شعبان بلال (القاهرة)
تمثل زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى جمهورية روسيا الاتحادية الصديقة، استمراراً لنهج دولة الإمارات في بناء الجسور وتعظيم القواسم المشتركة في علاقاتها مع الدول الصديقة، كما تعكس علاقات الصداقة الوطيدة بين البلدين، على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.
واعتبر خبراء ومحللون سياسيون، أن الزيارة تأتي في وقت مهم، تسعى فيه الإمارات للإسهام في تحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة والعالم، والمساعدة في التوصل إلى حلول سياسية فاعلة، تدعم الجهود الهادفة إلى إيجاد حلول سلمية للأزمات.
وتجسد زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى روسيا، حرص الإمارات على ترسيخ دعائم علاقاتها المتوازنة مع مختلف القوى المؤثرة على الساحة الدولية.
وتندرج الزيارة في سياق العلاقات المزدهرة بين البلدين، والتي تُوِجَت باتفاق للشراكة الاستراتيجية وُقِعَ بينهما عام 2018، خلال زيارة قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في ذلك الوقت إلى روسيا، والتقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين.
ودشن هذا الاتفاق مرحلة جديدة في العلاقات الإماراتية الروسية المتنامية، وشَكَلَّ إطاراً مؤسسياً لتفعيل هذه الروابط على شتى الصُعُد، بدءاً من المجال السياسي، وصولاً إلى القطاعات التقنية والثقافية والإنسانية، مروراً بالمجالات الاقتصادية والتجارية والمالية والاستثمارية.
وفي السنوات التالية، ازداد التعاون بين البلدين رسوخاً، وتميز بمرونة مَكَنّته من التعامل بكفاءة مع ملفات معقدة طرحت نفسها على الساحتين الإقليمية والدولية، وهو ما يعزوه محللون إلى البعد التاريخي لهذه العلاقات التي تعود إلى أكثر من نصف قرن.
ويؤكد خبراء ودبلوماسيون أن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى روسيا تحمل أبعاداً عدة، يأتي على رأسها دعم دولة الإمارات للجهود الهادفة إلى إيجاد حل سلمي للأزمة في أوكرانيا، موضحين أن دعم الإمارات للحوار والدبلوماسية، يُعبِّر عن صوت الحكمة والعقل الذي ينبغي أن تستمع إليه الأطراف المعنية بالنزاع.
وأوضح الخبراء، في تصريحات لـ «الاتحاد»، أن الموقف الإماراتي الداعم لمسار المفاوضات والحلول التفاوضية للأزمة محل تقدير إقليمياً ودولياً، وينظر إليه العالم باحترام كبير، مشيدين بالمبادرات الإماراتية الساعية إلى التخفيف من التداعيات الإنسانية الناجمة عن الأزمة.
ورأى رامي القليوبي، الأستاذ بمعهد الاستشراق في مدرسة الاقتصاد العليا في موسكو، أن الإمارات وروسيا تربطهما علاقات قوية منذ عقود، وتطورت هذه العلاقات خلال السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن الزيارات رفيعة المستوى المتبادلة تؤكد عمق هذه العلاقات، والتنسيق المشترك في إطار التعاون والحوار.
وأضاف لـ «الاتحاد»، أن دولة الإمارات تؤدي دوراً كبيراً في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، لإيجاد حلول سياسية للأزمة الراهنة، لافتاً إلى التأكيدات الإماراتية المستمرة على استعدادها للوساطة لحل الأزمة، وكذلك قضية تبادل الأسرى التي لعبت فيها دوراً رائداً.
وترتبط دولة الإمارات وروسيا بعلاقات تاريخية تغلفها الثقة المتبادلة، والاحترام الراسخ، والتعاون متعدد الأوجه، والمصالح المشتركة، والشراكة الاستراتيجية التي تشهد نمواً مستمراً خلال السنوات الماضية.
