أحمد مراد (القاهرة)
تطور لافت شهدته العلاقات الإماراتية الإثيوبية على مدى العقدين الماضيين، وهو ما تجسد في محطات بارزة عدة، فقد بدأت العلاقات بين البلدين في عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ورئيس الوزراء الإثيوبي الراحل مليس زيناوي، وافتتحت إثيوبيا أول قنصلية تابعة لها في الإمارات عام 2004، ثم قامت الإمارات في عام 2010 بفتح سفارة لها في أديس أبابا، تبعتها إثيوبيا بفتح سفارة لها في أبوظبي 2014.
وجاء التطور اللافت الذي تشهده العلاقات الإماراتية الإثيوبية مدفوعاً برغبة قيادتي البلدين في تعميق هذه العلاقات وتوسيع نطاق عملها، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو التنموي أو الأمني، لا سيما مع وجود العديد من التفاهمات المشتركة والمصالح المتبادلة بين البلدين.
وانطلاقاً من تواصل ضارب في جذور التاريخ، والتي امتدت خلاله علاقات الشعبين التجارية والثقافية والاجتماعية، وكذلك التطلعات لمستقبل مشرق، تلتزم الدولتان بالعمل على ترسيخ علاقاتهما الحديثة التي أرسى دعائمها كل من القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ورئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زيناوي.
وشكّل دعم الإمارات المتواصل لتحقيق السلام والاستقرار في إثيوبيا أهم ركائز وعوامل تنامي وتطور العلاقات الإماراتية الإثيوبية، وهو ما برهن على نجاح «دبلوماسية السلام» التي تتبناها الإمارات، وتحرص من خلالها على إقامة علاقات مميزة مع دول العالم كافة، وتقوم على ركائز أساسية وثوابت راسخة، أبرزها نشر مبادئ السلام والاستقرار إقليماً ودولياً، عبر إطلاق العديد من مبادرات الوساطة لإنهاء النزاعات والخلافات سلمياً، وعبر الحوار الدبلوماسي الجاد والهادئ، بعيداً عن أصوات الرصاص والقنابل والمدافع.
اتفاق سلام تاريخي
ولعبت الإمارات دوراً حيوياً في إنهاء أطول نزاع في قارة إفريقيا، استمر لما يقارب 20 عاماً بين إثيوبيا وإرتيريا، فبرعاية ووساطة إماراتية وقع أسياس أفورقي، رئيس إريتريا، وآبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، في الخامس والعشرين من يوليو عام 2018، إعلاناً حول السلام أنهى رسمياً عقدين من العداء والخلافات بعد آخر مواجهة عسكرية بين البلدين خلال عام 2000.
وقد مهد إعلان السلام لعلاقات إيجابية بين الطرفين، وساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في إثيوبيا وإريتريا بشكل خاص ومنطقة القرن الإفريقي بشكل عام، وبموجب اتفاق السلام اتفق البلدان على استئناف رحلات الطيران، وفتح السفارات، وتطوير الموانئ معاً.
وجاء التوقيع على إعلان السلام بين إثيوبيا وإريتريا في أعقاب عقد قمة ضمت الزعيمين الإثيوبي والإريتري، ومثل هذا الإعلان تتويجاً وانتصاراً لدبلوماسية السلام التي تقودها الإمارات على المستويين الإقليمي والدولي.
وورد في البيان الذي أعقب الاجتماع الثلاثي الذي جمع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وأسياس أفورقي، وآبي أحمد، التأكيد على العلاقات المتميزة والراسخة التي تربط دولة الإمارات مع كل من إثيوبيا وإريتريا، والمصالح المشتركة التي تعزز آفاق السلام والاستقرار والتنمية التي مهد لها الاتفاق، ومثل أساساً راسخاً لعلاقات سوية ومتينة في منطقة القرن الإفريقي.
وفي أعقاب التوقيع على اتفاق السلام الإثيوبي ـ الإريتري، أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أن دولة الإمارات تدعم كل جهد أو تحرك يستهدف تحقيق السلام والأمن والاستقرار في أي بقعة بالعالم، من منطلق إيمانها بأن تحقيق السلام والأمن هو المدخل الأساسي لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة لجميع شعوب العالم.
وقد أشادت إثيوبيا بالجهود التي قادها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، التي أدت إلى التوصل إلى هذا الاتفاق التاريخي، مؤكدة أن ما وصل إليه البلدان، كان بفضل الجهود التي بذلها سموه كصديق لإثيوبيا وإريتريا.
ترسيخ مفاهيم التسامح والحوار
سبق إعلان اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا أشواطٌ من المفاوضات قطعها البلدان برعاية من دولة الإمارات العربية المتحدة، كان آخرها جلسة المباحثات التي عقدها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في 15 يونيو عام 2018 مع رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، في أديس أبابا، وخلالها شدد سموه على أهمية مضاعفة جهود تحقيق السلام والاستقرار والأمان في منطقة القرن الإفريقي، إضافة إلى ترسيخ مفاهيم التسامح والحوار والتعايش المشترك بين مختلف شعوب المنطقة. وفي الثالث من يوليو عام 2018، استقبل سموّه رئيس إريتريا، أسياس أفورقي، وقد تبادلا وجهات النظر حول تطورات القضايا الخاصة بمنطقة القرن الإفريقي، لا سيما جهود الوصول إلى تسوية سلمية لحل النزاع الإثيوبي الإريتري.
