شروق عوض (دبي)
لم تكن حماية التنوع البيولوجي، بعيدة عن النهضة التنموية الشاملة التي شهدتها دولة الإمارات وأحدثت تحولات واسعة وعميقة في مختلف أوجه الحياة، بل كانت في قلبها وركيزة أساسية لها، وخير دليل على ذلك ما حققته الدولة من قفزات تنموية في فترة زمنية قصيرة، قلما شهد تاريخ التنمية مثيلاً لها، وأصبحت بفضلها نموذجاً تنموياً يحتذى به.
ومع تسارع وتيرة النهضة في مدى زمني قصير وبروز تحديات الزيادة السكانية التي رافقها تغير واسع في استخدامات الأراضي المحتضنة لأنواع عدة من الكائنات الحية، والممارسات غير المسؤولة كالرعي والصيد الجائر، والتجارة غير المشروعة في بعض الأنواع، بالإضافة إلى التحديات الطبيعية كتغير المناخ الذي يؤثر على قدرة الأنواع على التكيف، أفرز ضغوطاً بيئية، تجلى أثرها بشكل واضح في استدامة التنوع البيولوجي والتوازن البيئي، وكان لا بد من العمل على الحد من التحديات بأقصى سرعة ممكنة، انطلاقاً من إدراك القيادة بأن الاعتبارات البيئة وحماية مواردها وضمان استدامتها يجب أن تظل محوراً وركيزة أساسية من ركائز التنمية الشاملة في دولة الإمارات.
ونتيجة استشراف دولة الإمارات لمستقبل البيئة وضمان استدامة مواردها للأجيال الحالية والمستقبلية، وبانتهاج سياسة التوسع في إنشاء المناطق المحمية والعمل على مواجهة تلك التحديات التي تواجه التنوع البيولوجي، فقد ارتفع عدد المحميات الطبيعية المُعلنة في الدولة من 19 محمية في عام 2010 إلى 49 محمية في عام 2020، منها 10 مواقع مصنفة كمواقع للأراضي الرطبة ذات الأهمية العالمية «رامسار»، ومحمية مروح ومحمية وادي الوريعة مدرجتان ضمن برنامج الإنسان والمحيط الحيوي التابع لشبكة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو».
مؤشرات عالمية
كما تصدرت الإمارات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الترتيب العام لتقرير «مؤشر الأداء البيئي 2022» الصادر عن جامعة ييل والذي يرصد أداء 180 دولة في مجال الأداء البيئي، كما تربعت الإمارات في المركز الأول عالمياً في 6 مؤشرات من إجمالي مؤشرات التقرير البالغ عددها 40 مؤشراً، والمؤشرات هي: (المحميات البحرية، خدمات النظام البيئي، قلة انحسار الأراضي الرطبة، قلة الاعتماد على الوقود الصلب المنزلي، انخفاض معدل نمو الكربون الأسود، وقلة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الغطاء الأرضي)، كما حلت الإمارات في المركز الأول إقليمياً والثالث عالمياً في «مؤشر حيوية النظام البيئي»، وجاءت الإمارات أيضاً في المركز الأول إقليمياً في «مؤشر التنوع البيولوجي والموائل الطبيعية»، و«مؤشر معالجة مياه الصرف الصحي» الذي حلت فيه بالمركز الـ 13 عالمياً، كما تصدرت الإمارات الدول العربية في «مؤشر قلّة الصرف الصحي غير الآمن».
جهود الحماية
لم تكن تلك الإنجازات وليدة اللحظة، وإنما جاءت نتيجة لجهود جبارة بذلتها دولة الإمارات بشأن حماية التنوع البيولوجي وضمان استدامته، وها هي اليوم تضمن لها مكانة مرموقة بين الدول الأكثر قدرة على استشراف المستقبل ومواجهة التحديات وتحقيق الإنجازات المتفردة، وفقاً لأحد محاور خطتها التنموية الشاملة والمتمثلة في صناعة مستقبل بيئي مستدام للأجيال من خلال التركيز بشكل كامل على المحافظة على البيئة ومكوناتها من التهديدات البشرية والمناخية وضمان استدامتها بشكل أفضل وأنشط، بما يحقق طفرة تنموية بيئية، عبر التكامل بين أدوار مؤسسات الدولة، لبناء بيئة مستدامة تكفل كل ما تحقق من مكتسبات خلال السنوات الماضية.
