لمياء الهرمودي (الشارقة)
تعد السلامة الرقمية في الوقت الراهن ضرورة ملحة مع ما يواجهه الأطفال والطلبة من مغريات تحفزهم على الغوص في العالم الافتراضي، حيث يواجهون تحديات كبيرة ومليئة بالعديد من المخاطر التي قد تؤثر على سلامتهم، حيث استبقت حكومة الإمارات هذه المخاطر في إطلاق مبادرات متعددة تهدف إلى توعية الأطفال وطلاب المدارس بتحديات العالم الرقمي وتشجيعهم على استخدام الإنترنت بشكل إيجابي وآمن، بالإضافة إلى توعية وتأهيل المعلمين وأولياء الأمور بأساليب مواجهة هذه التحديات بما يحقق السلامة الرقمية لأطفالهم.
ومن أبرز وأهم هذه المبادرات: «حماية بيانات الأطفال عبر الإنترنت»، فوفقاً للقانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2016 بشأن حقوق الطفل والمعروف باسم قانون وديمة، تنص المادة 29 من القانون بأنه يجب على شركات الاتصال ومزودي خدمات شبكة المعلومات الإلكترونية إبلاغ السلطات المختصة عن أية مواد لإباحية الأطفال يتم تداولها عبر مواقع وشبكة المعلومات الإلكترونية، ويجب تقديم المعلومات والبيانات عن الأشخاص أو الجهات أو المواقع التي تتداول هذه المواد أو تعمد على التغرير بالأطفال.
كما تم إطلاق منصة «صنّف» لتقييم محتوى الألعاب الإلكترونية، حيث تتيح منصة «صنف» لأولياء الأمور التعرف إلى الألعاب الإلكترونية ومحتواها وطبيعتها، قبل عرضها على الأطفال، إذ تقدم المنصة إمكانية البحث عن أي لعبة إلكترونية، وإظهار المخاطر التي قد تحتوي عليها، ما يساعد ولي الأمر على اختيار الألعاب الأنسب لأبنائه، بالإضافة إلى إطلاق المنصة المعرفية لجودة الحياة الرقمية، حيث تشكل المنصة بوابة إلكترونية تشتمل على محتوى توعوي لبناء القدرات الرقمية، خصوصاً الطلبة وأولياء الأمور والمعلمين، وأصحاب الهمم وكبار المواطنين.
وعلى صعيد الجهات المحلية في الدولة، فإنها مستمرة في دعم جهود الدولة الداخلية والخارجية لحماية الطفل، وقالت هنادي اليافعي، مدير إدارة سلامة الطفل: «الإنترنت خدمة حيوية لا غنى عنها، وفي الوقت نفسه لها مخاطرها التي تجعلنا بحاجة إلى تذكير أطفالنا باستمرار بكيفية استخدام هذه الأداة، نظراً لأن السيطرة عليها محدودة جداً، خاصة أن الأجهزة الإلكترونية المتصلة بشبكة الإنترنت أصبحت في متناول أيدي الأطفال، سواء أثناء استخدامها في الألعاب الإلكترونية أو للتصفح والترفيه والتواصل الاجتماعي، ولذلك نحرص في إدارة سلامة الطفل بالشارقة على رفع مستوى الوعي لدى أولياء الأمور والعاملين كافة مع الأطفال، لنسهم في توفير بيئة رقمية آمنة، وندرك أهمية تفاعل وتعاون الأسرة والمجتمع معنا في هذا المجال، لأن التعامل مع ثغرات البيئة الرقمية يعد من أكثر البيئات تحدياً». وأضافت: «نعمل باستمرار عبر برامج وأنشطة ومبادرات عدة ضمن الجهود التي تبذل في هذا الاتجاه على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة لتكثيف برامج التوعية بكيفية الاستخدام الآمن للإنترنت، ونعتبر أن التوعية حول قضايا الأمن الإلكتروني للأطفال من ضمن أبرز أولوياتنا، لتعريف الآباء بتحديات البيئة الرقمية غير الآمنة، وشرح الطرق المناسبة لوقاية أطفالهم من خلال العديد من الوسائل، ومن ضمنها استخدام برامج الحماية وتفعيل خصائص تأمين حسابات مواقع التواصل الاجتماعي لحماية خصوصية الأطفال ووقايتهم من التنمر والإساءات التي قد يتعرضون لها عند استخدام الإنترنت».
