طه حسيب (أبوظبي)
الخامس عشر من سبتمبر لحظة فارقة في تاريخ المنطقة، ففي مثل هذا اليوم من عام 2020 تم التوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمية في العاصمة الأميركية واشنطن، لتشهد المنطقة واقعاً جديداً، بدأت الإمارات في رسمه منذ 13 أغسطس 2020، ففي هذا اليوم ظهر الإعلان الثلاثي الإماراتي الأميركي الإسرائيلي عن وقف خطط الضم الإسرائيلية لأراضي الضفة الغربية مقابل إقامة علاقات إسرائيلية- إماراتية.
الخطوة الإماراتية حركت الجمود الشديد في مفاوضات السلام الذي تواصل لمدة 6 سنوات، ما يبقي الأمل في إمكانية تدشين الدولة الفلسطينية. المبادرة الإماراتية تعكس رؤية استباقية عميقة لتخفيض حدة التوتر في المنطقة واستبدال أجواء الصراع بخطوات التقارب والتعاون لمواجهة تحديات عالمية، كالأوبئة والتغير المناخي وندرة المياه والمسائل المتعلقة بالصحة العامة وتقنيات الزراعة الحديثة والأمن السيبراني وبحوث الجينوم واستكشاف الفضاء.
رؤية الإمارات تجاه السلام، لم تأتِ من فراغ، بل هي امتداد لاستراتيجية ونهج وسياسة راسخة تستند إلى قيم التعايش والحوار والتسامح وبناء الثقة بين الشعوب والمجتمعات. فالإمارات التي يعيش على أرضها ما يزيد على 200 جنسية، وبمخزون كبير من التسامح غرسه زايد الخير، الذي أسس للتسامح والحوار والتواصل، وسار على نهجه شيوخ الإمارات، تتعايش في دولة الإمارات ثقافات وديانات متنوعة، ما جعلها قادرة ومؤهلة دوماً على صناعة الأمل بخطوات رائدة تهدف لتهدئة التوترات وطي الخلافات والتفكير في المستقبل بأفق إنساني.
السلام ينبع من رؤية القيادة الإماراتية في التركيز على مصالح الشعوب وضمان حقها في التنمية والتطور والازدهار، والبحث عن التواصل البناء الضامن لتبادل المعرفة ونقل الخبرات وتوطين التقنيات وصناعة الحضارة.
الاتفاق الإبراهيمي اتسق مع مبادرات الإمارات الرامية لوأد الصراعات ومكافحة التطرف والعنف ومحاربة الفكر الإرهابي، جهود تراكمت طوال العقود الخمس الماضية، وأثمرت من أبوظبي وثيقة الأخوة الإنسانية في 4 فبراير 2019 التي وقع عليها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب وقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، في مشهد عالمي بحضور قيادات الأديان.
البعد التنموي حاضر بقوة في الاتفاقيات الإبراهيمية، فالهدف أولاً وأخيراً سلام يصب في مصلحة الشعوب ويحقق منطق رابح- رابح.
مسيرة السلام امتدت أيضاً بين إسرائيل والبحرين، وبين إسرائيل والمغرب وإسرائيل والسودان. طموح كبير بواقع جديد يحقق لشعوب المنطقة الاستقرار والتنمية والتطلع للمستقبل.
تطوير التحالفات
يوم 29 يونيو 2021 افتتحت إسرائيل سفارتها في أبوظبي وقنصليتها في دبي، وافتتحت الإمارات رسمياً سفارتها في إسرائيل يوم 14 يوليو 2021، لتثمر هذه العلاقات الدبلوماسية عشرات الاتفاقيات في مجالات متنوعة اقتصادية وسياحية وتكنولوجية.
زخم الاتفاقيات الإبراهيمية أدى إلى تدشين منتدى النقب الذي انعقد في منطقة «سدية بوكير» الإسرائيلية يومي 27 و28 مارس 2022 وجمع لأول مرة وزراء خارجية البحرين ومصر وإسرائيل والمغرب والإمارات العربية المتحدة، ومن المقرر أن ينعقد المنتدى سنوياً. وخلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب قمة منتدى النقب، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين على الفوائد التي تعود على الناس العاديين، ووعد كذلك بأن الولايات المتحدة ستحث المزيد من الحكومات على اتخاذ هذه الخطوة المهمة.
