لمياء الهرمودي (الشارقة)
يعتبر التطوير الوظيفي أحد الركائز الأساسية في تنمية رأس المال البشري، ويمثل هذا المفهوم محوراً لجودة الأداء والخدمات المقدمة من قبل الموظفين تجاه الجمهور والمتعاملين، بما ينعكس على جودة وتحسين الحياة بصورة عامة، وهناك العديد من النظريات والممارسات التطبيقية المرتبطة بالتطوير الوظيفي وأهميته ودوره في الارتقاء بمنظومة العمل، سواء على الصعيد الفردي للموظف أو الجماعي للمؤسسة.
وبحسب قوانين الموارد البشرية في الدولة، فان مفهوم التطوير الوظيفي يركز بشكل أولي على تطوير الموظف وتفعيل دوره في الوظيفة التي يعمل بها، وتنص القوانين على أن العنصر البشري أصل استثماري يجب إدارته وتطوره بفعالية وكفاءة، كما أنه يعكس رؤيا مستقبلية وبعد نظر للاحتياجات المستقبلية للموارد البشرية، ويساهم في تطوير النظم والسياسات وبيئة العمل، بما يسمح في ربط خطط التنمية البشرية في دوائر وهيئات ومؤسسات الحكومة بالأهداف والمقومات الاستراتيجية، كما أنه يفتح الآفاق للجميع من أجل تحسين أداء العاملين ومراقبة مهاراتهم واستثمار طاقاتهم.
المهارات السلوكية
وأكدت الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية لـ«الاتحاد» على أن التطوير الوظيفي يعرف بأنه عملية تحسين وتطوير ومهارات وخبرات الأفراد في مجال عملهم من خلال إعدادهم علمياً وعملياً إلى مستوى يمكنهم من أداء واجباتهم الوظيفية بكل كفاءة. بالإضافة إلى تعزيز مشاركتهم وخلق بيئة عمل إيجابية، ومنحهم فرصة الترقي والتطور الوظيفي، لشغل وظائف عليا، وذلك من خلال الحصول على فرص التعلم والتدريب بأشكاله المختلفة، وتنمية مهاراته السلوكية والتخصصية. مؤكدين على أهمية التطوير الوظيفي للفرد وللمجتمع وللمؤسسة، فعلى صعيد الأهمية للمؤسسات فان التطوير الوظيفي يسهم في تعزيز المسار المهني وتنمية قدرات الموظفين، وتحديد احتياجات القوى العاملة والتنبؤ بها، بالإضافة إلى تحفيز الموظفين ورفع مستويات الرضا الوظيفي، ويعمل على زيادة الإنتاجية، فضلاً عن تحسين قدرة المؤسسة على التعامل مع عملائها وشركائها الاستراتيجيين.، وفهم الثقافات المختلفة للموظفين، والتخطيط لاستشراف المستقبل، وعلى مستوى الفرد فإن التطوير الوظيفي يعمل على زيادة المشاركة وتعزيز الإنتاجية، وتعزيز الثقة في نتائج الجهود الفردية والجماعية للموظفين، بالإضافة إلى تقديم الدعم للزملاء، ونقل المعرفة، والمشاركة الفاعلة في أنشطة التعلم والتدريب المختلفة، فضلاً عن إذكاء روح الإبداع والابتكار لدى الموظف.
كما أكدت إدارة الموارد البشرية على أن أثر التطوير والترقية النفسي على الموظفين كبير من حيث المساعدة في رفع مستويات الإنتاجية، فعندما يشعر الموظف بالرضا اتجاه عمله سيحرص على تحقيق النتائج المطلوبة بنجاح أو حتى التي تفوق التوقعات.
