أبوظبي (الاتحاد)
تزامناً مع الدورة الحالية لمعرضَي «آيدكس» و«نافدكس» 2023، نظّم مركز تريندز للبحوث والاستشارات «حواره العاشر»، ضمن سلسلة «حوارات تريندز»، حيث استضاف الباحث مايكل نايتس، زميل جيل وجاي في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط»، المتخصص في شؤون الخليج العسكرية والأمنية، حيث دار الحوار حول كتابه «25 يوماً إلى عدن»، إضافة إلى البعد الإقليمي للأزمة اليمنية، ورؤيته لهذا البلد.
وفي بداية الحوار، أكدت سمية الحضرمي، نائب رئيس قطاع «تريندز جلوبال»، أن الكتاب الذي ألّفه نايتس تحت عنوان «25 يوماً إلى عدن» يعدُّ أوّل تسجيل عسكري لحرب تحرير عدن على لسان جنود وبحّارة وطيارين شاركوا فيها، وخصوصاً من دولة الإمارات.
وتحدّث مايكل نايتس في البداية عن الأسباب التي دفعته إلى تأليف كتابه، مشيراً إلى أن الدور العسكري للقوات العربية في الصراع اليمني لم يكن مفهوماً لدى البعض، ما يؤدي إلى سوء فهم محتمل وتصورات سلبية، ولذلك كان توفير سجلّ تاريخي دقيق وتاريخ عسكريّ للنزاع أمراً مهمّاً. وأضاف أن الكتاب يوفّر تحليلاً لدور القوات العربية في الصراع اليمني، كما أنه فرصة لفهم كيفية تعامل القوات العسكرية الإقليمية مع أزمة إقليمية وحلّها في غياب التدخّل الدولي. وأوضح أن كتاب «25 يوماً إلى عدن» يقدِّم نظرة ثاقبة حول كيفية قيام الجيوش الإقليمية بالعمليات ومدى فعاليتها في اتخاذ إجراءات مستقلة لضمان أمنها.
أروع البطولات
وأشار نايتس إلى أنه وثّق في كتابه القصة الكاملة وغير المرويّة لقوات النخبة العربية في الحرب اليمنية، وتناول دور الجنود الإماراتيين في تحرير عدن، مؤكداً أن تحرير مدينة عدن عام 2015 والدفاع الناجح عنها، وتحرير جنوب اليمن من القوات الحوثيّة، شكّل نقطة تحوّل أولى في مسار الأزمة اليمنية، وسمح للحكومة اليمنية الشرعية بالنجاة والصمود في الحرب خلال السنوات اللاحقة. وقال: إن الجنود الإماراتيين سطّروا أروع البطولات على الأراضي اليمنية لمنعهم ميليشيات الحوثي الإرهابية من الهيمنة على الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية.
الإماراتيون متمرسون في الحرب الحديثة
وأضاف نايتس أنّه أمضى (5) أعوام ومئات الساعات في المقابلات، والإقامة مع أفراد الجيش الإماراتي، لإنجاز هذا الكتاب، مشيراً إلى أنّه جمع قصص هؤلاء الجنود أثناء انتشارهم على جبهات القتال في اليمن، وخلال زياراته للخطوط الأمامية، وأشاد بالجنود الإماراتيين وجديتهم ونضجهم، مشيراً إلى أنهم متمرّسون في الحرب الحديثة. وأوضح أن الكتاب يسطّر بطولات عسكرية مهمّة، ويوضح قدرة القوات المشاركة في تحرير عدن على استخدام التكنولوجيا الحديثة، وكذلك التكتيكات التقليدية في أرض المعركة. وقدّم المؤلف في كتابه وصفاً مؤثِّراً، عبر حوارات مع الجنود المشاركين، لكيفية قتال القوات المشتركة المقاومة، من دولة الإمارات ومن دول أخرى، شبحاً من الجبال (الحوثيون)، بجوار أهم ممرّ بحري في العالم، مدعماً ذلك بخرائط وتفاصيل وصور من ميدان المعركة. وقال: إن الكتاب يروي كيف نجحت دول الخليج خلال أسبوع واحد من عام 2015 في أن تجمع تحالفاً من عشر دول، حيث أطلقت أكبر عملية عسكرية من جانب واحد لصدّ الحوثيين ومنع إيران من الحصول على موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية.
