منى الحمودي (أبوظبي)
تحتل دولة الإمارات الصدارة على صعيد الجهود العالمية للقضاء على شلل الأطفال، وتعتبر مساهماً فعالاً بالتعاون مع شركائها في الجهود الدولية للقضاء على هذا المرض، مستفيدة من مواردها وخبراتها المميزة ميدانياً في باكستان من خلال حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال. ويأتي إطلاق اليوم العالمي لشلل الأطفال بهدف زيادة الوعي بضرورة القضاء على هذا المرض نهائياً كأولوية رئيسة للبشرية. وينطلق حرص الإمارات على القضاء على الأمراض من الأسس المتينة التي وضعها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، القائد المؤسس لدولة الإمارات، طيب الله ثراه، ومنذ عام 2011، خصص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أكثر من 376 مليون دولار لدعم الجهود العالمية للقضاء على شلل الأطفال.
ويأتي هذا انطلاقاً من الالتزام الشخصي لسموه بالقضاء على الأمراض التي يمكن الوقاية منها والتي تؤثر على أفقر المجتمعات وأكثرها ضعفاً في العالم، ومساعدة ملايين الأطفال والبالغين على عيش حياة صحية وكريمة.
وتواصل حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال مواجهة العديد من التحديات لتتمكن من الوصول إلى الأطفال الباكستانيين الذين تركوا بلا مأوى، وأقرانهم من الأطفال الأفغان اللاجئين بعد أن تسببت الرياح الموسمية التي حطمت سرعتها الرقم القياسي في يونيو 2022، في باكستان بحدوث أزمة إنسانية حرجة، وأدت الأمطار الغزيرة التي استمرت في الهطول لأشهر عدة إلى إغراق ثلث البلاد بالمياه، ودمرت العديد من المنازل والمزارع والبنية التحتية الحيوية.
ويواصل أبطال الخطوط الأمامية الذين يعملون في المناطق المتضررة من الفيضانات، جهود التطعيم بلا كلل أو ملل، كما يقومون بدعم بناء مخيمات صحية لتوفير الخدمات السريرية الأساسية، ومراقبة تفشي الأمراض، ومعالجة الأمراض المنقولة بالمياه وبواسطة النواقل، وتوزيع أقراص تنقية المياه، وتحديد الاحتياجات الغذائية للسكان النازحين. وكل ذلك يتم في أعقاب التأثيرات المدمرة التي تركتها جائحة «كوفيد-19» التي أدت إلى وقف حملات التطعيم حول العالم. وقد تم استئناف حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال بنجاح في يوليو 2020، وقدمت أكثر من 127 مليون لقاح فترة الجائحة، وفي ظل تعاظم التأثير السلبي لتزامن الجائحة والفيضانات، أصبحت حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال أكثر أهمية لضمان صحة الأطفال والمجتمعات التي تستهدفها.
تراجع الإصابات
على الرغم من تراجع عدد حالات الإصابة بشلل الأطفال في جميع أنحاء العالم بنسبة 99% منذ عام 1988، إلا أن هناك خطراً حقيقياً لعودة هذا المرض بإصابات كبيرة إذا لم نتوخ اليقظة والحذر، وشهدت باكستان زيادة طفيفة مع تسجيل 20 حالة إصابة بشلل الأطفال في عام 2022، ويأتي هذا بعد انخفاض تاريخي بلغ حالة واحدة في عام 2021. كما تم تسجيل 84 حالة في عام 2020، و147 حالة في عام 2019.
جهود
تجري الجهود الدولية للقضاء على هذا المرض بقيادة المبادرة العالمية للقضاء على شلل الأطفال (GPEI)، وهي عبارة عن شراكة بين القطاعين العام والخاص بقيادة حكومات محلية وخمسة شركاء أساسيين هي: منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الروتاري الدولية، والمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، ومؤسسة بيل وميليندا جيتس. وأطلقت المبادرة العالمية للقضاء على شلل الأطفال آخر تعهداتها في 18 أكتوبر 2022 خلال قمة الصحة العالمية في برلين، حيث تعهد قادة العالم بتخصيص 2.6 مليار دولار أميركي لدعم تنفيذ استراتيجية المبادرة للأعوام 2022-2026. وسيدعم هذا التمويل الجهود العالمية للتغلب على العقبات الأخيرة أمام القضاء على شلل الأطفال، وتطعيم 370 مليون طفل سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة، ومواصلة مراقبة الأمراض في 50 دولة.
واستطاعت البشرية القضاء بنجاح على مرض آخر، وهو الجدري، وسيكون القضاء على شلل الأطفال إنجازاً تاريخياً آخر للبشرية. وعلاوة على ذلك، ستساعد حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في إثراء وتعزيز الجهود الجارية للقضاء على المزيد من الأمراض في المستقبل.
جهود الإمارات
في عام 2019، استضاف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لحظة إعلان الشراكة العالمية في منتدى بلوغ الميل الأخير، والتي شهدت تعهدات بتقديم أكثر من 2.6 مليار دولار لدعم تنفيذ استراتيجية المرحلة الأخيرة لاستئصال شلل الأطفال والتي تمتد من 2019 إلى 2023. وفي نوفمبر 2019، تم إطلاق المعهد العالمي للقضاء على الأمراض (غلايد)، ومقره أبوظبي. ويسعى المعهد إلى زيادة الوعي المجتمعي، والنهوض باستراتيجيات القضاء على الأمراض، واتخاذ إجراءات مستدامة وحلول طويلة الأجل. وسيركز المعهد في البداية على شلل الأطفال وغيره من الأمراض التي يمكن الوقاية منها.