ورصدت «كاثرين باور» من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أصداء إيجابية للاتفاقيات الإبراهيمية خارج منطقة الشرق الأوسط، حيث تم إنشاء مجموعة عمل من وزراء خارجية الولايات المتحدة والهند والإمارات وإسرائيل في أكتوبر 2021، اعتبرها البعض «رباعية جديدة»، ستركز على الاقتصاد، حيث لدى أبوظبي وتل أبيب علاقات قوية مع نيودلهي، فقد أبرمت الإمارات والهند «اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة» في فبراير 2022. كما احتفلت إسرائيل والهند بمرور ثلاثين عاماً على إقامة علاقات دبلوماسية وسط بعض الصخب في يونيو الماضي. والهند هي وجهة أخرى يمكن أن تجتمع فيها الخبرة والتمويل الإسرائيليان والإماراتيان في مشاريع التكنولوجيا والبنية التحتية والنقل، كما أن التعاون في مجال المصارف والتقنيات المالية وتمويل التجارة يمكن أن يعود بأرباح كبيرة للبلدين.
تحفيز التعاون الإقليمي
لم تتوقف النتائج الإيجابية للاتفاقيات عند البلدين فقط، بل حفّزت العلاقات الاقتصادية والسياسية بين مصر وإسرائيل وأيضاً بين الأخيرة والأردن، حيث القاهرة وعمّان شريكا السلام الأقدم، ففي سبتمبر 2021 زار رئيس الوزراء الإسرائيلي القاهرة ضمن زيارة هي الأولى منذ عشر سنوات، ووافقت إسرائيل آنذاك على زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي إلى مصر عبر الأردن، في خطوة تؤدي إلى تعميق الروابط الإقليمية في مجال الطاقة.
وفي نوفمبر 2021 تم التوقيع على إعلان نوايا بين الأردن والإمارات وإسرائيل لبحث مشروع مشترك للطاقة والمياه، يتضمن بناء الأردن محطة طاقة شمسية على أن يتم نقل إنتاجها من الكهرباء إلى إسرائيل، وتقوم هذه الأخيرة بتدشين محطة لتحلية المياه على البحر المتوسط، ونقل المياه المحلاة إلى الجانب الأردني، وهذه بادرة على تعاون إقليمي في مواجهة التحديات المشتركة، خاصة شح الطاقة والمياه. وتطورت علاقات التعاون بين إسرائيل والمملكة المغربية، ففي ديسمبر 2020 وقعت المغرب وإسرائيل، أربع اتفاقيات في مجالات متعددة، مرتبطة بالإعفاء من إجراءات التأشيرة، وبالتعاون في مجال الطيران المدني والابتكار وتطوير الموارد المائية، وللتعاون في مجال المالية والاستثمار. وفي يوليو الماضي، وقعت إسرائيل والمغرب، أول اتفاقية للبحث والتطوير في مجال الحرب السيبرانية.
تحديات قديمة متجددة
تحديات قديمة متجددة تعيشها المنطقة في مجال الأمن الغذائي والطاقة وسلاسل التوريد، وتمهد الاتفاقيات الإبراهيمية الطريق لأرضية مشتركة بين شعوب المنطقة، كي تنتقل من ماضي الصراعات إلى واقع التحديات العالمية المشتركة التي تكتوي بنارها منطقتنا وشعوبنا، خاصة مع أزمة التغير المناخي وضغوط الطاقة، والأمن الغذائي، وموجات التضخم العالمية. وأثبتت دولة الإمارات العربية جديتها ورؤيتها الواضحة تجاه الاتفاقيات الإبراهيمية التي تنشد من خلالها التنمية والتعاون والسعي المشترك من أجل تحقيق مستقبل أفضل للبلدين وللمنطقة والعالم، وليس أدل على ذلك من أنه قبل مرور عام ونصف عام على توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية، أبرمت الإمارات وإسرائيل أكثر من 60 اتفاقية تعاون في مجالات متنوعة.