خطط تنموية
ومازالت الإمارات مستمرة في التوسع بالمحميات الطبيعية وتحديد المواقع ذات الأهمية العالمية لإدراجها ضمن قوائم «رامسار»، بما يسهم في ريادة الإمارات بهذا الشأن، والعمل على إدراج محميات جديدة لـ«اليونسكو» ضمن برنامجها الخاص بالإنسان والمحيط الحيوي، وإنشاء مراكز الإكثار وإعادة تأهيل الموائل الطبيعية وتوطين الأنواع المهددة بالانقراض في مناطق انتشارها الطبيعية، بما يؤكد على التزام الدولة باستمرار التنمية المستدامة للمحافظة على مواردها الطبيعية وصون تاريخها وبيئتها.
إرث طبيعي
تحفل محميات دولة الإمارات الطبيعية والممتدة على مساحة 20 ألفاً و18 كيلومتراً مربعاً، والمتوزعة ما بين 33 محمية برية، و16 محمية بحرية، بمجموعة من الكائنات الحية ذات الجمال الرباني على أرضها لتضاف إلى تراث الإمارات، مؤرخةً بذلك مراحل مهمة من تاريخها وإرثها الطبيعي، لتميزها بتنوع مكونات الحياة الفطرية فيها على مر العصور، كما زاحمت بعض مواقع المحميات الطبيعية المسموح بدخول الزوار إليها، مراكز التسوق ومناطق الجذب السياحية الرائدة في الدولة، في استقطاب نسبة كبيرة من السياح العاشقين للبيئة ومن سكانها، حيث ساهمت عدة عوامل في تعزيز جاذبية تلك المناطق وتنامي الطلب على زيارتها، ومن أهمها تطوير ورفع كفاءة الطرق الرئيسية المؤدية والمحيطة بمواقع المحميات ومشاريع رفع كفاءة الخدمات المقدمة على أرضها.
الحياة الفطرية
وتعتبر المحميات من المناطق الحيوية الطبيعية في الدولة، نظراً لتميزها بتنوع مكونات الحياة الفطرية فيها، باعتبار بعضها موطناً لأنواع عديدة من الطيور والنباتات، وأخرى موطناً للسلاحف البحرية والدلافين وأبقار البحر (الأطوم) والأرانب الصحراوية، والشعاب المرجانية، وثعابين البحر، وثالثة موطناً لأشجار القرم، والمستنقعات المائية المالحة ومنابت الأعشاب البحرية الغنية بالحياة الفطرية، ورابعة موطناً للغزلان العربية والثعالب، والسحالي والطيور المائية، وخامسة تعد موطناً لحيوانات الطهر العربي المهددة بالانقراض في الإمارات، وغيرها الكثير.
محميات أبوظبي
تصدرت إمارة أبوظبي في المرتبة الأولى من إجمالي المحميات الطبيعية وبواقع 19 محمية برية وبحرية تبلغ مساحتها الإجمالية 18 ألفاً و289.1 كيلومتر مربع؛ أي ما يعادل 91.2 بالمئة من إجمالي مساحة المحميات الطبيعية على مستوى الدولة، وتضم الإمارة 13 محمية طبيعية برية وهي: المزموم، والحبارى، والمها العربي، وقصر السراب، والبدعة، والطوي، وبدع هزاع، وبرقا الصقور، والرملة، وبو الدبسة، والدلفاوية، وجبل حفيت، ومحمية الوثبة التي تُعد من أشهر المحميات البرية في أبوظبي، وتبلغ مساحتها الإجمالية 4.5 كم مربع، وأعلنت في عام 2013 كمحمية (رامسار)، وتُعد موئلاً لتكاثر طائر (الفلامينجو) والطيور المهاجرة، والجوارح وأنواع من اللافقاريات والثدييات والزواحف وغيرها الكثير من الكائنات.
وعلى صعيد المحميات البحرية، فإن إمارة أبوظبي تضم 6 محميات، وهي: السعديات، ورأس غناضة، وبوالسياييف، والقرم الشرقي، ومحمية مروح، والياسات التي تبلغ مساحتها الإجمالية 2256 كم مربع، وأعلنت في 2005 واحدة من المحميات البحرية التي تتميز بأهميتها البيئية، وتوفر مواطن حساسة من الشعاب المرجانية والأعشاب البحرية والشواطئ الرملية، وتؤوي أعداداً كبيرة من الحيوانات البحرية المهددة بالانقراض، مثل أبقار البحر والسلاحف الخضراء، وتضم مستعمرات لتكاثر طائر الغاق السوقطري وغيرها.