وأردفت اليافعي: «ننصح الأسر باتباع الإرشادات التي تجنب أطفالهم التعرض للاختراقات الإلكترونية، وتعليمهم كيفية تأمين حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وتقليص ساعات استخدام الإنترنت ووقت اللعب بالأجهزة الإلكترونية، ولدينا تجربة في قياس دور الأهل ومدى مساعدتهم لأطفالهم على استخدام الإنترنت بشكل آمن، حيث سبق أن أجرينا دراسة ميدانيّة بعنوان: (الوعي المجتمعي للاستخدام الآمن لشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي من قبل الأطفال، من وجهة نظر أولياء الأمور في مدينة الشارقة)، واستهدفت الدراسة أكثر من 12 ألفاً و344 أسرة، وكشفت لنا العديد من الأرقام، فوفقاً للدراسة وجدنا أن 23.59% من الألعاب على هواتف الأطفال من فئة الألعاب القتالية التي لها سلبيات خطيرة، مثل تحفيز المشاعر العدوانية والتحريض على ممارسة العنف، وتوصلت الدراسة إلى أن 53.83% من الأسر لاحظت تغييرات على سلوكيات أطفالها بسبب استخدامهم لشبكة الإنترنت، وأن 55.52% فقط من الأسر يراقبون أنشطة أطفالهم على الإنترنت عبر برامج الحماية والمراقبة الإلكترونية، بينما 21.1% لا يستخدمون برامج الحماية أو لا يعلمون بوجودها».
إنجازات
وذكر أمين عام جائزة الشارقة للتميز التربوي أهم الإنجازات أو المبادرات التي عقدت في هذا الشأن، وقال: «أطلقنا العديد من المنصات الإلكترونية الموجهة في جزء منها للطفل كمنصة يلا نتعلم والتي تحتوي على 58 رابطاً تعليمياً وتربوياً مهماً للطفل، وهذه المنصة موجهة للمجتمع المحلي وجميع المهتمين بالطفولة المبكرة، كما يتم التحديث عليها بشكل دوري. كما أن موقع الحضانات الحكومية موجه للمجتمع المحلي من خلال قسم طور طفلك والذي يحتوي على أكثر من 5000 ورقة عمل يستطيع ولي أمر الطفل أن يحملها ويطبقها على طفله، كما أن قسم نصائح وخبرات فيه العديد من المقالات التي تنشر الوعي لولي أمر الطفل بخصوص المرحلة العمرية المهمة كطفولة مبكرة، وهذه بعض المبادرات التي تبنتها إدارة الطفولة المبكرة لنشر الوعي وتثقيف جميع المهتمين بمرحلة الطفولة المبكرة».
فترة زمنية محددة
قال محمد الملا، أمين عام جائزة الشارقة للتميز التربوي: «إن وجود بيئة رقمية آمنة خاصة بالطفل مهمة، بشرط أن تكون بشكل مدروس ومقنن وفق أوقات معينة بما يتناسب مع طبيعة المرحلة العمرية للطفل، فلا يفتح المجال للطفل طوال الوقت، وإنما تكون بهدف أو غرض تعليمي فقط ولفترة زمنية محددة».