دعم تنموي
وجه آخر لدعم الإمارات المتواصل لتحقيق الاستقرار في إثيوبيا يتمثل في الدعم التنموي الذي عادة ما يتصدر المباحثات بين قيادتي البلدين خلال العديد من الزيارات المتبادلة، أبرزها زيارات رئيس الوزراء الإثيوبي إلى الإمارات في يناير 2023 ويناير 2022 ومارس 2019، وزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى إثيوبيا في يونيو 2018، وغيرها من الزيارات التي عملت على تعزيز مسارات التعاون والعمل المشترك بين الإمارات وإثيوبيا في مختلف المجالات، وهو ما يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في إثيوبيا.
وكثفت الإمارات مساعداتها الإنسانية لدعم الأوضاع الإنسانية والتنموية في إثيوبيا، عبر مشاريع تنموية وإنسانية عدة، وفي هذا الإطار أطلق الهلال الأحمر الإماراتي في مايو 2019 مبادرة لتنفيذ مشاريع تنموية في إثيوبيا تكلفتها تزيد على 61 مليون درهم، وتتضمن إنشاء مجمعات سكنية لدعم سبل استقرار النازحين في مناطقهم التي تأثرت نتيجة النزاعات الحدودية في البلاد، إضافة إلى إطلاق مشاريع أخرى تشمل مجالات الصحة والتعليم والنقل العام.
وفي جميع الزيارات المتبادلة التي جمعت بين قيادتي البلدين، تؤكد الإمارات موقفها ونهجها الثابت الداعم للسلام والاستقرار انطلاقاً من إيمانها الراسخ بأن تحقيق التنمية وبناء مستقبل أفضل للشعوب يتطلب بناء قاعدة متينة من الاستقرار والسلم والتعايش والتعاون المشترك.
وسبق أن أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين أمن شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر واستقرارهما من ناحية، وأمن القرن الأفريقي من ناحية أخرى، وهو ما يستدعي موقفاً إقليمياً موحداً وفاعلاً ضد أي خطر يواجه أمن واستقرار دول المنطقة، ومن بينها إثيوبيا. وبدوره، أعرب رئيس الوزراء الإثيوبي في أكثر من مناسبة إقليمية ودولية عن تقدير بلاده لمواقف دولة الإمارات ومبادراتها التاريخية الداعمة للسلام والاستقرار في إثيوبيا عبر دبلوماسية حكيمة ومتوازنة تسعى من خلالها إلى تأصيل الاستقرار والسلام في شتى دول العالم.
دور إنساني
لم يقتصر دعم الإمارات المتواصل للسلام والاستقرار في إثيوبيا على رعايتها لاتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا، إذ حرصت على القيام بدور إنساني حيوي، فأرسلت الإمارات في مطلع 2021 طائرة مساعدات تحتوي على 46 طناً من المواد الغذائية والمستلزمات الصحية إلى إثيوبيا في إطار دعم الوضع الإنساني، وقبل هذه الطائرة كانت المدينة العالمية للخدمات الإنسانية في دبي وشركاؤها من المنظمات الدولية قد سيرت 6 طائرات حملت قرابة 300 طن من المواد الإغاثية إلى إثيوبيا.
وسبق أن أرسلت الإمارات إلى إثيوبيا نحو 18.5 طن من الإمدادات الطبية ضمن الجهود العالمية للتصدي لجائحة «كوفيد-19»، وحرصت على دعم جهود منظمة الصحة العالمية في إثيوبيا بنقل 15 طناً من المساعدات الطبية، فضلا عن تعزيز عمل برنامج الأغذية العالمي من خلال نقل المستشفى الميداني الخاص بعلاج المصابين بكوفيد-19 من النرويج إلى إثيوبيا.
ركائز الاستقرار
تشكّل الاستثمارات الإماراتية في إثيوبيا ركيزة مهمة من ركائز الاستقرار والتنمية في البلد الإفريقي، إذ تمتلك الإمارات ما يزيد على 100 مشروع استثماري في إثيوبيا في قطاعات مختلفة كالزراعة والصناعة والعقارات والصحة والتعدين وغيرها، وتعتبر الإمارات الدولة الخليجية الثانية بعد المملكة العربية السعودية في الاستثمار في إثيوبيا، وتوفر الاستثمارات الإماراتية الآلاف من فرص العمل للشباب الإثيوبي. كما تحتضن الإمارات على أراضيها عمالة إثيوبية كبيرة تساهم تحويلاتها في تحقيق السلم الاجتماعي والتنموي لآلاف الأسر الإثيوبية.
وشكلت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي آنذاك، إلى إثيوبيا في يونيو 2018، نقلة نوعية كبيرة في العلاقات الإماراتية الإثيوبية، وحققت نتائج مهمة، وخلالها تم الإعلان عن تقديم دعم إمارتي لإثيوبيا بقيمة 3 مليارات دولار، منها ملياران كاستثمارات مباشرة، ومليار كوديعة في البنك الوطني الإثيوبي لمعالجة العجز في العملة الأجنبية.
وقد سبق أن أبرم صندوق خليفة لتطوير المشاريع اتفاقية بقيمة 100 مليون دولار مع وزارة المالية الإثيوبية لدعم وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في إثيوبيا، وغيرها العديد من الاتفاقيات التي ساهمت بشكل كبير في تحقيق الاستقرار الداخلي في إثيوبيا، وهو ما جعل وزير الخارجية الإثيوبي يقول في وقت سابق: «هناك العديد من الدول التي دعمت التحول والإصلاحات في إثيوبيا، لكن الإمارات اضطلعت بدورٍ رائد في هذا الصدد». وأضاف: «من المستحيل تقدير الدعم الذي تقدمه الإمارات لإثيوبيا، خاصةً في المجال الاقتصادي».