مريم بوخطامين (أبوظبي)
تحرص الحكومة عبر إطلاق برنامج الجينوم الإماراتي، إلى وضع خريطة شاملة للبيانات الجينية الوراثية لمواطني الدولة لتسريع وتيرة حلول الرعاية الصحية الوقائية والتشخيص الدقيق للأجيال الحالية والمقبلة، على أن يقوم البرنامج بدراسة جينات المواطنين عبر استخدام أحدث تقنيات تسلسل الحمض النووي، والاستفادة من القوة التحليلية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، إذ يقدم المختبر المرجعي الوطني 200 نوع من الاختبارات الجينية.
وأكد الدكتور هيماد ياساي، رئيس قسم الجينوم الجزيئي في المختبر المرجعي الوطني -إحدى شركات M42- نمو الطلب على الاختبارات الجينية، وأبرز تطوراتها، ودورها في الطب الشخصي، ومدى أمانها وخصوصية بياناتها.
وقال: «شهد الطلب على استخدام تقنيات الجيل المقبل لتسلسل الجينوم البشري نمواً لافتاً مؤخراً بين الأطباء في دولة الإمارات باعتبارها أدوات تشخيصية لرصد الأمراض الوراثية، ويعزى ذلك لقدراتها الاستثنائية في رصد الأمراض، ومن الأمثلة على ذلك علاج وإدارة حالات مثل مرض السرطان، حيث بات الأطباء يطلبون اليوم التنميط الجيني الشامل للورم للحصول على مزيد من المعلومات حوله».
وأوضح أن هذا الاختبار بات شائعاً للغاية خلال العامين الأخيرين، حيث يقدم المختبر 200 نوع من أنواع الاختبارات، وبالنسبة للأمراض الجينية النادرة بخلاف السرطان، اكتسب تسلسل الجينوم السريري كاختبار شعبية كبيرة، إذ تندرج مختلف هذه الاختبارات ضمن تقنيات الجيل المقبل لتسلسل الجينوم البشري.
وأضاف: «إن تقنيات الجيل المقبل لتسلسل الجينوم تُستخدم لفهم التكوين الجيني للجسم البشري، وفي وقت سابق، ربما قبل 10 سنوات، اعتدنا النظر إلى الجينات المسببة لاضطرابات معينة، وهو أمر كان يستغرق الكثير من الوقت، ويقلل من دقة التشخيص، وفي السنوات القليلة الماضية، أصبحت تقنية الجيل المقبل لتسلسل الجينوم متاحة على نطاق أوسع، وتمكننا من فهم التسلسل الجيني في جسم المريض بأكمله، لنتمكن كأطباء من الخروج بنتائج تشخيصية أكثر دقة».
وأضاف: «إن ظهور تقنيات مساعدة مثل الخزعة السائلة، جعل جمع العينات الجينية أمراً أكثر سهولة ودون أي تدخل جراحي، وقدم مثالاً عن ذلك وهو جمع العينات السائلة من السيدات الحوامل لمعرفة جنس الجنين، وفحص إصابته بمرض وراثي أو تشوه خلقي، ويتوفر هذا الاختبار اليوم في المختبر المرجعي الوطني». وتابع: «شهدت تقنيات الجيل المقبل لتسلسل الجينوم استخداماً لمراقبة مرضى السرطان، وذلك لمعرفة مدى تقدم المرض أو تراجعه».
وأكد الدكتور ياساي دور الاختبارات الجينية في تصميم الطب الشخصي، باعتبارها الركيزة الرئيسة لتصميم خطط علاجية شخصية، حيث تمنح القدرة على فهم التركيب الجيني للشخص بدقة أو إيضاح الأسباب الجذرية لمرض ما، مشيراً إلى أنه دون الاختبارات الجنينة، لن يكون الطب الدقيق والتشخيص أمراً ممكناً.
وأشار إلى الفوائد الكبيرة التي تقدمها الاختبارات الجينية، ليس للمريض فحسب، وإنما للأطباء أيضاً، حيث تسرّع تقنيات الجيل المقبل للتسلسل الجيني من عملية التشخيص وتعزز دقته، وتمكن الأطباء من التوجه نحو الإجراء المناسب، وسابقاً كان على بعض المرضى الانتظار لمدة طويلة، قد تصل إلى 2 أو 3 سنوات، لمعرفة تشخيصهم الوراثي بدقة، أضف على ذلك حاجة المريض لزيارات متكررة، ما يسبب مزيداً من التكاليف، لذلك جاءت هذه التقنيات لتُحدث تغييراً جذرياً في ذاك الوضع، وتوفر التكاليف المرتبطة بالتشخيص، وبفضل الاختبارات الجينية، تتوافر اليوم أدوية قادرة على استهداف الطفرات الجينية المحددة التي قد تحملها الأورام الخبيثة، وهو أمر يحد من فرص انتكاس المريض.
وأضاف: «يبلغ عدد الفحوص التي تُجرى اليوم في المختبر المرجعي الوطني أكثر من 200 اختبار جيني تغطي جميع جوانب الحياة من التشخيص قبل الولادة والاضطرابات الوراثية النادرة بعد الولادة للأطفال، إلى فحص السرطان وتقييم مخاطر الزهايمر لكبار السن».
وشدد على أن دولة الإمارات تتمتع بإحدى أكثر سياسات الخصوصية صرامة وموثوقية بالنسبة لبيانات الاختبارات الجينية، مطمئناً المرضى حول مدى أمان بياناتهم الجينية.
وقال: «عندما يجرى اختبار جيني لمريض ما، يتم ذلك بطريقة محددة، دون ذكر اسم المريض، أو أي معلومات شخصية متعلقة به في الاختبار، ويُحفظ وفق معرف شخصي خاص به، حسب معايير معينة حددتها الجهات الصحية المعنية في الدولة، انطلاقاً من حرصها التام على أهمية حماية خصوصية أفراد المجتمع في أثناء تلقيهم أفضل الخيارات العلاجية والتشخيصية».
وأشار إلى أن دولة الإمارات شهدت خلال السنوات القليلة الماضية نشاطاً متنامياً في مجال مشاريع بحوث الجينوم، عبر علاقات تعاون بين الجامعات ومقدمي الرعاية والمختبرات، مثل المختبر المرجعي الوطني، والذي يتعاون مع جامعة أبوظبي وجامعة خليفة وهيئة الصحة بدبي، وكذلك مع مستشفى دبي. وكمثال على ذلك، يعمل المختبر على دراسة جينات سرطان المبيض وسرطان الثدي مثل BRCA1 وBRCA2 وفرص الإصابة ببعض أنواع السرطان، ويتعاون أيضاً مع مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي لإجراء أبحاث أخرى، ومع جامعة خليفة أيضاً.
وأكد أهمية استمرار البحوث والدراسات لتوسيع المعارف عن التركيب الجيني للأشخاص الذين يعيشون في دولة الإمارات، لاسيما المواطنين، مشيداً ببرنامج الجينوم الإماراتي الذي تنفذه «جي 42»، والذي يعتبر نموذجاً رائداً على حجم الأبحاث الجارية في هذا المضمار.