تشجيع الموظفين
مشيرة إلى أن عملية التطوير والترقية المرتبطة بالمزايا المادية والرواتب تشجع الموظفين وتدفعهم لبذل جهود مضاعفة وترفع من مستويات الصحة النفسية لديهم، وتحسن من علاقاتهم الاجتماعية، وهو الأمر الذي يساعد في خلق التوازن المطلوب بين العمل والحياة الاجتماعية. كما أنها تساعد في تحفيز الموظفين على إبداء الآراء وتشجعهم على المشاركة في اتخاذ القرارات، وتعزز الانتماء للعمل وتدعم الاستقرار والأمان الوظيفي بالجهة، الأمر الذي يساعد في الحفاظ على الموظفين، ويقلل نسب الدوران الوظيفي، ويحول المؤسسة إلى بيئة عمل صحية وجاذبة لأصحاب المواهب والكفاءات. وتسهم في تأصيل روح المنافسة بين الموظفين وتحفيزهم، ودفعهم للمزيد من المثابرة، ورفع مستويات السعادة والرفاه الوظيفي.
هناء سيف: تحديد الفرص بهدف ارتقاء كل موظف بعمله
من جانبها قالت هناء سيف، مدير إدارة المواهب والتوطين في مجموعة «بيئة» التابعة لحكومة الشارقة: يركّز التطوير الوظيفي على تحديد الفرص بهدف ارتقاء كل موظف بعمله أو تدرّجه في المسارات الوظيفية وعلى فهم المهارات والخبرات والكفاءات الشخصية والمهنية اللازمة من أجل تحقيق النجاح في كل دور جديد يقوم بتأديته. وعندما يتم إعداد هذه المتطلبات وتنظيمها بشكل فعّال من أجل تحسين مشاركة الموظفين، فإنه بالتالي، يتم توفير مزايا شاملة لكل من الموظفين الأفراد والمؤسسات ككل.
وأضافت: هناك أهمية للتطوير الوظيفي للفرد وللمجتمع وللمؤسسة من خلال إتاحة أي تدرّج وظيفي يمكن تحديده ويساعد في وضع خطط أفضل للاحتفاظ بالموظفين، جنباً إلى جنب مع تدريب وتوجيه أولئك الذي يمتلكون إمكانات عالية، ونقل الذين يثبتون كفاءاتهم وقدراتهم لتولي مناصب جديدة تتناسب مع مهاراتهم التي تم صقلها مع مرور الوقت. إن التدرج الوظيفي يجعل الموظفين يمتلكون إحساساً أكبر بالأمان، في حين أن البقاء في مناصبهم يحفّزهم على خوض التحديات وينمّي فضولهم المهني. إن حرص الشركة على عدم التفريط بالموظفين الموهوبين الذين يعلمون لديها هو ما يضمن استمرارية أعمالها وتقدمها.
وأوضحت: تتضمن «المسارات الوظيفية»، الوظائف أو المراكز المختلفة التي ينتقل إليها الموظف واحدة تلو الأخرى أثناء تقدمه وتطوره في المؤسسة، وهي تمثّل أيضاً الوظائف التي سوف يحتاج إليها من أجل تحقيق هدفه المهني النهائي. وعادة ما يتحرك الموظف في تلك المسارات بشكل رأسي، غير أنه قد يتحرك ذلك بشكل أفقي، وذلك يعني انتقاله وظيفياً إلى دور مختلف عما يؤديه في الوقت الحالي. وتتلخص متطلبات «المسار الوظيفي» في الاستعداد لتعلم مهارات جديدة في مجالات العلم المتنوعة والتواصل مع الزملاء وطلب مساعدتهم لمعرفة الاتجاهات الجديدة للحياة المهنية، بالإضافة إلى التمتع بالمرونة للاستفادة من الفرص الجديدة.