وقال: «في ﻋﺼﺮ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻟﻌﺎﻟمي ﻤﺘﻌﺪد اﻟﻮﺳﺎﺋﻂ اﻟﺬي ﻧﻌﯿﺶ ﻓﻲ خضمه، أﺻﺒﺤﺖ ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺎ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت واﻻﺗﺼﺎﻻت ﺗﺸﻐﻞ ﺣﯿﺰاً ﻛﺒﯿﺮاً ﻣﻦ ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ وأﻧﺸﻄﺘﻨﺎ اﻟﯿﻮﻣﯿﺔ، وﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻓﺌﺔ ﻋﻤﺮﯾﺔ ﻣﻌﯿﻨﺔ، ﺑﻞ أﺻﺒﺢ اﺳﺘﺨﺪاﻣها ﻣﺘﻮاﻓﺮاً ﻟﻠﺠﻤﯿﻊ، وأﺻﺒﺢ الآن الإﻧﺘﺮﻧﺖ ﺿﺮورﯾﺎً ﻓﻲ ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻌﻠﻢ واﻟﺘﻌﻠﯿﻢ ﻟﻤﺎ له ﻣﻦ ﺗﺄﺛﯿﺮ واﺿﺢ ﻓﻲ ﺗﺤﺴﯿﻦ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ واﻟﺘﻌﻠﯿﻤﯿﺔ، ﺧﺼﻮﺻﺎً ﺑﻌﺪ ﺷﯿﻮع اﺳﺘﺨﺪام الإﻧﺘﺮﻧﺖ ﻛﻤﺼﺪر رﺋﯿﺴﻲ ﻟﻠﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻟﻠﻄﺎﻟﺐ واﻟﻤﻌﻠﻢ، لهذا سعت المدارس التابعة للمجلس ﻟﻼرﺗﻘﺎء ﺑﻤﺴﺘﻮﯾﺎت اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ، واﻟﺘﺮﻛﯿﺰ ﻋﻠﻰ مخرجاته ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻌﺰﯾﺰ اﻟﺘﻌﻠﻢ الإﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ واﻟﺬﻛﻲ وإﻧﺸﺎء أﻧﻈﻤﺔ ﺗﻌﻠﯿﻤﯿﺔ ﺣﺪﯾﺜﺔ، إﻻ أن اﺳﺘﺨﺪام ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺎ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت واﻻﺗﺼﺎﻻت ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻣﺨﺎطﺮ اﻟﺘﻌﺮض ﻟﻤﺤﺘﻮى وأﻧﻤﺎط ﺳﻠﻮك ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ اﻟﺒﯿﺌﺔ اﻟﻤﺪرﺳﯿﺔ وﺗﻨﺘهك اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ والأﻧظﻤﺔ اﻟﻤﻌﻤﻮل ﺑها. ﻟﺬا ﻗﺪ ﻗﺎﻣﺖ المدارس التابعة للمجلس ﺑإﻋﺪاد دليل ﻟﺘﻮﺿﯿﺢ ﺳﯿﺎﺳﺔ اﻻﺳﺘﺨﺪام اﻟﻤﻘﺒﻮل واﻵﻣﻦ ليكون ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ أﺳﺎس وإطﺎر ﻋﺎم ﺗﺴﺘﻨﺪ إليه اﻟﻤﺪرﺳﺔ ﻓﻲ وﺿﻊ ﺿﻮاﺑﻂ وإﺟﺮاءات اﻟﺴﻼﻣﺔ اﻟﺮﻗﻤﯿﺔ».
وأشار إلى الجهود المبذولة لتحقيق هذه البيئة، سواء من قبل الجهات أو الدولة، وقال: «في الحضانات الحكومية يتم استخدام الشاشات الذكية، ولكن وفق فترة وجزء من الوقت، سواء من ضمن الحلقة التعليمية أو قراءة القصة أو الألعاب للأطفال، كما أنه يتم إعداد دليل سياسة المدرسة الآمنة رقمياً، يتضمن كيفية استخدام الإنترنت بطريقة آمنة وسياسة استخدام التقنيات الحديثة وسياسة إدارة المحتوى الرقمي وسياسة التعامل مع التنمر الإلكتروني».
وأكد الملا أن إشراك الطفل والأهل في أهمية الوعي والإدراك بالاستخدام الآمن للشبكة الإلكترونية ومنصات التواصل المختلفة، أمر ضروري، وذلك من خلال تبني خطه تثقيفية موجهة لأولياء أمور الأطفال متمثلة بالدورات التدريبية والمحاضرات التي تنشر هذا النوع من الوعي، ومن خلال المواطنة الرقمية، وهي مجموعة القواعد والضوابط والمعايير للاستخدام الأمثل في العالم الرقمي.
بيئة آمنة
أكدت موضي الشامسي، رئيس إدارة التنمية الأسرية وفروعها بالشارقة، أهمية البيئة الرقمية الآمنة للأطفال قائلة: «إن المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة يعمل على تخصيص برامج توعوية تعزز مفهوم الأسرة وتربية الأبناء وفتح آفاقهم الفكرية لمناقشة أهم التحديات التي تواجه الشباب، كما نظمت إدارة التنمية الأسرية وفروعها مؤخراً الملتقى الأسري السابع عشر الذي تناول موضوع الرقمنة وأثره على الأسرة والتربية باعتباره أسلوب حياة».
