إبراهيم سليم (أبوظبي)
تأسست دولة الإمارات العربية المتحدة على قيم التسامح والمحبة والتعايش، وهي قيم تجسد أبهى صور الإنسانية، حتى أصبحت دولتنا عاصمة عالمية للتسامح، ومن على أرضها تنطلق دعوات الإخاء الإنساني لتجوب العالم بأسره، دون نظر لثقافة أو معتقد أو جنس أو عرق أو لون.. فقط هدفها العناية بـ«الإنسان».
وبنى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانه الآباء المؤسسون على أرض الإمارات، صروح التسامح، والسلم، والأمان، والتعددية الثقافية، حيث تستضيف الدولة أبناء أكثر من 200 جنسية ينعمون بالحياة الكريمة والاحترام، فيما كفلت قوانين الدولة للجميع العدل والاحترام والمساواة، وجرمت الكراهية والعصبية، وأسباب الفرقة والاختلاف.
مكافحة التمييز
بدعم وتوجيهات القيادة، انطلقت قوافل التسامح والسلام من أرض الإمارات لتنير للعالم طريقه، وعزز المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانه الآباء المؤسسون هذا المفهوم لدى شعب الإمارات المتسامح بطبعه، وأصبح خيار التسامح هو السائد وعلامة من علامات تمييز كل هو ما هو إماراتي.
وأطلقت الدولة البرنامج الوطني للتسامح، وسنت قانون مكافحة التمييز والكراهية، وأسست عدة مراكز لمكافحة التطرف والإرهاب، فيما تعد وثيقة الأخوة الإنسانية التي خرجت من الإمارات للعالم، بأنها وضعت إطاراً لدستور عالمي جديد يرسم خريطة طريق للبشرية نحو عالم متسامح.
وفي فبراير 2016، تم استحداث وزارة للتسامح لأول مرة في دولة الإمارات والعالم، إذ إن ثقافة التسامح ليست وليدة اليوم في مجتمع دولة الإمارات، بل هي امتداد لثقافة سائدة في المنطقة منذ القدم، وأن إنشاء الوزارة يدعم موقف الدولة نحو ترسيخ قيم التسامح، والتعددية، والقبول بالآخر، فكرياً وثقافياً وطائفياً ودينياً.
وفي 8 يونيو 2016، اعتمد مجلس الوزراء البرنامج الوطني للتسامح الذي هدف إلى استدامة قيم التسامح واحترام التعددية والقبول بالآخر فكرياً وثقافياً ودينياً وطائفياً من جهة، مع نبذ العنف والعصبية والتمييز والكراهية من جهة أخرى.
واستند البرنامج الوطني للتسامح على سبعة أسس تمد مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة بقيم التسامح، هي: الإسلام، والدستور الإماراتي، وإرث زايد، والأخلاق الإماراتية، والمواثيق الدولية، والآثار والتاريخ، والفطرة الإنسانية، والقيم المشتركة.
وتشمل محاور البرنامج الوطني للتسامح: تعزيز دور الحكومة كحاضنة للتسامح، حيث تضطلع حكومة دولة الإمارات بنشر قيم ومبادئ التسامح والوسطية وقبول الآخر ونبذ العنصرية والعصبية، وذلك من خلال سن التشريعات والقوانين ووضع المؤشرات الوطنية، وكذلك ترسيخ دور الأسرة المترابطة في بناء المجتمع المتسامح، حيث إن الأسرة هي النواة الرئيسة لبناء مجتمع متسامح ومتفهم ويقبل الآخر ويحترم التعددية الثقافية، إضافة إلى تعزيز التسامح لدى الشباب ووقايتهم من التعصب والتطرف، على اعتبار أن الشباب هم عماد المجتمع ومستقبله المشرق، وتولي قيادة وحكومة دولة الإمارات عناية فائقة بهذه الفئة وتفعيل أدوارهم لتعزيز قيم التسامح والتعايش، وترسيخ القيم الصحيحة لسماحة ووسطية الدين الإسلامي الحنيف.
واتخذت الدولة إجراءات عدة لتعزيز جهودها في تحقيق التعايش، منها إجراءات قانونية تشريعية، وإجراءات دينية ثقافية، وإجراءات إعلامية اجتماعية. ففي عام 2006، أصدرت «قانون التعاون القضائي الدولي في المسائل الجنائية»، إضافة إلى تشكيل «اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب» في عام 2009. وفي عام 2013 تم إِنْشاء «مركز هداية الدولي للتَّمَيز في مُكافحة التَّطَرُّفِ العَنيف»، وهو أول مؤسسة بحثية تطبيقية مستقلة داعمة للحوار والبحث والتدريب لمكافحة التطرف.
وفي عام 2014 تم إِصْدار «قانون مُكافَحَة الجرائِم الإرْهابية»، بينما شهد العام 2015 إصدار «قانون مُكافَحَةِ التَّمْييزِ والكراهية»، والذي اشتمل على مواد تضمن المساواة بين أفراد المجتمع، وتجرم التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أو المذهب أو العرق أو اللون أو الأصل. وأسست الدولة في يوليو 2014 «مجلس حكماء المسلمين»، وهو هيئة دولية مستقلة تهدف إلى تعزيز السلم في العالم الإسلامي.
