سارة شهيل
بينما يفترض الكثير أن أفكارهم وردود أفعالهم وسلوكياتهم خاضعة لسيطرتهم وتسهُل مواءمتها مع أهدافهم ومبادئهم وتطلعاتهم، يأتي علم النفس ليثبت عدم صحة هذا المعتقد، فقدرة الإنسان على التحكم في عقله تتطلب التدريب والوعي الذاتي، واكتساب عدد من المهارات.
إن العقل البشري لغز كبير، وأساليبه في تخزين ما يستقبله من معلومات وخلق المشاعر والأفكار والاستنتاجات وردود الأفعال ليست كما يعتقد أغلب الناس، وغريزة البقاء لديه من أقوى ما يكون، وكثيراً ما تطغى على رغبة الإنسان في أن يحظى بالسعادة وراحة البال.
الطفل الذي يتعرض للعنف الأسري، مثلاً، غالباً لا يعينه عقله على استيعاب أن أبويه يفتقران لمهارات الوالدية الإيجابية والتربية السليمة، وهذا ليس نتيجة لقلة خبرته في الحياة فحسب، بل لأن احتياجاته الأساسية وحياته وبقائه يعتمدون على مدى تعلقه بوالديه، فيبني له عقله معتقدات بأنه يستحق العنف، وأن اللوم يقع عليه، وذلك كي يستمر معهم. وحتى بعد أن يصبح الطفل بالغاً ويكتسب الخبرة والمعرفة الكافية في الحياة، يبقى عقله مبرمجاً على لوم الذات ومعه السلوكيات وردود الأفعال التلقائية المبنية على معتقداته القديمة.
وفيما يتواصل البشر مع بعضهم البعض بالكلام والإشارة وغيرهم، لا يكون التواصل الصحيح بين الفرد وعقله -إنْ جاز التعبير- بذات الأساليب، بل يكون بتعويد العقل على حصر الإيجابيات، ومنحه الفرصة لإخراج الطاقات السلبية والتعبير عن المشاعر، ورفع الوعي الذاتي وتقصّي مصادر الأفكار وردود الأفعال التلقائية والعمل عليها.
ويعد العلاج بالفن نهجاً علاجياً ذا أثر ملموس في إعادة تأهيل الأفراد الذين يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة والتخفيف من آثار العنف والإيذاء على صحتهم العقلية من خلال التعبير عن مشاعرهم، كما يشكل وسيلة للتواصل مع المعالجين النفسيين وفهم أصل المشكلة.
وتعتمد العديد من جهات القطاع الاجتماعي بأبوظبي العلاج بالفن في برامجها المقدمة لأفراد المجتمع. ومنها مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية – إيواء، التابع لدائرة تنمية المجتمع الذي استخدمه لسنوات في علاج حالات الاتجار بالبشر والعنف والإيذاء، ضمن خططه للرعاية الشاملة، وبرامج الرعاية والتأهيل والتمكين.
ويلعب التواصل السليم مع العقل دوراً حاسماً في تجاوز التجارب الأليمة، ولهذا يعد العلاج بالفن، باعتباره ضرباً من ضروب التواصل الفعّال، وأحد أفضل الممارسات العالمية المستخدمة ضمن برامج إعادة التأهيل، أداة قوية لإعادة تأهيل الحالات على المستوى الجسدي والنفسي والروحي، والذي بدوره يساهم في دعم أهداف القطاع الاجتماعي في إمارة أبوظبي والعالم أجمع.
مدير عام مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية «إيواء»