وأضافت: «هناك تأثيرات وأخطار نفسية للتعامل مع التطبيقات الرقمية عبر الإنترنت على الأطفال منها: العنف السيبراني، والمهاجمة السيبراني التي تكون عن طريق الإرهاب النفسي أو التحرش من خلال الصور والفيديوهات العدوانية المعروضة عبر الإنترنت، بالإضافة إلى التعصب الديني والعرقي في التشجيع على العنف، ومفهوم التلوث الثقافي وهو يقوم على إضعاف القيم، من خلال تصارعها أو غيابها عبر تقديم معلومات غير صحيحة ويشمل جملة من التهديدات للمعتقدات من خلال التعصب الديني والعرقي، إلى جانب التهديد الأخلاقي، بالإضافة إلى التهديد والابتزاز، فقد يتعرض الطفل إلى محتويات مزعجة، مذلة أو عدوانية في رسائل البريد أو عبر صفحات التواصل الاجتماعي، فإذا تجاوز الأمر حده ينبغي إبلاغ الشرطة للملاحقة القانونية أو عن طريق التعرض إلى محتوى غير لائق، وذلك بسبب انتشار محتويات إباحية وعنصرية وعنيفة، مشجعة على الانتحار وتعاطي المخدرات والكحول، فضلاً عن العثور على فيديوهات مخيفة لشخصيات كرتونية تثير الخوف في نفوس الأطفال. وأخيراً قد يتعرض الأطفال إلى التنمر السيبراني، من خلال رسائل السخرية أو الإهانة وتشويه السمعة أو التعدي عبر منصات التواصل الاجتماعي، ما يشعر الطفل بالإحباط وفقدان احترام الذات، وعدم الثقة بالنفس».
وأشارت الشامسي إلى أن سوء استخدام التطبيقات الرقمية يؤثر على النمو العقلي، وذلك من خلال الإصابة بمتلازمة الإنهاك المعلوماتي، ويأتي هذا نتيجة لكثرة المعلومات التي تعرض الطفل إلى الإرهاق الذهني وعدم التركيز. وبالنسبة للجانب الجسمي والصحي، فبينت العديد من الدراسات والبحوث عن التأثيرات السلبية التي يسببها استخدام الأجهزة الرقمية المتصلة بالإنترنت، ومنها الإجهاد البصري، والصداع والإجهاد الجسمي وقلة النشاط الجسدي وزيادة السمنة وضعف العضلات نتيجة قلة الحركة، وانحراف العمود الفقري.
وأكدت ضرورة إشراك الأهل والطفل وتوعيتهم بأهمية الوعي والإدراك للاستخدام الآمن للشبكة الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي.
وحدة حماية
أضافت الشامسي: «أطلقت وزارة التربية والتعليم مبادرة (وحدة حماية الطفل)، لتشمل طلبة المدارس الحكومية والخاصة على مستوى الدولة، بهدف حماية الطفل من جميع أنواع الإساءة والإهمال والاستغلال التي يتعرض لها في البيئة المحيطة، سواء في المدرسة أو المنزل، والحفاظ على سلامة الطلبة بدنياً ونفسياً وتعليمياً. وتهدف مبادرة (السلامة الرقمية للطفل) إلى توعية الأطفال وطلاب المدارس بتحديات العالم الرقمي، وتشجيعهم على استخدام الإنترنت بشكل إيجابي وآمن، وتوعية وتأهيل المعلمين والأسر بأساليب مواجهة هذه التحديات، بما يحقق السلامة الرقمية لأطفالهم. وتهدف هذه المبادرة إلى توعية الأطفال في الفئة العمرية من 5 إلى 18 عاماً بأسس استخدام الإنترنت، وكيفية التصرف مع أي إساءة أو خطر محتمل، من خلال تدريب الأطفال على الاستخدام الآمن لمواقع الإنترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية».
وبينت أن مبادرة «السلامة الرقمية للطفل» تشتمل على تطوير موارد تعليمية حول السلامة الرقمية، وتمكين الأطفال من أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال، وتعريف الآباء والمعلمين بآليات تعزيز السلامة الرقمية للأطفال في المنازل والمجتمع المدرسي، كم تم إطلاق منصة «صنّف» لتقييم محتوى الألعاب الإلكترونية، تتيح منصة «صنف» لأولياء الأمور التعرف إلى الألعاب الإلكترونية ومحتواها وطبيعتها، قبل عرضها على الأطفال، حيث تقدم المنصة إمكانية البحث عن أي لعبة إلكترونية، وإظهار المخاطر التي قد تحتوي عليها، ما يساعد ولي الأمر على اختيار الألعاب الأنسب لأبنائه.