تبادل معرفي
في أكتوبر 2021، وقعت وكالة الإمارات للفضاء، مذكرة تفاهم مع وكالة الفضاء الإسرائيلية، بهدف التعاون في البحث العلمي واستكشاف الفضاء، واستناداً إلى هذه المذكرة، وتحديداً في 10 فبراير 2022، دعت وكالة الإمارات للفضاء ووزارة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية ووكالة الفضاء الإسرائيلية، الجامعات والمراكز البحثية في البلدين إلى تقديم مقترحات بحثية مشتركة بناء على البيانات العلمية التي يجمعها القمر الاصطناعي الإسرائيلي الفرنسي المصغر الخاص برصد الغطاء النباتي والبيئة (VENUS).
وعلى الصعيد الإعلامي وتحديداً في7 ديسمبر 2020، أعلنت قناة «أي 24 نيوز» الدولية ومقرها إسرائيل، ومجموعة أبوظبي للإعلام، توقيعهما مذكرة تفاهم لتطوير المحتوى وتوفير تغطية إخبارية متبادلة «لطواقم المؤسستين الإعلاميتين». وتسمح مذكرة التفاهم مع «أي 24 نيوز» بتبادل التغطية في مجال الأخبار والقضايا الراهنة والتقارير وإنتاج المحتوى، مع التركيز على اللغة العربية.
أمن غذائي
الأمن الغذائي محور مهم للتعاون بين الإمارات وإسرائيل، وضمن هذا الإطار وقّعت وزارة التغير المناخي والبيئة يوم 18 مارس 2022 مذكرة تفاهم مع وزارة الزراعة والتنمية الريفية في إسرائيل للتعاون بالمجال الزراعي. ويمتد التعاون وفق المذكرة لخمس سنوات من أجل تبادل المعرفة والوصول لأفضل الممارسات والتقنيات لزيادة كمية وجودة المحاصيل الزراعية وتحسين استدامة الإنتاج الحيواني والزراعي، بالإضافة إلى تعزيز التبادل التجاري الثنائي للمنتجات الزراعية والحيوانية، والثروة السمكية. ولدى إسرائيل خبرات هي الأفضل عالمياً في مجال الاستخدام الأمثل للمياه وفي تعظيم إنتاجية المياه في القطاع الزراعي، وفي تقنيات الزراعة بالمناطق القاحلة وشبه القاحلة، ما يعد فرصة لنقل هذه الخبرات واستثمارها محلياً ضمن الجهود الإماراتية الحثيثة في تعزيز منظومة الأمن الغذائي.
استثمار سياحي
في مجال السياحة، وقعت الإمارات وإسرائيل يوم 11 فبراير 2022 مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون السياحي وتطوير التعاون في التعليم السياحي والتدريب المهني والأنشطة التسويقية والترويجية. ومن المتوقع أن تشهد السياحة بين البلدين طفرة كبيرة في ظل بيانات المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي عن عام 2019، حيث سافر 4.3 مليون نسمة قرابة نصف العدد الإجمالي لمواطني إسرائيل البالغ عددهم 9.1 مليون إلى خارج البلاد، ما يعكس فرصاً استثمارية في القطاع السياحي بين البلدين في ظل رحلات جوية مجدولة بمعدل 28 رحلة أسبوعياً للركاب بين إسرائيل والإمارات، و14 رحلة أسبوعية بين إسرائيل والبحرين. ويرى خبراء السياحة أن الإمارات في صدارة الوجهات التي يفضلها الإسرائيليون وأن جاذبية الإمارات قادرة على استقطاب أكثر من مليون سائح إسرائيلي سنوياً، وأن تصبح إسرائيل من أهم 5 أسواق مصدرة للزوار إلى الإمارات، لأسباب أهمها قرب المسافة والأجواء المثالية التي تتمتع بها دولة الإمارات ومستوى الخدمات المتميز في المرافق والمنشآت السياحية والفندقية، ومن المتوقع أن يكرر السائح الإسرائيلي الزيارة ما بين 3 إلى 4 مرات سنوياً بسبب توافر الطيران المنتظم عبر خطوط جوية إماراتية أو إسرائيلية.
الاتفاقيات الإبراهيمية جزء من رؤية الإمارات في مجال السياسة الخارجية التي تسعى دوماً إلى تحقيق المصالح الحيوية للدولة، وتعزيز نموها الاقتصادي، وتطوير شراكاتها في محيطها الإقليمي، وأيضاً على الصعيد العالمي.