محميات الشارقة
كما تصدرت إمارة الشارقة المرتبة الثانية من إجمالي المحميات وبواقع 14 محمية طبيعية، منها 12 محمية برية وهي: محميات البردي، ولمدينه، والظليمه، والفايه، وحزام غابات المنتثر، ومليحة، وجبل محيص، ومسند، وشنوف، ووادي قرحة، ووادي الحلو، ومحمية واسط التي تبلغ مساحتها 0.8 كم مربع، وأعلنت في عام 2007 واحدة من أهم المحميات البرية، وتشمل مناطق السبخات والمستنقعات، وتزخر بتنوع بيولوجي كبير يشمل التنوع الحيواني والنباتي، وبها محميتان بحريتان هما محمية أشجار القرم والحفية، ومحمية جزيرة صير بونعير، التي تبلغ مساحتها 39 كم مربع، وأعلنت في عام 2000 محمية بحرية وتم إدراجها ضمن محميات (رامسار) خلال عام 2013، وتضم الطيور المهاجرة والسلاحف البحرية المهددة بالانقراض، والشعاب المرجانية والأسماك كالهامور والشعري والكنعد وغيرها.
محميات دبي
في حين تصدرت إمارة دبي المرتبة الثالثة من إجمالي المحميات الطبيعية، وبواقع 8 محميات طبيعية، منها 6 محميات برية وتشمل محميات حتا، وجبل نزوى، والوحوش الصحراوية، والمرموم الصحراوية، والغاف بنزوى، ومحمية دبي الصحراوية التي تبلغ مساحتها 226كم مربع، وتم إعلانها في عام 2014 محمية برية، وتزخر بالعديد من النباتات الصحراوية كالغاف والسمر، بالإضافة إلى العديد من الزواحف، مثل الثعابين والسحالي والحيوانات البرية مثل المها العربي وغيرها، وبها محميتان بحريتان هما محمية رأس الخور للحياة الفطرية ومحمية جبل علي الطبيعية التي تبلغ مساحتها 76.68كم مربع، وتم إعلانها محمية بحرية في عام 1998، وتضم العديد من الشعاب المرجانية وموطناً لسرطان البحر والرخويات والأسماك وأشجار القرم والطيور المهاجرة مثل النحام الكبير والفلامينجو والعقاب النسري وأنواع النورس وخطاف البحر وغيرها الكثير.
محميات الفجيرة
تصدرت إمارة الفجيرة بالمرتبة الرابعة من إجمالي المحميات الطبيعية وبواقع 5 محميات، منها 4 محميات بحرية هي العقة، وضدنا، والبدية، وجزيرة الطيور التي تبلغ مساحتها 1.44كم مربع، وتم إعلانها محمية بحرية في عام 1995، وتستقطب الطيور المهاجرة والجوارح كالصقور، وأنواعاً من طيور النورس ومالك الحزين وغيرها، ومحمية واحدة برية وهي محمية وادي الوريعة التي تبلغ مساحتها 224 كم مربع، وتضم العديد من أنواع من الثدييات التي تعيش على اليابسة والزواحف والطيور والبرمائيات المسجلة وغيرها.
عجمان ورأس الخيمة
جاءت إمارة عجمان بالمرتبة الخامسة من حيث عدد المحميات الطبيعية، وتضم محميتين هما محمية الزورا البحرية وتبلغ مساحتها 1.9 كم مربع، وتكثر فيها أشجار المانجروف، وتحتوي على مجموعات هائلة من الأسماك والشعاب المرجانية والطيور المختلفة، مثل الفلامينجو والبلشون الرمادي والبلشون الأبيض وغيرها، ومحمية النسيم البرية وتبلغ مساحتها 0.395 كم مربع، وتحتوي على الأنواع النباتية، مثل أشجار السمر وأنواع من الطيور والثدييات والزواحف وغيرها، في حين جاءت إمارة رأس الخيمة بالمرتبة السادسة من حيث إجمالي المحميات، حيث تضم محمية واحدة متمثلة بخور المزاحمي البحرية، والتي تمتد على طول 3 كم مربع، وتُعد موئلاً للعديد من الأنواع ذات الأهمية البيئية العالية، منها طائر النحام «الفلامينجو» ونسر السمك والسلاحف الخضراء المهددة بالانقراض وغيرها.