وتابعت: «تمتلك دولة الإمارات تجربة رائدة في توفير البيئة الرقمية الآمنة لأطفالها وشبابها، وحمايتهم من مخاطر التعامل السلبي مع شبكة الإنترنت، وفي 2015 ترأست الإمارات ممثلة بوزارة الداخلية فرقة العمل العالمية الافتراضية، وشاركت في مؤتمر القوة العالمية الافتراضية (في.جي.تي.)، وهو تحالف دولي يعمل على الحفاظ على سلامة الأطفال على الإنترنت، حيث ساهم الفريق في إنقاذ مئات الأطفال من الاستغلال عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم منذ عام 2003. إذ تم حشد أكثر من 450 من القيادات الدينية من شتى أنحاء العالم ضمن فعاليات مؤتمر (تحالف الأديان لأمن المجتمعات: كرامة الطفل في العالم الرقمي)، وذلك بهدف وضع رؤية عالمية مشتركة لتعزيز حماية المجتمعات، خاصة الأطفال من جرائم الابتزاز عبر العالم الرقمي ومخاطر الشبكة العنكبوتية في عام 2018».
من جانب آخر، أكد الدكتور دراغان غازيفيتش، مدير مركز تحليل التعلم بجامعة موناش في أستراليا، أن إدخال التكنولوجيا والتعلم الذكي حفز الطلبة على الدخول في العالم الرقمي بصورة أكبر من السابق، وقد يكونون معرضين دائماً لنمط معين من المفاهيم، ومنها الحياة الافتراضية وكونها مثالية دائماً، وهذا مغاير تماماً للواقع، وهي من أكبر التحديات التي تواجه الأطفال، وبالأخص الإناث، حيث أثبتت دراسات عديدة مؤخراً أن الإناث معرضات للاكتئاب بسبب تعرضهم الدائم لمنصات التواصل الاجتماعي والتي أصبحت تعرض الحياة المثالية، وأن الجميع ناجح، والجميع دائماً يظهر بصورة جميلة، وذلك يولد نوع من الضغوط على الإناث.
وقال: «أعتقد أنه إننا كمجتمع ليس لدينا الخبرة الكافية للتعامل مع مثل هذه الضغوط، لذلك لا بد من تناولها وتقبلها، ولكن علينا أيضاً أن ندرك إيجابياتها وسلبياتها، وأن تكون هناك شراكة بين أولياء الأمور والمدارس والأبناء لتفهم ما يحدث على تلك المنصات الرقمية، كما يجب أن نخلق الوعي بين الواقع والخيال، وفتح مجالات الحوار بشكل متواصل مع الأبناء».
المتابعة والإرشاد
بدوره، أكد الدكتور سعيد الكعبي، رئيس جائزة الشارقة للتميز التربوي، دور الآباء المحوري في توفير بيئة رقمية آمنة للأطفال من خلال المتابعة والإرشاد والتوعية، وترسيخ مفاهيم السلامة في العالم الرقمي، وقال: «على أولياء الأمور أخذ الأمر على محمل الجد، وعليهم توجيه أبنائهم في الاستخدام الآمن للإنترنت، وبالأخص المنصات الرقمية المتنوعة، إذ لا بد من تثقيف أنفسهم بشكل أولي بطريقة تأمين هذه البيئة، والاطلاع على الأدوات التقنية والبرامج التي تسهم في ذلك، بالإضافة إلى زرع الثقة وخلق المراقبة الذاتية في نفوس الأبناء، وفتح المجال دائماً في تقبل الأخطاء والتوجيه المستمر للبرامج والمنصات التي يمكنها أن تمنحهم العلم والفائدة».
وأضاف: «على أولياء الأمور بناء الثقة المتبادلة بينهم وبين أبنائهم، ومد جسور التواصل والحديث المستمر مع الأبناء، وتوعيتهم بالعالم الرقمي، ومتاهاته، وتنمية الوازع الديني والتربوي وحس الاختيار الصحيح والابتعاد عن كل ما يتنافى مع القيم والأخلاق والدين والفطرة السليمة والسوية».
