سامي عبد الرؤوف (دبي)
تأتي الاحتفالات باليوم الوطني الحادي والخمسين، وقد حظي القطاع الصحي بالكثير من التطورات، وذلك بفضل التوجيهات المستمرة، والدعم الكبير من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، التي تؤكد دائماً ضرورة توفير الخدمات الطبية كافة للجميع، وبشكل متميز وجودة عالية.
ولم يكن هذا القطاع الحيوي والمهم في منأى عن عملية التطوير والنمو والازدهار التي حققتها الدولة وشملت جميع القطاعات الأخرى، تزامناً مع انطلاق قطار النهضة الشاملة. ودأبت الإمارات منذ تأسيسها على توفير أفضل مستوى للخدمات الصحية منذ قيام دولة الاتحاد على يد الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانه حكام الإمارات، فشهدت الدولة توسعاً في إنشاء المستشفيات والمراكز الصحية والمرافق الصحية كافة، لتشمل كل أرجاء الدولة، وتقديم أرقى مستويات الرعاية الصحية.
الصحة الرقمية
شهد القطاع الصحي، خلال العام الجاري، التوجه نحو الذكاء الاصطناعي والخدمات الطبية الرقمية، والاعتماد عليها بشكل متنامٍ وملحوظ، بالإضافة إلى جعلها حجر الزاوية في أي تطوير وتحديث تجريه في أي مرفق طبي أو خدمة من خدماتها.
وأكد القطاع الصحي بالدولة، دور التكنولوجيا المستقبلية في إعادة تصميم وابتكار أنظمة الرعاية الصحية في العالم، وتوفير خدمات مبتكرة بكفاءة وجودة عاليتين وبأقل التكاليف، بما يعزز جودة حياة المجتمعات، بالإضافة إلى تبني التطورات التكنولوجية خلال السنوات المقبلة، في العديد من المجالات، أبرزها علم الجينوم والأجهزة القابلة للارتداء والأجهزة المزروعة وغيرها، ما يسهم في إحداث تحولات جذرية على جوانب الحياة كافة، وينعكس على المجتمع في المستقبل.
شراكات عملاقة
وخلال العام الجاري، وقعت العديد من الجهات الحكومية والاستثمارية، حزمة من مذكرات التفاهم والشراكات النوعية متعددة الأطراف على المستوى الوطني، والداعمة للتكامل في قطاع صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية بقيمة 260 مليون درهم، وذلك انسجاماً مع مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، وبرنامج القيمة الوطنية المضافة، وتعزيزاً لجذب المستثمرين والمصنعين في قطاع الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية الذي تمتلك فيه دولة الإمارات ميزة تنافسية، وتوفر المواد الخام والإمكانات النوعية للمستثمرين من أجل النمو والتوسع.
وبموجب الشراكة النوعية، يبدأ العمل بين مجموعة «بيور هيلث»، إحدى أكبر مزوّدي خدمات الرعاية الصحية في دولة الإمارات، والعضو في برنامج القيمة الوطنية المضافة التابع للوزارة، مع كل من شركة أبوظبي للمستلزمات الطبية (ADMD) التابعة لمجموعة أبوظبي الوطنية للمشاريع الصناعية، ومجموعة موانئ أبوظبي، وشركة بروج للبتروكيماويات لتأسيس خط إنتاج للمعدات والمستلزمات الطبية الحاصلة على براءة اختراع في الإمارات بالعاصمة أبوظبي، بتكلفة 110 ملايين درهم، ومواد خام أولية من شركة بروج للبتروكيماويات، وتوفير أرض صناعية من خلال مجموعة موانئ أبوظبي في منطقة «أيكاد 1».
ويستهدف هذا المشروع، إنتاج الإبر الطبية ومحاقن الأنسولين، والقسطرات، ومنتجات التنفس الاصطناعي، ومعدات الوقاية الشخصية.
وعلى الجانب الآخر، تعمل مجموعة «بيور هيلث» مع شركة الخليج للصناعات الدوائية (جلفار) رأس الخيمة، لإنشاء أول مصنع في منطقة الشرق الأوسط لإنتاج مادة الجلارجين (أهم بديل حيوي للأنسولين) لعلاج مرض السكري، بقيمة 150 مليون درهم، والذي سيتيح الحصول على بديل الأنسولين بأسعار تنافسية، ويقدم ميزة تنافسية وطنية، من خلال التصدير إلى مختلف الأسواق الإقليمية والعالمية التي تشهد زيادة في الطلب.
