علياء المزروعي*
في وقت يواجه فيه العالم العديد من التحديات المرتبطة بزيادة الطلب على الموارد الطبيعية والمائية التي يمكن وصفها بالمحدودة، ظهرت الحاجة إلى تأمين إمدادات مستدامة من المياه النظيفة ضرورةً ملحة في ظل الزيادة السكانية المطردة، وتأثيرات التغير المناخي على صور الحياة كافة.
أدركت دولة الإمارات في وقت مبكر جداً حساسية هذه التحديات ومدى تأثيرها على المناطق القاحلة وشبه القاحلة حول العالم، لا سيما أنها من الدول التي تعرف بمناخها الجاف، إذ يقل معدل هطول الأمطار عن 100 ملم سنوياً، بالإضافة لنسبة تبخر سطحي عالية ونسبة تغذية جوفية تقل بشكل كبير عن نسب استهلاك المياه في الدولة.
ودفعت هذه التحديات صناع القرار في الدولة للبحث عن حلول بديلة لرفد الموارد المائية وضمان استدامتها، باعتبار أن أمن المياه من أبرز مقومات الأمن الوطني، ومن أهم القضايا التي تشغل دول العالم، في ظل التغيرات المناخية وارتفاع متوسط درجة حرارة كوكب الأرض الذي بلغ أعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق خلال شهر يوليو 2023، حسب بيانات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. ومن هنا جاء إطلاق برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار تحت رعاية سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير ديوان الرئاسة، في عام 2015 كخطوة استباقية من دولة الإمارات لتحقيق أمن المياه العالمي، وذلك توافقاً مع استراتيجية الدولة للابتكار وأعمدتها السبعة التي تعد المياه واحدة منها.
وبصفته مبادرة بحثية دولية يديرها المركز الوطني للأرصاد في دولة الإمارات، يسعى برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار إلى تطوير العلوم والتكنولوجيا المتعلقة بالاستمطار، عبر تقديمه منحة مالية لدعم مشاريع مختارة من الباحثين الذين يقدمون أفكاراً بحثية مبتكرة تتوافق مع المجالات المحددة لكل دورة من دورات البرنامج، مع تقديم الدعم الفني واللوجستي لهم لتنفيذ جولات وتجارب ميدانية داعمة لمشاريعهم البحثية في هذا المجال، وصولاً إلى إيجاد حلول عملية تساهم في زيادة معدلات هطول الأمطار وتعزيز إمدادات المياه العذبة في دولة الإمارات وبقية دول العالم التي تواجه نقصاً في الموارد المائية وقد تستفيد من التقدم في علوم وتكنولوجيا الاستمطار.
ويقدم البرنامج منحة مالية تبلغ قيمتها 1.5 مليون دولار أميركي موزعة على 3 سنوات لكل مشروع بحثي مختار، حيث بلغت قيمة المنح المقدمة حتى الآن أكثر من 66 مليون درهم إماراتي (18 مليون دولار أميركي) لدعم 11 مشروعاً بحثياً مبتكراً
وفي إطار تشجيع البحوث العلمية المبتكرة في مجال الاستمطار، يركز البرنامج على الاستثمار في أحدث الأبحاث واستكشاف منهجيات وتقنيات جديدة تسهم في تعزيز جهود المجتمع العلمي نحو ضمان إمدادات مستمرة من المياه العذبة لسكان المناطق الجافة وشبه الجافة. كما يتم توجيه اهتمام خاص نحو تشجيع الممارسات المستدامة والصديقة للبيئة، والتي من شأنها تعزيز الإدارة المسؤولة للموارد المائية والحفاظ عليها للأجيال المقبلة.
وقد قطع البرنامج على مدى السنوات الماضية أشواطاً واسعة في تطوير القدرات المحلية ودعم الأبحاث المبتكرة في مجال علوم الاستمطار، واستهداف مجالات بحثية جديدة تسهم في الحد من تداعيات شح المياه محلياً وإقليمياً وعالمياً، حيث شكل التزام البرنامج باعتماد مستويات «الجاهزية التقنية» كشرط أساسي لتقييم مدى قدرة المشاريع البحثية المرشحة للحصول على منحته المالية، نقلة نوعية في جودة المخرجات، في الوقت الذي لعبت دوراً أساسياً في تصنيف البرنامج كمبادرة داعمة لجاهزية دولة الإمارات للمستقبل في مجال الأمن المائي بوجهٍ خاص، ودعم باقي الدول التي تواجه شح المياه بصورة عامة.
كما ساهم البرنامج في تشجيع الكفاءات المواطنة من ذوي التخصصات العلمية بالدخول والانخراط في المشاريع البحثية الخاصة بالاستمطار.
ويعكس هذا النهج الاستباقي التزام البرنامج الدائم بدعم الابتكار واستشراف تحديات وفرص المستقبل في مجال تعديل الطقس والأمن المائي، تحقيقاً لرؤية قيادتنا الرشيدة بتعزيز الأمن المائي في دولة الإمارات والمناطق الجافة وشبه الجافة الأخرى حول العالم. ومن خلال هذه الجهود، سيواصل برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار دعم المشاريع المبتكرة وتبادل المعارف اللازمة لضمان أمن المياه كأساس للتنمية في المناطق المعرضة لخطر الجفاف حول العالم.
وفي الوقت الذي تعمل فيه دولة الإمارات على تسريع وتيرة الجهود الرامية لمواجهة التحديات المناخية، وتقديم رؤيتها المستقبلية الداعمة للابتكار في قطاع الاستدامة من خلال استضافتها لمؤتمر الأطراف COP28 في نوفمبر المقبل، تؤكد النجاحات والإنجازات المتواصلة التي حققها البرنامج على الصعيد العالمي دوره المحوري كمركز إقليمي لإيجاد وتطبيق تقنيات جديدة في هذا الحقل العلمي الذي أصبح رافداً مهماً للأمن المائي العالمي.
*مدير برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار