آمنة الكتبي (موسكو)
غادر صالح العامري رائد محاكاة الفضاء المجمع التجريبي الأرضي في معهد البحوث الطبية والحيوية التابع لأكاديمية العلوم الروسية في موسكو لينهي بذلك أول مهمة عربية لمحاكاة الفضاء امتدت لـ8 أشهر.
ويعد العامري أول رائد فضاء عربي يشارك في مهمة ضمن المحطة «سيريوس 21» في العاصمة الروسية موسكو، وتجربته تهدف إلى تقييم تأثير العزلة على الطاقم في جسم محكم يحاكي مركبة فضائية على الحالة النفسية، والفسيولوجية النفسية، والأداء العقلي والبدني، وكذلك على النظم الفسيولوجية الرئيسة لجسم الإنسان.
كما تدرس ضمان التحكم في الحالة الصحية للأشخاص الخاضعين للاختبار، وكذلك المعايير البيئية والظروف والصحية للعزل، وإنشاء قاعدة بيانات متكاملة للبيانات العلمية التي تم الحصول عليها أثناء تنفيذ المشروع، ووضع آليات لإنشاء وتشغيل التعاون الدولي المسؤول عن تحديد وحل المشاكل العلمية للبعثات القمرية الواعدة.
وقال صالح العامري رائد محاكاة الفضاء لـ«الاتحاد»: إن فريق مهمة سيريوس 21 ساهم في نجاح المهمة التي امتدت لمدة 8 أشهر، موضحاً أنه اكتسب العديد من الخبرات خلال فترة العزلة.
وأضاف العامري أن زميله عبدالله الحمادي رائد محاكاة الفضاء الاحتياطي كان له دور حيوي في عملية دعم الفريق من خلال غرفة العمليات، مشيراً أنه قضى 240 يومًا في خدمة الوطن.
وتابع أن المهمة كانت استثنائية وتعد إضافة نوعية للمشاريع الفضائية الإماراتية، موضحاً أنه حرص على تحقيق أهداف المهمة على أكمل جه.
وبين مدى أهمية المهمة ودراسة آثار العزلة على رواد الفضاء قائلاً: إن رواد الفضاء في رحلات الفضاء المستقبلية إلى القمر أو المريخ يتعرضون إلى 3 مخاطر منها العزلة ومنها انعدام الجاذبية والإشعاعات الشمسية، مؤكداً أن مهمات محاكاة الفضاء تدرس تأثير العزلة على جسم الإنسان وتعمل على ابتكار آليات ووسائل تقلل آثارها.
وتابع العامري: وتفيد هذه الآليات رواد الفضاء في المستقبل، مؤكداً أن تأثير العزلة يتمثل في انخفاض الطاقة والشعور بالملل والعمل الروتيني.
وقال المهندس محمد بن نشوق، مدير مشروع الإمارات لمحاكاة الفضاء إن المهمة تمت بنجاح وقد امتدت إلى 8 أشهر موضحاً مدى أهمية دور عبدالله الحمادي رائد محاكاة الفضاء الاحتياطي والذي كان له دور في متابعة ومساندة زميله صالح العامري من خلال غرفة التحكم.
وأوضح بن نشوق أن هناك خطة لدراسة تنفيذ محطة محاكاة فضائية إماراتية خلال السنوات الـ5 المقبلة، مبيناً أن هذه الخطوة تأتي في إطار التطوير ودعم برنامج الإمارات في قطاع الفضاء، والذي أصبح يتضمن مشروعات متنوعة تفيد وتخدم البشرية، فضلاً عن تعزيز المجهودات البحثية للجامعات الإماراتية المتخصصة في هذا الشأن.
وأضاف أن المهمة رقم واحد من مشروع الإمارات لمحاكاة الفضاء والتي بدأها رواد محاكاة الفضاء الإماراتيون صالح العامري وعبد الله الحمادي ضمن «سيريوس21» الروسي، وانطلقت 4 نوفمبر 2021، تعد بداية لسلسلة قادمة من هذا المشروع المتواصل.
وتابع: سيتم توفير البنية المؤهلة التي يحتاجها الباحثون الإماراتيون، لتطوير أبحاثهم ذات الصلة بقطاع الفضاء وإفادة الطلبة والمتخصصين بالدولة، مؤكداً أن نتائج ذلك ستكون كبيرة جداً وإيجابية لتعزيز النجاحات المتواصلة لمشروعات الإمارات مجال استكشاف الفضاء، وتحقيق حلمنا بأن نكون في طليعة الدول في هذا القطاع النوعي والمعرفي المهم.