جذب الاستثمار
تعمل الجهات الصحية على جذب الاستثمارات في مختلف المجالات، وعلى رأسها القطاع الصحي، وتمتلك الإمارات نموذجاً يدرس في العمل على إيجاد نموذج للاستثمار.
وقد جعلت الأحداث الصحية التي يمر بها العالم منذ أكثر عامين ونصف العام، النظرة للقطاع الصحي والاستثمار فيه تتغير، حيث أصبح على رأس أولويات الحكومات والشعوب والمستثمرين، وتعتبر الإمارات وجهة رائدة على المستوى الإقليمي في مجال الرعاية الصحية.
وما حققته الإمارات من نتائج متميزة خلال السنوات الماضية، يجعلها محط اهتمام ونقطة جذب للاستثمارات الصحية، لما تمتلكه من بنية تحتية متميزة وتسهيلات منقطعة النظير وموقع جغرافي استراتيجي على المستويين العالمي والإقليمي.
نتائج متميزة
واستطاعت الإمارات أن تحقق نتائج متميزة للغاية في مجال توفير الرعاية الصحية، وفق أعلى المعايير العالمية في هذا المجال، وتعمل على تحقيق المزيد من النتائج الإيجابية خلال السنوات القليلة المقبلة.
ودولة الإمارات سباقة عالمياً بتسجيل الأدوية ضمن معايير وضوابط تتطابق مع أفضل الممارسات العالمية، حيث إن غالبية الأدوية المبتكرة يتم تسجيلها بالدولة بالتزامن مع الدول المبتكرة لها.
ولذلك فالشركات العالمية المبتكرة حريصة على طرح أدويتها بالدولة، كأول أو ثاني دولة بالعالم بعد اعتمادها من الهيئات الدولية كهيئة الغذاء والدواء الأميركية والهيئة الأوروبية للدواء.
ويعكس هذا ثقة هذه الشركات العالمية في الأنظمة والمعايير المتقدمة التي تطبقها الدولة في المجال الدوائي والصحي، حيث تطبق الدولة أعلى المعايير الدولية في عملية تقييم الأدوية والتي تشمل مراجعة الدراسات الإكلينيكية ودراسات التكافؤ الحيوي ودراسات الثباتية.
وتبذل وزارة الصحة ووقاية المجتمع مجهوداً في استقطاب الشركات المبتكرة للدواء وتشجيعها على إنشاء مراكز إقليمية لها في الدولة.
الابتكار الدوائي
وبالنسبة للسوق الدوائي، فإن الاستثمار الدوائي هو أحد أهم نقاط القوة التي تتميز بها دولة الإمارات إقليمياً وعالمياً، وهو ما يجعلها مركز جذب للتدفقات الاستثمارية حالياً ومستقبلاً.
وبلغ عدد المكاتب العلمية 95 مكتباً علمياً خلال عام 2022، وهذا مؤشر قوي على ازدهار التصنيع الدوائي بالإمارات والدخول في نادي المبتكرين للدواء، ما يدعم جهود الدولة في مؤشرات التنافسية العالمية في الاقتصاد الدوائي. وتعمل وزارة الصحة ووقاية المجتمع، على تشجيع التعاون بين الشركات العالمية والمصانع المحلية، وزيادة التنوع بالأصناف الدوائية المصنعة محلياً من خلال صناعة اللقاحات والأدوية البيولوجية، وقد بدأت الدولة بتصنيع لقاح «حياة فاكس». كما تشمل تطوير برامج الدراسات الإكلينيكية التي كانت تجري في المرحلة الرابعة إلى المراحل الثالثة والثانية والأولى، وتشجيع الابتكار من خلال حماية بيانات الأبحاث والدراسات التي أجريت للأدوية المبتكرة.
السياحة العلاجية
وبفضل الثقة الدولية المتنامية بقطاعها الصحي، أصبحت دولة الإمارات ضمن أفضل الوجهات العالمية للسياحة العلاجية في العالم، حيث سجلت مبيعات السياحة العلاجية في الإمارات 12.1 مليار درهم في 2018 بنسبة نمو قدرها 5.5% مقارنة بعام 2017، وذلك وفقاً لتحليل أجرته غرفة صناعة وتجارة دبي في وقت سابق، والذي توقع استمرار نمو مبيعات السياحة العلاجية في الإمارات إلى 19.5 مليار درهم بحلول عام 2023، أي بمعدل نمو سنوي تراكمي قدره 10.7 في المائة للسنوات الخمس المقبلة.
