حسونة الطيب (أبوظبي)
من حيث مقدرتها على جذب ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه، يمكن للغابات أن تلعب دوراً محورياً في التصدي للتغير المناخي. وتشير تقديرات جديدة، لكمية الكربون الذي يمكن عزله، من خلال المحافظة على الغابات القائمة حالياً ومعالجة المعرضة للتلف منها.
وللغابات المقدرة على تخزين ما يعادل انبعاثات كربونية لنحو 50 ألف محطة تعمل بالفحم سنوياً، بحسب دراسة جديدة نشرتها مجلة نيتشر البريطانية. ومن المتوقع، بلوغ معدل تخزين الكربون، 226 جيجا طن (1 جيجا طن= 1 مليار طن متري)، الكمية التي تمثل 30% من نسبة الكربون التي انبعثت منذ بداية الحقبة الصناعية حول كافة أرجاء العالم، بحسب بلومبيرغ.
لا يعتبر الاستثمار في الغابات، مبرراً للاستمرار في بث الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، خاصة وأن ارتفاع درجة حرارة الأرض، يشكل مهدداً لمقدرة الغابات على البقاء وامتصاص الكربون.
وفي حال استمرار العالم، على هذا المنوال من الانبعاثات الكربونية، من المرجح تراجع مقدرة الأشجار على امتصاص الكربون، بنسبة قدرها 26 % بحلول العام 2050.
وللوصول إلى تقديرات جديدة، قام الباحثون بدمج البيانات على الأرض وبيانات الأقمار الصناعية، لوضع نموذج لإجمالي الكتلة الحيوية للغابات المحتملة على مستوى العالم. ولتقدير إجمالي إمكانات تخزين الكربون على الأرض خارج المناطق الحضرية والزراعية، قاموا بدمج معلومات عن التربة والكربون والأخشاب الميتة والقمامة.
وتشير النتائج، إلى أن تحقيق معظم هذه الإمكانات، ينتج عن السماح للغابات الموجودة بالتعافي، ومن خلال استعادة الغابات في المناطق التي تمت إزالتها أو تجزئتها.
لكن القضية ليست بالسهولة، كما زراعة الأشجار. وعادة ما تتطلب المبادرات الكبيرة للقيام بذلك، زراعة مزارع أحادية ضخمة، الشيء الذي ربما يكون ضرره أكثر من نفعه، حيث يخل بالنظم البيئية الطبيعية وفقدان التنوع الأحيائي.
وتعتبر زراعة الأشجار، أقل فاعلية في عزل الكربون، حيث عادة ما تقوم الغابات المتعددة الأنواع، بتخزين كربون أكثر بنحو 70%، بالمقارنة مع نظيراتها أحادية النوع. والغابات الأكثر تنوعاً، أفضل في التقاط الكربون، لتميزها بالمزيد من المرونة، عند حدوث الكوارث الطبيعية ومقاومة الأمراض والآفات.
إن مدى مساهمة الغابات في الحد من التغير المناخي، جدلية تتطلب المزيد من البحث والتمحيص. ويرى بعض خبراء البيئة، أن رقم 226 جيجا طن من الكربون، مبالغ فيه، وأن النسبة الحقيقية ربما تكون 25% من ذلك الرقم. وربما يعود السبب في خفض هذه النسبة، لاعتماد الدراسة، على تجديد الغابات في النظم البيئية التي تزدهر في وجود مساحات مفتوحة مثل السافانا.
وبدلاً من التركيز على إحياء الغابات المتدهورة، فإن المحافظة على القائمة منها، ربما تكون أكثر فاعلية في خفض انبعاثات الكربون وذات أثر مباشر.
كما أن، تحقيق إمكانات تخزين ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بتجديد الغابات، قد يستغرق عقوداً إلى سنوات، نظراً للمدة الزمنية المطلوبة لنمو الأشجار الجديدة.
وبينما تتعدد الطرق التي يتم عبرها إحياء الغابات، تكمن أكثر الطرق نجاحاً، في تلك التي تتلاءم مع الفائدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية. ومن بين هذه الطرق، برنامج الدفع للخدمات البيئية في كوستاريكا، حيث يتقاضى ملاك الأراضي أموالاً، مقابل نشاطات تسهم في المحافظة على صحة البيئة.
وحتى في ظل فوائد احتجاز الكربون، الناجمة عن الحفاظ على الغابات واستعادتها، يؤكد العديد من الخبراء، على أهمية الحد من الانبعاثات.
وتكمن مخاطر هذه التوقعات المتعلقة بإمكانية تخزين الكربون في الغابات، في تشجيع الأشخاص والشركات، على زراعة الأشجار، بدلاً من البحث عن الحلول الأكثر استدامة والأطول أجلاً للتغير المناخي. ولا ينفي ذلك، الدور الذي تلعبه المحافظة على الغابات وإحياء المتدهورة منها، في الحد من الانبعاثات الكربونية، رغم أنه غير كافٍ.