أحمد مراد وعبدالله أبوضيف (القاهرة)
قبل مئة عام من الآن، وتحديداً في 29 أكتوبر 1923، تأسست الجمهورية التركية، الواقعة على مفترق طرق بين قارتي أوروبا وآسيا، وطوال العقود الـ10 الماضية شهدت تركيا العديد من التحولات المهمة والتغيرات الجذرية، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.
ونجحت الجمهورية التركية عبر العديد من الأنظمة السياسية التي قادتها طوال المئة عام الماضية في بناء اقتصاد قوي، وتأسيس بني تحتية متطورة، وإقامة منشآت حديثة، وشبكة مواصلات عصرية، وهو ما جسد ثورة في التطور العمراني، والتحول الحضري، والانفتاح الاقتصادي على العالم، الأمر الذي جعلها تحتل مكانة مرموقة ضمن دول العالم.
محطات
مرت تركيا خلال المئة عام الماضية بمحطات مهمة، كان أبرزها حصولها على عضوية حلف شمال الأطلسي «الناتو» عام 1952، وقد باتت تملك ثاني أكبر جيش -عددياً- بين دول الحلف بعد الولايات المتحدة الأميركية.
وفي أوائل الألفية الجديدة، كانت تركيا على موعد مع محطة بارزة في مئويتها الأولى تمثلت في وصول الرئيس رجب طيب أردوغان إلى رئاسة الوزراء عام 2003 لأول مرة، ومن بعدها تولى رئاسة الجمهورية مع انتقال تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي خلال عام 2017.
وفي السنوات العشر الأولى من حكم أردوغان، انضمت تركيا إلى مجموعة الدول العشرين التي تضم أكبر الاقتصادات في العالم على الإطلاق، وقد وصل الناتج القومي لتركيا عام 2013 إلى نحو تريليون و100 مليار دولار.
وسعى رجب طيب أردوغان إلى تحديث بلاده عبر تشييد مطارات وطرق وجسور ومستشفيات ومئات الآلاف من المنازل، إضافة إلى زيادة الإنتاج الزراعي والصناعي والتجارة الحرة عبر توفير مناخ ملائم للمستثمرين وزيادة عدد الشركات، وغزو تركيا للسوق العالمية بمنتجاتها.
وفي المجال الصناعي، حققت تركيا طفرة صناعية كبيرة، وهو ما جعلها تصنع أول دبابة مصفحة، وأول ناقلة جوية، وأول طائرة من دون طيار، وأول قمر صناعي حديث، وأول سيارة كهربائية.
وفي القطاع التعليمي تم بناء 125 جامعة و198 مدرسة، وتم رفع ميزانية التعليم من 7.5 مليار ليرة إلى 147 مليار ليرة، إلى جانب تقديم «وقف المعارف التركي» الدعم لأكثر من 43 دولة بمجال التعليم.
وفي القطاع الصحي، تم بناء 510 مستشفيات، ورفع عدد الأسر في المستشفيات من 164 إلى 253 ألف سرير، وفي القطاع الزراعي حققت تركيا الاكتفاء الذاتي التام في المنتجات الزراعية، وزادت عائدات الإنتاج الزراعي إلى 333 مليار ليرة بعدما كانت 37 ملياراً، وتجاوزت قيمة صادرات القطاع الزراعي 20 مليار دولار في الآونة الأخيرة.
طموحات المئوية المقبلة
مع احتفال تركيا بذكرى مئوية تأسيسها، تدشن مرحلة جديدة بطموحات المئوية القادمة، وهو ما تجسد في طرح رؤية «مئوية تركيا في القرن الثاني لتأسيس الجمهورية» التي تتضمن 16 مبدأ متنوعاً، الأول مبدأ «مئوية الاستدامة» ويشمل خطة تركيا للاكتفاء الذاتي بدعم المشاريع اقتصادياً عبر الحفاظ على البيئة والتنمية الاقتصادية والتكامل الاجتماعي، والثاني مبدأ «مئوية الاستقرار» ويشمل مكافحة التقلبات الاقتصادية وحركة اللجوء، حيث ستعمل تركيا على الرفاه والاستقرار في البلاد، والثالث مبدأ «مئوية التنمية» ويشمل خطط الاستثمار، والرابع مبدأ «مئوية القيم» ويعنى بالحفاظ على الأمانات والقيم من خلال الحفاظ على القيم الثقافية والاجتماعية.
