آمنة الكتبي (دبي)
تسجل دولة الإمارات في يوليو المقبل إنجازاً جديداً وحدثاً تاريخياً يفخر به العرب ويسجله التاريخ، إيذاناً بلحظة حاسمة بعد مشاركة صالح العامري أول رائد محاكاة عربي إماراتي الجنسية، في مهمة محاكاة الفضاء «سيريوس 21»، الذي استمر لمدة 8 أشهر في بيئة معزولة كلياً عن العالم الخارجي، وجرى تنفيذه في موسكو، حيث أكمل صالح العامري 226 يوما ضمن أول مهمة إماراتية لمحاكاة الحياة في الفضاء.
وتعد مهمات محاكاة الفضاء تجارب محورية تضع أسساً لتصميم وتنفيذ مهام فضائية مستقبلية، فيما ترسم خريطة طريق لاستكشاف المريخ والكواكب الأخرى.
وقال الدكتور فاروق الباز، عالم الفضاء والجيولوجيا، رئيس مركز الاستشعار عن بُعد في جامعة بوسطن إن وجود رائد محاكاة فضاء إماراتي في مهمة «سيريوس 21» أمر بالغ الأهمية، موضحاً أنه يعد فخراً للشباب العربي، وإن دولة الإمارات تقود المهمات الفضائية العربية.
وأوضح الباز أن الإمارات خلال مسيرتها لتطوير قطاع الفضاء عملت على تأهيل كوادر وطنية وفق أرقى المهارات والخبرات العالمية، من أجل العمل في هذا القطاع بكفاءة عالية، وكعادتها تقود نهضة جديدة في عالمنا العربي علمياً وتكنولوجياً، فيما يقوم على ذلك الشباب الإماراتي المتميز بقدراته الكبيرة، حيث أثبتها نجاح المشروعات السابقة التي عمل عليها في قطاع الفضاء.
وقال الدكتور علاء النهري نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم وتكنولوجيا الفضاء - الأمم المتحدة، أقدمت دولة الإمارات خلال السنوات القليلة الماضية على بدء برامجها الهادفة لاستكشاف كواكب قريبة من الأرض، كالمريخ وحزام الكويكبات بين المريخ والمشترى، ومن أهم تلك البرامج مشروع الإمارات لمحاكاة الفضاء، حيث تهتم المهمة رقم 1 من المشروع بدراسة آثار العزلة على الإنسان من الناحية السيكولوجية والفسيولوجية وعلى ديناميكيات الفريق بهدف المساعدة في التحضير لمهام استكشاف الفضاء طويلة المدى، وتأتي مهمة سيريوس لمحاكاة الفضاء استمراراً لرؤية الدولة لتطوير اقتصادها المبني على المعرفة، المهمة بدأت في 4 نوفمبر 2021 ومن المقرر أن تنتهي المهمة، التي تستمر لـ240 يوماً، في الرابع من يوليو 2022.
وأضاف:«شاركت الإمارات باثنين من رواد الفضاء، صالح العامري كمرشح أساسي وعبد الله الحمادي كمرشح احتياطي، في أول مهمة إماراتية لمحاكاة الفضاء في المجمع التجريبي الأرضي بمعهد الأبحاث الطبية والحيوية التابع لأكاديمية العلوم الروسية في موسكو لمدة 8 أشهر فى الفضاء، في أول مهمة إماراتية لمحاكاة الحياة في الفضاء ضمن برنامج «سيريوس 21»، وقد وقع الاختيار في هذه المهمة على رائد الفضاء صالح العامري، إلى جانب أوليغ بلينوف وفيكتوريا كيريتشينكو وإيكاترينا كراياكينا من روسيا، وويليام براون وآشلي كوالسكي من الولايات المتحدة الأميركية، حيث قام «الطاقم رقم 1» طوال المهمة بإجراء 71 بحثاً وتجربة، بينها 5 تجارب إماراتية من 4 جامعات في الدولة، وذلك في المجمع التجريبي الأرضي في معهد الأبحاث الطبية والحيوية في أكاديمية العلوم الروسية في العاصمة موسكو، حيث جرى تكليف الرواد المشاركين في «سيريوس 21» بمهام معينة، يتعين عليهم القيام بها من دون أي اتصال بالعالم الخارجي، على نحو يحاكي الرحلات الفضائية الطويلة تماماً.