وفي يوليو 2021، أعلنت الإمارات تقديم مبلغ إضافي قدره 9.5 مليون دولار لدعم مبادرة استئصال شلل الأطفال في باكستان، لتغطية نقص التمويل. كما قدمت الدولة معدات إضافية لتوفير الحماية الشخصية للعاملين في الخطوط الأمامية الشخصية من فيروس «كوفيد-19»، بقيمة 376.000 دولار أميركي.
وقدم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الدعم والتقدير للعاملين الصحيين في الخطوط الأمامية ضد مرض شلل الأطفال، وشملت المبادرات التي حظيت بدعم سموه إطلاق الجوائز للاحتفاء بإنجازاتهم، مثل جائزة أبطال استئصال مرض شلل الأطفال «HOPE»، وجائزة محمد بن زايد للصحة العالمية «ريتش».
حملة التطعيم
تسخر دولة الإمارات مواردها وخبراتها المميزة ميدانياً في باكستان منذ عام 2014، في تنفيذ حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال، حيث تمكنت من إيصال اللقاح والمساعدات إلى مناطق نائية كان يتعذر الوصول إليها سابقاً. وتعتبر حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال جزءاً من البرنامج الإماراتي لمساعدة باكستان، والذي انطلق بتوجيهات كريمة من المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لتقديم المساعدة الإنسانية للشعب الباكستاني، ودعم المبادرات التنموية لبناء غدٍ أفضل.
وتغطي الحملة 84 منطقة في باكستان، ويعمل فيها 103.000 عامل، منهم أطباء ومشرفون وأخصائيو تطعيم، وأكثر من 62.000 من أفراد الأمن. وقامت حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال بتدريب ودعم أكثر من 500.000 عامل من هؤلاء الأفراد. وقدمت حملة الإمارات ضد شلل الأطفال منذ انطلاقها قبل ثماني سنوات أكثر من 647 مليون لقاح ضد شلل الأطفال، ووصلت إلى أكثر من 119 مليون طفل. الجدير بالذكر أن جائحة «كوفيد-19» تسببت بتوقف حملات التطعيم حول العالم، لكن حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال تجاوزت التحديات المستجدة وكانت أول برنامج في العالم يستأنف عمليات التطعيم. وتمكنت الحملة خلال الجائحة، من يوليو 2020 إلى سبتمبر 2021، من توزيع أكثر من 127 مليون لقاح. وخصصت حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال فرق تطعيم خاصة لتوفير اللقاحات لأكثر من 597 ألف طفل لاجئ أفغاني ينتشرون في 22 مخيماً للاجئين، وتمكنت الحملة من الوصول إلى حوالي 17 مليون طفل في باكستان خلال هذا العام فقط.
نجاح الحملة
يؤدي العاملون الصحيون من أبطال الخطوط الأمامية الآن دوراً محورياً في مراقبة الأمراض والتوعية المجتمعية، وتفرض المخاوف المتعلقة بسلامة العاملين الصحيين وجود عامل أمن واحد لكل اثنين من العاملين الصحيين. ورغم إدراك هؤلاء العاملين الصحيين حجم التهديدات المحتملة، إلا أن تفانيهم في عملهم يشكل عاملاً رئيساً في نجاح حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال.
وأثرت الفيضانات على حوالي 10.000 عضو في فرق التطعيم منذ يونيو 2022، ما ترك ملايين الأطفال عرضة للخطر، ومع ذلك، فإن التأثير الكامل للفيضانات المدمرة على الحملة لن يتضح سوى في الأشهر المقبلة. وقد يكون من الصعب تتبع العائلات التي ليس لها عنوان رسمي، وكذلك المجتمعات البدوية التي لا يوجد لها مكان إقامة ثابت. ويتم استخدام برامج كمبيوتر جديدة لتجميع قاعدة بيانات أكثر دقة، ما يسمح بتحديد المناطق التي تضم أطفالاً غير محصنين ضد المرض والوصول إليها. وتعمل الحملة على الوصول إلى المناطق المحافظة في باكستان، والتي يقتصر تواصل النساء فيها على الذكور داخل أسرهن، عبر فرق تطعيم مؤلفة بالكامل من النساء، حيث يتم تدريب هذه الفرق النسائية على استخدام طرق تواصل إيجابية ومقنعة مع الأمهات لتعزيز ثقتهم باللقاحات. يشار إلى أن معدلات رفض اللقاحات انخفضت بشكل كبير، حيث تعمل الحملات بشكل وثيق مع الزعماء الدينيين والقبليين والمسؤولين في تلك المجتمعات. ومع ذلك، لا تزال المعلومات الخاطئة عن اللقاح تشكل مصدر قلق دائم للسكان، وقد استثمرت حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال في إطلاق حملات توعية اجتماعية باللغات المحلية لتشجيع الأهالي على تطعيم أطفالهم.