قلق
وعبّر عدد من أولياء الأمور عن قلقهم حول ما يمكن أن يخبئه العالم الرقمي من مفاجآت وتحديات، مؤكدين أن تحديد ساعات البقاء على الإنترنت أصبح شبه مستحيل، وقالت ليلى محمود: «في الوقت الحالي ومع ولوجنا إلى مرحلة التعليم الإلكتروني أصبح الجلوس على شبكة الإنترنت يأخذ جل وقت الطفل، سواء إذا كان الأمر من أجل الدراسة أو من أجل الترفيه، لكننا نسعى إلى التوجيه والإرشاد الدائم، إلا أن هذا الأمر قد يغيب عن عدد كبير من أولياء الأمور، لذلك فإن المؤسسات في الدولة تدعم وتوجه وتوعي أولياء الأمور من خلال البرامج والمبادرات التي تطلقها، فضلاً عن أن للمدارس دوراً كبيراً في خلق هذا الوعي وتثقيف الطفل بما هو غث أو سمين على منصات الإنترنت المختلفة، فليس كل ما نراه واقعاً ملموساً أو حقيقة صحيحة، وأن خلق الرقابة الذاتية قد يكون أهم درع يمكن أن يستخدمه أولياء الأمور لحماية أبنائهم في ظل المتغيرات التي نراها والتي قد نشهدها في المستقبل».
بدورها، قالت فاطمة آل علي: «يسعى أولياء الأمور من أجل تقليل ساعات مكوث الأطفال على الأجهزة، إلا أن الأمر بات يشكل تحدياً شاقاً عليهم، فارتباطاتهم الكثيرة والمسؤوليات المتعددة، وساعات العمل الطويلة، قد تكون أيضاً ساهمت في أن يلجأ عدد منهم لاستخدام الأجهزة الحديثة لإلهاء أطفالهم خلال ساعات انشغالهم وعملهم، هو أمر بات معقداً بعض الشيء».
السلامة عبر الإنترنت
أطلقت الدولة مبادرة السلامة عبر الإنترنت عبر مدرسة أقدر «AQDAR›s E-SAFE SCHOOL»، وهي مبادرة مشتركة مع مؤسسة خليفة للتمكين، وهو برنامج حكومي لتمكين الطلاب وتوعيتهم لمجتمع أكثر أماناً (E-safe) عبر الإنترنت في الإمارات العربية المتحدة، مع التركيز بشكل أساسي على الأطفال. إذ تهدف المبادرة إلى التحدي والدعم، والتأكيد على المدارس لمراجعة توفير السلامة الإلكترونية الخاصة بهم وتطويرها من خلال خطة عمل لحماية أطفالهم عبر الإنترنت، ويتم تزويد المدارس العامة والخاصة بمجموعة أدوات لدعمها في تطوير الحماية عبر الإنترنت الاستراتيجيات. وقد دربت حتى الآن أكثر من 200 ألف من الطلاب والمدرسين وأولياء الأمور، كما أنها تقوم بإعداد أدلة وسياسات تخص المدرسة الآمنة رقمياً.
وعلى صعيد الأطفال، فقد أكد الطفل خالد الحمادي أهمية السلامة الرقمية للأطفال، وترسيخ وتوعية مفاهيم السلامة والتوعية بها للأطفال في سنوات مبكرة من حياتهم، وقال: «لقد واجهت شخصياً على حسابي الخاص في إحدى منصات التواصل الاجتماعي موقفاً غريباً، حيث أرسلت لي صور خادشه للحياء، ومع استمراري لعملية الحذف إلا أن الأمر تكرر بشكل مستمر، فأصبحت أفكر وأبحث عن طريقة لوقف مثل هذه الرسائل غير اللائقة، وتوجهت مباشرة إلى أخي الكبير وأخبرته بالقصة، حيث قام فوراً بتغيير الرقم الخاص بي، ما جعل تلك الرسائل تتوقف تماماً عن الظهور. وأنا أنصح جميع الأطفال بأهمية الحفاظ على كلمة السر الخاصة بهم، وعند التعرض لأي موقف صعب كالتنمر وغيره، فإن التواصل مع أشخاص بالغين في العائلة أمر مهم وضروري، حيث إنهم لن يتوانوا عن مساعدتنا وحمايتنا».