سامي عبد الرؤوف، منى الحمودي (أبوظبي، دبي)
شاركت الجهات الصحية في الإمارات، الجهود الدولية خلال شهر يناير الجاري في التوعية بسرطان عنق الرحم، وتثقيف المجتمع حول أهمية الوقاية من المرض بإجراء فحوص الكشف المبكر للفئات المستهدفة، والتشجيع على أخذ لقاح فيروس الورم الحليمي وعلاج الحالات المكتشفة مبكراً لضمان نسبة عالية من الشفاء. ونظمت الجهات الصحية والخاصة على مستوى الدولة، العديد من الفعاليات والأنشطة وأقامت حملات توعية وتزينت الكثير من المرافق الطبية باللون التركوازي، في إشارة إلى تكاتف الجهود للقضاء على سرطان عنق الرحم.
تُعد الإمارات من الدول الرائدة إقليمياً وعالمياً في الوقاية وخفض الإصابة بسرطان عنق الرحم، حيث وضعت وزارة الصحة ووقاية المجتمع، بالتعاون مع الجهات الصحية، مبادئ توجيهية وطنية للفحص المبكر عن السرطانات ذات الأولوية، ومن ضمنها سرطان عنق الرحم وتتم متابعتها دورياً، في إطار استراتيجيتها لخفض معدل الوفيات من أمراض السرطان في الدولة وفق المؤشرات الوطنية المتعلقة بخفض مؤشر عدد وفيات أمراض السرطان.
ويأتي سرطان عنق الرحم السرطان، في المرتبة الرابعة بين أنواع السرطان الأكثر شيوعاً بين النساء في العالم، بينما يحتل سرطان عنق الرحم المرتبة السادسة في الدولة، وتعتبر الإمارات من الدول الأولى التي تنخفض فيها نسبة الإصابة بسرطان عنق الرحم، فيما تعزّز التطعيمات وصول هذه النسبة إلى المعدلات الأقل عالمياً.
خلق الوعي
في البداية، يؤكد حسين الرند، وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع المساعد للصحة العامة، أن استراتيجية الوزارة تهدف إلى تقديم الرعاية الصحية الشاملة والمتكاملة بطرق مبتكرة ومستدامة تضمن وقاية المجتمع من الأمراض، وخلق مجتمع مثقف وواعٍ بمخاطر الأمراض ومنها سرطان عنق الرحم وطرق الوقاية منه». ويقول: «يتم تحقيق ذلك من خلال تعريف أفراد المجتمع بأهمية الكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم وكيفية اكتشاف المرض، مما يسهم في الكشف المبكر عن الحالات المصابة وعلاجها من أجل خفض معدلات الوفيات والإصابات». ويضيف: «وعليه تواصل الوزارة نشر الرسائل في وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للوزارة، عن أهمية الكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم وتثقيف المجتمع حول أهمية الوقاية من المرض».
وأشار إلى حرص وزارة الصحة ووقاية المجتمع على الاستمرار في حملات التوعية ضد المرض على مدار العام، وألا يقتصر على شهر يناير من كل عام.
ويؤكد أن البرنامج الوطني للكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية، حيث تسعى وزارة الصحة ووقاية المجتمع من خلال هذا البرنامج إلى زيادة التشخيص المبكر للمرض، مما يسهم في زيادة نسبة الشفاء.
ولفت إلى مشاركة الوزارة في الاجتماعات الإقليمية والمؤتمرات المحلية لعرض تجربة دولة الإمارات الناجحة في مكافحة سرطان عنق الرحم، وإدراج تطعيم سرطان عنق الرحم ضمن البرنامج الوطني للتحصين.