«التناوب الوظيفي»
تقول هناء سيف إن «التناوب الوظيفي» يعتبر إحدى أهم طرق التدريب داخل بيئة العمل، والتي تتضمن اكتساب الموظف المعرفة والخبرة من خلال تنقله بين الوظائف المختلفة داخل المؤسسة، وهو ما يساعده على فهم مشاكل زملائه الآخرين واحترامها، فعندما ينتقل إلى وظيفة جديدة سوف تزداد معرفته لطبيعتها والمشاكل والتحديات التي تواجهها.وتضيف : أما مسألة «التخطيط لتعاقب الموظفين»، فهي استراتيجية تتبعها الشركات لنقل الأدوار القيادية من موظف إلى آخر أو إلى مجموعة من الموظفين، فهي تضمن استمرارية عمل الشركة على الدرب الصحيح بعد استقالة الأشخاص المهمين أو توليهم لأدوار ومناصب أخرى. إلى ذلك، فإن «برنامج تطوير الخريجين» يتضمن العديد من مراحل التدريب استعداداً للانضمام إلى بيئة العمل الفعلية، حيث يشارك الخريجون في تجربة تدريبية مدمجة تتراوح بين التدريب النظري على المهارات الإدارية في القاعات الدراسية، والزيارات الميدانية داخلياً وخارجياً، بالإضافة إلى العمل على إنجاز المشاريع بناءً على ظروف العمل الفعلية.
شاكر بني ملحم: التطوير الوظيفي عملية حاسمة لنجاح الأفراد والمنظمات
قال الدكتور شاكر جمال بني ملحم، أستاذ مشارك في إدارة الموارد البشرية ورئيس قسم الإدارة في كلية إدارة الأعمال في جامعة الشارقة: التطوير الوظيفي هو عملية تعزيز معرفة الموظف ومهاراته وقدراته من خلال فرص التعلم المختلفة لتحسين الأداء ودعم النمو الوظيفي له على المدى الطويل. ويعتبر التطوير الوظيفي عملية حاسمة لنمو ونجاح كل من الأفراد والمنظمات، لا سيما في الاستجابة للتغيرات السريعة في سوق العمل، مثل الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة الأخرى.
وأضاف: ينص تقرير مستقبل الوظائف الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي على أنه بحلول عام 2025، سيحتاج أكثر من نصف الموظفين إلى تحسين المهارات والكفاءات لمواكبة سوق العمل المتغير بشكل سريع. لذلك، من الضروري أن تستثمر المؤسسات في تطوير الموظفين وتزويدهم بالمهارات والمعرفة اللازمة للتكيف مع بيئة العمل المتغيرة. علاوة على ذلك، أظهرت الأبحاث التجريبية أن المؤسسات تستفيد من تطوير الموظفين من خلال زيادة الاحتفاظ بالكفاءات، وتحسين الأداء، والإنتاجية، مما يعود بالفائدة على الموظف والمؤسسة.
كفاءة
بشكل عام، يهدف التطوير الوظيفي إلى إعداد الموظفين علمياً وعملياً إلى المستوى الذي يمكنهم من أداء واجبات وظائفهم بكفاءة، وإتاحة السبل للارتقاء إلى الوظائف العليا في السلم الوظيفي. تتولى كل جهة حكومية مسؤولية إعداد برامج التطوير الوظيفي، كما تقوم بتنفيذ هذه البرامج بالتنسيق مع الهيئة والجهات المختصة في الإمارة.
خولة المرزوقي: أهمية التدوير بين الموظفين واستغلال طاقاتهم
قالت خولة عبد الله المرزوقي، تعمل مخرجة في هيئة إذاعة وتلفزيون الشارقة: التطوير هو عامل أساسي للارتقاء في السلم الوظيفي، فوجودك في الوظيفة يجب أن يكون فعالاً على مدار السنين، على سبيل المثال في الوظائف الفنية مثل وظيفتي في قطاع الإعلام كمخرج. يجب أن أكون دائمة الاطلاع على ما هو جديد وفي نفس الوقت تجديد أدواتي الإعلامية، لأن العالم الإعلامي في تغير مستمر ونقلة فريدة من نوعها من الإعلام التقليدي إلى الإعلام المعاصر. أنا كموظفة في قطاع الإعلام مهم جداً تطوير مهاراتي وتجديدها والسعي دائماً إلى ما يجدد أفكاري ويغذي عندي مخيلتي البصرية وذلك لإحياء الإبداع، وهكذا يتحقق عامل التطوير، وبذلك تكون الإنتاجية مرضية.