أما المبدأ الخامس فهو يتعلق بـ«مئوية القوة» ويشمل تقديم الدعم والقوة في القطاعات السيادية كالصحة والصناعة والتعليم والتقنية، وتقويتها، ويتعلق المبدأ السادس بـ«مئوية النجاح» ويعني مراعاة المصالح الوطنية والمبادئ الدولية والتوازنات، والتركيز على الاستقرار في منطقة صعبة في العالم، وهو مرتبط بالمبدأ السابع وهو «مئوية السلام»، وتعمل تركيا عبر هذا المبدأ على إحلال السلام في الميدان وعلى طاولة المفاوضات.
ويتمثل المبدأ الثامن في «مئوية العلم» ويشمل الدعم الأكاديمي والعلمي وتقوية الإبداع في القطاعين العام والخاص، والمبدأ التاسع هو «مئوية أصحاب الحق» القائم على مبدأ أحقية العدالة وحقوق الإنسان والاحترام، والمبدأ العاشر هو «مئوية الفاعلية» عبر تعزيز عناصر فاعلية الإنتاج، وهم: الإنسان والزمان والبيئة والإنتاجية، والمبدأ الحادي عشر هو «مئوية الاستقرار» الذي يتم عبر استقرار القوة والمضي نحو النصر، والمبدأ الثاني عشر هو «مئوية المحبة» القائمة على الاحترام والمحبة لكل كائن في تركيا، والمبدأ الثالث عشر هو «مئوية الاتصال» من خلال تعزيز الأمن والتواصل الدولي.
ويعرف المبدأ الرابع عشر بـ«مئوية الرقمية» عبر استخدام كل الإمكانات التقنية والرقمية، وتخصيص ذلك للإنسانية، وتسهيل الوصول للعلم والمعلومة، والمبدأ الخامس عشر يُعرف بـ«مئوية الإنتاج» ويستهدف الإنتاجات الصناعية عبر تطويرها والحفاظ على البيئة. أما المبدأ الأخير فهو «مئوية المستقبل» الذي يركز على مستقبل تركيا.
مشاريع المئوية الجديدة
تعتزم تركيا خلال المئوية الجديدة تنفيذ مشاريع عملاقة أبرزها مشروع قناة إسطنبول المائية، وهو المشروع الأضخم في تاريخ تركيا حيث يربط البحر الأسود ببحر مرمرة، وسيبلغ طوله من 45 إلى 50 كم، إضافة إلى مشروع محطة أكويو النووية، حيث تهدف تركيا من خلالها لأن تكون من أكبر منتجي الطاقة النووية في العالم، واكتملت الأشغال بمحطة الطاقة النووية بما يقارب 90%، ومن المنتظر أن تعمل المحطة بقدرة 4800 ميغا مما يجعلها تسهم في الحد الكبير من اعتماد تركيا على واردات الطاقة.
وفي إطار مشاريع المئوية الجديدة، تخطط تركيا إلى تسليم ثلاث مدن ذكية، وهي مدينة صقاريا الذكية الواقعة في منطقة مرمرة شمال غرب تركيا، ومدينة قيصري بقلب الأناضول، ومدينة غازي عنتاب في جنوب شرق البلاد.
العشرة الكبار
كما تسعى تركيا من خلال رؤيتها للمئوية الجديدة إلى أن تكون ضمن نادي العشرة الكبار، وأن تحتل مكانها في قائمة أقوى 10 اقتصادات في العالم، حيث تعمل على رفع الناتج المحلي إلى ما معدله 2 تريليون دولار أميركي سنويا، والوصول بدخل المواطن التركي إلى 25 ألف دولار أميركي، وألا يزيد معدّل البطالة عن 5% بنسبة تخفيض قياسية عن المعدل الحالي، إضافة إلى هدف تنشيط التجارة الخارجية التي تسعى إلى وصولها إلى تريليون دولار سنوياً.
وتخطط تركيا من خلال رؤية مئويتها الجديدة إلى رفع صادراتها 500 مليار دولار سنوياً، والتحول نحو طاقة الرياح كبديل جديد، ورفع طاقتها الحرارية الجوفية إلى ما معدله 600 ميغاوات، وتقليل استهلاكها الطاقوي إلى 20% لتجاوز مرحلة مستويات 2010 وذلك بالعمل على تحسين الكفاءة.