أبرز النجاحات
ولكن ما أبرز النجاحات التي تحققت خلال الفترة الماضية في التعامل مع هذا المرض؟ أجاب الرند: «تعتبر الإمارات من الدول الأولى التي تنخفض فيها نسبة الإصابة بسرطان عنق الرحم، فيما تعزّز التطعيمات وصول هذه النسبة إلى المعدلات الأقل عالمياً». وأشار إلى إدراج لقاح سرطان عنق الرحم منذ عام 2018 لطالبات المدارس في الإمارات العربية المتحدة، ضمن سلسلة التطعيمات الطلابية، التي يشتمل عليها البرنامج الوطني للتطعيمات، ويشمل الطالبات في عمر 14- 13 عاماً، بما يسهم في تحسين نتائج المؤشر الوطني المتعلق بخفض وفيات أمراض السرطان في الدولة. ولفت إلى إدراج برنامج الكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم ضمن الخطة الوطنية لمكافحة السرطان لرفع الوعي الصحي وأهمية الكشف المبكر للوقاية من المرض وعلاجه في مراحله المبكرة. وأكد وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع المساعد للصحة العامة، أن دولة الإمارات تتماشى مع الاستراتيجية العالمية للقضاء على سرطان عنق الرحم، وتهدف إلى تحقيق عدة مؤشرات بحلول عام 2030، أبرزها تطعيم 90% من الفتيات بلقاح فيروس الورم الحليمي البشري بالكامل في سن 15 سنة. ويتم فحص 70% من النساء باختبار عالي الأداء ببلوغ 35 عاماً ومرة أخرى بعمر 45 عاماً، وتتلقى 90% من النساء المصابات بمرض سرطان عنق الرحم العلاج. ولكن أين يقع سرطان عنق الرحم بين أكثر أنواع السرطانات انتشاراً بين النساء؟ أعلن الرند، أن سرطان عنق الرحم يحتل المرتبة السادسة بين أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين النساء في الدولة، وهو ما يعد دليلاً على انخفاض معدلات الإصابة بالمرض في دولة الإمارات مقارنة بالمعدلات العالمية، إلا أنه شدد في الوقت نفسه على أهمية إجراء فحص عنق الرحم في الفئة العمرية من 25 إلى 65 عاماً كل 3 إلى 5 سنوات.
وأوضح أن الفحص يشمل الكشف عن فيروس الورم الحليمي HPV، حيث إن التشخيص المبكر للمرض في مراحله الأولية يساهم بشكل فاعل في تحقيق نسب مرتفعة في الشفاء وتحسين جودة الحياة للمرضى. وبالنسبة لنتائج إدراج لقاح سرطان عنق الرحم ضمن البرنامج الوطني للتحصين، أفاد الرند، أنه منذ عام 2018، أدرجت وزارة الصحة ووقاية المجتمع لقاح فيروس الورم الحليمي البشري المسبب لسرطان عنق الرحم ضمن البرنامج الوطني للتحصين، وقد وصلت نسبة تغطية اللقاح إلى 82%، مما جعل الإمارات من الدول الأولى على المستويين الإقليمي والعالمي في مكافحة الأمراض غير المعدية.
حملات توعية
أكدت الدكتورة شمسة لوتاه، مدير إدارة الصحة العامة بمؤسسة الإمارات للخدمات الصحية، حرص المؤسسة على رفع الوعي المجتمعي وتعزيز فرص الوقاية والعلاج من سرطان عنق الرحم، وذلك ضمن إطار المشاركة في الجهود الوطنية للحد من انتشار الأمراض ولاسيما سرطان عنق الرحم.
وأضافت: «تساهم المؤسسة في تقديم البرنامج التثقيفي الخاص بسرطان عنق الرحم والذي يهدف إلى رفع نسبة الوعي حول مرض سرطان عنق الرحم وتسليط الضوء حول أهمية الكشف المبكر، إضافة إلى الخدمات الوقائية والعلاجية التي تقدمها المؤسسة».
وأشارت إلى أن ذلك يأتي بالتعاون مع الجهات المختلفة في الدولة لتقديم البرنامج للموظفات والطالبات عن كيفية الوقاية من الإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري (HPV) المسبب لسرطان عنق الرحم، وضرورة الالتزام بفحوص الكشف المبكر والتطعيمات الوقائية اللازمة.
