شرع الله تعالى لعباده عيداً يفرحون فيه بفطرهم بعد صيامهم، وسن للمسلمين فيه صلاة العيد، وذلك بعد انتهاء رمضان، وهي من تمام ذكر الله تعالى، وهي سنة مؤكدة لا ينبغي لمسلم مكلف تركها. قال الله سبحانه وتعالى: (... وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، «سورة البقرة: الآية 185»، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ». فهذا فضل الله -تعالى -حينما يفرح المسلمون بالعيد، فإنهم قد أتموا صيامهم الذي افترضه عليهم، فإذا أتموا صيامهم أعتقهم من النار، فيفرحون بما أنعم الله عليهم من التوفيق إلى الطاعات، والمُسارعة إلى الخيرات.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات»، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الأضحى والفطر، ثم يخطب بعد الصلاة.
وعن الزهري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى، وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير.
ومن رحمة الله بنا أن شرع لنا أعياداً للفرح والسرور، ولنا الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل تمرات قبل الذهاب إلى المصلى في عيد الفطر، وعلى المسلم أن يحذر من الغفلة عن ذكر الله تعالى وشكره، وأن يعمر هذه الأوقات بالطاعة، وفعل الخير.. ولا يدرك فرحة العيد في قلبه، إلا الصائمون، وبقدر العبادة تكون السعادة القلبية.
ويكون الخروج إلى مصلى العيد على أحسن هيئة متزيناً بما يباح، لابساً أحسن ثيابه نظيفاً، وذلك تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإظهاراً لنعمة الله تعالى عليه.
وقد شرع الله تعالى لعباده التكبير عند إكمال عدة رمضان، من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، قال جلا جلاله: (... وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، «سورة البقرة: الآية 185».
وصفته أن يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.. ويبكر إلى المصلى ليحصل له الدنو من الإمام، وفضل انتظار الصلاة، ويسن مخالفة الطريق، وهو أن يذهب من طريق ويرجع من أخرى، لقول جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق».. ويسن أن يأكل تمرات وتراً - ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك يقطعها على وتر - لقول أنس رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات... ويأكلهن وتراً».
زكاة الفطر
شرعت زكاة الفطر طُهرة للصائم ومواساة للفقير، وزكاة الفطر واجبة على كل مسلم، ذكراً أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، ويكفي لاستقرار وجوبها أن يَفْضُل عن قوت المسلم وقوت من تلزمه نفقتهم يوم العيد وليلته بمقدار صدقة الفطر، وقد علل ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- وجوبها فقَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ»، وفيها أيضاً إظهار شكر نعمة الله بإتمام الصيام والقيام، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الواجب إخراجه في الفِطرة صاعٌ من جميع الأصناف التي يجوز إخراج الفِطرة منها مما يُقتات ويُدخر من غالب قوت المزكي وقوت أهله مثل التمر والأرز والشعير. والصاع أربعة أمداد، والمُدُّ حفنة بكَفَّي الرجل المعتدل، وقُدّرَ وزن المدّ بنصف كيلو تقريباً، قد يزيد وقد ينقص عن ذلك قليلاً، وقُدّر الصاع بنحو (2) كيلوجرام تقريباً.
وقد ذهب العلماء إلى جواز دفع القيمة في صدقة الفطر، مراعاة لحال الفقير ليتيسر له شراء ما يريده في يوم العيد، قال ابن عبد البر: «وقد روي عنه -أي: عن مالك- وعن طائفة من أصحابه أنه تجزأ القيمة عمن أخرجها في زكاة الفطر»، وقيمتها لهذا العام 25 درهماً إماراتياً، كما أفتى بذلك مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي.
ويندب للمزكي أن يخرج زكاة الفطر يوم العيد بعد طلوع فجره قبل صلاة العيد، ويجوز إخراجها قبل يوم الفطر بيوم أو يومين، وكذلك يجوز تعجيل إخراجها من أول شهر رمضان المبارك في البلد الذي يوافيه تمام رمضان وهو فيه كما ذكر ابن عرفة من المالكية ووافقه السادة الشافعية، ولا تسقط بمضي زمنها، لأنها حق للمساكين ترتبت في ذمته، ولا يأثم ما دام يوم الفطر باقياً، فإن أخّرها مع القدرة على إخراجها أثم، وتُعطى لمسلم مسكين أو فقير، والأولى لعادم قوت يومه.
فليحرص كل مسلم على إخراجها في وقتها، تطهيراً لصيامه مما اعتراه من خلل ونقص وتقصير، وإسهاماً منه في إدخال الفرح والسرور على الفقراء والمساكين في يوم العيد، وليحذر المسلم من إخراج الرديء في الزكاة، فإنَّ الله طيب لا يقبل إلا طيباً.