وبين أن مهمة الإمارات لمحاكاة الفضاء، تشكل محوراً جوهرياً في تحقيق الرؤية الطموحة للدولة في هذا القطاع الحيوي، وصولاً إلى مئوية الإمارات، وبناء اقتصاد المعرفة في مجتمع المستقبل الذكي، القائم على الابتكار والتكنولوجيا والبحث العلمي.
تعزيز برنامج المريخ 2117
أكد عدنان الريس، مدير مشروع المريخ 2117: «نفتخر في دولة الإمارات، ومركز محمد بن راشد للفضاء بكوننا جزءًا من هذه المهمة العالمية كما نهنئ الطاقم ونشكره على جهوده، حيث واجه التحديات التي رافقت العزلة، بما في ذلك التواصل المحدود مع العائلة والأصدقاء»، مبيناً أن الطابع العالمي لبرنامج البحث العلمي الدولي في المحطة الأرضية الفريدة «سيريوس 21» بالغ الأهمية لأنه يمكن العلماء من جميع أنحاء العالم من توحيد جهودهم لدعم مسيرة استكشاف الفضاء.
وقال الريس: تتسم مهمة محاكاة الحياة في الفضاء بأهميتها البالغة، نظراً لتأثيرها الإيجابي في دراسة حيثيات الحفاظ على سلامة رواد الفضاء وصحتهم خلال رحلات استكشاف الفضاء طويلة المدى»، مؤكداً أن هذه المهمة لها دور محوري في فهم العلوم الأساسية لهذه المهمات، كما ستزودنا المشاركة بالبيانات الضرورية الكفيلة بمساعدتنا على خوض مزيد من مهام اكتشاف الفضاء الطموحة بما فيها برنامج المريخ 2117.
وأضاف الريس: ساهمت مشاركة الإمارات في مهمة سيريوس في تطوير الإمكانات الإماراتية وستسهم في تعزيز برنامج المريخ 2117، الذي يهدف إلى إنشاء مستوطنات بشرية على المريخ بحلول عام 2117.
وقال: تعد سلسلة «سيريوس» مهمة دولية تجري في المجمع التجريبي الأرضي في معهد الأبحاث الطبية والحيوية التابع لأكاديمية العلوم الروسية في موسكو، وتهدف المهمة بشكل رئيسي إلى دراسة آثار العزلة على الجسم البشري وصحته، كما تعتبر مهمة محاكاة الحياة في الفضاء جزءاً من استراتيجية استكشاف الفضاء التي أدرجتها وكالة ناسا ضمن برنامج البحوث البشرية.
وتابع: ركز برنامج «سيريوس» على تشكيل طاقم من مختلف الخلفيات الثقافية وقادر على إنجاز المهمات المستدامة المحتملة إلى المريخ أو أي من أنشطة استكشاف الفضاء، برغم اختلافاتهم وخلفياتهم الثقافية المتنوعة، وتُعد هذه المهمات جزءاً أساسياً من جهود فهم استجابة أجسادنا لحالات العُزلة وتداعياتها على أجسادنا وعلى جميع الأشخاص المتواجدين ضمن المكان المغلق.
وأضاف: تعد أحد المواضيع البحثية التي تم انتقاؤها للمهمة من جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية، حيث ركز على آثار التعرض طويل الأمد لبيئات محاكاة الحياة في الفضاء على تغير حالة القلب والأوعية الدموية وتفاعلات القلب الوضعية.. بينما اقترح الموضوع البحثي المُقدم من جامعة الشارقة دراسة تحديد آثار الإجهاد الناجم عن العزلة على وظيفة الدورة الدموية والعضلات الهيكلية لدى أعضاء الطاقم خلال المهمة مع قياس المعالم السريرية والجينومية والنسخية والبروتيومية، كما اشتملت قائمة المواضيع البحثية المُقدمة لأغراض المهمة على بحث تقدمت به الجامعة الأميركية في الشارقة حول تخفيف الإجهاد النفسي في فترات العزلة والبيئات المغلقة، بينما اقترحت جامعة الإمارات العربية المتحدة بحثاً حول التحديات النفسية التي تطرحها العزلة أثناء رحلات الإنسان إلى الفضاء: دور الديناميكيات التحفيزية والتدريب المتقطع المكثف كإجراء لمنع فقدان كثافة العظام ومقاومة الأنسولين في بيئة الفضاء.