مبادرات «الاتحاد»
واكبت صحيفة «الاتحاد» رؤى القيادة الرشيدة في التسامح والسلام، وحرصت الصحيفة على تقديم محتوى معرفي ضمن إصدارها اليومي وعلى منصاتها الرقمية المتنوعة لتبصير الرأي العام بأهمية السلام والتواصل بين الشعوب، وقدمت تقارير وتحليلات ومقالات رأي ومتابعات لكل الفعاليات والمستجدات المرتبطة باتفاقيات السلام.
«الاتحاد» هي أول صحيفة إماراتية تنشر مقالات بالتزامن مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوم التوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمية 15 سبتمبر 2020. وشاركت «الاتحاد» في 21 سبتمبر 2020 في تنظيم ندوة عن السلام بمناسبة يوم السلام العالمي، وخلالها حدث أول تعاون إعلامي بين «الاتحاد» وصحيفة «يديعوت أحرونوت»، وهو الأول في المنطقة. وشاركت «الاتحاد» بقوة في تغطية توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية، وللمرة الأولى نشرت الصحيفتان، في يوم 15 سبتمبر 2020 مقالات بالتزامن، حيث نشر حمد الكعبي رئيس تحرير الصحيفة مقالاً عن السلام في صحيفة يديعوت أحرونوت، ونشر «نطع ليفنه» رئيس تحرير صحيفة يديعوت أحرونوت مقالاً في اليوم نفسه بصحيفة «الاتحاد». وكررت «الاتحاد» تجربة تبادل النشر مع صحيفة «إسرائيل اليوم».
وكان للإعلام دور في التمهيد للاتفاقيات الإبراهيمية وتوعية الرأي العام بأهميتها، حيث نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» مقال معالي السفير يوسف العتيبة في 12 يونيو 2020 والذي حمل مؤشرات على الاتفاق الإبراهيمي.
وعلى هامش مشاركة «الاتحاد» في ندوة «الاتفاق الإبراهيمي.. فرص تعزيز التعاون والتسامح والتنمية في المنطقة» التي نظمها مركز تريندز للبحوث والاستشارات يوم 27 أكتوبر 2021 بالتعاون مع مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، التابع لجامعة تل أبيب، زار حمد الكعبي، رئيس تحرير الاتحاد، مقر صحيفة يديعوت أحرونوت، والتقى رئيس تحريرها نطع ليفنه، وهي الصحيفة التي يعني اسمها باللغة العربية (آخر الأخبار)، وموجهة للجمهور العام في إسرائيل، وتعد من أكثر الصحف الناطقة بالعبرية توزيعاً وانتشاراً.
تعاون اقتصادي للاستثمار في مجالات تقنية واعدة
وأبرمت الإمارات في مايو 2022 اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة مع إسرائيل وهي الأولى من نوعها بين إسرائيل ودولة عربية، وتتضمن إعفاءً جمركياً لنحو%95 من السلع المتبادلة بين الجانبين. وحسب د. ثاني بن أحمد الزيودي، وزير الدولة للتجارة الخارجية بلغت التجارة بين الإمارات وإسرائيل 2.5 مليار دولار في أقل من عامين منذ إقامة العلاقات بين البلدين، وبلغت أكثر من مليار دولار في الربع الأول من عام 2022 . واللافت أن الشراكة الاقتصادية بين البلدين لم يستغرق الاتفاق عليها سنوات طويلة، بل أسابيع، ما يعكس درجة الثقة في العلاقات بين البلدين، والآفاق التنموية الواعدة التي تحقق مكاسب للبلدين.
الإمارات ثاني أكبر اقتصاد عربي بعد المملكة العربية السعودية، وتتميز بتنوع اقتصادها وحيويته، وحسب تقارير البنك الدولي لعام 2019 حل الاقتصاد الإسرائيلي في المرتبة 31 عالمياً بناتج محلي إجمالي يصل إلى 395 مليار دولار، ونقاط التميز لدى الاقتصاد الإسرائيلي تشمل مجالات الزراعة والتكنولوجيا والصناعة والخدمات، ووفق بيانات عام 2020 بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية 113 مليار دولار مقابل 96 مليار دولار للعام نفسه، أي أن لدى الاقتصاد الإسرائيلي فائضاً تجارياً يبلغ 17 مليار دولار. وتتطلع الشركات الإسرائيلية الناشئة، خاصة في قطاعي سيارات القيادة الذاتية والطائرات من دون طيار، إلى شراكة مع مستثمرين إماراتيين.