الصدارة العالمية
تتصدر الإمارات، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، إقليم الشرق الأوسط، في العديد من المؤشرات والمعايير المتعلقة بالتعامل مع مخاطر الصحة العامة، وفي عام 2019 حققت الدولة المرتبة الأولى في 7 مؤشرات عالمية في مجال الصحة، مثل مؤشر قلة معدل انتشار فيروس نقص المناعة البشرية الصادر ضمن تقرير تنافسية السياحة والسفر، ومؤشر وجود برامج وطنية للكشف المبكر، ومؤشر قلة المشاكل الصحية، ومؤشر مدى تغطية الرعاية الصحية، ومؤشر معدل نقص التغذية، ومؤشر قلة الإصابة بالملاريا لكل 100 ألف نسمة، ومؤشر معدل انتشار التقزم عند الأطفال دون سن الخامسة، والصادرة ضمن تقرير الازدهار العالمي 2019.
سنوات من التميز
تجاوز معدل نمو الكادر الطبي في الإمارات خلال 10 أعوام، ما يتراوح بين 104 إلى 140%، إذ ارتفع عدد الأطباء البشريين العاملين في القطاعين الحكومي والخاص إلى 26.151 طبيباً بنهاية 2020، مقابل 12.804 أطباء في عام 2010، بزيادة 104% وبعدد 13.347 طبيباً، وارتفع عدد أطباء الأسنان إلى 6811 طبيباً مقابل 3.042 طبيباً بنمو 124%، وفي التمريض إلى 56.133 ممرضاً، مقابل 23.363 ممرضاً خلال فترة المقارنة بنمو 140% وبعدد 32.770 ممرضاً، بحسب المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء.
وأشار البيانات الرسمية للجهات الصحية، إلى أن الإمارات تحتل المرتبة الأولى في عدد المنشآت الصحية المعتمدة دولياً، كما أصبحت الإمارات ضمن أفضل الوجهات العالمية للسياحة العلاجية، وتمتلك الدولة عدداً من المستشفيات التخصصية والتي أسهمت بدورها في تقليل سفر المرضى لتلقي العلاج في الخارج.
تلبية الاحتياجات
انصبت جهود تطوير القطاع الصحي على تلبية الحاجة المتسارعة للرعاية الصحية استجابة لحركة النمو وزيادة السكان، وقد تُرجمت هذه الجهود على أرض الواقع بالشروع في إنشاء المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية والمستشفيات التخصصية التي ساهمت في تقديم الخدمات الصحية المطلوبة للجميع، وأتاحت الدولة المجال للقطاع الخاص للتوسع في إنشاء المستشفيات، ما أسهم في مضاعفة عدد المنشآت الصحية ورفع قدرتها الاستيعابية، واستقطاب الكفاءات الطبية والفنية والتمريضية.
وساهم إنشاء كليات الطب والتمريض في مضاعفة أعداد الأطباء والممرضين المواطنين والذين التحقوا بالعمل في القطاع الصحي، ونجحت الإمارات خلال هذه السنوات في تأسيس منظومة رعاية صحية متكاملة باتت تقدم أرقى الخدمات الصحية لجميع القاطنين على أرضها.
لم تقتصر جهود الدولة على إنشاء المستشفيات والمراكز الصحية، بل شملت مواكبة أحدث الأنظمة العالمية المتطورة الخاصة بالقطاع الطبي، بشهادة منظمة الصحة العالمية والجهات الدولية ذات الشأن، حيث تبوأت الدولة مراكز متقدمة على المؤشرات الدولية المتعلقة بقطاع الرعاية الصحية.
أرقام
حقق القطاع الصحي في الإمارات خلال الـ 50 عاماً الماضية قفزات نوعية وإنجازات كبيرة تتناسب مع حجم المتطلبات والتحديات الصحية الناجمة عن الزيادة السكانية التي شهدتها الدولة خلال هذه الفترة.
ونجحت الإمارات طوال تلك السنوات في تأسيس منظومة رعاية صحية متكاملة لجميع القاطنين على أرضها تواكب أرقى المعايير والأنظمة العالمية بشهادة الخبراء الدوليين، ومنظمة الصحة العالمية، حيث تحتل المركز الأول عالمياً في عدد المنشآت الصحية الحاصلة على الاعتماد الدولي وفقاً لتقارير اللجنة الدولية المشتركة لاعتماد المنشآت الصحية JCI.
