك في المنازل من الطاقة والماء. ونهدف إلى وضع الأساس البيئي وترسيخ مبادئ كفاءة استخدام الطاقة والمياه في المنازل، لتكون الأسرة النموذج الأمثل لنشر ثقافة الترشيد بين أفرادها وتفعيل دور كل منهم في توعية من حولهم، وتدوير الورق والملابس والحد من هدر الطعام وإطلاق العديد من المبادرات التي تسهم في تقليل البصمة الكربونية وسواها من البرامج المجتمعية التي تستهدف الأطفال والشباب باعتبارهم قادة المستقبل والمرأة لكونها نصف المجتمع.
محور الاستدامة
العيش في كنف أسرة مرتبطة وواعية بالقضايا البيئية، يكون له دور فعال في المجتمع، وينعكس على البيئة وعلى المجتمع بشكل عام. هذا ما يتحدث عنه الخبير البيئي علي العمودي، معتبراً أن الأسرة أساس التوعية ومحور استدامة الموارد، وهي المحرك الأساسي لغرس القيم والمبادئ. ويضيف: «دور الأم رديف للجانب التعليمي في مختلف المجالات، وندرك جيداً أن سلوك الأم الإيجابي في التعامل مع الكهرباء والماء وبقية الموارد وإعادة التدوير وترشيد الاستهلاك، يتم تصديره من البيت على نطاق أوسع، حيث ينقله الأبناء لبقية المجتمع، ومن تم يتم الحفاظ على البيئة»، مشيراً إلى أن الاستدامة هي أن نبقي على الموارد في حياتنا بشكل مستدام، بحيث لا نضر البيئة التي نعيش فيها.
ما بعد «كوب 28»
يذكر علي العمودي، أن الاستدامة قضية محورية في دولة الإمارات، وستعمل على ترجمة السياسات والمناقشات في «كوب 28» إلى واقع عملي بشكل مستدام، مشيراً إلى أن استدامة الشيء تعني ديمومته والحفاظ عليه للمجتمع والأجيال.
صانعة التوعية
تؤكد المهندسة الزراعية شهلاء أحمد خلفان البوفلاسة دور التوعية وتعزيزها في المجتمع، معتبرة أن الأم محور هذه العملية، لهذا يجب تعزيز وعيها عبر مختلف الوسائل والمنصات وتمكينها في هذا المجال لتكون صانعة التوعية، وليس فقط مشاركة فيها. وتشدد على الراديو كوسيلة لنشر الوعي، لما له من أثر كبير على مستعملي الطريق ومحبيه في كل مكان، لاسيما أنه يسهل استعماله وهو في متناول الجميع. وتؤكد ضرورة استثمار بعض المواد في البيت وإعادة تدويرها، كالقهوة ومخلفات الخضراوات وقشر البيض وماء الأرز، وتحويلها إلى سماد لتقليل البصمة الكربونية.