منتدى أبوظبي للسلم
حمل منتدى السلم مسؤولية نشر ثقافة التسامح والتعايش، منذ نشأته، وبث روح التسامح، من خلال المنتديات والندوات التي عقدها ولا يزال يعقدها، مستلهماً روح القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فقد عُني المنتدى بتأصيل مفهوم السلم في الإسلام، وبيان مساهمة ديننا الحنيف فيه تاريخياً، ففتح بذلك أمام الدارسين والأكاديميين أبواباً واسعة لاستكمال البحث وتنوير الرأي العام والخاص، كلُّ ذلك وفق منهجية علمية رصينة، تستمد جذورَها من أصول الشريعة الغرّاء، وتراعي مقتضيات الزمان والمكان، وتقيم الاعتبار للمآلات والعواقب، وتستهدف تحقيقَ المصالح ودرءَ المفاسد. وعقد المنتدى 9 ملتقيات، توجت بـ«ميثاق حلف الفضول الجديد» الذي تعهدت خلاله قيادات فكرية ودينية بالالتزام بتفعيله في مختلف مناطق العالم التي جرى تقسيمها إلى خمس دوائر، هي: أوروبا، أميركا، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جنوب وجنوب شرق آسياً، وسط وغرب آسيا، وجنوب وغرب أفريقيا.
كما أصدر موسوعة السلم في الإسلام التي اشترك في إعدادها نخبة فكرية مكونة من 100 باحث وباحثة من مختلف الأديان، وتناقش قضايا السلم والتسامح، والتي تعد من أضخم المشاريع الفكرية والأكاديمية التي رعتها دولة الإمارات في سياق المبادرات والبرامج المتنوعة التي يقودها منتدى تعزيز السلم برئاسة معالي الشيخ عبد الله بن بيه. ويقوم المنتدى بمحاولات دؤوبة لنشر قيم التسامح وبث حب الإنسانية في قلوب أصحاب الديانات، لضمان العيش المشترك وتحقيق المواطنة الكاملة، ويلهم البشر على السلوك الجماعي الإيجابي الذي يعزز ثقافة التسامح.
المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة
تم تأسيس المجلس في 2018، باعتباره مؤسسة دولية تهدف إلى تنسيق جهود مؤسسات المجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية، انطلاقاً من الرسالة الحضارية لدولة الإمارات الهادفة إلى نشر ثقافة السلم لتحقيق الأمن المجتمعي، وتمكين المجتمعات المسلمة من الاندماج الإيجابي في دولها، لتحقيق الانسجام بين الالتزام بالدين والانتماء للوطن، والارتقاء بدورها الوظيفي لتحقيق الشهود الحضاري، وتشجيعاً لأفرادها على المساهمة في نهضة دولهم المدنية، وتصحيح الصورة النمطية عن الإسلام والمجتمعات المسلمة، وهو بيت خبرة لترشيد المنظمات والجمعيات العاملة في المجتمعات المسلمة، وتجديد فكرها وتحسين أدائها من أجل تحقيق غاية واحدة، وهي إدماج المجتمعات المسلمة في دولها بصورة تحقق لأعضائها كمال المواطنة وتمام الانتماء للدين الإسلامي، وأولى مقدمات تحقيق هذه الغاية تحرير المسلمين في المجتمعات المسلمة من التبعية للتيارات والحركات الفكرية والفقهية والأحزاب السياسية العابرة لحدود الدولة الوطنية التي تحول دون اندماجهم في مجتمعاتهم الجديدة، وفي الدول التي يحملون جنسيتها، وتُبقي عليهم غرباء في دولهم، متعلقين بأحلام وأوهام ومشاكل وأزمات دول ومجتمعات لا علاقة لهم بها.
المعهد الدولي للتسامح
في 21 يونيو من العام 2017، وتأكيداً لصدارة الإمارات في بناء غدٍ أفضل للمجتمعات العربية والعالمية وخدمة الإنسانية، صدر قانون تأسيس المعهد الدولي للتسامح بقرار من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ونص القانون رقم 9 لسنة 2017 على إنشاء المعهد الدولي للتسامح ضمن مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، كما أصدر سموه المرسوم رقم 23 لسنة 2017 بتشكيل مجلس أمناء المعهد الدولي للتسامح، والمرسوم 28 لسنة 2017 بتعيين العضو المنتدب للمعهد الدولي للتسامح، وتضمن قانون إنشاء المعهد الدولي للتسامح أيضاً إطلاق «جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للتسامح»، التي تُدار وفقاً لأحكام قانون إنشاء المعهد ونظامه الأساسي. وأصبح المعهد الدولي للتسامح، ويتخذ من دبي مقراً له، المنظمة التي تؤمن بمأسسة قيم التعايش والمحبة والأخوة الإنسانية، إذ يحمل المعهد على عاتقه مهمات عدة؛ منها تنظيم سلسلة من البرامج والمشاريع الهادفة إلى تعميق وعي الشباب تجاه قضايا التسامح، وتمكينهم من تحويل أفكارهم الإنسانية البناءة إلى واقع ملموس من أجل أجيال اليوم والغد.
إسهامات متميزة
تهدف جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للتسامح إلى تكريم الفئات والجهات التي لها إسهامات متميزة في ترسيخ قيم التسامح باعتباره وسيلة للتفاعل الحضاري بين الشعوب
تعزيز السلم
احتضنت الدولة منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة للأعوام 2014 و2015 و2016 و2017 و2018 و2019 و2020 و2021 و2022، وتم تعديل المسمى إلى «منتدى أبوظبي للسلم» واحتضن مؤخراً الدورة التاسعة.