ومن جانبه، قال مدير مركز «خبراء ريالست» الروسي الدكتور عمرو الديب، إن دولة الإمارات تضطلع بدور مهم في إيجاد حلول سياسية للأزمة الأوكرانية عبر جهود الوساطة المستمرة لإحلال السلام والاستقرار عالمياً، مشيراً إلى أن هناك تطوراً واضحاً على مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وزيادة أعداد السياح الروس بخلاف التأكيد المشترك على تسهيلات متبادلة لمزيد من التعاون على المستويات كافة.
وبين الديب لـ «الاتحاد»، أن الإمارات عملت خلال الفترة الماضية على قضية تبادل الأسرى للطرفين، ولا تزال جهودها للوساطة مستمرة، في إطار علاقاتها القوية مع جميع الأطراف.
ومن جانبه، قال رئيس المركز الثقافي الروسي العربي الدكتور مسلم شعيتو إن العلاقات الإماراتية الروسية متطورة وعميقة، وتشهد كثيراً من الاستثمارات الكبيرة المتبادلة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة.
وأضاف لـ «الاتحاد»، أن دولة الإمارات لها دور واعد أن تكون وسيطاً مهماً في الكثير من المسائل والعلاقات الاقتصادية بين روسيا والعالم، مشيراً إلى أننا نشهد أن هناك خطوط تواصل مستمرة بين البلدين على مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية.
أهمية استراتيجية
تأتي زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى روسيا في توقيت مهم للغاية، وتكتسب هذه الزيارة أهمية استراتيجية، لا سيما أن روسيا تنظر إلى الإمارات باعتبارها شريكاً محورياً في منطقة الشرق الأوسط، وترغب موسكو في تعميق العلاقات بين البلدين.
وأكدت الدكتورة نادية حلمي، الخبيرة في الشؤون الآسيوية، الباحث الزائر بمركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة لوند السويدية، في تصريحات لـ«الاتحاد»، أن هناك أبعاداً عدة لزيارة صاحب السمو رئيس الدولة، إلى روسيا، فإلى جانب العمل على تعميق وتطوير العلاقات الثنائية بين الإمارات ورسيا، فإن الزيارة تأتي أيضاً في إطار حرص دولة الإمارات على دعم الجهود الهادفة إلى إيجاد حلّ سلمي للنزاع في أوكرانيا.
وسبق أن أكدت دولة الإمارات في مناسبات إقليمية ودولية عدة استعدادها التام لدعم أي اتجاه وأي خطوة تدفع الأزمة نحو المسار السلمي، الأمر الذي يتلقاه المجتمع الدولي بمزيد من الاهتمام بالموقف الإماراتي المتمثل في الدعوة إلى الدبلوماسية والحوار، وخفض التصعيد.
وتقول الدكتورة نورهان الشيخ، الخبيرة في الشؤون الروسية، وأستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الموقف الإماراتي الداعم لمسار المفاوضات والحل السلمي للنزاع في أوكرانيا مقدر إقليمياً ودولياً، وينظر إليه العالم بتقدير واحترام كبيرين.
وتُعبِّر دعوة الإمارات الداعمة لمسار الحل السلمي، وفق الخبراء، عن صوت العقل الذي ينبغي أن تستمع إليه كل الأطراف المعنية بالأزمة، لا سيما أن الأزمة تترتب عليها تداعيات خطيرة يتأثر بها الاقتصاد العالمي، ومن ثم فلا مفر من تسوية سلمية تعمل على تحقيق انفراجة دولية.
دعم الحلول السياسية والحوار وتسوية النزاعات بالطرق الدبلوماسية، مبدأ راسخ في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، وليس أمراً جديداً على الإمارات التي عُرفت على مدى الـ 50 عاماً الماضية بمبادراتها الإنسانية المتعلقة بتقديم الدعم الإغاثي للمتضررين من النزاعات والحروب.
وشدد الدبلوماسي المصري، السفير السيد شلبي، مساعد وزير الخارجية المصري سابقاً، على أهمية تطور العلاقات الإماراتية الروسية خلال العقد الأخير، موضحاً أن البلدين يعملان بقوة على زيادة أوجه التعاون وتنميتها على المستويات كافة، فضلاً عن أن الجانب الروسي حريص على التحاور والتشاور الدائم مع الإمارات، باعتبارها دولة ذات ثقل سياسي في المنطقة والعالم.