خطر على الملاحة الدولية
وذكر نايتس في حواره بـ«تريندز» أن دول الخليج عملت بقوة لمنع الحوثيين من السيطرة على الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، ومن التحكُّم في الخطوط الرئيسية للملاحة التي تربط نصفي الكرة الأرضية الشرقي والغربي عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وأوضح أنّه لو تمكّن الحوثيون من السيطرة على عدن فلن يقتصر الأمر على سيطرتهم على ثاني أكبر مدن اليمن، لكنّهم سيتمكّنون أيضاً من التحكُّم في الملاحة بالمضيق الذي تمرُّ عبره 20% من حركة النفط العالمية. وروى الكاتب كيف سار في المنطقة ليتمكّن من تقدير مدى صعوبة التضاريس، مشيراً إلى أن التحرك ذهاباً وإياباً إلى مطار عدن عبر جسر مكشوف كان يشكّل مخاطر جمّة، لكنه عرف أيضاً «مدى أهمية دور المركبات المدرعة الإماراتية في التغلّب على قوة النيران الحوثية، وكيف دافعت عن المطار في ظل هذه التضاريس الصعبة». كما تحدّث الكاتب عن كيفية جمعه قصصاً عن العسكريين أثناء انتشارهم على جبهات القتال في اليمن، وذلك من خلال زياراته لخطوط المواجهة، حيث سردوا الأحداث من وجهة نظرهم، مشيراً إلى أنه زار الجنود وعائلاتهم، مؤكداً أن الكتاب يتناول ذروة الصراع لتحرير مدينة عدن في يوليو 2015.
قصة بطولية
قال نايتس: إن الكتاب يروي قصة بطولية في معركة حاسمة جرت على خلفية درامية من المنحدرات البركانية الشاهقة، والمعالم الفيكتورية، والمنتجعات الشاطئية، والأزقة الحضرية، استناداً إلى سنوات من المحادثات المباشرة والأوقات التي قضاها مع المقاتلين على الأرض. وبيّن في كتابه كيف جمعت هذه المعركة الفاصلة والحاسمة بين صانعي السياسات وعمّال الإغاثة المدنيين والجيش، بالشراكة مع الحلفاء المحليين، كما تناول العديد من الروايات القتالية والأوصاف التفصيلية لتاريخ عدن، مشيراً إلى أن شغفه باليمن كان دافعاً آخر لتأليف كتابه.
3 دروس مستفادة
تحدّث نايتس عن ثلاثة دروس مستفادة من كتابه، أوّلها أن من السهل بدء الحرب لكن من الصعب إيقافها، وأن الشركاء الإقليميين للدول الغربية يحتاجون إلى الدعم وإلى السماح لهم بالعمل لدعم أمنهم، وأن الانتصار في ساحة المعركة لا يكفي وحده، بل من الضروري أيضاً إيصال القصة إلى وسائل الإعلام الدولية والدبلوماسية.
فرص السلام
أكّد المؤلف أهمية إحلال السلام في اليمن، مشيراً إلى انتعاش فرص السلام هناك منذ استئناف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروند برغ جولة إلى المنطقة قبل أن ينضم إليه المبعوث الأميركي تيم ليندركينج، لدفع الأطراف اليمنية صوب تمديد الهدنة وتوسيع بنودها. وبيّن المؤلف أن هذه الفرص جاءت مع أنباء قرب التوقيع على اتفاق تجديد الهدنة وإطلاق محادثات سياسية واقتصادية شاملة برعاية الأمم المتحدة، وهو ما فتح بارقة أمل لتنشيط عمل اللجان العسكرية والسياسية والاقتصادية. وأعرب مايكل نايتس عن الأمل في البدء بالتفاوض حول المسار السياسي ووضع قواعد متفقة مع الشرعية الدولية ومع مخرجات الحوار الوطني، تمهّد لمرحلة جديدة في اليمن. لكنه في الوقت نفسه قال إنه في حين تواصل الحكومة اليمنية تحركاتها لحشد دعم دولي لمواجهة التحديات التي تواجه عملية السلام في اليمن، تقوم ميليشيات «الحوثي» الإرهابية، بالتحالف مع الجماعات المتطرفة، بإطلاق سراح عناصر إرهابية على علاقة بتنظيم القاعدة، وذلك في أحدث تعاون بين التنظيمين الإرهابيين لنشر الفوضى في مناطق الحكومة المعترف بها دوليّاً.
وأعرب الباحث مايكل نايتس عن أمله في أن يتمَّ وقف إطلاق النار وإنهاء الصراع في المستقبل المنظور، غير أنه أشار إلى أنّ طبيعة الخصومات في اليمن، والدعم الإيراني لجماعة الحوثي، يعنيان أنَّ من غير المرجّح أن يكون هناك سلام دائم في البلاد، موضحاً أن التجربة تشير إلى أن الفصائل المسلّحة ستظل موجودة. وكانت الأستاذة سمية الحضرمي، نائب رئيس قطاع «تريندز جلوبال»، قد ذكرت في تقديمها للحوار أن ما يمرُّ به اليمن من شأنه أن يؤثّر في المنطقة بشكل كامل، مؤكدة أن هذه الحلقة النقاشية حاولت سبْر أغوار هذه الأزمة عبر كاتب وباحث ملمّ بمشكلات المنطقة، وصاحب تجربة حيّة هناك.