ووفقاً لأحدث بيانات وزارة الصحة ووقاية المجتمع، ارتفع عدد المستشفيات في الدولة من 16 مستشفى عام 1975 ليصل وفق تقديرات مبدئية نشرتها وزارة الصحة ووقاية المجتمع إلى 169 مستشفى، تتوزع على 55 مستشفى حكومياً، و114 مستشفى خاصاً في عام 2020.
وكشفت البيانات عن التطور الكبير الذي طرأ على الكادر البشري العامل في المنشآت الصحية بالدولة، حيث ارتفع عدد الأطباء البشريين العاملين في القطاع الحكومي من 792 طبيباً في عام 1975 ليصل إلى 8995 طبيباً في عام 2020.
14.4 مليار درهم
وصل حجم سوق الدواء في الدولة إلى 14.4 مليار درهم في العام الجاري، وتشير التقديرات إلى أنه سيصل إلى 23.8 مليار درهم في عام 2030، بمتوسط نسبة نمو سنوي مركب يتجاوز 6.8%.
تفكير مستقبلي
تبنّت الجهات الصحية، التفكير المستقبلي الاستشرافي حتى يتمكن واضعو السياسات من إيجاد حلول فعالة ومُبتكرة للتحديات المستقبلية في قطاع الصحة والرعاية الصحية.
81.4 مليار درهم
بلغ حجم سوق الرعاية الصحية في دولة الإمارات للعام الحالي، 81.4 مليار درهم، ومن المتوقع أن يصل إلى 139.9 مليار درهم في عام 2030 بمتوسط نسبة نمو سنوي مركب تصل إلى 7.2%.
اهتمام بالغ
تولي حكومة دولة الإمارات، الرعاية الصحية اهتماماً بالغاً، ما ينعكس إيجاباً على صحة وسلامة المواطنين والمقيمين على أرض الدولة، وفق ما تؤكده مؤشرات التنمية الصحية الواردة من جميع المنظمات الدولية المعنية بالصحة.
18 ألف سرير
انعكس التوسع في القطاع الصحي على عدد الأسرّة بالمنشآت الصحية خلال السنوات الماضية ليرتفع إلى 17.427 سريراً في عام 2020، مقابل 9.471 سريراً في عام 2010 بنمو 84% وبعدد 7.956 سريراً.
وبلغ عدد الأسرّة المتاحة في مستشفيات الدولة عام 1975 نحو 1.217 سريراً، ليرتفع إلى 3.323 سريراً في عام 1980، وإلى 12.414 سريراً في عام 2015.
قفزات نوعية
شهد قطاع الخدمات الصحية منذ إعلان قيام الاتحاد قفزات نوعية وإنجازات كبيرة، ويواكب النظام الصحي الإماراتي الأنظمة الدولية كافة بشهادة الخبراء الدوليين، وعلى رأسهم منظمة الصحة العالمية.
عبور «كورونا»..
ودعت الإمارات، في نوفمبر الماضي، الإجراءات الاحترازية الخاصة بمرض «كوفيد 19»، بعد أن أعلنت المرحلة الثانية من تخفيف القيود، وأبرزها إيقاف العمل بالمرور الأخضر في الجهات الحكومية والمرافق العامة، وعدم إلزامية لبس الكمام في المرافق والأماكن العامة، سواء الأماكن المفتوحة أو المغلقة.
وكانت الجهات الصحية والمعنية خففت التدابير الوقائية والإجراءات الاحترازية على مستوى الدولة في نهاية شهر فبراير الماضي، كمرحلة أولى، وساهم التدرج في رفع القيود بنجاح مرحلة التعافي الكامل من «الجائحة»، مشيرة إلى أن الإمارات بفضل توجيهات القيادة، استطاعت أن تعبر مرحلة «كورونا» بنجاح، وأنجزت الجوانب المتعلقة بمرحلة التعافي من «الجائحة». ولأن الوقاية خير من العلاج، فقد قامت وزارة الصحة ووقاية المجتمع، بالتنسيق من المؤسسات والهيئات الصحية الحكومية سواء الاتحادية أو المحلية، في تطوير نظام الصحة العامة ليطلع بمهام تحديد المهددات الصحية وتطوير الخطط الاستباقية لضمان التصدي لها قبل حدوثها، وذلك من خلال تعزيز نظام الرصد الوبائي ومشاركة المعلومات الصحية والمشاركة الفاعلة لكل الجهات المعنية لضمان التصدي الفعال حال حدوث الأوبئة المختلفة.