مشاريع كبرى
حسب كاثرين باور، زميلة معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فإنه بعد فترة وجيزة من إبرام الاتفاقيات الإبراهيمية، أعلنت الإمارات خططاً لاستثمار 10 مليارات دولار في إسرائيل ومعها، والتي من المتوقع أن تشمل الاستثمار في الشركات التكنولوجية الإسرائيلية الناشئة وكذلك في المشاريع الكبرى. والتعاون الاستثماري يشمل قطاعات استراتيجية في إسرائيل من بينها الطاقة والتصنيع والمياه والفضاء والرعاية الصحية والتكنولوجيا الزراعية، وغيرها.
انسجام مع مبادئ الخمسين
يأتي إطلاق محادثات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات وإسرائيل في إطار توسيع نطاق الشراكات الاقتصادية مع ثمانية أسواق عالمية مؤثرة ضمن استراتيجيتها الطموحة للخمسين عاماً المقبلة لبناء اقتصاد المستقبل القائم على المعرفة والابتكار والذي يتمتع بقدر أكبر من الحيوية والتنافسية والانفتاح والمرونة.
تعزيز الاقتصاد هدف محوري في مبادئ الخمسين، فالمبدأ الثاني (يركّز بشكل كامل خلال الفترة المقبلة على بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم. التنمية الاقتصادية للدولة هي المصلحة الوطنية الأعلى، وجميع مؤسسات الدولة في كافة تخصصاتها وعبر مستوياتها الاتحادية والمحلية ستكون مسؤوليتها بناء أفضل بيئة اقتصادية عالمية والحفاظ على المكتسبات التي تم تحقيقها خلال الخمسين عاماً السابقة).
ويعزز المبدأ الثالث محورية الاقتصاد، لكونه ينص على أن (السياسة الخارجية لدولة الإمارات هي أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية لدولة الإمارات. هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد. وهدف الاقتصاد هو توفير أفضل حياة لشعب الاتحاد). والسعي للتفوق العلمي والتقني ظهر بوضوح، إذ ينص المبدأ على أن (التفوق الرقمي والتقني والعلمي لدولة الإمارات سيرسم حدودها التنموية والاقتصادية، وترسيخها كعاصمة للمواهب والشركات، والاستثمارات في هذه المجالات سيجعلها العاصمة القادمة للمستقبل).
مؤشرات تعاون نموذجية
يرصد تقرير أعدته الدبلوماسية بيترا بلتشر، من المعهد الألماني للدراسات الإقليمية والعالمية، حجم التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإسرائيل بعد عامين من التوقيع على الاتفاقات الإبراهيمية: حيث ارتفع حجم التجارة الثنائية بين البلدين بشكل مثير للإعجاب خمسة أضعاف منذ أغسطس 2020 إلى أكثر من مليار دولار أميركي الآن. تم توقيع اتفاقية التجارة الحرة في نهاية مايو 2022 بعد خمسة أشهر فقط من المفاوضات، وخفض الرسوم الجمركية لمجموعة كبيرة من المنتجات، وتنظيم الخدمات مثل التجارة الإلكترونية، وحماية حقوق الملكية الفكرية. بالفعل في أواخر عام 2020، تم التوقيع على أول معاهدة استثمار ثنائية. بعد زيارة بينيت في ديسمبر 2021، صادقت الحكومة الإسرائيلية، في 23 يناير 2022، على صندوق إسرائيلي - إماراتي مشترك للمشاريع التكنولوجية، حيث سيساهم الجانبان بحوالي 41 مليون دولار سنوياً على مدار العقد المقبل. والهدف من ذلك هو تعزيز التنمية الاقتصادية والتكنولوجية لمواجهة تحديات مثل تغير المناخ والتصحر، كما تم توقيع اتفاقيات الرعاية الصحية والسياحة. وعلى ضوء حجم التقدم في العلاقات الإماراتية الإسرائيلية استنتجت بيترا بلتشر أن التعاون بين البلدين هو الأكثر تقدماً، وبالتالي نموذجياً، مع إمكانية تحفيز المرشحين المحتملين الآخرين على السير في هذا الاتجاه في المنطقة وخارجها.