وأوضح النهري أن مهمة محاكاة الفضاء تخدم المجتمع العلمي في حل المشاكل المعقدة التي تحدث في الفضاء الخارجي بعيداً عن الغلاف الجوى للأرض، مما يساعد عمليات التكامل في الوقت اللحظي والتصور الواقعي للأنظمة وتحسين أنظمة واقعية تستخدم في المركبات الفضائية لدرء المخاطر التي يمكن أن تحدث بعيداً عن الأرض، واتخاذ قرارات استراتيجية مستدامة والتي تمكن البشرية من دراسة الأحداث والمواقف والفرضيات دون مخاطر عالية وذات فاعلية من حيث التكلفة، كما تمكن رواد الفضاء من محاكاة أنظمه معقده وتجربتها على الأرض.
وحول أهمية مشاركة الإمارات ممثلة للعرب في تلك الأنشطة، قال النهري: إن دولة الإمارات غيرت نظرة العالم واحترامه للعقلية العربية، عندما شرعت في إنشاء وكالة الفضاء الإماراتية ومشاركة الدول المتقدمة في اقتحام الفضاء السحيق، من خلال مسبار الأمل لدراسه الكوكب الأحمر كخامس دولة على مستوى العالم تصل إليه، لافتاً إلى أن المشاركة تهدف إلى تنمية الكوادر البشرية ودعم القطاع الفضائي في الدولة، وبالتعاون مع وكالات الفضاء العالمية وعلى الأخص وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» والأوروبية «ايسا» والروسية «روسكوزموس»، وإحياء الأمجاد العربية من خلال تقديم برامج فضائية تدريبية وبحثية لكل مواطني الدول العربية للنهوض ببرامج الفضاء بها وإحياءً للأمجاد العربية والتي تحققت النهضة فيها في بغداد، من خلال تبنى إنشاء أول قمر صناعي عربي «القمر 813» وهو تاريخ بداية ازدهار بيت الحكمة في بغداد في عهد المأمون، البيت الذي جمع العلماء وترجم المعارف وأطلق الطاقات العلمية لأبناء المنطقة، كما تهدف إلى تبادل الخبرات والآراء والأفكار والمعلومات مع المشاركين من مختلف دول العالم.
وقال الدكتور محمد العسيري الرئيس التنفيذي للهيئة الوطنية لعلوم الفضاء في مملكة البحرين: إن مهام محاكاة الفضاء بشكل عام أصبحت مكوناً رئيسياً في برامج تأهيل رواد الفضاء سواء الفعليون أو المستقبليون، ومصدراً خصباً للمعلومات للباحثين والمختصين في شتى مجالات علوم الفضاء وما يتصل بها من مجالات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، برنامج «سيريوس 21» على وجه التحديد أصبح من البرامج التي يشار إليها بالبنان في عالم الفضاء، فما يوفره هذا البرنامج من إمكانيات كبيرة تجعله من أفضل برامج المحاكاة على مستوى العالم، كما أن ما يقدمه البرنامج من معلومات ساهمت في تكوين فهم أفضل للظروف البيئية التي سيتواجد فيها الرواد خلال المهام الحقيقة، مما ساعد المهندسين والأطباء والعلماء من مختلف التخصصات على تطوير الكثير من الخطط والمنتجات والتعليمات لتتلاءم مع الظروف البيئية الحقيقية للمهمات الفضائية المستقبلية.
وأضاف العسيري: نؤكد فخرنا واعتزازنا باختيار ابن الخليج العربي صالح العامري للمشاركة في هذا البرنامج ومتطلعون لتهنئته على إتمامه بنجاح مشاركته خلال الأسابيع المقبلة، بهذه المشاركة نستطيع أن نقول إنه أصبح لدينا خبير عربي في مجال تنفيذ برامج المحاكاة من هذا النوع، وهذا أمر مهم، حيث من الممكن استغلال هذه الخبرات في بناء برامج محاكاة عربية تكون موزعة على مراحل تتناسب وعمر وخبرات المشاركين، حتى نصل تدريجياً لمرحلة يكون لدينا برنامج احترافي عربي يدعم الجهود الدولية لتأهيل أجيال من الرواد المستقبليين، بما يضمن استدامة البرامج الفضائية ذات الصلة ويؤكد وجود العرب في ميدان الفضاء.
وأضاف: من الضروري أن تعمم الاستفادة من مشاركة صالح العامري، عبر تنفيذ محاضرات توعوية وحصر الدروس المستفادة من المشاركة التي وبلا شك ستثرى من خلال الربط بين بيئة المحاكاة وتعاليمنا الإسلامية وعاداتنا العربية الأصيلة.