تجارب
قالت شيخة الفلاسي مدير الفريق العلمي لمشروع مهمة محاكاة الفضاء إنه بعد أسبوعين ستبدأ مرحلة الدراسات العلمية للتجارب التي نفذها صالح العامري، موضحة أن مركز محمد بن راشد للفضاء سينشئ شبكة معلوماتية، تضم كل الدراسات العلمية المتخصصة لعلماء المنطقة، بهدف تعزيز التبادل المعرفي مع الباحثين الإماراتيين.
وبينت أن هناك 4 باحثين من الفريق العلمي لمهمة المحاكاة، سيتولون تقييم وتحليل نتائج التجارب، خاصة أن فترة ما بعد المهمة بنفس قدر، أو حتى أهم من المهمة ذاتها، وذلك لتوفير بيانات علمية جديدة، تبحث في آثار العزل على رواد الفضاء ومن ثم التجهيز لرحلات استكشاف فضاء مستقبلية مأهولة وغير مأهولة.
وأوضحت أن مخرجات الدراسات والتجارب العلمية التي نفذها رائد محاكاة الفضاء صالح العامري، برفقة زملائه من فريق مهمة ضمن برنامج البحث العلمي الدولي في المحطة الأرضية «سيريوس21» في روسيا، لن تنتهي بمجرد خروجهم من العزل الذي استمر 8 أشهر، وأنه سيتم البدء بمراجعة وتحليل المعلومات والبيانات التي تم التوصل إليها من خلال فريق علمي، مبينة أنه سيقوم كل فريق من المشاركين في المهمة، بدراسة المعلومات، وهم تقريباً 10 باحثين، فيما يضم الفريق العلمي من مركز محمد بن راشد للفضاء 4 باحثين.
دراسات
قالت: إن الدراسات والتجارب العلمية الخاصة بالمهمة تتم دراستها من خلال 3 مراحل، تشمل الأولى قبل بدء المهمة ثم خلالها، وصولاً للمرحلة الثالثة والتي ستكون عقب خروج الفريق المشارك بأسبوعين، مشيرة إلى أن هذه الاستنتاجات والبيانات، التي سيتم الحصول عليها ستشكل نقلة علمية في عالم الفضاء والمهمات المستقبلية، كما ستمنحنا المعرفة والإجابات اللازمة الخاصة بأسئلة كثيرة لاستكشاف الفضاء الخارجي، ومن أهم هذه الدراسات ما يتعلق منها بآثار العزلة على جسم الإنسان من كل النواحي، حيث تعد المهمة جزءاً من استراتيجية استكشاف الفضاء، فيما تعتبر تجارب المحاكاة، سلسلة من الاختبارات الميدانية، التي يتم إجراؤها قبل إطلاق البعثات الفضائية.
وأكدت أن البحوث والدراسات التي قام بها فريق المهمة الإماراتي صالح العامري وزميله عبدالله الحمادي الذي تواجد ضمن فريق المتابعة، مردودها ليس محصوراً فقط للإمارات، ولكن للمجتمع العلمي العالمي، ولذلك شارك فريقان، روسي وأميركي في هذه المهمة، مؤكدة أن هدفهم الأساسي هو دعم الكوادر الوطنية والعلمية في الدولة، وتطوير كفاءات جامعاتنا وعلمائنا، الذين وصولوا لمرحلة متقدمة في الدراسات البحثية في كافة المساقات، ومن بينها الطبية والتي يمكن أن تضاهي وتنافس الدراسات العالمية.
وأوضحت الفلاسي أن مركز محمد بن راشد للفضاء، سينشئ شبكة معلوماتية تجمع كل الدراسات والتجارب البحثية، فضلاً عن العلماء المتميزين في تخصصاتهم بالمنطقة، بهدف دعمهم ونشر مجهوداتهم البحثية، ولكي يدعموا الباحثين الإماراتيين من خلال تعزيز التواصل بهدف زيادة الخبرات، وبناء العلاقات العلمية التي تؤسس لانطلاقة معرفية كبيرة، تفيد الجميع وتعزز المسيرة العلمية.