وذكرت أن المنشآت الصحية التابعة لمؤسسة الإمارات تقوم خلال شهر يناير من كل عام بتفعيل الأنشطة والفعاليات المتعددة وذلك عن طريق تقديم الورش ومحاضرات التوعية للمتعاملين، إضافة إلى تقديم فحوص الكشف المبكر وتقديم حملات التطعيم للفئات المستهدفة.
وذكرت أن مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية أطلقت حملة توعية على وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لها، بمناسبة شهر التوعية بسرطان عنق الرحم، الذي انطلق من 1 يناير ويستمر حتى 31 يناير، قدمت من خلالها حزمة من النصائح العامة حول سرطان عنق الرحم وأهمية الكشف المبكر.
تجربة متميزة
أوضح الدكتور محيي الدين سعود، استشاري ورئيس قسم أمراض النساء والتوليد في مدينة الشيخ شخبوط الطبية، أنه يتم اكتشاف العديد من المراحل المبكرة لسرطان عنق الرحم من دون أعراض، وذلك أثناء الفحص أو الاختبارات الروتينية.
وقال: «مع ذلك، يمكن أن يرافق بعض الحالات الأكثر تقدماً نزف مهبلي غير طبيعي، ونزيف بين فترات الحيض، ونزيف بعد الجماع، وفي الحالات الأكثر تقدماً، قد يؤدي المرض إلى إفرازات مهبلية كريهة الرائحة ونزيف مهبلي أقوى وأكثر تكراراً».
وأشار إلى أنه في مرحلة ما بعد انقطاع الطمث، قد تصاب المريضة بنزيف بعد انقطاع الطمث وإفرازات مهبلية، حيث أظهرت الدراسات أن النساء في دولة الإمارات اللواتي يخضعن لفحص سرطان عنق الرحم بانتظام، يتم اكتشاف العديد منهن في حالة ما قبل الانتشار أو في المراحل المبكرة جداً».
وأضاف: «في مدينة شخبوط الطبية لعام 2020، هناك نسبة أقل من 60% تم تشخيصهن في مرحلة مبكرة بالمرض، واحتاجت لنحو 10 إلى 15% فقط إلى علاج إضافي كالعلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي أو أي منهما بعد العلاج الجراحي».
رينيتا.. قصة شفاء
قبل خمس سنوات، أصيبت رينيتا (60 عاماً) ببعض النزيف وتوجهت إلى المستشفى، حيث تم تشخيص إصابتها بسرطان عنق الرحم. طلبت رأياً طبياً ثانياً ثم تمت إحالتها إلى الدكتور ماثيبيلي راي ماكويلا، استشاري أمراض النساء والتوليد.
وأجرت اختبار فحص عنق الرحم الذي أظهر مشكلة في خلايا عنق الرحم، ثم أجرت العديد من الاختبارات التشخيصية الأخرى التي أكدت إصابتها بسرطان عنق الرحم في مرحلة مبكرة.
ونظراً لاكتشاف السرطان في مرحلة مبكرة، كان العلاج الوحيد المطلوب هو جراحة استئصال الرحم، فخضعت للجراحة، وهي الآن قد تخلصت من مرض السرطان من دون الحاجة إلى العلاج الإشعاعي أو العلاج الكيميائي.
الرسالة التي توجهها رينيتا إلى السيدات هي إجراء اختبار عنق الرحم المنتظم في السن الموصى بها، والذهاب فوراً إلى الطبيب عند ملاحظة أي أعراض، لأن هذا سيؤدي إلى الكشف عن المرض مبكراً، وبالتالي سيسهل العلاج. حالة رينيتا هي مثال على أهمية الكشف المبكر في تسهيل العلاج، وعدم الاضطرار إلى العلاج الإشعاعي والعلاج الكيميائي.