وأضاف: ينتج عن مثل هذه المهام الكثير من المعلومات التي يستفاد منها في تنفيذ الأبحاث المتنوعة التي تعنى بالصحة الجسدية والنفسية لرواد الفضاء، بالإضافة لمراجعة وتصميم الكثير من التصاميم الهندسية والبرمجيات المتعلقة بأنظمة الإطلاق إلى الفضاء والالتحام والعودة وغيرها الكثير، موضحاً أن الاستثمارات الضخمة في برامج المحاكاة وضعت لغرض تطوير مهمات الفضاء الفعلية وحماية رواد الفضاء من أية آثار جانبية قد تؤثر عليهم صحياً أو نفسياً، بما يضمن استدامة المهام الفضائية وتحقيق أقصى استفادة من الأطقم الفضائية البشرية مع المحافظة على سلامتهم. وقال العسيري: «بلا شك، إن المشاركة العربية في هذه المهمة الدولية أو أية مهام دولية فضائية أخرى يعد أمر بالغ الأهمية، فجميعنا نشهد الجهود العربية لارتياد الفضاء والتي تقودها بكل اقتدار دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة منذ ما يزيد على العقد من الزمن عبر الكثير من الإنجازات المبهرة والتي توجت بمسبار الأمل.
وتابع: كما وتستمر هذه الجهود من خلال الإعلان عن مهام فضائية جديدة وتجهيز مجموعات من رواد الفضاء ومن بينهم أول امرأة عربية مسلمة، كل ذلك يتوجب معه تحرك عربي لمواكبة التطور العلمي العالمي، خصوصاً أن قطاع الفضاء قطاع حيوي ديناميكي يمتاز باستيعابه للكثير من العلوم، مما يجعله بيئة خصبة للارتقاء العلمي والفكري ولتبادل المعارف المختلفة ويدعم التطور والتنمية المستدامة ويعزز من السلام العالمي.
المستقبل
أكد غالب فاعور مدير المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، أن محاكاة الفضاء أمر ضروري جداً وذلك قبل إطلاق أي مهمة نحو الفضاء لتفادي الأضرار وحماية حياة رواد الفضاء، موضحاً أن التقنيات الحديثة بالإضافة إلى المعلومات التي تم تجميعها من المهمات السابقة، تسمح بخلق ظروف مشابهة لطبيعة الأهداف المطلوب استكشافها، كما إن معظم الأجهزة الاستشعارية التي يتم استخدامها لتصوير الأرض أو استكشاف الكواكب الأخرى يتم تجربتها في ظروف مشابهة وقصوى.
وأضاف: إن دولة الإمارات لديها استراتيجية متكاملة في مجال الفضاء وهي تسعى لتطوير تكنولوجيا الفضاء والاستفادة منها في المستقبل، موضحاً أن مشاركة الإمارات أمر طبيعي لأنها تقود مشاريع رائدة في مجال الفضاء.
مهمة «سيريوس21»
تتسم مهمة «سيريوس21» بأهميتها البالغة، نظراً لتأثيرها الإيجابي في دراسة حيثيات الحفاظ على سلامة رواد الفضاء وصحتهم خلال رحلات استكشاف الفضاء طويلة المدى، كما تتمحور المهمة حول المحاكاة على دراسة آثار العزلة على الإنسان من الناحية النفسية والفيزيولوجية وعلى ديناميكيات الفريق بهدف المساعدة في التحضير لمهام استكشاف الفضاء طويلة المدى، ودراسة تحديد آثار الإجهاد الناجم عن الحبس والعزلة على الدورة الدموية ووظيفة العضلات والهيكل العظمي لأفراد الطاقم، في أثناء مهمة قياس المؤشرات السريرية والجينومية والنسخية والبروتيومية.
وتستخدم بعثات مهمة «سيريوس21» لإجراء البحوث لإبلاغ الاتجاه المستقبلي للاستكشاف البشري للنظام الشمسي، يدعم المشاركون في المهمة التناظرية أهداف «ناسا» من خلال المشاركة في البحث العلمي ذي الصلة والقيم.
البرنامج
يشترك برنامج الأبحاث البشرية التابع لناسا مع المعهد الروسي للمشاكل الطبية الحيوية والمجمع التجريبي الأرضي (NEK) لإجراء سلسلة من المهام التناظرية المشار إليها باسم «SIRIUS» (البحث العلمي الدولي في محطة أرضية فريدة) في موسكو، روسيا ويستخدم كنظير للعزل والحبس والظروف البعيدة في سيناريوهات الاستكشاف، قد تستمر هذه المهام المحاكاة في أي مكان من أشهر إلى سنة واحدة بناءً على دراسات محددة، كما تبحث ناسا عن مواضيع صحية للتعرف على الآثار الفسيولوجية والنفسية للعزلة والحبس على البشر للمساعدة في الاستعداد للمهمات إلى القمر وإلى المريخ.