وأضافت: من جهة نظري، يغفل الكثير عن أهمية التدوير بين الموظفين، واستغلال طاقات الموظفين في عدة مجالات. تطوير الموظفين يكمن في التنويع ووضعهم في تجارب مستمرة حتى ولو كانوا ذوي خبرة. بذلك نخلق تحديات أكثر ونرى نقاط قوة وضعف الموظف، وهنا يأتي دور المسؤول القائد، فهناك فرق بين المسؤول والمسؤول القائد، القائد هو من يخلق الفرص لموظفيه ويأخذ بيدهم نحو التطوير كل على حسب نقاط ضعفه وقوته.
خلق بيئة مرنة في العمل
أوضحت المخرجة خولة المرزوقي: يقع التطوير على عاتق الموظف والمسؤول والجهة كحد سواء، وعلى الجهة أن توفر للموظف وتتيح له أدوات التطوير ووقتاً ومساحة للتطور، وعلى المسؤول دعم كل من هو قابل للتطور والأخذ بيده، وعلى الموظف بذل الجهد والسعي لتطوير نفسه خارج عمله وداخله، يقع على عاتق المسؤول إعطاء المساحة للموظف للتطوير، وأول خطوة لذلك هو الاستماع لاقتراحاته وأن يخلق بيئة مرنة في العمل وقابلة للتغير والتطوير، هذه المساحة ضرورية لخلق كذلك روابط الثقة بين الموظف والمسؤول، وكلما كانت بيئة العمل صحية ومرنة، زادت فرص التطوير والإنتاجية في العمل.
الإرشاد
حول أساليب التطوير الوظيفي والتي تعتمدها الهيئة، فقد تمت الإشارة إلى أن التدوير الوظيفي يعد أحد أشكال التطوير الوظيفي، حيث يتم عبره نقل الموظفين بين عدة وظائف ومهمات في الجهة بشكل مؤقت، ومن ثم إعادتهم إلى وظيفتهم الأساسية.
بالإضافة إلى التوجيه والإرشاد التدريبي للمدراء والمسؤولين، وعن طريق حضور الموظفين والمسؤولين للمؤتمرات والندوات، لإبقائهم على اطلاع بأحدث الممارسات العالمية في مجالهم، وبتقييم المواهب وتطويرها، وتوفير فرص التطوير المهني عن طريق تزويد الموظفين بالأدوات وتمكينهم، لتحسين مهاراتهم بالإضافة لوجود مسار مهني واضح. ولا بد من تقديم التغذية الراجحة باستمرار من خلال تقديم النصائح والتأكد من فهم الموظف لدوره. وتوفير التواصل الفعال بين الإدارة والموظفين من خلال العمل ضمن مجموعات لفتح المجال لطرح أفكار واقتراحات فعالة في بيئة العمل.
تقييم المواهب
عن كيفية توفير التطوير الوظيفي للموظفين، وأهم المبادرات في هذا الشأن، أعلنت الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية أنها قامت بإطلاق عدد من البرامج والمبادرات التي تعمل على دعم هذا الجانب، حيث أطلقت برامج بناء قيادات الصفين الثاني والثالث في الهيئة، والعمل على تقييم الكفاءات من خلال منظومة كفاءات قيادة حكومة دولة الإمارات، بالإضافة إلى تقييم المواهب عن طريق شركات استشارية عالمية، وتحديد نقاط القوة وفرص التحسين. كما عملت على إشراك الموظفين والمواهب ضمن خطط تدريبية متكاملة تخصصية وعامة، وقامت بتوفير التوجيه والإرشاد للموظفين من خلال خبراء المجال المختصين في الهيئة. كما أطلقت منصات رقمية لتوفير فرص التعلم والتدريب المستمر، مثل منصة «جاهز» لمستقبل المواهب الحكومية، وبإشراك الموظفين والقيادات في مؤتمرات تخصصية عالمية. وعملت على وضع نظام خاص بالمكافآت والحوافز، وإطلاق برنامج خاص بالرفاه الوظيفي. وأخيراً عملت على تقييم الأداء الوظيفي على مدار العام، ومن ثم وضع خطط التطوير الفردية، وتوفير مختلف أشكال التدريب المعتمدة وفق أحدث المعايير.